بسم الله الرحمن الرحيم
المحاكمات السرية تعتيم على أسباب الاحتقان لتجاهل العلاج السياسي: الالتزام بشروط البيعه على الكتاب و السنه: العدل و الشورى و حقوق الانسان
التاريخ:// حرر يوم الجمعه 14/04/1430 الموافق(10/04/2009)
المرفقات: / مذكرة:" المحاكمات السرية ظالمة باطلة لخمسة وعشرين سببا"
خادم الحرمين الشريفين وفقنا الله وإياكم إلى طريق العدل والحق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد تناقلت وسائل الإعلام أن ثمة محاكمات يجريها القضاء السعودي لمئات من المتهمين بالعنف(991 متهماً)، وقد أنشئت لذلك محاكم أمنية، وأن عدد من سيقدمون للمحاكمة يعدون بالمئات، وكان من المتوقع أن يعلن عن مواعيد المحاكمات، وأسماء القضاة، وأن تعلن أسماء المتهمين ولوائح الاتهام، بيد أن المحاكمات بدأت، وشرع القضاة يجرونها في سرية مطلقة مطبقة، ولعلهم يتذرعون بأن تقرير سرية المحاكمة من حقهم، وأن سرية المحاكمة لا تضر بقضية العدالة، ولم نكد نجد أحدا يثير هذه المسألة، وكأن المتهمين بالعنف أو بالجريمة أو بالتطرف قوما من دون حقوق، ولا يدافع عنهم إلا من يؤيدهم، أو من هو على مذهبهم. ومن أجل ذلك فلا بأس من حرمانهم من حقوقهم،شروط المحاكمة العادلة، التي كفلتها الشريعة الإسلامية، ونص عليها نظام الإجراءات الجزائية، وصار من يطالب بحقوقهم بمحاكمات عادلة، أو يتوكل محاميا عنهم؛ متهما في حسه الوطني وفي صدق ولائه.
ومن أجل ذلك نود أن نؤكد أنه "يجب أن تكون المحاكمة علانية، وكل محاكمة سرية -في الخصومة بين الأفراد والحكومة- فهي غير عادلة، وهي إذن باطلة إلا إذا تراضى الخصمان على تجنب العلانية"، ومن أجل ذلك نذكر بأن العنف لا يحارب بمزيد من الظلم؛ إنما يعالح بتطبيق الإجراءات والضوابط القضائية :
و نذكر بأن للمحاكمات العادلة معايير وضوابط وضمانات تحقق العدل وتصون الحقوق، وثمة أكثر من عشرين سببا تبرهن على دعوانا، وأهمها: أن هذه المحاكمات –كما أخلت بمبدأ العلانية- أخلت أيضا بالحقوق السبعة، العادلة، التي كفلتها الشريعة الإسلامية،وأقرتها المواثيق الدولية، لاستقلال القضاء وحقوق الإنسان، ونص عليها نظام الإجراءات الجزائية، وهي:
1- حق كل سجين استظهارا في توكيل محام ،لا يصح التحقيق من دون حضوره.
2- حق كل سجين استظهارا في أن يتولى التحقيق معه، قاض طبيعي، ذو أهلية شخصية وموضوعية.
3- وحق كل سجين استظهارا في محام يعينه أثناء محاكمته.
4-حق كل سجين استظهارا في إطلاق سراحه فورا، مالم يقدم إلى القضاء خلال ستة أشهر من إيقافه.
5- ضمان أن لا يكون اعترافه تحت التعذيب
6- لا عقوبة على الشبهة، بل يفسر الشك لصالح المتهم.
7= حقه في محاكمة علنية عادلة.
وعلانية المحاكمات معيار من المعايير الدولية لاستقلال القضاء، لأن العلانية تعين القضاة العادلين على مقاومة الضغوط والتعسف وتكشف الجائرين.
ولأن للمتهم السياسي على الخصوص زيادة حقوق لا زيادة تعذيب وتضييق،ولأن العلانية أهم قاعدة تحمي المتهم؛ عندما تكون الحكومة خصيمه
ولأن القضاء السعودي لا ينبثق من قاعدة قوامة الأمة على حكامها، ولأنه ليس سلطة مستقلة حتى الآن.
ولأن القضاء السعودي من دون قواعد قضائية محددة في القضايا السياسية.
ولأن القضاء السعودي ينتهك حقوق الإنسان و يفترس دعاتها.
ولأن المحاكمات السرية مدخل لانتهاك حقوق المساجين، وللتستر على التعذيب.
ولأنه لا ضمان لخلو الاعتراف من الإكراه في المحاكمات السرية.
ولأن تبعية هيئة الادعاء والتحقيق لوزير الداخلية إعلانا للعالم بأن القضاء السعودي غير نزيه ولا عادل؟
ولأن القضاء السعودي يجيز التعذيب أو يدلس فيه، ولأن المحاكمات السرية تؤدي إلى التستر على مصادقة القضاء على إقرارات الإكراه. و لأن العدالة معنى كلي فإذا جزئت اختلت
ولأنه لا تضمن العدالة مادام القضاء لا يشرف على السجون:
ولأن العلانية تحد من تلفيق التهم الجنائية جزافا.
ولتحكم وزارة الداخلية في التعامل بالمتهم فإن شاءت قاضته أو تركته في السجن من دون حكم.
ولأن المحاكمات السرية –فوق كونها تخل بمبدأ الرقابة الشعبية-تجهيل الناس بأسباب العنف، وهي الاحتقان السياسي، من أجل الاكتفاء بالحل البوليسي واستبعاد العلاج السياسي.
وأي واحدة من هذه الحيثيات تبرهن على أنه ليس للقاضي تحويل المحاكمة السياسية إلى سرية.
وتشير إلى إن القضاء السعودي حين ينخرط في مشروع وأد حقوق الإنسان يشوه صورة القضاء الإسلامي ويشوه الشريعة. فيقدم مزيدا من الفرص لانتشار الإمبريالية والعلمانية.
وبرفق هذا الخطاب مذكرة تحتوي على تأصيل قانوني شرعي،لحيثيات بطلان المحاكمات السياسية السرية.
توصيات ومطالب:
أولا: نناشد خادم الحرمين الشريفين- وفقنا الله وإياه -أن يشفع قولته،بأنه سيضرب هامة الظلم بسيف العدل،بإجراءات عملية مؤسسية تضمن محاكمة عادلة لأي متهم موقوف، ولا سيما الشروط السبعة، التي ذكرناها آنفا. والتزام الدولة بمسطرة شرعية محددة للمبادئ و الوسائل الشرعية والعملية التي قررها الفقهاء والقانونيون في الدول الدستورية، وعلماء الاجتماع السياسي لتحديد مفهوم الجريمة السياسية، وأحوال الخروج على الدولة بالسلاح، والتزام إجراءات عدلية واقعية للتجريم
ثانيا: ومن أجل ذلك نناشد خادم الحرمين الشريفين أن يتذكر أن ثمة علاقة طردية بين التطرف والعنف الرسمي والأهلي، وأن دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي في داخل المملكه و خارجها؛ إذ يرفضون العنف وسيلة للاحتفاظ بالحكم أو الوصول إليه، يؤكدون أمرين:
الأول: أن سبب العنف الأساسي إنما هو سياسي؛ هو الاستبداد والظلم وانتهاك حقوق الإنسان، وكبت الحريات. وإن توسل وتلبس بخطاب ديني، قوامه التطرف(الغلو في التكفير والتبديع والتفسيق) والعنف، وهذا النمط من الفكر والعمل؛ لاينمو إلا في الدول القمعية.
الثاني:إن تأكيد موقعي الخطاب على رفض العنف والتطرف، لا يعني أن العنف والتطرف سيزولان بالفتاوي، لأن المجتمع إذا بلغ حالة الاستياء(الأنوميا)، فإن الغليان والاحتقان كالبركان، لا يحتاج إلى من يفتيه بالثوران، لأنه ناتج عن الاحتقان، ومن السذاجة والتبسيط، إن لم يكن من تزييف الوعي، أن نتصور أن العنف سينحسر، مادامت الدولة لا تجتث جذوره: القمع والظلم وانتهاك الحريات، فلا يمكن أن يزول العنف من دون اجتثاث جذوره، ولن ينسحب البساط من تحت أقدام العنف، إلا بالدستور والمجتمع المدني الإسلامي، طريقا وحيدا إلى دولة العدل والشورى وحقوق الإنسان. ومن أجل ذلك نذكر بحكمة من سنن الله السياسية، نطق بها الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي إن "أي دولة تجعل التغيير السلمي مستحيلا، تجعل التغيير الثوري حتميا".
ومن أجل أن نذكر بأن انفراد الحل الأمني بملف العنف ينطوي على تجاهل مكونات وملونات العنف ، ونذكر بأن تضخيم الحل الأمني-من دون حل سياسي -تزييف لوعي الأمة، ومعالجة للداء بمثله.
ثالثا: ومن أجل ذلك نذكر بأن الإصلاح السياسي؛ هو العلاج الأساسي للتطرف والعنف ونتطلع إلى ما طالب به دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي (الدولة السعودية الرابعة) دولة العدل والشورى وحقوق الإنسان (أي الملكية الدستورية). ونناشد خادم الحرمين الشريفين- وفقنا الله وإياه -أن يشفع قولته،بأنه سيضرب هامة الظلم بسيف العدل،بإجراءات عملية مؤسسية، ترسخ العدل والشورى والكرامة والمساواة والتسامح والتعددية والمواطنة. فنطالب بإصلاحات دستورية، من أهمها:
1-تحقيق عشرينية معايير استقلال القضاء، التي نادى بها دعاة العدل والشورى وحقوق الإنسان، ولا سيما ضمان الشروط السبعة لأي محاكمة، ولا سيما مبدأ العلانية، فالمحاكمة العلنية هي القانون الفعال الذي يحد من العنف والعنف المضاد وهما وجهان لعملة واحدة.
2- السماح بتكوين جمعيات ونقابات وتجمعات، اجتماعية وثقافية واقتصادية وعلمية وحقوقية وسياسية ، وهذا يتطلب الإسراع بإصدار نظام فعال للجمعيات الأهلية. لأنها أهم معالم الاصلاح المؤسسي كما شرح دعاة الدستور و المجتمع المدني الاسلامي سابقا.
3-إن التأكيد على مبدأ التسامح الإسلامي والمساواة وتكافؤ الفرص هو الذي يعالج التطرف، ولا يرسخ مبدأ التسامح إلا بترسيخ مبدأ التعددية، سياسية واجتماعية وفكرية.
4-وبإنشاء مجلس نواب منتخب، يجسد فوامة الأمة على الحكومة.
5-وبإنشاء هيئات رقابية ومحاسبية، لا تستثني أي موظف.
6-بالفصل بين السلطات،التنفيذية والتشريعية والقضائية.
7-.كما نطالب بإضافة فقرة مهمة إلى نظام هيئة البيعة، تنص على أن يشترك مجلس النواب المنتخب فيها.
ومن فوائد هذا الإجراء:
أ-ضبط التنافس، وسد منافذ التصارع الخفي والعلني معا.
ب-تجسيد مبدأ الشرعية والمشروعية معا، لكي يكون ثمة مفهوم واقعي عملي لصيغة بيعة الرضا والاختيار.
ج-الجمع بين اختيار العائلة الحاكمة واختيار الشعب؛ يشيع الاستقرار والاستمرار، لأن إشراك الشعب يصب في التحول الى حكومة المجتمع المدني؛ و إبعاده يرسخ حكومة المجتمع العشائري و القبلي، وبإشراك الشعب ينصب اهتمام المتنافسين على تلمس احتياج المواطنين، وإلى تمتين العلاقة مع الشعب.
د-تنفيذ مبدأ الأصلح الوارد في نظام الحكم، بمعايير محددة، وآلية عملية، لكي لا يصبح المبدأ حبرا على ورق.
8- ونطالب بالحد من تولية الأمراء في المناصب الحكومية، وبوضع آليات تكفل أيضا عدم سيطرة بعضهم - المباشرة وغير المباشرة- على مفاصل الاقتصاد،ولا سيما المناقصات والمشاريع الحكومية، ونطالب بسن تشريعات تضمن تكافؤ الفرص والشفافية والمراقبة والمحاسبة.
9- كما نطالب بأن يكون رئيس الوزراء من عموم الناس، لتسهل إجراءات المحاسبة، وتجسيد مبدأ تداول السلطة،كما حصل في عهد الملك سعود و كما في المغرب والأردن
10-ونطالب بإصدار مدونة دستورية تقرر حقوق الناس أفرادا وجماعات، ولا سيما الحقوق السياسية ، وحقهم في التظاهر والاعتصام، تعبيرا عن مصالحهم وعواطفهم، وتيسر نيلها بآليات وضمانات.
رابعا: نناشد خادم الحرمين الشريفين- وفقنا الله وإياه- بأن يسمح لدعاة حقوق الإنسان، بالاطلاع على أحوال السجون،-بدلا من سجن وتعذيب دعاة حقوق الإنسان الذين يسعون الى كشف انتهاكاتها كالدكتور متروك الفالح ,وأن ينشئ لجنة مستقلة لفتح ملف حقوق الإنسان والمتهم والسجين، وتحقق في الدعاوى والشكاوى، التي أشارت إليها بيانات وتقارير، آخرها بيان معتصمات القصيم، لتعويض الضحايا وإحالة المتهمين بالانتهاكات إلى القضاء، في إجراءات تتسم بالشفافية والعلانية.
خامسا: نقول للقضاة- وفقنا الله وإياكم - اتقوا الله في أنفسكم، كيف ترضون بالمحاكمات السرية، وقد عرفتم ما بنيت عليه وما تفضي إليه؟. أليس بإمكانكم أن تقفوا ضد انتهاك معايير القضاء النزيه، كما وقف قضاة باكستان، ومن قبلهم قضاة فرنسا، ويوغسلافيا، وكما وقف الأئمة مالك والعز بن عبد السلام والسرخسي الخ...ونطالبهم بالالتزام بالضوابط الشرعية، التي قررها الفقهاء لأحوال الخروج المسلح على الحكومة، ونتساءل:ما الذي تخشونه من العلانية؟. ، ألم يصدر القضاء أحكاما قاسية على دعاة الدستور و المجتمع المدني في محاكمات شبه علنية، فلماذا تخشون العلانية في محاكمات المتهمين بالعنف؟.
