1- في الوضع الطبيعي: الاحتلال المصدر الرئيس لانتهاكات حقوق الإنسان

 

منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين ثم عندما اعتُمِدت القضية الفلسطينية كقضية سياسية لشعب يناضل من اجل الحرية والاستقلال وإلى حين حدوث الانقسام صيف 2007 و مفهوم حقوق الإنسان في فلسطين يتركز على الحقوق السياسية والاجتماعية التي تُنتهك يوميا من طرف الاحتلال،وهكذا بالرجوع للقرارات والمؤتمرات والكتابات المتعلقة بحقوق الإنسان في فلسطين سنجد أنها كلها تتحدث عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لهذه الحقوق بدءا من حق تقرير المصير والحق بالمقاومة إلى الحق بالتنقل والسكن والعمل وحرية الرأي والتعبير الخ.في حالة شعب تحت الاحتلال لا يمكن الحديث عن انتهاك لحقوق الإنسان إلا من طرف الجيش المحتل.  وعليه وإلى ما قبل الانقسام كانت إسرائيل هي الطرف الوحيد المُدان والمتهم بانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني وكانت منظمات حقوق الإنسان خير سند للشعب الفلسطيني في مواجهة هذه الانتهاكات ، صحيح أن حالات من انتهاكات حقوق الإنسان مورست خلال سلطة الحكم الذاتي وقبل الانقسام إلا أن هذه الانتهاكات وبالرغم من خطورتها إلا أنها كانت محدودة ولم تبعد الأنظار عن الاحتلال وممارساته وإن كانت السلطة هي المتهمة آنذاك بهذه الانتهاكات كالضرب والاعتقال إلا أن عدم اعتراف المعارضة وخصوصا حركة حماس بشرعية السلطة وتشكيلها لسلطة موازية كان بمثابة انتهاك للشرعية السياسية وامتهان لها الأمر الذي شجع الأفراد على التمرد على السلطة ومخالفة القانون.     

 

2- انتهاكات حقوق الإنسان في ظل الانقسام :الارتداد على الذات

 يمكن اعتبار عام 2004 بداية تدهور خطير في مجال انتهاك حقوق المواطن الفلسطيني على يد فلسطينيين الأمر الذي شكلا ارتدادا لمنظومة حقوق الإنسان من سلاح بيد الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال لسلاح ضدهم ،حيث شهد هذا العام حالة من الانفلات الأمني نتج عنها انتهاكات للحريات وهو انفلات لم يكن مصدره قوى المعارضة فقط بل شمل انفلات الأجهزة الأمنية والعائلات وميليشيات مسلحة أو بصيغة أخرى كانت حالة من الفوضى المعممة الناتجة عن ضعف السلطة وخلافات بين مكونات السلطة،ثم تواصلت الانتهاكات خلال عام 2005 حيث شهد هذا العام انتهاكات للحريات الشخصية وللممتلكات وخطف للأفراد والأجانب وحالات اغتصاب بالإضافة لانتهاكات للحريات العامة على خلفية سياسية بل وصل الأمر لدرجة الاحتراب الداخلي.  

سجلت أحداث يونيو 2007 انزلاقا خطيرا  في مجال انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني ،ونعتقد أن أخطر الانتهاكات الناتجة عن هذا الحدث هو انتهاك حق تقرير المصير السياسي الداخلي على يد الفلسطينيين أنفسهم ،فإذا كانت الانتخابات آلية ليقرر الشعب مصيره السياسي الداخلي (شكل إدارة سلطة الحكم الذاتي) فإن الانفلات الأمني ثم الانقسام انتهكا هذا الحق،  كما نتج عن الانقلاب ثم  الانقسام  في الشأن السياسي العام ما هو اخطر وهو تراجع الحديث عن حق تقرير المصير للشعب في مواجهة الاحتلال وهو الحق الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة وإعلانات متعددة لحقوق الإنسان حيث أنشعل الفلسطينيون بانتهاكات متبادلة بين قوى كان يفترض أن تكون قوى حركة تحرر وطني ، وهذا انتهاك  لحق سياسي عام لكل الشعب، أن نتحدث اليوم عن انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني على يد فلسطينيين وان ينصب الاهتمام الدولي وخصوصا من طرف منظمات حقوق الإنسان على الانتهاكات الداخلية فهذا يقلل من شان الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة.الانقسام أدى لانتهاك حق الأمة بالحرية والاستقلال، و أدى لامتهان الكرامة الوطنية نتيجة الصورة السلبية التي أخذها العالم عن الشعب الفلسطيني، وهذه حقوق سياسية أساسية. 

