السادة أعضاء البرلمان الأوربي المحترمين...

السيدة رئيسة الجلسة المحترمة...

السيدات والسادة الحضور.... 

      اسمحوا لي أن أتقدم إليكم بالشكر الجزيل والإخوة الذين وفروا لنا هذه الفرصة التي سنحت لشرف اللقاء بكم لكي أتكلم لكم وانقل إليكم صورة واضحة وأمينة عن الوضع الصحي والحالة الإنسانية المؤلمة التي يعيشها شعبنا العراقي المنكوب وهو وضع مأساوي لا يطاق يدعو جميع أحرار العالم والمهتمين بحياة البشر في هذا الكون الشاسع للإسهام بالفعل الجاد والقول الحق والوقفة الهادفة من اجل إنقاذ الإنسان والحفاظ على ابسط مقومات عيشه في توفير الحياة الهانئة  والحرية الكريمة والسكن الآمن والعمل المثمر في قدرة ذهنية وطاقة جسدية وسلامة بدنية بلا معاناة وألم ومشاق وتمييز خصوصا عندما يتعايش هذا الإنسان في ارض وبلد كالعراق الذي حباه الله بثروات طبيعة من ماء ونفط ومعادن ثمينة وارض خصبة غناء كفيلة بتحقيق العيش الكريم. 

      أنا من ارض مابين النهرين العريقة التي كانت تسمى ارض السواد من كثرة رخائها وزحمة سكانها ووفرة العيش فيها، ومن شعب عريق بالحضارة والإسهام بالعطاء للعالم بالحرف والقلم والقوانين منذ الآلاف السنين, كما قرأتم في التاريخ القديم. 

العراق أيها السادة بخيره وعطاءه اجتذب إليه بمرور الزمن شعوبا وأعراقا مختلفة فكان لمكوناته هذه تشكيلة شعب موزائيكية، سكنته قوميات وديانات وأعراق متعددة بأمن وسلام وتآلف واستقرار مع انه جابه موجات غزو عديدة ومحاولات اجتياح كبيره طمعا بثرواته وموقعه على مر العصور وخرج منها بدفاع مستميت من اجل البقاء منتصراً واحدا موحدا. 

يخاطبكم طبيب استشاري متمرس بإمراض القلب، خدم في الدولة العراقية لأربعة عقود من الزمن في مجال اختصاصه وعايش حكومات متعددة وأنظمة سياسية متعاقبة تعرفوها، ليس له انتماء حزبي ولا سياسي معين ويشهد له شعبه وطلابه وزملاؤه في العراق بالعطاء في مجال الطب والصحة في الخدمات الطبية العسكرية والمدنية مهنيا وأكاديميا، واختص وتدرب في مستشفيات أوربا في انكلترا وايطاليا وايرلندا وفرنسا وهنا في بلجيكيا في اختصاص أمراض القلب في فترات حرجة من الحرب الطويلة والحصار الخانق ونقل احدث ما توصلتم إليه من تقنيات وبحوث في اختصاص أمراض القلب ليستفيد منها مرضى العراق وأطباؤه في زمن كان العراقيون يعانون فيه من ويلات حصار تقني وعلمي واقتصادي طاله لأكثر من 13عام، وشهد عملية غزو العراق ورأى بعينيه يوم 9و10من نيسان عام 2003 كيف اجتاحت دبابات الغزو واحرق ونهب وسلب اكبر مركز لجراحة القلب في وسط بغداد أمام أنظار العالم كله ليترك مفتوحا للنهب لأيام عديدة بحماية الغزاة. 