سادسا: نحيي و نشكر الجمعية الوطنية لحقوق الانسان في تقريرها الثاني الذي لامس إستقلال القضاء و ندعو هيئة حقوق الانسان ( الحكومية) الى تفعيل دورها. كما نناشد جميع المهتمين بالإصلاح من جميع التيارات، ودعاة حقوق الإنسان والمحتسبين، والمحامين والحقوقيين، إلى امتطاء مطية الجهاد الحقوقي المدني، من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان والمتهم والسجين أيا كان، ومطالبة الجهات المعنية بالالتزام بالمعايير العدلية للمحاكمات والإيقاف والسجن،لأي إنسان، وكشف منتهكيها، والعمل على تقديمهم لمحاكمات علنية عادلة، فهذا هو حبل النجاة من العنف والتطرف والعنف والتطرف المضاد، من أجل أن نكون خير أمة أخرجت للناس. فإن الله لا يقدس إلا أمة عادلة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وإن الله لا ينصر الأمة المسلمة مهما صلت وصامت، مالم تكن عادلة، كما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمنا الله وإياكم وإياه وصدق الله العظيم والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
سابعا: خادم الحرمين الشريفين:
مرة أخرى لكي لا تشوه وزارة الداخلية تيار شروط البيعة على الكتاب والسنة: العدل والشورى وحقوق الإنسان (الدستور والمجتمع المدني الإسلامي)، وتتهمهم بدعم العنف وتبريره، نذكر بأننا في كافة مقولاتنا وأعمالنا ملتزمون بمنهج الإصلاح السلمي.
وأننا لا نبرر الإرهاب عندما نفسر أسباب نشوئه الأساسية، وعندما ندلي بدلونا –بصفتنا شركاء في الوطن-في تقديم تصورنا للخلاص من العنف ونقول بصراحة واطمئنان:لا حل للعنف والتطرف ولا للعنف والتطرف المضاد إلا بإصلاح دستوري أولا، وإشاعة أسلوب الحوار ثانيا، ،وصدق الله العظيم "باداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله،إن الذين يضلون عن سبيل الله؛ لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب" . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الموقعون على هذا الخطاب
1. أيمن محمد الراشد من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
2. جليله أحمد العياشي مهتمة بالشأن العام
3. سعد عبدالعزيز المبارك ( في انتظار وصول توقيعه) ناشط حقوقي
4. د/ شايم لافي الهمزاني أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة الامام
5. د/ عبدالرحمن حامد الحامد أستاذ الاقتصاد الاسلامي في الكلية التقنية من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
6. د/ عبدالكريم يوسف الخضر أستاذ الفقه المقارن في جامعة القصيم من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
7. عبدالمحسن علي العياشي من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
جوال 966553644636+ email: abdalmohsen-0909@hotmail.com
Fax +96612041170
8. د/ عبدالله الحامد ( أبو بلال) أستاذ سابق في جامعة الامام من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
9. فهد عبدالعزيز العريني من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
جوال 966502566678+ email: fahadalorani@gmail.com
Fax: +96614272168
10. فوزان محسن الحربي من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
جوال +966501916774 email: fowzanm@gmail.com
11. محمد حديجان الحربي من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
جوال 507708320966+ email: mharbi100@gmail.com
12. د/ محمد فهد القحطاني أستاذ جامعي و كاتب
جوال 966555464345+ email: moh.alqahtani@gmail.com
13. محمد موسى القرني مهتم بالشأن العام
14. مها عبدالرحمن القحطاني مهتمة بالشأن العام
15. مهنا محمد الفالح من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
16. هاشم عبدالله الرفاعي من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
17. وليد سامي أبو الخير من دعاة العدل و الشورى و حقوق الانسان
جوال 966567761788 email: abualkair@gmail.com
نرجو من الاخوه الراغبين في المشاركة في التوقيع التواصل مع الداعين الموضحه أرقامهم أعلاه
مذكرة: المحاكمات السرية ظالمة و باطلة لخمسة وعشرين سببا
وهي جزء من المشكل(الاستبداد والظلم)
والمحاكمة العلانية جزء من الحل(العدل والشورى وحقوق الإنسان)
بسم الله الرحمن الرحيم
حررت يوم الجمعة 14/04/1430 الموافق(10/04/2009)
نحمد الله الذي لاإله إلا هو، الذي قام بالقسط، وألزم نفسه به، وحرم الظلم على نفسه، كما حرمه على عباده، فقال في الحديث القدسي"ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا"، ونصلي ونسلم على النبي الذي بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الذين أقاموا معالم العدل والشورى، وعلى من تبعهم في هذا الطريق إلى يوم الدين.
لقد تناقلت وسائل الإعلام أن ثمة محاكمات يجريها القضاء السعودي لمئات من المتهمين بالعنف، وقد أنشئت لذلك محاكم أمنية، وأن من سيقدمون للمحاكمة يعدون بالمئات،وكان من المتوقع أن يعلن عن مواعيد المحاكمات، وأسماء القضاة، وأن تعلن أسماء المتهمين ولوائح الاتهام، بيد أن المحاكمات بدأت، وشرع القضاة يجرونها في سرية مطلقة مطبقة، ولعلهم يتذرعون بأن تقرير سرية المحاكمة من حقهم، وأن سرية المحاكمة لا تضر بقضية العدالة، ولم نكد نجد أحدا يثير هذه المسألة، وكأن المتهمين بالعنف أو بالجريمة قوما من دون حقوق، ولا يدافع عنهم إلا من يؤيدهم، أو من هو على مذهبهم. ومن أجل ذلك فلا بأس من حرمانهم من حقوقهم،شروط المحاكمة العادلة، التي كفلتها الشريعة الإسلامية، ونص عليها نظام الإجراءات الجزائية.
1=للمحاكمات العادلة معايير وضوابط وضمانات تحقق العدل وتصون الحقوق:
ومن أجل ذلك نذكر بأن العنف لا يحارب بمزيد من الظلم؛ إنما يعالج بمزيد من العدل، بتطبيق الإجراءات والضوابط القضائية، ولا سيما الحقوق السبعة:
1- حق كل سجين استظهارا في توكيل محام ،لا يصح التحقيق من دون حضوره.
2- حق كل سجين استظهارا في أن يتولى التحقيق معه، قاض طبيعي، ذو أهلية شخصية وموضوعية.
3- وحق كل سجين استظهارا في محام يعينه أثناء محاكمته.
4-حق كل سجين استظهارا في إطلاق سراحه فورا، مالم يقدم إلى القضاء خلال ستة أشهر من إيقافه.
5- ضمان أن لا يكون اعترافه تحت التعذيب
6- لا عقوبة على الشبهة، بل يفسر الشك لصالح المتهم.
7= حقه في محاكمة علنية عادلة.
2=علانية المحاكمات معيار من المعايير الدولية لاستقلال القضاء:
إن هذه المبادئ السبعة ولا سيما عنصر العلانية شديدة الارتباط بالاستقلال والمسئولية، لأن تقديم معلومات مبهمة أو ناقصة أو غير صحيحة يفضي إلى التضليل، وإلى إضعاف الثقة بالقضاء، ولذلك فإن النزاهة والحياد والمساءلة وثقة عموم الناس بالقضاء مسائل أساسية، في معيار العلانية.
بل إن الطبيعة المغلقة لأي جهاز، فرصة للإخلال بالإدارة الجيدة. وما لم يتوغل مبدأ الشفافية في مختلف مجالات القضاء، فإن ثقافة السرية والانغلاق تحول دون تنفيذ أي مبادرة إصلاح. ولن تتعزز الثقة بالسلطة القضائية، من دون وضوح المعلومات و الاجراءات و شفافيتها.
وعلانية المحاكمة باب عظيم من أبواب سد ذرائع الفساد، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس"، وفي العلنية صيانة لهيبة القضاء والقضاة والولاة عن الشائعات،كما في الأثر:"رحم الله امرءا كف الغيبة عن نفسه".
وعلانية المحاكمة من المعايير الدولية لاستقلال القضاء، التي يقتضيها الحكم بالعدل، في الدول الدستورية(انظر: معايير استقلال القضاء الدولية، في بوتقة الشريعة الإسلامية:المعيار الرابع عشر والخامس عشر: 110-115)، وهو أهم بنود عدالة القضاء السبعة، التي أقرتها الأمم المتحدة، ووقعت عليها الدول، ومن ضمنها المملكة(انظر دليل تعزيز استقلال القضاء و نزاهته).
وقد نص نظام الإجراءات الجزائية على حق المتهم في محاكمة علنية، وهي منطلقة من قاعدة إسلامية قررها الإسلام قبل أربعة عشر قرناً، من إعلان ميثاق حقوق الإنسان، يمكن بلورتها بالعبارة التالية "العلانية أول إجراء يدل على السير في طريق عدالة المحاكمة، وكل محاكمة غير علنية فإنما هي محاكمة ظالمة غير عادلة.
3= النبي صلى الله عليه وسلم رسخ معيار العلانية في القضاء الإسلامي:
لقد سبق الإسلام النظم الدستورية الحديثة؛ إلى تقرير هذا المبدأ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقضي بين الناس في المسجد. وقد علل الفقهاء قضاء النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين في المسجد، بأن المسجد "أقرب على الناس في شهودهم" وهذا يؤكد الحرص على شهادة الناس وحضورهم، فثمة إدراك في القضاء الإسلامي لأهمية حضور الجمهور. من أجل ذلك قال مالك والحنفية والحنابلة: إن المسجد أنسب مكان يقضي فيه القاضي.
وتأكيدا لأهمية معيار علانية المحاكمة،بصفته من معايير استقلال القضاء ورفضا لكل مسارب القضاء السري؛أحرق عمر بن الخطاب، دار أمير الكوفة أبي موسى الأشعري ، لما جعلها أبوموسى مكانا للقضاء، ولو كانت علانية المحاكمات أمرا اجتهاديا للقاضي حق بتحويلها إلى سرية، لما أحرق الخليفة الدار، من أجل ذلك نص الفقهاء على وجوب أن يقضي القاضي علناً، وحددوا معيار العلانية ؛ في مكان القضاء بأربعة أمور:
1=-أن يكون في مجمع الناس.
2=-وأن يسهل على الناس الحضور والشهود.
3=ونص بعضهم على حضور الفقهاء، وأهل العلم والرأي والمشورة.
4=ولذلك كان القضاء في المسجد، واشترطوا إذا كان في مكان آخر؛ كالدار والمكتب؛ شرطين:
- أن تفتح الأبواب.
- وأن لا يكون عند الأبواب حجاب (انظر تبصرة الحكام لابن فرحون).
من خلال تقرير الإسلام مبدأ علانية الجلسات، يتبين تقرير القضاء الإسلامي مبدأ الشفافية أيضا، لأن مبدأ العلانية متصل بمبدأ الشفافية.
ولم يعرف القضاء الإسلامي طوال العصور الغرف المغلقة ولا المحاكمات السرية.فالعلانية والشفافية هما إحدى سمات القضاء العادل عبر العصور،في كل أمة وملة، فهي عرف شرعي، عرفه المسلمون قبل أربعة عشر قرنا، من كونها معياراً دوليا رئيسياً، من معايير نزاهة القضاء واستقلاله عن الحكومة.
وضع القضاء الإسلامي علانية الجلسات علامة على عدالة المحاكمة، واستقر ذلك معيارا من معايير استقلال القضاء، لأن الإعلان بيان ونور، والإخفاء مظنة الكذب والجور ، ولذلك أمر الله بإعلان كل أمر مشروع ، فأمر بإعلان الزواج، ونهى أن يكون الزواج سراً، لأن السرية مظنة الفجور، فقال تعالى ((ولكن لا تواعدوهن سراً))، وكذلك المحاكمة فإن إعلانها مظنة العدل، وإسرارها مظنة الجور والبغي كما قال الشاعر:
الستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر
4=ارتباط علانية المحاكمات برقابة الأمة على قضاتها وحكامها:
إن اشتراط حضور الجمهور جلسات القضاء، له علاقة بمبدأ قوامة الأمة على ولاتها وقضاتها، لأن الأمة في الإسلام، هي المكلفة بحفظ الشرع، لأن الأمة هي الحافظة للشريعة، لا القضاة والفقهاء والأمراء وحدهم ، كماقال الإمام بن تيمية، رحمنا الله وإياكم وإياه في الفتاوى:"الأمة هي الحافظة للشرع". فالأمة هي المرجعية لأنها معصومة في مجموعها، و لا عصمة لفرد الا النبي صلى الله عليه و سلم في تبليغ ما يوحى اليه كما نص النيسابوري والرازي في تفسيره، ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا في تفسير المنار، وسائر فقهاء السياسة الشرعية في العصر الحديث، في تفسير آيتي (أولي الأمر) في سورة النساء.
وبناء على قاعدة أن الأمة هي الحارسة للشرع ، تتأكد مشروعية حضور الناس أي محاكمة؛ من أجل الرقابة الشعبية على القضاة والأمراء، وهي قاعدة قضائية ،لا يجوز التهوين من قدرها، أسس لها الدليل القولي العام في قول النبي صلى الله عليه وسلم " الناس شهود الله في أرضه " والدليل المعنوي التطبيقي الخاص، فليست حراسة العدالة مقصورة على القضاة والولاة، لكي يقولوا لا فرق بين السرية والعلانية، أو يقال إن من صلاحيات القاضي أن يحول أي محاكمة علنية إلى سرية.
لا يستقيم مبدأ السرية في المحاكمات المتعلقة بالشأن العام للأمة، ما دامت الأمة هي الحافظة للشريعة، لا الإمام ولا القضاة ، ولا الفقهاء وحدهم، لأن مقتضى تبعة الأمة في حفظ الشريعة، أن يكون لها حق المتابعة والمراقبة، والمحاسبة؛ على وسائل تطبيق هذا المقصد الشرعي، لذلك جاء معيار الشفافية والعلانية، بصفتهما معيارا إسلاميا لعدالة القضاء ، قبل أن تقرر الدول الحديثة ذلك بأربعة عشر قرناً .
وهذا المبدأ لا يمكن إجراؤه في الدولة الإسلامية الحديثة، إلا بأمرين: الأول إعلان المحاكمات مواعيد وأمكنة المحاكمات بوسائل الإعلام.
الثاني:بفتح أبواب قاعات المحاكمات، لحضور الجمهور-علاوة على ذوي المتهم- ولا سيما أربعة أصناف من الناس:
1-المحامون. وهم ( غير المحامين عن المتهم )
2- ودعاة حقوق الإنسان.
3- والإعلاميون. فالإعلام عنصر مهم من عناصر الرقابة الشعبية، ولذلك ينعتونه في البلدان التي آمنت بمبدأ توزيع مهام الدولة بين سلطات ثلاث؛ بـ(السلطة الرابعة)، التي تحرس العدالة وتراقب القضاء
4- والمهتمون بالشأن العام.
فهؤلاء يمثلون الأمة، في ممارسة حقها، في الحراسة والرقابة، وفى الإطلاع على ما يجري في أروقة المحاكم، ومتابعة العدالة وكشف ما يحتمل حدوثه من تجاوزات.
ومنع رجال الإعلام والصحافة من الحضور، تهوين من قدر السلطة الرابعة،يؤدي إلى تجهيل الرأي العام وتضليله، كما أنه يدفع الصحفيين الذين يهمهم سرعة نشر الخبر، والرغبة في السبق، إلى نشر انطباعات غير صحيحة، تضر بسمعة العدالة عموما، والطرف الأعزل خصوصا.