الانتهاكات الداخلية لحقوق الإنسان متعددة ولا داع لسردها فقد رصدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى هذه الانتهاكات التي تراوحت ما بين انتهاك الحق بالتعبير عن الرأي والانتماء السياسي وحتى التعبير عن رموز الهوية الوطنية من خلال التظاهرات السلمية و لبس الكوفية الوطنية أو رفع الرايات الخاصة بالأحزاب  والاستماع  للأغاني الوطنية بالأفراح إلى الاعتقالات وتوجيه اتهامات باطلة تصل أحيانا لحد الاتهام بالخيانة، والقتل وإطلاق الرصاص المتعمد على المعارضين السياسيين وتلفيق تهم أخلاقية ضدهم،وكذا إغلاق المؤسسات والجمعيات المدنية ومراقبة الاتصالات الهاتفية واقتحام حرمات البيوت وحتى دور العبادة الخ.لم تترك الأطراف المتصارعة،حركتا حماس وفتح والحكومتان الداعمتان لهما حقا من الحقوق إلا وانتهكته بشكل أو أخر ،لا شك أن أخطر الانتهاكات هي التي جرت في قطاع غزة أثناء وبعد انقلاب حركة حماس ،ولكن الحكم على الانتهاكات لا يكون فقط من خلال عدد الانتهاكات التي يمارسها كل طرف بل في انتهاك مبدأ الحريات وغياب الضمانات القانونية والسياسية والأخلاقية لممارسة هذه الحريات، والخطورة أيضا في تفشي ثقافة تبرر الاعتداء على الحريات و القتل تحت شعار التكفير أو الخيانة وبدون محاكمة ويكون الأمر أكثر خطورة عندما تفوض السلطة القائمة لجهات أمنية أو جماعات مسلحة محلية صلاحية اخذ القانون بيدها أو يُقدم البعض من أعضاء الحركة والأجهزة بممارسة اعتداءات وعمليات ابتزاز بعلم أو بدون علم قياداتهم و تصمت هذه القيادات عن تصرفاتهم وهذا ما جرى بقطاع غزة قبل وأثناء العدوان الإسرائيلي الأخير.

لا غرو أن غالبية انتهاكات حقوق الإنسان الداخلية تتحمل مسؤوليتها مباشرة القوى السياسية ،فعندما تُكَفِر حركة حماس من خلال قادتها السياسيين وشيوخها وإذاعاتها ،منتسبي الأجهزة الأمنية وأعضاء حركة فتح فهذا يعتبر بمثابة منح رخصة لعناصر حماس بفتل وملاحقة أبناء فتح ومنتسبي الأجهزة،وعليه تتحمل حركة حماس كامل المسؤولية عن الانتهاكات الممارسة ضمن هذا السياق،أيضا عندما تتهم حكومة تسيير الأعمال برام الله  وحركة فتح  حركة حماس بالخروج عن القانون فهذه بمثابة رخصة لأجهزة الأمن بالضفة لاعتقال من تعتبرهم مهددين للأمن وخارجين على القانون من أبناء حركة حماس وبقية الفصائل.الاختلاف حول مفهوم الشرعية ومن هي الحكومة صاحبة الشرعية وبالتالي الاختلاف حول مفهوم المعارضة وحقوقها السياسية ،كان أيضا وراء انتهاك الحريات الفردية والعامة في الضفة والقطاع وانتهاك مبدأ المساواة أمام القانون والمساواة في شغل الوظائف والتمتع بالخيرات العامة والمساعدات الخارجية ، فمبدأ المساواة بعيدا عن الانتماءات السياسية أو الأصول العرقية والجهوية هو الضامن للحريات والحقوق.

 

3- دور المصالحة الوطنية في حماية حقوق الإنسان 

 المصالحة الوطنية السياسية من حلال انجاز مهام لجان الحكومة والمنظمة والانتخابات والأمن ،كفيلة بحل الجزء الأكبر من تداعيات الانتهاكات والتبييض الجزئي لملف حقوق الإنسان ،وقد أوضحنا أن الخلافات السياسية وما صاحبها من تحريض كانت وراء انتهاكات حقوق الإنسان الداخلية،وبالتالي يمكن للجنة المصالحة التفرغ للمصالحة بأبعادها الاجتماعية والقانونية  :-

 

أولا:بالنسبة لمعالجة تداعيات الانتهاكات السابقة

     أ- عقد تجمعات ومؤتمرات موسعة حول المصالحة والتسامح تشارك بها شخصيات سياسية ودينية وأهالي الضحايا.

ب- تنظيم حصص ومحاضرات بالمدارس والجامعات حول التسامح والمصالحة الوطنية،وكذا نظم أغاني وأشعار وعرض مسرحيات حول الموضوع.               

ج-إشراك لجان الإصلاح والمخاتير الذين تراكمت عندهم تجربة في هذا المجال في تسوية الحقوق الخاصة الناتجة عن الانتهاكات.

د-تأسيس صندوق لتعويض الضحايا ويمكن تمويل الصندوق من دول. و جهات عربية وإسلامية معنية بالمصالحة.

هـ-استمرار عمل لجنة المصالحة بغض النظر عن نتائج اللجان الأخرى وحتى لو تعثرت المصالحة السياسية.

 

ثانيا:بالنسبة للضمانات المستقبلية لحقوق الإنسان

أ‌-   حيث أن غالبية انتهاكات حقوق الإنسان تكون على خلفية سياسية وبسبب التحريض والتعبئة الأيديولوجية ـفإن وضع حد للتحريض ووضع قانون يجرمه يعتبر أمرا ضروريا .

ب‌- التأكيد على الفصل بين الحق بممارسة الحريات العامة والخلافات السياسية.

ج‌-   ضرورة تفعيل دور القانون والقضاء وعدم السماح للفصائل والعائلات بأخذ القانون بيدهم.

د- تشكيل مكتب دائم للجنة المصالحة لمتابعة الانتهاكات وقت وقوعها.

هـ-  تفعيل دور المنظمات الحقوقية وتوطين أنشطتها بحيث تكون أقرب للاستحقاقات الوطنية من خضوعها لمتطلبات ونظرة الجهات المانحة قيما يتعلق بحقوق الإنسان.

وـ -عمل برامج مشتركة حول حقوق الإنسان مع التركيز على الانتهاكات الصهيونية لهذه الحقوق ،تبث عبر جميع الفضائيات والإذاعات الفلسطينية والصديقة.