في هذا المركز كنا نجري (8) ثمانية عمليات من عمليات القلب المفتوح لمرضى وأطفال العراق، وقد ساهم أطباء أوربيين من انكلترا وسويسرا وفرنسا وايطاليا واسبانيا وألمانيا في العمل الطوعي والإنساني في هذا المركز، وأنا أتذكر نداء زميل جراح من جنوب فرنسا حين كانت بغداد ومنطقة المركز تتعرض لقصف جوي كثيف أثناء الغزو يناديني بالهاتف بالخروج مع زملائي من المركز للنجاة لان المركز من ضمن الأهداف، كما تأكد له من الصور المباشرة حيث سبق أن عمل معنا فيه، وحينما كانت دموعي تنسكب وأنا أشاهد مركز القلب يحترق واستصرخ الغزاة لحماية المركز.  

كان قائد المجموعة التي أشرفت على العملية من على ظهر الدبابة يقول كف عن دموعك سنبني لكم مستشفى أعظم واكبر واحدث. 

      سادتي أعضاء البرلمان الأوربي والحضور الأفاضل حينما علم زملائي وطلبتي الأطباء في العراق باني سأكون بينكم، حملني اتحادهم الذي شكلوه مؤخرا والذي يضم أكثر من 350 طبيبا أن انقل إليكم بأمانة وحرص ما يحملوه من هموم ومعاناة بسبب الوضع الصحي المتفاقم بالعراق ورسالتهم لدي، وصلتني قبل يومين من حضوري هنا. 

      أنا تركت العراق بعد أن استمريت بالعمل فيه مع زملائي لإعادة العمل بجزء مما تبقى من المركز لغاية يوم 5 مارس 2005 بعد أن استلمت رسالة تهديد بالتصفية والموت مع عشرة من أطباء القلب إن لم نترك العراق قبل هذا الموعد, لازالت أشباح حروفها وطريقة كتابتها تبعث في الرعب والألم. 

قبل الغزو أيها السادة و بالرغم من ظروف الحصار القاسية كان لدينا في العراق 18 كلية طب وست كليات لطب الأسنان وأربعة للصيدلة وعشرات من كليات ومعاهد ومدارس التمريض ومعاوني ومساعدي الأطباء، إن أول كلية للطب في بغداد افتتحت عام 1927 وكان أول عميد لها لفترة طويلة الطبيب الانكليزي سندرسن كاتب المذكرات الذهبية عن فترة خدمته الطبية لعقود في العراق بعنوان عشرة ألاف ليله وليله في العراق وكان لدينا أكثر من 39000 سرير طبي بمستشفيات تعليمية رصينة و مستشفيات مدن و أقضية و نواحي ومراكز طبية وكان لدينا أكثر من34000 طبيب مسجل 20% منهم اختصاصيون وكنا نخرج أكثر من ألف طبيب سنويا وكان لدينا دراسات طبية تخصصيه عليا لأكثر من 30 اختصاص تمنح البورد العراقي لأكثر من 250 طبيب سنويا. 

قامت هذه الكوادر وبكفاءة عالية بواجبها تجاه جرحى ومعوقي حرب طويلة كان العراق فيها محاصرا علميا. 

الدستور التأسيس لدولة العراق منذ العشرينيات يكفل للمواطنين حق التعليم والعلاج الحكومي مجانا بكل مراحل التعليم ولكل اختصاصات الطب العلاجي والوقائي. 

وعمت البلاد خدمات هذه المؤسسات جميع أنحاء العراق من الريف والقرى والمدن في جميع المحافظات لان نظام التعليم في العراق بريطاني الأسلوب منذ نشأته، تدرك وتعرف مستوى أطباء العراق وكفاءتهم ومستوى التعليم الطبي والصحي فيه وتشكل نسبه كبيره منهم اليوم كفاءات منتشرة في أوروبا وبريطانيا, كما قيمت بإيجاب منظمة الصحة الدولية واليونسكو واليونيسيف والصليب الأحمر والمنظمات الأخرى ما حققه العراق في مجال برامج التلقيحات والتطعيمات وطب الأسرة والصحة العامة وصحة الأطفال وتأهيل المعوقين وتنظيم النسل وانخفاض نسب الوفيات دون الخامسة وحديثي الولادة منذ عام 1980 مما أجهض انتشار الأوبئة والأمراض المعدية كالكوليرا وشلل الأطفال و السحايا والخناق و التدرن، كما كان العراق السباق في المنطقة بالسيطرة على انتشار مرض الايدز الجنسي ومكافحة الإدمان وتناول المخدرات وبرامج الصحة المدرسية ومراكز حماية الأطفال والأمومة وبناء المراكز التخصصية لإمراض العقم والسرطان والقلب والجهاز العظمي والغدد والنظائر المشعة و الأعصاب والعيون والشلل و التأهيل و الأطراف الصناعية والتسمم و التداوي بالأعشاب والوخز بالإبر والعيون. 