إن محصلة ذلك كله، أن استبعاد الصحافة والجمهور من الحضور، مخالف لقاعدة العلانية المعروفة في الشريعة، فالسرية مظنة السوء أياً كان نوعه، هذه القاعدة إسلامية، قبل أن تجئ في المواثيق الدولية، لتنص على ضرورة أن يؤمن لكل متهم محاكمة عادلة علنية، بواسطة محكمة مختصة مستقلة حيادية (انظر الماده 14 وبنودها السبعة من وثيقة حقوق الإنسان) التي وقعت عليها المملكة؛ التي تنص على أنه "لا يجوز استبعاد الصحافة والجمهور من المحاكمة إلا لاعتبارات تتعلق بالإضرار بصالح العدالة، أو بالأسرار الزوجية".والقضاة على فضلهم، ليسوا معصومين عن الزلل،وليسوا فوق مبدأ المراقبة والمتابعة الشعبية.
وقد لا يدرك كثير من القضاة أنه لا يمكن تنفيذ مبدأ قوامة الأمة على حكامها وقضاتها، في ظلال السرية والغموض، وقد لا يدركون أنه لا يكفى أن يكونوا عادلين ومحايدين ونزهاء من وجهة نظرهم، أو من وجهة نظر السلطة القضائية ، من دون رقابة الجمهور، بل ينبغي أن يقتنع الجمهور بعدالتهم، أي أن يعتبرهم جمهور الناس عادلين، فالناس شهود الله في أرضه،كما جاء في الحديث الصحيح، ولن يتأكد الجمهور من كونهم عادلين، ماداموا يؤثرون بت القضايا في غرف مقفلة الأبواب، ومخلين بمبدأ علانية وشفافية القضاء. و لن يتأكد الجمهور من كونهم عادلين، مادام لا يراهم يطبقون الوقائع، على أسس قضائية محددة موحدة مدونة معلنة، بحيث تتجانس الأحكام إذا تجانست القضايا، من دون تذرع بالاجتهاد.
إن أول إجراء يدل على عدالة المحاكمة هو أن تكون علانية، ومن دون هذه الوسيلة لن تكون أي محاكمات عادلة، في أي معيار دولي، فضلا عن معايير النزاهة في القضاء الإسلامي، ولن تقتنع الأمة بحياد القضاة.
فلا تتحقق النزاهة في القضايا الكبرى، والتي تتصل بالشأن العام،ولا سيما في المحاكمات السياسية،إلا في محاكمة علنية، ذات إجراءات كالمسطرة، ولذلك نصت المواثيق الدولية على علنية المحاكم ، وعلى السماح للعامة بالاطلاع على القواعد القضائية وقرارات المحاكم التي هي نتيجة تطبيق الوقائع على القواعد ومعلوماتها، من ما يدل على فاعلية القضاء ويعزز احترامه.
حضور المحامين والإعلاميين والمهتمين بالشأن العام،يسهم في شيوع الأمن والعدل، باعتبارهم عيون مراقبة ومتابعة العدالة، وظيفتهم التجول داخل الأروقة، و التحديق في ما يجرى داخل الغرف المغلقة، وهم يحققون جانب (الاحتساب) في التناهي عن المنكرات، إنهم عون للقضاء لكي يسد مسارب التدخلات.الجمهور أو المجتمع الأهلي هو حامي سور العدالة، هو حامي استقلال القضاء.
لقد مضى عصر اعتبار الجماهير رعاعاً لا يفهمون، وغوغاء لا يفقهون، ودهماء لايبصرون، وسقطت أقوال بعض الفقهاء[التي تحرف الشريعة] فتقول: أن الجماهير رعاع إذا اجتمعوا ضروا , وإذا تفرقوا نفعوا، فالجماهير هم المجتمع الأهلي المدني, وهم الذين يقفون مصاد لرياح الهوى والإخلال.
5=العلانية تعين القضاة العادلين على مقاومة الضغوط والتعسف وتكشف الجائرين :
وأسلوب العلانية فعال في تعزيز استقلال القضاء، عندما يتيح القاضي للطرفين فرص الادعاء والرد، ثم يصدر أحكامه-أيضا- في جلسات علنية، بناء على أدلة تقدم –وفق قانون شرعي-، أثناء إجراءات الدعوى، ويسعى إلى تبرير وتسبيب مقنع للحكم الذي أصدره وللأساس القانوني، الذي أصدر الحكم بناء عليه (دليل استقلال القضاء:134).
فالعلانية تحد من الضغوط، وتحفز القاضي إلى إقناع من يقرأ الحكم،.وهي أيضا تعري القضاة الفاسدين، المذعنين للتدخلات، وتحمى العادلين الذين يرفضون الضغوط والهوى، وتكشف للناس مدى حياد الحكومة،وذلك يحد من ضغوط الحكومة على القضاء أيضا. وهذه الإجراءات من ما يعزز العدل.
فالجمهور هو السد الذي يكبح طغيان المياه، وهو المصدات التي تصد زمجرة الأتربة والرياح . فإن القاضي مهما ملك الإخلاص والشجاعة والإنصاف، من دون الجمهور ضعيف،
والقضاة عندما يميلون إلى السرية، -وفقنا الله وإياكم وإياهم - يعرضون عن بناء علاقة إيجابية مع الجمهور، تقنع الجمهور، بإخلاصهم للعدالة، يفتقدون عنصراً مهما جدا، في الحفاظ على استقلالهم، إذ لا يمكن أن يستقل القاضي و يأمن من التعسف في النقل والعزل، ما لم يكن الجمهور المقتنع بعدالته، حاضرا للدفاع عنه.
القضاء يستمد مبدأ استقلاله من شيئين: نظام القضاء و ضمائرالقضاة، ولكن الأنظمة يمكن تغييرها، والضمائر يمكن تضليلها وتذليلها، فما العلاج؟؟.
القاضي هو حصن المظلومين الباحثين عن الإنصاف، فمن أين يستمد الحصن حصانته؟.
يستمد حصانته –لا علمه- من الجمهور، كما قال تعالى (( ولولا رهطك لرجمناك, وما أنت علينا بعزيز)).
القاضي عز الدين بن عبد السلام، من الذي أتاح له أن يحاكم العابثين بأموال الشعب، من الذي أتاح له أن يرجع معززاً مكرما إلى سدة القضاء؟،إنه الجمهور، فالقاضي عز الدين بن عبدالسلام، لم يستردد استقلال القضاء، إلا بسور الجمهور ، لقد ضاع القضاة عندما ركنوا إلى سلطة الحكومة، وغفلوا عن أهمية الاستناد إلى سلطة الجمهور، انكمشوا وكأنهم نسوا قول عمرو بن معدى كرب:
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم نطقت ولكن الرماح أجرت
فـالقضاة السعوديون –في الجيل الماضي-أمثال ابن عتيق والخريصي ومحمد بن تركي، وابن إبراهيم وابن حميد -رحمنا الله وإياكم وإياهم- لم يسندهم إلا الجمهور، عندما ضعف جمهورهم اضطروا إلى الانكماش.القضاء لا يحمى بالأنظمة على أهميتها ولا يحمى بالضمائر على أهميتها، سوره الحقيقي هو الجمهور. والجمهور يحمي القضاة العادلين من رياح التدخلات.وأقرب شاهد اليوم؛إعادة رئيس المحكمة العليا في باكستان، الذي عزلته الحكومة، وأعاده الشعب معززا مكرما!!.
فالقضاة العادلون لا تضرهم علانية المحاكمة، بل تسهم في دفع الضغوط عنهم،وهم أكثر اطمئنانا على حصانتهم في جو المحاكمة العلانية، إنهم أكثر الكاسبين من ترسيخ قاعدة العلانية عرفا قضائيا.
إن علانية المحاكمة من أهم وسائل ضمان عدالة القضاء ونزاهته، إن لم تكن أهمها، إنها تأمين مهم لاستقلال القضاء، ووسيلة فعالة لتقوية روح المسئولية، تحول دون توافر فرص تدخل الحكومة، ودون سيطرة الأعلى على الأدنى في جهاز القضاء، وتدعم ثقة الجمهور.
6= العلانية أهم قاعدة تحمي المتهم عندما تكون الحكومة خصيمه، ولاسيما المتهم السياسي
إن العلامة الفارقة على عدالة القضاء في كل مكان وزمان؛ أمران:
الأول: قدرة القضاة على إعلان عدم مشروعية بعض القوانين وأعمال السلطة التنفيذية، ورفضهم الأوامر أو القوانين المخلة بالعدالة.
الثاني: أن يستطيع أن يحكم للأفراد على الحكومة، وهذا الأمر لايتحقق في المحاكمات السرية. ( دليل تعزيز استقلال القضاء و نزاهته: 47)،
ولإيثار القضاة سرية المحاكمات تداعيات، تشجع على إذعان بعض القضاة لإملاءات السلطة التنفيذية، المباشرة وغير المباشرة، كما أنها تسهل اختراق جهاز القضاء، ولاسيما في المحاكمات السياسية.
لكن المحاكمات السياسية ذات خطورة ، ولا سيما إذا كان المتهم موقوفاً ، كالخصومة بين فرد أعزل وقوة الدولة ، من أجل ذلك لا تجيز مقاصد الشريعة،التي نطقت بها الأدلة النصية والمعنوية؛ أن يترك للقاضي حرية تحويلها إلى سرية ، لاحتمال حيفه ، وإذعانه لترغيب السلطة التنفيذية وترهيبها، فـ"ذهب المعز وسيفه" حاضران.
عندما تكون الخصومة بين الأفراد العزل والحكومة، فإن "العلانية أول إجراء يدل على السير في طريق محاكمة عادلة" ، وكل محاكمة غير علنية فإنها هي مدخل من مداخل انتهاك العدالة، إن جميع المحاكمات القاسية والظالمة –طوال تاريخ البشرية-كانت سرية، فثمة علاقة بين السرية والظلم وعلاقة بين العلانية والعدل.في كل محاكمة سياسية سرية يصبح الخصم هو الحكم، فعلانية المحاكمات السياسية هي الحد الأدنى من ضمانات نزاهة القضاء، للمتهمين بقضايا سياسية،
من أجل ذلك يمكن صياغة المبدأ العلانية في القضاء الإسلامي بالعبارة التالية : "يجب أن تكون المحاكمة علانية ، وكل محاكمة سرية -في الخصومة بين الأفراد والحكومة- فهي غير عادلة، وهي إذن باطلة إلا إذا تراضى الخصمان على تجنب العلانية" .
لأن العلانية تسلط الضوء على ما يحتمل حدوثه في الكواليس، ، فإذا أقام القضاء محاكمات سرية، احتمل أن يكون دوره التدليس، على ما يحتمل أن يمارسه السجانون في زنازين البوليس، وإذا التزم العلانية كشفت ما في الزوايا من خفايا
وعلانية المحاكمات تكشف عن الخلل في تحديد المسئولية،وأحرى بأن تضمن أن تكون إحالة القضايا على القضاة ذات طابع قضائي محض، طابع موضوعي، لا صلة لها بنوع الحكم المتوقع من قاض دون آخر، وأحرى بأن تضمن أن لا يكون للإحالة طابع يتصل بهوى القاضي السياسي في القضايا السياسية، إذ درجت بعض الدول على أن تشكل فريقا يتسم بالسمات التي ترغبها وهي في الغالب تفضل أن يصدر القضاة أحكاما قاسية، ليكون لها الخيار في العفو-إن شاءت العفو-، لكي يبدو القاضي في نظر الشعب قاسيا، ويبدو الحاكم حليما رحيما!!.
وقد لوحظ في التطبيق السائد في الدول النامية ونحوها، مخاطر غيبة الشفافية حين يوزع رئيس المحكمة؛ القضايا على القضاة، من دون معيار الشفافية فيؤثر ذلك على النزاهة و يوفر سبل الفساد، ويعزز سيطرة المنصب الأعلى على الأدنى، ويتيح فرصا لتدخّل السلطة التنفيذية، فتستطيع أن تؤثر على الأحكام في القضايا السياسية، عن طريق التفاهم مع رئيس المحكمة لإحالة بعض القضايا إلى قضاة يوافقون هواها. وأخطر ما يكون ذلك في القضايا التي فيها نزاع بين الدولة والأفراد و لاسيما قضايا الموقوفين في السجون، وتزداد الخطورة في ظل غياب المحامين.
فإن جاز الاستثناء في المحاكمات العادية، من العلانية؛ فإنه لايجوز بتاتا في المحاكمات التي طرفها الدولة، لأن ذلك مظنة التفريط بحقوق المتهمين. والمحاكمات السياسية في العالم لا تكون سرية إلا في الأنظمة الدكتاتورية(المستبدة)، التي لديها ما تخفيه، عن عيون الشعب،والتي تعتبر نفسها وصية على شعبها، ولا تؤمن بمبدأ قوامة الأمة على قضاتها وولاتها، وهي المحاكمات التي توصف بالعسكرية، وهي محاكمات صورية.
وتزداد مخاطر السرية، في الدول ذات الإعلام الموجه، عندما ينشر وجهة نظر الأجهزة الأمنية، فيسهم في تضليل الرأي العام، ويكثف الضغط على القضاء، ويحدوهم في الاتجاه التي تريده الحكومة، وعندما يجنح القضاء إلى السرية ويتجنب الشفافية، يكون الإعلام والقضاء معا،شريكين في تشويه سمعة الطرف الأعزل، والدوران يتكاملان، للوصول إلى محاكمة غير عادلة.
فعلانية المحاكمة من ما يحمي الأفراد العزل, من احتمالات بطش الأقوى، في أي مرفق من مرافق الحكومة.
في نزاع بين فلاحين على أرض، أو لأسرتين على أمر زواج، قد ينحصر الحضور بالأقارب والجيران، وقد يكون للسرية دواعيها، أما عندما يكون النزاع بين طرفين غير متماثلين في المركز، أوفي الشأن العام، فإن السرية تكون لمصلحة القوي.
إن علانية المحاكمة هي إحدى مفردات استقلال القضاء المهمة، ولها في سياق أولويات الحكم الدستوري، الذي هو عنوان قوامة الأمة على الحكومة قدر كبير ، يسبق أهمية الانتخابات البلدية ، لأنها من عوامل صيانة الحقوق في تلك الانتخابات من التزييف.
في الخصومات العادية يستطيع أي قوي ظالم أن يزيف أدلة وشهودا على غريمه،فيسلبه أرضه أو ماله أو يدخله السجن، ومن المفترض في السلطان أن لا يستخدم سلطته في فبركة التهم وهذا هو الأصل، ولكن الاحتراس يوجب سد منافذ هذا الاحتمال، ومن سبل الاحتياط؛ حضور الجمهور، لكي لايكون التعتيم طريقا إلى الإخلال بالعدالة.
7= القضاء السعودي لا ينبثق من قاعدة قوامة الأمة على حكامها
وهناك عدد من القانونيين والقضاة-غير المستبصرين- يتحدثون عن حق القاضي في استثناء المحاكمة من العلانية، فيقولون: نصت الأنظمة في جميع الدول، على أن من حق القاضي، أن يستثنى أي قضية من العلانية، وهذا قياس فاسد، لأنهم يقيسون القضاء السعودي على قضاء مستقل، فيه فصل بين السلطات، وفيه برلمان ومحكمة دستورية عليا، رئيسها أرفع رتبة من وزير الداخلية،(كما في الولايات الأمريكبة المتحدة) وفيه جمعيات أهلية ووسائل إعلام حرة تراقب وتحاسب.
فكيف يقيسون على ذلك قضاء يخل بعنصر الشفافية والعلانية، كما أخل بالعناصر السبعة من حقوق المتهم، وكما أخل بالمعايير العشرين لاستقلال القضاء، ففي القضاء السعودي موبقات، تجعل المحاكمات السرية تفريطاً بحقوق المواطنين عامة والسياسية خاصة، وتجعل العلانية أهم علامة تحد من التفريط بحقوق المتهمين.
وأهم هذه الموبقات أن بعض القضاة لا يدركون أن مبدأ قوامة الأمة على حكامها، مبدأ إسلامي، لاتسمى الدولة إسلامية من دونه، بل يرون أن "ولي الأمر أدرى بالمصلحة"، من الأمة، ومقتضى ذلك أن القضاء غير مستقل عن الحاكم.
ومنها أن بعضهم اختزل مفهوم ولي الأمر بوزارة الداخلية، وما لها من سلطة على القضاء. إنهم يعتقدون أنها أدرى من الجميع بما يصلح الناس، ولذلك يطلقون عليها مصطلح (ولي الأمر).
فإذا كانت وزارة الداخلية أدرى بالمصلحة، فدور القضاة إذن هو إصدار تعليل وتسبيب لما أصدرته الداخلية. فالمحاكمة السرية إذن ليست بمثابة الاتجاه إلى حقل ذي ألغام فحسب، بل هي تحصيل حاصل، ومن أجل ذلك فإن العلانية تكشف عن مدى سلامة القضاة من الارتهان لهذه النظريات المخلة بمفهوم البيعة على الكتاب والسنة، التي تقرر-دون غبش-أن الحكومة وكيلة عن الناس لا عليهم.
8=القضاء السعودي ليس سلطة مستقلة:
بعض القضاة لا يدركون أن القاضي وكيل ونائب عن الأمة كالحاكم، فليس وكيلا عن الحاكم، وليس موقعا عن رب العالمين، ولكنه مجتهد اجتهادا شرعيا؛ إذا أخذ حقوق الإنسان والمتهم والسجين، من مصباح الشريعة في زجاجة التطبيق النبوي والراشدي ومشكاة الحقائق الإنسانية، وجردها من رين عصور الجور والجبر، ولا يدركون أن السلطة القضائية عديل السلطة التنفيذية، بل يرون أن مركز القضاة تابع للسلطة التنفيذية في القضاء السعودي، فالقضاة-في المحاكم- وكلاء عن (ولي الأمر)، وولي الأمر هم الأمراء ، والأمراء هم القضاة الأصلاء، وحاصل ذلك أن القضاء ليس سلطة مستقلة . وأن عبارة (القضاة مستقلون) الواردة في نظام القضاء، تشير إلى استقلال القضاة بصفتهم أشخاصاً، ولا تضمن استقلال القضاء بصفته مؤسسة وسلطة. ومقتضى ذلك أن المسؤولين يستطيعون من خلال الإعلام، فضلا عن توجيهات وإيحاءات الترغيب والترهيب أن يكونوا هم القاضي الأصيل، الذي يستطيع تحديد أن هذا الفعل أوذاك جريمة، وتغليظ العقوبة أو تخفيفها.
فوزارة الداخلية-في الواقع- هي التي تعتقل وتحقق وتتهم وتسجن وتحكم، دون رقابة أو محاسبة شعبية، بل هناك معلومات تقول بأنها تصدر لائحة بالعقوبات، في بعض القضايا، يلتزم بها القضاة، فكيف يضمن إنصاف القاضي الوكيل-في محاكمة سياسية سرية-ما دام القاضي الأصيل، هو الخصم والحكم؟
والعلانية إذن هي أقل الحقوق التي تحد من احتمالات قسوة الأحكام، والتشويه في الإعلام، والتفريط بالحقوق.
9=القضاء السعودي من دون قواعد قضائية محددة في القضايا السياسية:
إن القضاء السعودي يخول القاضي وضع القاعدة القضائية للجريمة والعقاب معا، ثم تطبيق الوقائع عليها أيضا. فليس في القضاء السعودي نظام للعقوبات يحدد التصرف المخالف(الجريمة) ولا (العقوبة)، ولا سيما في القضايا السياسية، ومجال الرأي والتعبير والتجمع، فلا مسطرة واضحة لوصف ما يمكن اعتباره جريمة أو جنحة،أو مخالفة, وفوق ذلك ليس فيه سلم لعقوبات التعزير، لأن قاعدة التعزير فضفاضة، فالتعزير يمتد من ضربة بالسوط إلى ضربة بالسيف.
أن بند التعزير، يجعل القاضي يمارس سلطة واسعة في التشريع والقضاء معاً، وهذا مزلق خطير، يؤدي إلى التفريط بحقوق الناس، ولاسيما عندما يكون الخصم، هو الحكومة، لأنه يجعل اجتهاد القاضي من دون مسطرة، من ضربة السيف إلى ضربة السوط.
إن ترك (الجريمة والعقاب) خاضعة للرأي الذي هو باب الهوى، يجعلها ترجمة أحيانا للمتغيرات الاجتماعية والسياسية. ويفتح الباب على مصراعيه، أمام دكتاتورية السلطان، المتيقن أنه دائما على حق، أو أمام تجهيل المجتمع وترعيعه وتركيعه، حتى يتصور أن السلطان على حق، وعندما يتنازل المجتمع الأهلي المدني عن دوره يتصور الحكام أن معاييرهم (في الجريمة والعقاب) ترجمة لمعيار علوي مقدس، قائم على اليقين المطلق، وذلك شر ما يقع فيها الإنسان إذا نسي أو طغى.
ومهما كان ضمير الفرد حيا، فإن ضبطه بالقانون ضروري، فقاض لا ضمير له يقضى بمسطرة، خير من قاض نزيه يقضى مجتهدا دون مسطرة.
10=القضاء السعودي ينتهك حقوق الإنسان/
ثقافة القضاة (من خلال معرفتنا بما يدرس في كليات الشريعة والمعهد العالي للقضاء)، ومن خلال ما أصدروا من أحكام؛ ليس فيها ما يكفي حول (حقوق الإنسان) سياسية ومدنية وثقافية واقتصادية، فضلا عن ثقافة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي، ومفرداتها كالحرية التي هي أم الحقوق، والتعددية سياسية واجتماعية وثقافية،وحرية الرأي والتعبير والتجمع، بل ولا ما يكفي حول مفهوم الجريمة السياسية وأركانها، فضلا عن (حقوق المتهم)، فضلا عن حقوق الموقوف والمسجون، (انظر تفصيل في كتاب:استقلال القضاء السعودي، عوائقه وسبل تعزيزه)؛ وفي ظلال ذلك تصبح العدالة في المحاكمة السرية أرق من الهباء، ومن الأدلة والأمثلة على أنه يجرم على الرأي المجرد من الفعل:
1-اعتباره التعبير عن الرأي جريمة، كما في حكمه –في محاكمة شبه سرية-على الدكتور سعيد بن زعير، بخمس سنين.
2- يعتبر مخاطبة الحاكم علنا في شئون الأمة منكرا كبيرا، ويوجب على الناس أن لا يخاطبوا الحاكم إلا سرا في خطابات فردية خاصة. كما برهن صك محاكمة الأخوين عبد الله وعيسى الحامد.
3-وصادق-في جلسات سرية- على ألوف الإقرارات والاعتذارات التي تعتبر إعلان الرأي في صحيفة أو قناة؛ تعديا على حقوق السلطان، وحاكم كل من لم ينثن ويتراجع.
4-وصادق –في جلسات سرية-على ألوف من اقرارات واعتذارات الإكراه، التي تعتبر التظاهر والاعتصام، من الإفساد في الأرض، والفتن، كما في إقرارات المعتصمات في بريدة.
11=القضاء السعودي يفترس دعاة حقوق الإنسان:
إن القضاء أثبت في حالات كثيرة أنه يمكن استدراجه ، لكي يجرم دعاة حقوق الإنسان، ومن نماذج ذلك:
1-حكم على الفوج الأول من دعاة الدستور (الثلاثة)،مابين ست وتسع سنوات، فثبت بذلك أن القضاء يجرم دعاة الدستور المجتمع المدني الإسلامي، فحكم على علي الدميني بتسع سنين، وعلى عبد الله الحامد بسبع وعلى متروك الفالح بست.
2-وجرم الأخوين عبد الله وعيسى الحامد لأنهما رضيا عن اعتصام نساء السياسيين المتهمين بالعنف، وزاد في عقوبتهما لأنهما حاولا أن يحضرا تفتيش منزل موكلهما المتهم بالعنف.
12= المحاكمات السرية مدخل لانتهاك حقوق المساجين، وللتستر على التعذيب:
المحاكمات العلانية هي الباب الذي ينبغي فتحه على مصراعيه؛ للحيلولة دون الانتهاك المنهجي الصارخ لحقوق المتهمين والمساجين.
ففي ظلال السرية -وفقنا الله وإياكم- لا يستطيع القضاء التأكد من ظروف المسجون استظهارا (توقيفا)، و لا أن يتأكد من المواصفات الشرعية لـ(السجن) سواءاً كان عقوبةً أم استظهارا ( توقيفا ) على التهمة. ولا يستطيع القضاء أن يراقب مدى توافر شروط السجن الشرعي التي تنص على أن وظيفة السجون إنما هي (التعويق) عن الحركة، كما قرر الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من تنادي الدول الدستورية إلى ذلك وليست (التضيق) الذي يضير العقول والنفوس والأجسام، فمن دون محام ومحاكمة علنية لا يمكن الحد من انتهاك حقوق المساجين.
إن الوقائع التي جرت لمحاكمة الرعيل الأول من سجناء العدل والشورى وحقوق الإنسان(الدستور والمجتمع المدني الإسلامي (الثلاثة) قبل عامي 1425هـ و1426هـ؛ برهنت على أن سرية المحاكمة؛ باب يفضي إلى انتهاك سائر حقوق المتهم، فعندما اطمأنت الهيئة القضائية إلى أن المحاكمة لن تكون إلا سرية، أجبرتهم بقوة السلاح على الدخول إلى قاعة المحاكمة السرية وعندما رفضوا الكلام، وتفوه أحد القضاة عليهم بكلمات تخرج عن آداب القاضي، وتطعن في نزاهته، وتوعدهم بطحن الحـب الذي في رؤسهم، قبل أن يسمع دفوعهم؟.وعندما اطمأنت المباحث إلى أن المحاكمة لن تكون إلا سرية أهملت علاجهم، وضيقت عليهم، وصادرت دفوعهم، وضيقت على محاميهم، وكانوا-عندما لمعت بوارق علنية المحاكمة- يشكون تعسفات المباحث إلى القاضي فيحاول أن ينصفهم منها، وعندما استقرت المحاكمة على السرية صاروا كلما شكوا المباحث للقاضي قال:لاعلاقة لي بما يجري لكم خارج القاعة!!.
13= لا ضمان لخلو الاعتراف من الإكراه في المحاكمات السرية:
وسرية المحاكمة مدخل إلى إهمال ماهو أهم و أخطر، وهو ضمان صحة الاعتراف، وخلوه من ما يخل بالرضا أو الاختيار أوهما معا. فالقضاء يفرط بحقوق الناس عندما يحاكم المتهم محاكمة سرية لا يحضرها، إلا رجال المباحث، والباب موصد بإحكام، وقد اطمأن رجال المباحث إلى أن المتهم لن ينبس ببنت شفة، عن مدى صحة الاعتراف، إذ جرت العادة على أن يوقعوه على إقرار بأن لا يتحدث عن ظروف اعتقاله، ولا عن ما يحتمل أن يمر به من تعذيب نفسي أو جسدي، هذا الذي يحدث في أحوال كثيرة، وإن أخبر المتهمون القاضي بتعذيبهم؛ تقوم المباحث بالضغط عليهم عبر إطالة مدة الحبس ، أو تعذيبهم – المباشر- مرة أخرى، حتى يعودوا إلى القاضي مستسلمين ، ولا يستطيع القاضي أن يحميهم من التعذيب.
إن العلانية هي أبسط إجراء، يجعل الجمهور شاهداً يساعد القضاة على الالتزام بالعدالة، ويحميهم من الهوى والتدخلات ، وإن استثناء المحاكمات السياسية، من العلانية، هو أكبر علامة على انتهاك الحكومة استقلال القضاء، لإن كثيراً من السجناء معرضون للاضطهاد في أروقة البوليس، ولأن يقوم القضاء بالتدليس.
14=أليست :تبعية هيئة الادعاء والتحقيق لوزير الداخلية إعلانا للعالم:القضاء السعودي غير نزيه ولا عادل؟
الأصل في المدعي العام أن صفته قضائية، وأن من صميم مهام أعضاء النيابة العامة في كل دولة ؛ احترامهم لمبادئ العدل، لأن ذلك يسهم في إقامة عدالة جنائية ، وسبيل وقاية المواطنين من الجريمة بصورة فعالة في كل أمة ، هي القوانين العادلة . إن من أهم وظائفها، الحفاظ على حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين، وتطبيق مبدأ افتراض البراءة الأصلية، والمساواة أمام القضاء، وأعضاؤها أطراف أساسيون، في إقامة العدل، والحفاظ على شرف المهنة وكرامتها، بصفتهم ممثلين للصالح العام، فواجبهم حماية المصلحة العامة، والتصرف بموضوعية أمام المتهم والضحية.
ومن واجبهم ضمان محاكمة عادلة وعلنية، أمام محكمة نزيهة ومستقلة.لها اجراءات وضمانات، تمنع تجاوزات السلطة التنفيذية.
ومن واجبهم الاهتمام بكافة الظروف، سواءا أكانت لصالح المتهم أو ضده، وضمان إبلاغ الضحايا بحقوقهم عملا بمبادئ العدل الأساسية، المتعلقة بضحايا الإجرام والتعسف في استعمال السلطة.