كذلك نجاح مشروع الحصة الغذائية وبرنامج صرف علاج الأمراض المزمنة والعيادات الشعبية والتامين الصحي والاستفادة من معاهدة النفط مقابل الغذاء والدواء في التخفيف من آثار الحصار المفروض على العراق على الخدمات الطبية قبل الاحتلال، كما كان أسلوب استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية منذ السبعينيات في القرن المنصرم أسلوبا ناجحا في استيراد الدواء الأمين والفاعل والرصين من الشركات الدوائية الرصينة العالمية والمتعددة الجنسية المعروفة وكذلك كان الدواء المصنع محليا بنفس المواصفات وتخضع جميع الأدوية والعقاقير المستوردة والمصنعة لتقييم نوعي وتسجيل مركزي كفؤ ولغرض الحماية من نكبات الدواء الجانبية تم حصر استيراد الدواء بالمؤسسة الاستيرادية لوزارة الصحة وبإشراف علمي لهيئة انتقاء كفوءة. 

السادة أعضاء البرلمان الأوربي المحترمين:

الزميلات والزملاء الأفاضل: 

ما الذي أحدثه غزو العراق بعد نيسان عام 2003 ونحن نمر بذكراه السادسة البغيضة في الوضع الصحي و الإنساني في العراق: 

لكي اختصر الكلام ولضيق الوقت ستوزع لكم كراسات باللغة الانكليزية تنقل إليكم صورة واضحة بالأرقام تعكس وضع بلدي الصحي، وهذه الأرقام ليست من نسج الخيال ولكنها أرقام من دراسات ومتابعات منظمات ومؤسسات وجمعيات عالمية ومهنية وإنسانية مشار إليها إزاء كل رقم ومعلومة.  

أما على الأرض والواقع فستوزع لحضرتكم أقراص مصوره لغيض من فيض من العراق موثقة لمشاهد تعكس معاناة شعبي من هول القصف والتخريب والدمار للبنية الأساسية والعنف والإرهاب والقتل الذي استهدف المواطنين وأطباؤه وكفاءاته وعلماؤه والتهجير القسري داخل وخارج العراق ومعاناة المرأة والأرامل واليتامى وانتشار الجريمة والأمراض والأوبئة وتجارة الدواء الفاسد والمخدرات ومخيمات المهجرين وحالهم ومجازر الاحتلال في حديثه والزنجيلي والمحمودية والقصف العشوائي للمساكن والأحياء السكنية وتصفية المواطنين بحجة القضاء على الإرهاب والعنف مع الإنكار الكامل لحق العراقيين في المقاومة والتخلص من الاحتلال البغيض الغاشم والغير مبرر، مع إن كافة الشرائع والقوانين الدولية تكفل للشعوب حق المقاومة بكل الأساليب المتاحة، ولكني سأكتفي بالذكر نحن بلد فيه: 

1.  هاجر أكثر من 70 % من أطباؤه.

2.  فقد أكثر من 5500 من علماؤه وكفاءاته بين قتيل وسجين ومهجر.

3.  70%من المستشفيات دون مستوى الأداء اللازم وما بقى بين مهدم أو مداهم أو مسروق.