ومن واجبهم الاهتمام بالملاحقات القضائية، المتصلة بالجرائم، التي يرتكبها موظفون عموميون، ولا سيما ما يتعلق منها بالفساد وإساءة استعمال السلطة، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ومن واجبهم رفض الأدلة إذا كانت وسائل الحصول عليها بوسائل غير مشروعة، كالتعذيب والمعاملة القاسية خاصة، ومن صميم مهمتهم رفض هذه الأدلة، أو إخطار المحاكم بها، واتخاذ كافة التدابير، لتقديم الحاصلين على الأدلة والمستخدمين لها إلى العدالة.
هذه الأمور من صميم واجباتهم المهنية، التي وقعت الدولة على وثائقها، في الجمعية العامة للأمم المتحدة،(كما في وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة الثامن، لمنع الجريمة، ومعاملة المجرمين:27من أغسطس إلى 6/سبتمبر 1990م، التي تضمنت مبادئ توجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة).
ولو كانت لهيئة الادعاء والتحقيق، صفة النيابة العامة، التي تجسد الصالح العام؛ لكان لها دور في مايلي:
أولا:التحقيق في المعلومات المتواترة عن انتهاكات حقوق الإنسان والمتهم ولا سيما المسجون والتعذيب على الخصوص، وإحالة المتهمين إلى القضاء، فماذا فعلت عندما وصل إليها تقرير الدكتور محسن العواجي عن التعذيب؟، وماذا فعلت عندما وصل إليها بيان المعتصمات في القصيم عن التعذيب؟
ثانيا:طلب محاسبة رجال البوليس على تجاوز الصلاحيات ,عندما يفتشون من دون أمر منها بالتفتيش والضبط،، وعندما لا يشهدون العدول على محاضر التفتيش.
ثالثا: طلب محاسبة رجال البوليس، حينما يقومون بالتحقيق.
رابعا: محاسبة الأجهزة الأمنية، على تأخير محاكمة أي متهم زادت مدة توقيفه على ستة أشهر، لأن ذلك يعتبر اعتقالا تعسفيا، فقد ثبت كونها من من يفترس دعاة حقوق الإنسان فماذا فعلت تجاه توقيف الدكتور متروك الفالح، أكثر من ثمانية أشهر؟، ومذا فعلت تجاه سجن الفوج الثاني من دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي(التسعة)، الذي قارب الثلاثين شهرا.
خامسا:تعزيز رقابة السجون والتحقيق في الأوضاع المأساوية، في دور التوقيف والسجون، ولا سيما الوفاة والانهيار العصبي وإدمان المخدرات.وفتح ملف حقوق المساجين، وانتهاكات لحقوق الإنسان، التي تواترت أخبارها، فماذا فعلت عندما تواترت أخبار انتهاكات حقوق السجين في السجون.
سادسا حماية حقوق الإنسان من تجاوزات الأجهزة البوليسية، وإطلاق ضحايا السجن التعسفي، فماذا فعلت تجاه توقيف خالد بن سليمان العمير ومحمد بن عبد الله العتيبي، لأنهما أرادا أن يعتصما في شارع النهضة، تضامنا مع أهل غزة، وآخر المعلومات أنها أصرت على محاكمتهما، إذ عندما ردت المحكمة الجزئية الدعوى محتجة بعدم الاختصاص؛ أحالتها إلى (المحكمة الأمنية) المخصصة لمحاكمة المتهمين بالعنف، سبحان الله صارت الرغبة في الاعتصام إخلالا بالأمن، ولكن ما العجب مادامت وزارة الداخلية تعتبر دعاة المجتمع المدني هم الوجه الآخر للعنف.
ومع تقديرنا لمن في الهيئة من الفضلاء وما فيها من الفضل، فإننا ندرك أنهم، لن يستطيعوا-مهما كان لهم من الكفاية والنزاهة الشخصية- إلا أن يكونوا القفاز الحريري ليد وزارة الداخلية الحديدية،ويكاد ينحصر دورهم في تأمين واجهة حقوقية، لتجاوزات وزارة الداخلية. ولكن ما نحن بصدده هو صلاح الأنظمة، الصلاح المؤسسي. ومن دون هذا الإجراء، فإن الحكومة - بربط الهيئة بوزارة الداخلية- قد أعلنت للعالم كله أن القضاء غير نزيه ولا عادل ولا مستقل.
فعلانية المحاكمة هي النور الذي يلوح للمتهمين، لكي لا ينطحنوا بين سندان هيئة التحقيق والادعاء ومطرقة القضاء السري.
ومرجعية المدعي العام ، ينبغي أن تكون إما تحت إشراف وزارة العدل، هذا ما في بعض الدول الأوربية كفرنسا، أو برئيس مجلس الوزراء، وقد اتجهت بعض تشريعات الدول الدستورية إلى هذا الأسلوب، لما فيه من تحقيق العدالة للمتهم.والإسلام-على كل حال- لا يجيز أن يكون التحقيق من غير جهاز القضاء الشرعي. لأن التحقيق نوع من القضاء، وكون التحقيق ملحقاً بالسلطة التنفيذية، نمط من أنماط إرهاب القضاء.
15=القضاء السعودي يجيز التعذيب أو يدلس فيه :
إن مفهوم السجن في الإسلام أنه تعويق عن الحركة لا يتجاوزها إلى التضييق والتعذيب لأنهما من الممارسات المهينة التي جرمتها الشريعة والأعراف الدولية واعتبرتها تعذيبا و جريمة، ولا سيما الممارسات التي تعتبر في المواثيق الدولية وعلم النفس، من وسائل غسيل المخ، كالحبس الانفرادي أكثر من شهر، لماثبت من إحداثه نوبات الهستريا، وفقدان الذاكرة والجنون.
وقد أكدت الأبحاث النفسية عن آلات التعذيب البوليسية، أن الإنسان مهما كان قوي الإرادة والاحتمال، مستعد للإقرار بكل ما يطلب منه، عندما يكون في حالة سلب الإرادة الكلي أو الجزئي، وقد أظهرت آلات التعذيب الستالينية، أن الإنسان يعترف بكل ما يطلب منه. والأخفى من ذلك أن للعقاقير المخدرة، والآلات المزعجة، آثارا نفسية خطيرة، ولكنها لا تترك أثراً في الجسم، إنها (التعذيب التكنلوجي)، الذي يجعل دعوى المتظلم من دول دليل.
والخلاصة أن التعذيب، من صور الإكراه، ولذلك نص الفقهاء رحمهم الله على أن المدعي إذا رجع عن إقراره، وزعم أنه مكره، فإن كان في جسده أثر تعذيب، فهو قرينة تدل على صحة دعواه، وإن كان أثر التعذيب قد زال، أو كان نفسيا، كالتهديد، قبل إنكاره مع اليمين (أسنى المطالب:2/299).
عدد من الفقهاء في العصر الوسيط؛ أجازوا التعذيب(انظر نقض حججهم، في كتيب(حقوق المتهم في الإسلام، بين نور الإسلام وغبش بعض الفقهاء والحكام)على أن أوضح الأدلة على فساد قولهم ، ما ذكره ابن القيم-رحمنا الله وإياكم وإياه- من تصحيحهم إقرار المكره، وبذلك وصل أصحاب هذا الرأي إلى المأزق الخطير، الذي يفضي إلى سراديب التعذيب، فالقول بصحة إقرار المكره، قول شاذ على كل حال.
وما قاله الفقهاء كابن القيم من أن هدف الشريعة هو كشف الحق صحيح، ولكن الشريعة تشترط للوصول الى هذا الهدف أن تكون وسيلة الكشف مشروعة معتبرة، وكل سياسة لا توافق الشرع فهي غير مشروعة، حتى لو أدت إلى المقاصد الشرعية، ولذلك قال الصحابي الجليل للذين عذبوا متهما حتى دل على المال ((ما رأيت جوراً أشبه بالحق من هذا)) فقد بين أنه جور، ثم أردف ذلك بأنه يشبه الحق.
إن الوصول إلى الحقيقة(عناصر الجريمة وأطرافها) مجردة من ضوابط إجراءات العدالة،ظلم غير صريح، لأن يد العدالة هي التي تصل إلى الحقيقة من خلال الوسائل المشروعة، التي تحافظ على أسلوب العدل، لكي تحافظ على جوهره.
أما القول بأن هذا الجور في الأسلوب يخدم الحق في المضمون، فهو يعني أن الغاية تبرر الوسيلة، وذلك قول مرفوض في الأخلاق والدين والقانون العادل. وكثير من العاملين في القضاء والتحقيق من الذين يجهلون المقاصد الشرعية،طالما رددوا: الهدف هو الوصول إلى الحق، وهذا كلام نصفه حق ونصفه باطل، فالحق أن يكون الوصول إلى الحقيقة، عبر الوسائل الشرعية.
و مجيزو التعذيب وفيهم من قضاتنا عدد غير قليل-هدانا الله وإياهم ، وهم فوق ذلك يعتمدون إقرارات الإكراه،كما نجد في أعمال ندوة حقوق المتهم، التي نشرتها وزارة الداخلية في كتيبات، يحتجون بالحديث تارة، وتارة يحتجون بالمصالح المرسلة في ردهم قاعدة الشافعي ((لاسياسة إلا ما وافق الشرعة))وهذا اعتراف منهم، بأن الأحاديث والأحداث النبوية التي احتج بها أولئك غير مسلمة، بل هي نصوص احتمال وما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، كما يقول الأصوليون، إذ إنه ليس ثمة نص صريح أمامهم يجيز التعذيب غير نص تعذيب اليهودي (المحارب) الذي اعترف بجزء من المال، وأنكر مكانه.
ففي أحد المؤتمرات العربية التي ناقشت حقوق المتهم، قال أحد القضاة السعوديين، الذين يؤيدون التعذيب للذين رفضوا نظرية تعذيب المتهم: إنكم لم تمارسوا القضاء، فتعرفوا أنه لابد من شيء من التعذيب.
وهذا القاضي لم يقف موقف المتهم، ليعرف مدى تجاوز بعض رجال البوليس والقضاة القساة على كرامة الإنسان، لم يدخل سجن الاستظهار (التوقيف) ليبصر تعذيب البوليس، ولم يقف متهما ليبصر دور بعض القضاة في التدليس.
فإذا هدفت وسائل التحقيق إلى إجبار شخص على الاعتراف، بأي شكل من الأشكال، فهي نوع من أنواع التعذيب.
وستكون العدالة فكرة غامضة فضفاضة مضطربة ، من دون مسطرة محددة الخطوط ، من الممكن أن يتلفظ بها القضاة والطغاة معاً، والضحية والجلاد في آن واحد.
ولذلك يعتبر اعتماد اعترافات الإكراه؛ تشريعا للـ(التعذيب)، وذلك نوع من أنواع الإرهاب والعنف (القضائي) أي التعدي والظلم على الناس، الذي يبرر باسم القانون والعدل والقضاء، وهذا الظلم يعتبر شر أنواع الظلم، وهو شر من الظلم البوليسي، الذي يعتمد فيه الظلم على أجهزة القمع ، ولكن بدون قوانين معلنة.
و قد يحتج مجيزو التعذيب، بأن ترك التعذيب يؤدي إلى إفلات الجناة من قبضة العدالة، وإلى كثرة المجرمين والمنحرفين، وإلى شيوع الفوضى، وإلى كثرة السلب والنهب. وقد يرى بعض الناس، أن في ترك تعذيب المتهم إضاعة لحقوق الناس، وتجريئا للفساق على الفساد، ولكن ليس هذا ولا ذاك، لا ينبغي التفريط ولا يجوز الإفراط. ينبغي الحزم والبحث عن الحقيقة، ولكن ينبغي أن يلتزم في الوصول إلى المجرم بالطريق المشروع، وأن يكون إثبات الجناية بأسلوب شرعي، فهذا هو روح الشريعة، أما إثبات جريمة بغير الوسائل المشروعة، فإنه خروج عن قانون الشريعة.
وقد يقال إن الأسلوب الشرعي يؤدي إلى فرار المجرمين من العدالة، ومقابل ذلك نقول: إن تركه قد يؤدي إلى تجريم الأبرياء، فإذا كان الأمران محتملين، فأولاهما الثاني.
فقد قامت دول عربية عديدة، بسجن آلاف الفتيان، الذين جاهدوا في أفغانستان، عندما انتشر تيار العنف، وضرب أمريكا ودولاً عديدة، فماذا كانت النتيجة؟ يضرب ويعذب مئة، فيظهر منهم واحد بالمئة منّ من قام بأعمال عنف، كيف يجوز تعذيب 99% من أجل اكتشاف واحد؟ الإسلام قرر المبدأ القانوني الرائع ((الخطأ في العفو أفضل من الخطأ في العقوبة)) قبل ميثاق حقوق الإنسان بأربعة عشر قرنا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ((لأن يخطئ الإمام في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة))
شرح ذلك الإمام الغزالي، فذكر أن القبض على المجرم مصلحة، تقابل بمصلحة أخرى وهي أن الأموال والأنفس معصومة، وأن من عصمة النفوس أن لا يعاقب إلا جان، والجناية تثبت بالحجة، فإن لم يكن حجة، فلا جناية ولا عقوبة، فضرب المتهم تفويت لحق عصمته المتيقن، لأمر موهوم غايته التشوف إلى تأييد عصمة مال أو نفس، فإذا كانت مصلحة المدعي في ضرب المتهم رجاء إقراره، فمصلحة المتهم في ترك الإضرار به، وليس أحدهما برعايته أولى من الآخر (شفاء الغليل:231)، وأهمية فكرة الغزالي تقتضي إعادة صياغة العبارة، بأن القبض على المجرم مصلحة، تقابلها مصالح كثار للمتهمين، فمصلحة المدعي تقتضي الوصول إلى المجرم، وهي مصلحة واحدة ومصالح المتهمين أقوى وأظهر.
فالقول بجواز التعذيب يجر إلى ألوان من الظلم والشرور، تربو على ما يترتب عليه من المصالح.
والحق أن تحصين أي مجتمع، لا يكون بالعقوبة على الشبهة، ولا بانتزاع اعترافات عبر التعذيب، ولا بإصدار أحكام قضاء قاسية، لا يتناسب فيها العقاب مع الجريمة، و إنما هو بالعدل، -كما قرر ذلك عمر بن عبد العزيز في رسالة إلى أحد عماله-والعدل هو ترك الجور، فإذا كان ترك التعذيب قد يؤدي إلى إفلات الجناة من قبضة العدالة، فإن التعذيب قد يؤدي إلى سقوط الأبرياء في قبضة الطغيان، وذلك يؤدي إلى كثرة المظلومين والمضطهدين، وإلى شيوع الإرهاب البوليسي والقضائي.
16=المحاكمات السرية تؤدي إلى التستر على مصادقة القضاء على إقرارات لم تستوف شروط الإقرار الشرعي:
لا يكون الإقرار شرعيا حتى تتحقق الأمور التالية:
1- أن يكون المقر حر الإرادة، مختاراً غير مكره، فلا تصح إقرارات سجون التضييق والتعذيب، إلا إذا كانت أدلة على تجريم من ضيق وعذب.
2- أن يتوافر له محام أو وكيل شجاع بارع
3- أن يكون التحقيق معه بين يدي قاض ذي كفاية شخصية وموضوعية.
4- أن لا تستخدم فزاعة تهم كبرى أو أخرى، من أجل جره إلى الاعتراف بصغرى، وفق قاعدة "اضربه بالموت يقنع بالحمى" .
5- أن يكون صريحا لا يحتمل التأويل، واضحا لا يحتمل الغموض، خالياً من الشبهة ، كالغلط والكذب.
6-أن يشرف القضاء على السجون.
7-أن تكون هيئة التحقيق والادعاء مستقلة عن سلطة القبض.
9-أن تكون المحاكمة علانية، بحضور شهود الله في أرضه: المحامين وأهل الإعلام وأهل الحسبة المهتمين بحقوق الإنسان.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الإقرار بحق أو جناية عن طريق الإكراه باطل، ولا يترتب عليه حكم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أخفته أو أوثقته أو ضربته) (مصنف عبدالرزاق10/193) وقال شريح القاضي الذي مارس القضاء أكثر من ربع قرن، زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية ((القيد كره، والوعيد كره، والسجن كره، والضرب كره)) (فلو أن قاضيا أكره رجلا، بتهديد أو ضرب، أو حبس أو ضرب، حتى يقر على نفسه، بحد أو قصاص، كان الإقرار باطلا) (المبسوط :14/70)
وقد جاءت الأحاديث والمواقف الصحيحة الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة رضوان الله عليهم، برفع المؤاخذة، عن المكره مطلقا، ولا يجوز العدول عن النص والموقف الصريح الصحيح، إلا لدليل أقوى منه، وهذا الدليل لم يوجد، ولذا فإن الرأي الذي يقطع به؛ هو عدم مؤاخذة المكره مطلقا، سواء كان ذلك في جرائم حقوق الناس أم حق الله، لاسيما وقد ابتعد كثير من ولاة الأمور عن توخي العدالة، فآل بهم الأمر إلى الحكم بغير ما أنزل الله (الإعتراف غير الإرادي. د.محمود السرطاوي).
وقد يدعي بعض الناس أن المتهم إنما يحاكم أمام منصة القضاء، دون ضغوط ولا إجبار. والحقيقة أن القاضي (غافل أو متغافل) عن أن هذا الإقرار ناتج عن إكراه. فالقاضي الذي لا يشرف على السجن؛ لا يدري ماذا يدور فيه ولا يدري أهو سجن (تعويق) كما نص الفقهاء أم سجن (تضييق)،إنما هو قاض مفرط في وظيفته، والمحققون الجنائيون، -ولا نغمط فضل الفضلاء فيهم-، قد لايكون لهم بصيرة بضوابط التحقيق الشرعي، و ينبغي سد مداخل الشهوات والشبهات، و الإكراه.
بل إن إقرار السجين، لا يعد شرعيا طال حبسه أم قصر؟ حتى لو كان السجين تحت إشراف قضائي شرعي، يشرف على زنزانته، ويشرف على طعامه وشرابه، ولو كان التحقيق من جهات قضائية. إن واقع بعض الأنظمة القضائية أن إقرارات الإكراه معتمدة، فالمتهم يعذب بين يدي البوليس، والقضاء يتغافل ويصادق بالتدليس.
وقد دلل عبد القادر عودة في التشريع الجنائي: فقرة 435: إن الإقرار الصادر تحت تأثير الإكراه باطل، ولو قامت الدلائل على صحته، كأن يدل المتهم بالسرقة على المسروق، وكأن يدل المتهم بالقتل على جثة القتيل، لأن من الممكن -وإن لم يكن من المحتمل- عادة أن يكون المتهم يعرف مكان المال المسروق، ويعرف مكان جثة القتيل، ولكنه لم يسرق ولم يقتل (رجوع المتهم لعطية سالم).
لأن الإنسان أحياناً يقر بالشيء، نتيجة شعوره بأنه لن يقبل منه دفاع ولا إنكار، كأن يشهد عدد من الناس عليه بأنه فعل كذا وكذا، وإنما شهدوا لتبرئة أنفسهم، أو لإدخال شركاء آخرين معهم، أو لأساليب المحققين التي تحاول أحياناً، الإيحاء له من باب البراعة والمهارة. والإنسان في مثل هذه الحالة إنما يقر، ليستريح من عذاب التحقيق، ولاسيما إذا بدت له تبعة ذلك محتملة، وبدا له أن المخرج من نير العذاب أو السجن هو الاعتراف، ولو كان (حلاً) على طريقة التراجيديا اليونانية، فالمقر كما قال الشاعر:
والمستجير بعمرو عند كربته ×كالمستجير من الرمضاء بالنار
ومما يشهد لذلك، ما وقع في إحدى القضايا، عند الخليفة الراشد علي رضي الله عنه، ذلك أن رجلا أخذ شاتين ليذبحهما قبل الفجر، فذبح واحدة وشردت الأخرى، فلحقها فدخلت خربة، فدخل وراءها وذبحها، فإذا برجل في الخربة قتيل، وإذا بالعسس يدخلون عليه، ويقبضون عليه والسكين ملطخة بالدم في يده، فلما ذهبوا به إلى الوالي سأله: أقتلته قال: نعم، ولما قدم للقتل علم القاتل الحقيقي، فجاء ينادي: لا تقتلوه إنه بريء، واعترف بأنه هو القاتل الذي قتل الرجل، فسألوا الأول لماذا اعترفت؟ وأنت لم تقتل، قال لأني أيقنت أنكم لا تصدقونني، فالقتيل يتشحط في دمه، والسكين الملطخة بالدم في يدي، ولا تعلمون إن كان دم شاة أو دم رجل، فيئست من إثبات براءتي فاعترفت كذباً.وقال للثاني وما شأنك وما حملك على الاعتراف، وقد خفي أمرك فقال: سولت لي نفسي قتل الأول ورأيت الثاني يقتل فلم استطع تحمل ذنب هذا البريء المسكين أيضا. فرفع أمرهما إلى الخليفة علي رضي الله عنه فقال: لئن كان قتل نفساً فقد أحيا نفساً، واسترضى الأولياء بالدية (رجوع المتهم لعطية سالم).
ولذلك نص الإمام ابن حزم على أنه لا يحل تعذيب المتهم، ولا يعتبر إقراره تحت التهديد، إلا إذا أضاف إلى الإقرار أمراً يتحقق به يقينا صحة ما أقر به (المحلى:11/142).
ماذا سيقول أي منصف عن آلاف الإقرارات التي لم تستوف الضوابط الشرعية لصحةالإ قرار.
17=العدالة معنى كلي فإذا جزئت اختلت/
وللعدالة معنى كلي، عندما يجزأ نتفا، من دون رؤية شاملة، يمكن ارتكاب أقسى الفظائع باسم العدالة.
لايلاحظ الذين يتحدثون عن حق القاض في تحويل المحاكمة إلى سرية، مفهوم العدالة الكلي، فلا بد من التصور الكلي لقضية العدالة والحق، لكي لا نضرب كليات الشريعة يجزئياتها، ومقاصدها وروحها، بتأويل نصوصها، والعدل من ما أوحاه الله إلى الطبائع، فجاء تأكيده في وحي الشرائع، كما بين الشاطبي في الموافقات، وولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة وأي فقه يتوسل بشكليات المنهج الشرعي، إلى هدم مقاصد القضاء الإسلامي وكليات الشريعة، ونصوصها الصحيحة الصريحة، فإنماهو حكم ضلال، ولو رفع راية الشريعة، فالفقه كما قال ابن القيم:
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم ألو العرفان.
فللقضاء المستقل-الذي يحقق المعنى الكلي للعدالة- له أكثر من عشرين معيارا، فمن أهم ضمانات حقوق المتهم، أن تهيمن سلطة القضاء على جميع أنواع المحاكمات، وأن يشرف القضاء على كل مراحل سير القضية، فيشرف على تفتيش منزل المتهم، بل يجب أن يكون التفتيش بأمر قضائي، فإن كان الأمر مستعجلا، أمكن أن يقوم الوالي، بإصدار أمر التفتيش ثم يقوم القاضي بإصدار قرار بتسويغ ذلك، على أن يكون التفتيش بحضور صاحب البيت أو وكيله وبحضور شهود عدول، كما نص النظام. فإذا كان القضاء لا يشمل جميع مراحل القضية، وجميع القضايا، فالحديث عن سيادة الشريعة أو القانون أو العدالة كلام مرسل من دون برهان.
18=لا تضمن العدالة مادام القضاء لا يشرف على السجون:
تعلمون وفقنا الله وإياكم وإياهم – أن من أهم ضمانات نزاهة القضاء وعدالته، أن يشرف القضاة على السجون، ليتأكدوا من أن مواصفات السجن مواصفات (تعويق) لا (تضييق). و من أن الإقرار يتم بالصورة الشرعية، وأنه ليس في السجن أحد بدون أمر قضائي،فإن وجدوا سجيناً من دون حق أطلقوه، وإن وجدوا معذباً أنصفوه، وإن وجدوا مسجونا من دون حكم قضائي أمروا بإحالته إلى القضاء، أو أمروا بالإفراج عنه، وإن وجدوا مسجوناً قد تمت مدة سجنه ولم يفرج عنه أخرجوه، وطالبوا بمحاسبة من أبقاه.
وتعلمون وفقنا الله وإياكم أن هذه الوظيفة العظيمة للقضاة من قواعد القضاء الإسلامي على مر التاريخ، وأنها من الأعراف الشرعية، كما ذكر ابن فرحون في (تبصرة الحكام) وغيره.
وقد جرت عادة القضاة حتى في عصور الحكم الجائر القديم، أن يكون عمل القاضي أول ما يعين، هو تفقد أحوال المساجين، ونص الفقهاء على ذلك، للتأكد من أنه لا سجين من دون وجه حق، وقد أقرت مبدأ إشراف القضاء على السجون كثير من الدول الدستورية، واعتبر ذلك أحد المعايير العشرين لاستقلال القضاء، حيث صار للقضاء اليد العليا في كل ما يتعلق بالسجين، في مرحلة الاتهام ومرحلة التحقيق، ومرحلة إنفاذ العقوبة.
إن العلاقة بين القضاء والسجون، علاقة إشراف ومراقبة وتفتيش، وليست مجرد علاقة تجريم وتبرئة وإصدار صكوك، فعلى القضاة ولا سيما الذين يصدرون أحكاما قاسية، أن يزوروا السجون دوريا، لكي يروا بعيونهم هل أحكامهم تسهم في إصلاح الناس أم تسهم في زيادة الجريمة والتشريد وخراب البيوت، وهذا يدعو إلى أن ينقل الإشراف على السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل.
ولكن الحكومة في إطار تقصيصها أجنحة المؤسسة القضائية؛ سلبت القضاء الطبيعي هذه الوظيفة الأساسية، وخولت الداخلية إياها، وهذا خطأ جسيم، وترتبت عليه أخطاء وتداعيات تخل بضمانات العدالة الشرعية. كما أشار الاصلاحيون في بياناتهم عن السجون
ورغم ضعف مركز هيئة التحقيق والادعاء فإن النظام المكتوب للهيئة خولها رعاية أمور جلىّ لم تقم بها، أهمها الإشراف على السجون، بأن تقوم بزيارة السجون في أي وقت, من دون التقيّد بالدوام الرسمي، ونص النظام على أن تتصل الهيئة بالمسجونين والموقوفين، وأن تستمع إلى شكاويهم، وأن تستلم منهم كل ما يقدمونه في هذا الشأن، (نظام الإجراءات الجزائية: المادة: 37).
ونص النظام على وجوب إنشاء مكتب مستقل لعضو من هيئة التحقيق، يقوم بمتابعة أحوال المسجونين والموقوفين (نظام الإجراءات الجزائية: المادة: 38).
كما أنه ليس للهيئة مكاتب في سجون المباحث، يتصدر فيه قاض للتحقيق، وأنه إذا لم يطبق القانون، فإن ما ذكر في نظامها إنما هو لذر الرماد على العيون.
ولا ريب أن إشراف القضاء على السجون، وارتباطها بوزارة العدل سيقضي على بيوت الرعب والأشباح، التي تجرى فيها ألوان التعذيب والترهيب، التي لا يلمس تأثيرها على الأجسام، كتسليط الأنوار المتوهجة، وتسليط كمرات التصوير، والحبس الانفرادي أكثر من شهر كما نص الفقهاء.
19=العلانية تحد من تلفيق التهم الجنائية جزافا:
وثمة شائعات تدعمها شهادات عديدة من محتسبين في مجال حقوق الإنسان؛ توحي بأن بعض الفئات الفاسدة في أجهزة الشرطة والمباحث،-تستظل بأسماء المسئولين الكبار وسلطتهم وتدعي إخلاصها لهم والنطق باسمهم وتستغل ثقتهم- وتلفق بعض التهم المتصلة بالعنف، لاعتبارات منها:
1-السلطة التي أوصت بالقبض-في العادة-حريصة على تبرير تصرفاتها، وإثبات يقظتها للمسئولين، وهي تتجنب أن تحاسب على التخبط في اعتقال او تفتيش.
2- وقد تلجأ أجهزة المباحث والشرطة؛ إلى اختلاق حدث كامل برمته، من أجل الخروج من ورطة تصرف أهوج، فتلجأ إلى التلفيق،عندما لاتجد أدلة كافية على المتهم، فكيف تبرر سجن عشرات_إن لم يكونوا مئات- من الناس سنين عديدة إلا بالتلفيق؟، وهناك احتمالات تصفية حسابات شخصية، بين العاملين في أي جهاز في ما بينهم، وهناك احتمالات تصفية حسابات مع فرد من الأفراد المتهمين،
3= وهناك خلط للأوراق يقوم به أفراد يخشون من فتح ملف التعذيب في السجون، وملف حقوق الإنسان، فيتهمون دعاة حقوق الإنسان بتأييد العنف أو دعمه، كما في قضية الرعيل الثاني من دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي التسعة، أو عندما تريد ضرب –من تعتبره مشاغبا- من تحت الخاصرة؛ كما وقع لبعض المحتسبين من الفقهاء والعلماء والمهتمين بالشأن العام.
4=تتمتع أجهزة المباحث والشرطة، بسلطة مطلقة من دون مراقبة ولا مساءلة ولا محاسبة قضائية علنية، يجعلها مطلقة الأيدي تتذرع بعباءة أعمال السيادة ولدى دعاة حقوق الناس الشرعية ملف ضخم، عن معلومات موثقة وأخرى تحتاج إلى استكمال التوثيق، عن أنواع التلفيقات ودرجاتها.