4.  90% من الدواء المتواجد في الصيدليات غير مقيم وغير مسجل أو فاسد أو ملوث يجلب بالسوق السوداء عبر الحدود من شركات وهمية تنتشر فيه أعداد بآلاف من صيدليات و مذاخر غير مجازة تدار بأشخاص ليسوا صيادلة.

5.   تستخدم فيه المستشفيات كأماكن للتصفية الجسدية العرقية والطائفية وإرهاب المليشيات.

6.  وزارة الصحة تدار ضمن محاصصة طائفية تحدد هوية الوزير والمدراء العامين وتسيطر عليها أحزاب ومليشيات دينية وطائفية ويعمها فساد مالي وإداري كبير ووفق تقارير هيئات النزاهة، طالت أكثر من 2 بليون دولار بسبب العقود الوهمية والارتشاء.

7.   لا دور رقابي أو تصحيحي يذكر للنواب الأطباء في البرلمان بل ربما يكون لتداخلاتهم دورا سلبيا في حجم وطبيعة الفساد المالي والإداري.

8.  انتشار الأمراض النفسية والإدمان على المخدرات وتنشيط زراعة الخشخاش والأفيون.

9.   التلاعب بقوائم الأدوية الأساسية واستبدال مفرداتها.

10. انتشار الأوبئة وعدم مصداقية الإحصائيات أو افتقادها كالكوليرا والحصبة والخناق وداء القطط وتفاقم حالات التدرن ومرض الايدز.

11.  فقدان سلامة الغذاء المستورد.

12.  ارتفاع نسب وقوع مرض السرطان وطبيعة الحالات المسجلة حديثا وزيادة حالات الأمراض والتشوهات الخلقية بسبب تفاقم مضاعفات التلوث الإشعاعي وحرق الغابات والأشجار وتلوث الأنهار بالصرف الصحي و بالأخص بالوسط والجنوب بسبب استخدام اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض والقنابل العنقودية ومحاولات منع الإجراءات العلاجية والمسوح لمعرفة أماكن التلوث واستخدام وسائل التطهير منها.

13.   انتشار الألغام في مواقع الحروب السابقة والقنابل الغير منفجرة وبالأخص في البصرة ومناطق الحدود.

14.   فقدان التعاون والانسجام مع المنظمات الإنسانية والطوعية كجمعية الصليب والهلال الأحمر وغيرها والفساد المالي في جمعية الهلال الأحمر العراقية.

15.   نقص الأدوية والمستلزمات و التخصيصات المالية لم تتجاوز 4 % من تخصيصات الميزانية في أحسن الحالات وبسبب الفساد المالي المستشري.

16.   افتقاد الماء الصالح للشرب لأكثر من 70 % من السكان ونقص الكهرباء وافتقاد الصرف الصحي.

17.            أعلى نسب لوفيات الأطفال وحديثي الولادة.

18.            في العراق بعد الاحتلال: أكثر من مليون وثلاثمائة ألف قتيل

                         أكثر من خمس ملايين مهجر.

                         أكثر من 4 مليون دون مستوي الفقر

                         ما يقارب مليونين أرمله

                         خمسة ملايين يتيم

     نقص غذائي لأكثر من 8 مليون.

                         أكثر من 400،000 سجين وموقوف

                         أكثر من 28% بلا عمل (بطالة( 

 الاستنتاج: 

هناك استهداف واضح لصحة الإنسان العراقي وسلامته ومسخ هويته والمس في عملية تعليمه وتربيته من اجل القضاء على إمكانيات العراق وثروته العلمية ضمن مخطط يستهدف إضعاف العراق وتقسيمه واستنزاف ثرواته ينفذ من خلال ابتداع عمليه سياسيه ومؤسسات خدمية بنيت على أساس المحاصصة العرقية والطائفية التي تتعارض مع الكفاءة والنزاهة و الإعمار. 

 

18 مارس 2009