ومن أقرب النماذج على تلفيق التهم الحاضرة بين يدينا:
1=ماجرى للدكتور محسن العواجي، في سجنه سنة 1414هـ-1418هـ، حيث ظل –كما ذكر لنا-معلقا في (الشواية)، وجزمة المحقق فوق خده، وشفتا المحقق تنفثان السجائر في عينيه ووجهه: اعترف بالجمس المليء بصواريخ (الآر بي جي)، القادم من اليمن الذي أدخلته بيتك!!!
2=إشاعة عن الشيخ (...) من القصيم بأن في بيته سلاحا،
3= سجن الشيخ فهد العريني السبيعي، وهو من دعاة العدل والشورى وحقوق الإنسان(الدستور والمجتمع المدني الإسلامي) في سجن المخدرات، بضعة شهور،من أجل تشويه سمعته.
4=إشاعة بأن الدكتور سعيد بن زعير ضبط متلبسا بالعنف.
5=اتهام الفوج الأول من دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي ولا سيما السجناء الثلاثة( الحامد والفالح والدميني) بأنهم الوجه الآخر للإرهاب.
6=إشاعة بأن الفوج الثاني من دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي التسعة(الرشودي وموسى القرني والبصراوي والشميري والهاشمي وسيف الدين وصديق والصخري وعلي القرني)، ساهم في تمويل العنف.
والناس يعرفون أن أي شركة، تستطيع أن تلفق التهم على أي موظف فيها، يشاغب ويطالب بحقوق العمال، وتستطيع أن تغوي الشهود رغبا ورهبا، وأن تكسب القضية، فمابالك إذا كانت هذه الشركة، بضخامة أجهزة الشرطة والمباحث وهيئة التحقيق والادعاء وقوتها. ولا حماية للأفراد العزل من هذه الاحتمالات إلا في قضاء علني.
إن فبركة القضايا الجنائية لم تعد سرا،ومن أجل ذلك أسرع بعض دعاة حقوق الناس، إلى إصدار بيان بعنوان (نطالب بفتح ملف حقوق الإنسان وبمقاضاة وزا رة الداخلية) الذي وقعه وأيده آخرون من المحتسبين والإصلاحيين، ورفع إلى خادم الحرمين الشريفين (بالبريد الممتاز) /يوم الأربعاء 1/4/1428هـ).
كما دفع عددا من دعاة حقوق الإنسان إلى التنادي إلى إصدار بيان: للدفاع عن الفوج الثاني من دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي التسعة، (نطالب بإطلاق الموقوفين التسعة من نشطاء تيار المطالبة السلمية بشرطي البيعة:على الكتاب والسنة:العدل والشورى( الدستور والمجتمع المدني الإسلامي وحقوق الإنسان)أو محاكمتهم علانية الصادر في 29/08/1428( 11/09/2007)، الذي وقعه 135محتسبا.
7= تواتر الأخبار بأن المباحث تلفق تهم حيازة السلاح، وتلفق الشهادات،من أجل أن يقول وزير الداخلية: ليست لدينا قضية ضد مجهول، وقد ثبت قيامها بتلفيق إدانة عدد من الشباب، في تفجيرات لم يفعلوها، وقيامها بتلفيق شهادات مساجين على مساجين آخرين. سبحان الله أمريكا لاتزال لاتدري من قتل (كندي) ووزير الداخلية يقول ما يقول، من ما هز مصداقية الكبار في وزارة الداخلية.
8=أن الشرطة والمباحث عند تفتيش البيوت المتهم أصحابها بالعنف؛ لاتطبق مانص عليه النظام؛ من حضور صاحب المنزل أو وكيله، وشهود عدول. و قضية ريما الجريش و زميلاتها المعتصمات نموذج،أليس من المحتمل-بناء على هذا التصرف- أن تكون المباحث تستخدم فزاعة السلاح والأمن، من أجل شل التجمعات المدنية السلمية، كالاعتصام. وعلنية المحاكمة رادع قوي يحد من هذه التجاوزات، ويطمئن النانس إلى سير العدالة.
9=تواتر عند عدد من الناس بأن المباحث تلفق تهما أخلاقية أيضا كما وقع لأحد الفقهاء في جنوب البلاد.
20= للسجين السياسي زيادة تعذيب وتضييق أم زيادة حقوق؟الدوافع شريفة عند المعارض السياسي حتى لو ارتكب جريمة:
المتهم السياسي له حقوق خاصة، لأن دوافع المتهم السياسي-في الغالب- شريفة، بصرف النظر عن صحة دعواه، وسلامة أسلوبه، سواء أصاب الهدف وأخطأ الوسيلة، أو أصابهما معا، أم أخطأهما معا، فإن له معاملة تميزه عن المتهمين بالمخدرات والاغتصاب والسرقة والفواحش الخلقية. ولا سيما إن كان مجتهداً في أمر يسوغ شرعا الاجتهاد فيه، وإن ضل عن الصواب الشرعي أو السياسي، مادام ليس في نصوص الشريعة القطعية الصريحة ما يبرهن على أن رأيه خطأ لا يحتمل الصواب.
فهو إن لم يحمل السلاح لا يجوز سجنه لأجل أفكاره، ولا لأجل دعوته، سواء أكان عالماً أو كاتبا أو عاميا، سواء أكان في نظرنا داعية قسط، أو بدعة،كما طبق الخليفة الراشد علي بن أبي طالب مع الخوارج، ولكن السجون السعودية ملأى بالفقهاء والعلماء، الذين لا يدرى الناس ما ذنبهم، كالدكتورين بشر البشر وسعيد بن زعير والمشائخ وليد السناني وخالد الراشد وسليمان العلوان الخ..... ونطالب القضاء أن يثبت استقلاله؛ فيأمر بإطلاق سراحهم أو محاكمتهم.
والمعارض السياسي –إن حمل السلاح على الدولة-فلفقهاء السياسة الشرعية قواعد محددة في التعامل معه، نطالب القضاة الذين هم مرتجى العدالة أن يلتزموا بها. لأن العنف لا يحارب بمزيد من الظلم، بل بمزيد من العدل والتسامح.
وقد اتجهت الدول الشورية الحديثة، إلى تشريعات وإجراءات خاصة والمتهم بالعنف والمعارض السياسي منها:
1- أن يبلغ المعتقل السياسي فوراً كتابيا، بأسباب القبض عليه.
2- وبأن يكون له حق الاتصال بمن يرى إبلاغه بما وقع.
3- وأن يكون له حق الاستعانة بمحام.
4- وأن يعامل معاملة المحبوس احتياطيا.
5- أن من حقه أن يتظلم من القبض عليه، إذا مر شهر ولم يفرج عنه، وعلى المحكمة أن تفصل بقرار مسبب خلال خمسة عشر يوماً، بعد سماع أقواله، وإن لا وجب الإفراج عنه (والجرائم السياسية للشواربي:116).
21=تحكم وزارة الداخلية في التعامل مع المتهم فإن شاءت قاضته أو تركته في السجن من دون حكم:
في ظلال غيبة مبدأ الشفافية والمحاسبة والمراقبة الشعبية على السجون والمباحث، واستمرار التعتيم؛ صار القضاء-فضلا عن الجمهور-لا يدري من هو في السجون، من من أطلقوا، ولا يستطيع أن ينبس ببنت شفة، في حالات التغييب والاختفاء والإخفاء، ولا يستطيع أن يسأل مجرد سؤال عن الأعداد الأخرى، التي لم تقدم للمحاكمة، فالشائعات تزيد عدد السجناء السياسيين إلى عشرين ألفا، وشائعات أخرى تقللهم إلى عشرة آلاف، بينما بيان وزارة الداخلية، ينص على أنهم 991 متهما.
فوزارة الداخلية إن وجدت أن القضاة سيجرمون المتهم أحالته إليهم، وإن لا تركته من دون حكم، ويتناقل الناس أسماء كثيرة مشهورة ومغمورة، من أئمة الجوامع والفقهاء والوعاظ والمثقفين والكتاب والشعراء ؛ يقبعون في السجون منذ سنين، من دون محاكمات، منهم الدكتور بشر البشر ووليد السناني، وابنه سبيع بن وليد السناني، وسليمان بن ناصر العلوان، ومحمد بن سالم الدوسري، وعبد الرحمن السديس، وعشرات غيرهم من السجناء المنسيين
22=المحاكمات السرية –فوق كونها تخل بمبدأ الرقابة الشعبية؛ تجهيل الناس بأسباب العنف ، من أجل استبعاد العلاج السياسي والاكتفاء بالحل البوليسي :
العنف يستغرب عندما يوجد في بلد دمقراطي، يسمح للناس بالتعبير والتجمع، من أجل مصالحهم وعواطفهم وتعددية سياسية وفكرية واجتماعية ومساواة وتكافؤ في الفرص وتسامح.
و يستغرب العنف عندما يكون في بلد فيه قضاء مستقل، و يستغرب العنف عندما يكون في بلد فيه برلمان منتخب، يجسد سلطة الأمة غير المباشرة، وجمعيات أهلية تجسد سلطة الأمة المباشرة، وتداول للسلطة، وأجهزة رقابية ومحاسبة، وجمعيات لحقوق الإنسان.
ورغم ذلك فإن هذه الدول-عندما يوجد فيها عنف-تسارع إلى إطلاع المجتمع بشفافية على كل الملفات، فيسهل علاجه.
أما عندما يتكاثر العنف في دولة غير شورية، فإن الأجهزة القمعية تزيد الطين بلة.
فهي أولا لاتريد أن يراقب الشعب واليا ولا قاضيا، ولا أن يعرف الناس عن العنف إلا ما تفلتره من معلومات وآراء.
وهي ثانيا لا تستطيع أن تتلمس الأسباب الكامنة وراء العنف، لأن فقدان الشفافية يطمس الرؤية.
وهي لا تريد مجتمعا مدنيا ولا مجلس نواب، فحسب تصريح وزير الداخلية"مجلس نواب معين خير من مجلس نواب منتخب"، ويردد خلفها كتاب البلاط: لا خير في شورى النواب، ومع ذلك تظن أنها ستقضي بهذه الوسائل على الإرهاب.
والأجهزة القمعية تريد أن تستمر في التذرع بمكافحة الارهاب،لتبقى لها امتيازاتها الضخمة، ولها مكاسب قمعية واستبدادية كبيرة داخلية وخارجية أكبر من رفع لواء حرب الإرهاب، فالهدف الاستراتيجي لها، هو رفض دعوة مبدأ قوامة الشعب على الحكومة، وحقه في تقرير مصالحه أولا، ومراقبتها ثانيا، ومحاسبتها ثالثا. هذا هو الغائب عن العيان الحاضر في الأذهان، وهو سبب تدعمه القرائن والاستنتاج؛ واستنباط الخوافي.
إن الأجهزة القمعية لاتريد أن يعرف الشعب عن العنف إلا ما تنشره في وسائل إعلامها، وما ينطق به فقهاؤها في وسائل الإعلام.
السؤال الأساسي: ماهي الأسباب والدوافع الحقيقية، لاستبعاد الجمهور عن حضور المحاكمات، ولماذا كانت وسيلة التخلص منه هي ترويع دعاة حقوق الإنسان أولا؟، لقطع ألسنتهم، عن المطالبة بالشروط السبعة لمحاكمة المتهمين بالعنف،
ولقد سجنت الشيخ المجاهد المدني سليمان الرشودي والشيخ الدكتور موسى القرني لأنهما أرادا أن يتقدما إلى ديوان المظالم مطالبين بتطبيق القواعد السبع لمحاكمة متهمين بالعنف؟
وسجنت المدون فؤاد الفرحان، لأنه كشف تلفيقات الأجهزة القمعية، التي تسمي نفسها الأمنية، وهي التي تنشر الرعب بين المواطنين.
وسجنت الدكتور متروك الفالح، لأنه كشف فظائع السجون، في دولة عتمت على قمع حقوق الإنسان والمتهم والمسجون، وظنت أن سجلها يؤهلها لتكون ضمن المجلس العالمي لحقوق الإنسان!!!.
23=ليس للقاضي تحويل المحاكمة السياسية إلى سرية:
في ظلال هذه الحيثيات هل يصح أن يقال : إن للقاضي حق تحويل المحاكمة العلنية إلى سرية؟
وهناك عدد من القانونيين والقضاة-غير المستبصرين- يتحدثون عن حق القاضي في أي قضاء في استثناء المحاكمة من العلانية، ولكن هؤلاء لا يدركون الأمور السابقة ولا سيما التالية:
1-أن الاستثناء في القضاء السعودي صار هو القاعدة. لإن معيار العلانية والشفافية غير مستقر في إدارة الدولة السعودية عامة، ومن ضمنها القضاء، سواء في أنظمة اختيار القضاء، أو في الإطلاع على سجلات الإجراءات، ونشر الأحكام. وفي الاختيار والتعيين والترقي والجزاءات، بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بمدة البقاء في المنصب والأخلاقيات ، والإفصاح عن الدخل ، ونشر القرارات ، وإطلاع العامة على المعلومات.
على الرغم من أن نظام القضاء السعودي ينص على علانية المحاكمات، وأن السرية استثناء في حالات خاصة محددة في النظام، فإن أغلب القضاة السعوديين لا يرتاحون لحضور الجمهور، ويميلون إلى السرية، ومواربة الأبواب، في المحاكمات العادية، وبعضهم يغلقون الأبواب، ويأمرون الحاضرين بالخروج طوعا أو كرها، من دون أن يكون في الجلسة ما يستدعي السرية.
أما في القضايا السياسية فإن السرية صارت طابع المحاكمات، صارت عادة مألوفة درج عليها القضاة وهذا–إذا نظر إليه إحصائيا-صارت محصلته قلب القاعدة، فصارت السرية هي الأصل، والعلانية هي الاستثناء.
2-الأصل في المحاكمة الشرعية أن تكون علنية، وقد نص نظام الإجراءات الجزائية، على أن السرية استثناء، والاستثناء أمر إجرائي فهو مجال اجتهاد، فلا تترك قاعدة العلنية إلا بما هو أقوى اعتباراً منها، فهو مثل صرف النص عن ظاهره وتأويله، لا يكون إلا بقرينة تجعل المعنى البعيد المرجوح، أقوى من المعنى القريب الظاهر الراجح. لأن سلطة القاضي في الاستثناء ليست من دون معايير وضوابط، وأساسها مصلحة الخصوم، ولاسيما الطرف الأعزل.
من أجل ذلك لا يصح إيثار السرية على العلانية؛ إلا لدواع تجعل الاستثناء أقوى من القاعدة، لأن صلاحية القضاة في نظام خولهم حق تحويلها إلى سرية، مرتبطة بمبدأ المشروعية نفسه، مشروعية النظام الذي خولهم، ومشروعية اجتهادهم نفسه، وفق النقاط التالية
3-الأصل في مشروعية أي نظام وقانون أن يكون عادلا، فمن هو المخول بتقرير أن هذا النظام أو القانون عادل، هل هم القضاة أم الحكام أم الفقهاء؟، ما المسطرة التي تحد من الخراص. فالقاضي الذي يقرر السرية يخل بقاعدة رقابة الأمة، وهي قاعدة عظمى، كما أن النظام الذي خوله تحويلها إلى سرية، لم يصدر عن رأي شورى نواب الأمة، وفوق ذلك فإن القاضي نفسه، غير قادر على ضمان استقلاله، فكيف لا يتسرب الشك في أن تقرير السرية؛ هو من إملاءات وزارة الداخلية، هذه المسألة لا يحتاج إدراكها إلى ذكاء.
4-أليس المقصود من السرية في ألوف المحاكمات تجنب شهود الأمة وإطلاعها ورقابتها ومحاسبتها.ولو قال قائل إن المحاذير التى يخافها المدعي عليه من المحاكمة السرية إنماهي أوهام، وإن ثمة مفاسد ترتتب على العلانية، أقوى من المصالح، لكان كمن يقول:إن هناك مبررات لسرية الزواج، أقوى من قاعدة إعلانه،فهل هناك مبررات، تجعل رقابة الأمة على قضاتها-في هذه القضية حصرا- غير حميدة، وهل هناك دليل على أن القضاء قادر على حماية استقلاله، حتى في المحاكمات السرية.وسلطة القاضي في تحويل العلنية إلى سرية ليست مطلقة، بل منوطة بالمصلحة.
5- في تحويلها إلى سرية إخلال بقاعدة تساوي الخصمين أمام القاضي، إذ درجت أدوات الإعلام الحكومي على نشر التهم في وسائل الإعلام الداخلية والخارجية-لتشويه المتهم-، وأغلبها تواصل تبني وجهة نظر الحكومة، فكأن الحكومة المدعية قد ألقت دعواها في جلسة علنية، لاسيما والإعلام عندما يشن حملة تقطع الألسنة، فكيف عندما يحين وقت تقديم فحص الأدلة ودفوع المتهمين تصبح سرية، ومقتضى ذلك حرمان الطرف الأضعف من مبدأ تساوى الخصمين أمام القاضي، وهذا تفريق بين متماثلين، في المركز القضائي.
6- أن المادة (155) من نظام الاجراءات الجزائية الذي قد يعتمد عليها القاضي في استثناء المحاكمة من العلنية إلى السرية؛ قد اشترطت أن لايلجأ إلى السرية، إلا لتحقيق إحدى المصالح الثلاث الآتية:
أ-مراعاة الأمن.
ب-المحافظة على الآداب العامة.
ج-أن تكون السرية ضرورية لظهور الحقيقة.
ونصها (يجوز للمحكمة استتثناءَ ان تنظر الدعوى كلها و بعضها في جلسات سرية اومنع فئات معينة من الحضور فيها مراعاة للامن او محافظة على الاداب العامة او اذا كان ضرورياً لظهور الحقيقة).وقد حدد نظام المرافعات-والموجه أصلاَ للقضاة- حالات الاستثناء من علانية المحاكمة بقوله(تكون المرافعة علنية الا اذا رأى القاضي – من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب أحد الخصوم - اجراءها سراَ, محافظة على النظام او مراعاة للاداب العامة او لحرمة الاسرة (المادة الستون من نظام المرافعات الشرعية).
فوجود نص يسمح بذلك (الاستثناء) ، إنما يسمح به توخيا للعدالة، وما ذكرنا من تسبيب يوضح أن الاستثناء يخالف قاعدة العدالة، فالغاية هي العدالة، وكل قانون أو إجراء لايحافظ على العدالة، لامشروعية له.
24=المحاكمات السرية من تجليات الحكم البوليسي)
هل نحن أمام قضية صغرى ينتهك فيها القضاء؛ المبادئ الحقوق السبعة للمتهمين، ولا سيما عنصر الشفافية والعلانية،أم نحن أمام قضية كبرى تشرعن القضاء السري، عبر آلاف المحاكمات السرية،التي صارت فيها العلانية هي الاستثناء، بل نحن أمام تجل لوجه الحكم البوليسي القمعي، الذي أنتج العنف، ويريد أن يعالجه بنفس الأساليب، أي أنه يعيد إنتاج الأزمة من جديد.
فقد يسيء الجهلة الشرسون إلى سمعة الدولة، وهم لا يشعرون، وهم يظنون أنهم يحسنون، وأنهم يؤدون الواجب بحرص ،ويقومون بتنفيذ الأوامر بحزم، فيصبحون مثلا للعسف والقهر، ويستخفون بحقوق الإنسان وكرامته، باسم الأمن الوطني، وينتهكون الحريات ، باسم التحريات، ويسكتون أصوات المطالبين بالحرية والحق، باسم الحفاظ على الأمن، ويمارسون القمع والكبت والتعذيب، باسم التأديب والتعزير، وهذا يؤدي إلى ما يسمى بالنظام البوليسي (القيم:192).
ونحن –كغيرنا من تيار المطالبة بحقوق الناس الشرعية/ الدستور والمجتمع المدني، نرفض العنف والعنف المضاد معا، ونرى أن حماية وصيانة حقوق الإنسان، وإقرار الدولة بقوامة الأمة وسلطتها على الحكومة؛ هو الضمان الحقيقي ضد الإرهاب والعنف وأن مصادرة حقوق الإنسان عامة وحقوق المتهم والمسجون خاصة هي السبب الرئيسي للعنف الذي عانت منه البلاد. لكي لا تدوس الحكومة برجليها ما كتبته الدولة بيديها.
إن تضخم السلطة التنفيذية وترك تحديدها يدعوها إلى البطش، فالقوة بطبيعتها تؤدي إلى التعدي والطغيان، كما قال تعالى "كلا إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى"، ولذلك شرعت الدول الشورية العادلة، قوانين وضوابط، تحمي الفرد من طغيان الدولة، وتجير الضعيف من بطش القوي، وتقلم أظفار الشرط، كي لا تطول.
هل نستطيع ألا نظن أن المحاكمات السرية؛ تهدف إلى التعتيم والاستبداد، وتخشى كشف كل التفاصيل؟
هذه سمة من سمات الحكم البوليسي، ويدل على ذلك ماتفوه به بعض المسؤولين؛ من فوقية واستبداد وتفرد في القرار، وقمعهم كل تعبير مهما كان سلميا هادئا، وتنصيب أنفسهم أوصياء على المجتمع، وتقديم وجهة نظرهم على أنها الحق الذي لاريب فيه،ورفضهم رقابة الأمة عليهم، فضلا عن محاسبتها لهم، لندرك جزءا من الإخلال بمفهوم التعاقد السياسي، بين القيادة والشعب.
ويمكن أن يستنتج من ذلك أن وزارة الداخلية تضخم العنف، إما من باب تضخيم نشاطها، وهذا أمر مألوف في الدوائر الحكومية، أو من أجل ترويع الناس على العموم، ودعاة الدستور والمجتمع المدني على الخصوص، أو من أجل تضخيم ميزانيتها، أو من أجل مجاراة (بوش) في حملته العشواء.
ومن أجل ذلك فإن الأجهزة القمعية تريد الانفراد بملف معالجة العنف، من غير أن تدرك أنها هي أحد مكونات العنف الرئيسية، وأن العنف على فظاعته، لا يعادل عشر سمات الاحتقان (الأنوميا) في المجتمع، لأن غير المستبصرين في الأجهزة البوليسية التي ظلت تمارس انتهاكات حقوق الإنسان؛ أكثر من ثلاثين عاما، لن يتقبلوا فكرة القضاء العلني، الذي يقود المحاسبة القضائية، ومن أجل ذلك قد يعمدون إلى فبركة التهم في قضايا جانبية، ليس على من يتهمونهم بالعنف وحدهم بل حتى على دعاة فتح ملف حقوق الإنسان.
وعلانية المحاكمات هي إحدى أهم الأدوات ، التي تثبت بها الدولة مصداقيتها في تحري العدل والإنصاف، لكشف التجاوزات والتلفيقات والدسائس، فإذا فرطوا فيها انفتحت عليهم أبواب التهم الملقاة على عواهنها، وحضور الجمهور يقلل من فرص التلفيق، ويسهم في تكوين الرأي العام المستنير.
من ذلك وهذا ما صرح به وزير الداخلية غداة إطلاق سراح الفوج الأول من دعاة الدستور والمجتمع المدني الإسلامي الثلاثة (الحامد والفالح والدميني). من أنه يرجو أن يصبحوا مواطنين صالحين. بهذه الشروط والمواصفات؛ يتم اعتبار المجاهد المدني مواطنا صالحا تائبا، حسب مواصفات المواطن الصالح، في قاموس وزارة الداخلية، بعبارة أخرى دعاة المجتمع المدني، لن يصبحوا صالحين، ماداموا ينادون بحقوق الأمة، حتى يستوعبوا درس الحكم عليهم مابن ست وتسع سنين، أفبمثل هذه الأفكار يحارب الإرهاب!!
وكان الوزير قد نعت دعاة الدستور المجتمع المدني الإسلامي على العموم بأنهم الوجه الآخر للعنف
فالعلاقة بين الحاكم والأمة هي "ذهب المعز وسيفه"،كما قال أحمد شوقي، أي ليست علاقة قائمة على مفهوم البيعة الشرعية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي أساسها تعادل الحقوق والواجبات، بين وكيل عادل شوري يقود الأمة بكتاب الله، وأفراد وجماعات من الأحرار.
وثبت للرأي العام، أن بعض القضاة، لا ينتبه لما تمارسه الأدوات القمعية من تشويه دعاة الدستور والمجتمع المدني، وعلانية المحاكمة-إذن- إحدى وسائل كبح التمادي في تلفيق التهم.من أجل أن تصبح هذه المبادئ السبعة ولا سيما عنصر الشفافية والعلانية هي القانون الفعال الذي يحد من تجاوزات الذين ينتهكون حقوق الإنسان، كالتوقيف المتعسف، والإيقاف دون محاكمة، والتعهدات الظالمة والمنع من السفر و من المضايقات الظاهرة والباطنة التي يتعرض لها الآمرون بالمعروف عموما والعدل والشورى وحقوق الناس خصوصا.فهم عرضة لأساليب تندس خلف الكواليس، لإشغال دعاة الإصلاح بأنفسهم أو بذويهم.
والعلاقة بين نمط الدولة البوليسية والسرية معروفة، فعندما تزداد الشراسة تكون السرية نوعا من الإرهاب القضائي يتمم ضلعي مثلث إرهاب الدولة الإرهاب البوليسي والإعلامي.
25=إن القضاء السعودي حين ينخرط في مشروع وأد حقوق الإنسان يشوه صورة القضاء الإسلامي ويشوه الشريعة فيقدم مزيدا من الفرص لانتشار الإمبريالية والعلمانية:
إن هؤلاء الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة، ضد حقوق الإنسان،هم وحدهم الكارهون لفتح ملفات حقوق الإنسان؛ لا يريدون أن تستقر العلانية قاعدة مرعية، في أي خصومة بين الأفراد العزل والحكومة، وعدد من القضاة من من فرط في ذلك في مامضى،يريدون استمرار التعتيم، بدلا من أن يعزم الجميع على الالتزام بحقوق الناس في ماأتى, لكي يستغفروا الله عن ما مضى، من التفريط بحقوق العباد والبلاد، لا سيما ما مضى من انتهاكات حقوق الإنسان والمتهم والمسجون، و تعذيب النفوس والأجساد، وأحكام القضاء القاسية، و إقرار التعذيب أو التدليس عليه وقمع سجناء الرأي والتعبير والتجمع السلمي ، خلال أكثر من ثمانين عاماً، من محاكمات سرية أو تدليس على ممارسات البوليس.
وأمثال هذه التطبيقات والممارسات الخاطئة، التي هي إخلال صريح بمفهوم البيعة الشرعية، وليست قضايا فردية، بل هي إخلال منهجي بمعيار العدالة،الذي هومقتضى عبارة الفقهاء"تصرف الإمام منوط بالمصلحة"، بحكم كونه وكيلا عن الأمة لا عليها، وللمصلحة ضوابط ومعايير لاتخفى،أهمها صدور الحاكم عن رأي عرفاء الأمة(نوابها)، -كما نص فقهاء القضاء و السياسة الشرعية-أي كونه سلطة تنفيذية.
إن الإخلال بحقوق الإنسان والمتهم والسجين؛ ليس اجتهادا خاطئا عابرا، بل هو إخلال منهجي فظيع، فهو-إذن- خرق لمفهوم الدولة القائمة على البيعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي ينص على أن تصرف الإمام إنماهو نابع من كونه وكيلا عن الأمة، ومن كونه منوطا بالمصلحة، ومن كونه صادرا عن إرادة عرفاء الأمة.
عندما ننسب الاخلال بمبادئ العدل ووسائله الى الشريعه نفتح الباب الموارب للعلمانية والإمبريالية، ذات الحرية البراقة والعدل الجذاب، فأين نحن من علياء الشريعة؟:
والدعاوى إن لم يقيموا عليها × بينات أصحابها أدعياء
لقد سما الإسلام بحقوق الإنسان ورفعها إلى مستوى التكريم والتقديس، قبل صدور ميثاق حقوق الإنسان بأربعة عشر قرنا، و غير المتأمل قد يغفل عن قدرها؛ إذا قارنها بما وصلت إليه الحضارة الغربية الآن، لأنها تبدو اليوم نمطا مألوفاً أنتجته العلمانية منذ الثورة الفرنسية، ولكن من أراد أن يقدرها حق قدرها، فلينظر إليها في سياق التاريخ، إذ إن الإسلام أول من حرم التعذيب، وأول من نادى بالبراءة الأصلية، وأول من نادى بأن البينة على من ادعى، لا على المتهم، وأول من نادى بدرء العقوبة بالشبهة، والفقهاء أول من قرر أن السجن (تعويق) عن الحركة، وليس بتضييق يضير العقول والنفوس والأجساد، ورسخ قاعدة العلانية في المحاكمات..
لقد استفاد الغرب من مبادئ العدالة الإسلامية، فحرم التعذيب وجرمه، ونصت قوانينه على أن يعاقب بالأشغال الشاقة، مع الحبس بضع سنوات (من ثلاث إلى عشر)؛ كل من أمر بتعذيب متهم أو عذبه بنفسه، أما قضاؤنا فيشرع التعذيب أو يدلس فيه، أو يعتد بإقراراته، ثم يحاكم المتهم محاكمات سرية، ثم يتشدق بالشريعة والدين والعقيدة واتباع منهج السلف الصالح!!. وصدق الله العظيم: "وإن فريقا منهم ليلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب". وبذلك يتبين أن إخلال القضاء بالحقوق السبعة،في المحاكمات السياسية على الخصوص، وجميع المحاكمات على العموم ينافي العدل و القسط.