أستاذ النظرية الاجتماعية‏,‏ جامعة عين شمس

 

يبدو أن مفهوم المواطنة قد دار دورة كاملة‏,‏ بدأت هذه الدورة مع التشكل الجنيني لمتغير المواطنة في دولة المدينة الإغريقية والرومانية‏,‏ ثم تابع المتغير تطوره واكتماله عبر المراحل التاريخية المتتابعة‏,‏ وبلغ قمة نضجه مع تأسيس الدولة القومية التي تولت في حالة تطورها واكتمال بنيتها رعاية حقوق وواجبات المواطنة‏.‏ وفي عصر العولمة بدأت المواطنة تواجه أزمة حيث بداية انفصال المواطنة عن الدولة القومية التي ساعدت علي تأسيسها أو تحولت إلي أشكال جديدة للمواطنة كالتحول إلي مواطنة إنسانية رحبة بلا تحديد أو تمييز وهو ما يعني تآكل مواطنة الدولة لصالح نمو مواطنة عالمية مازالت في بداياتها الأولي والمبكرة‏.‏

ذلك يعني أن مفهوم ومتغير المواطنة قد قطع شوطا تاريخيا طويلا حتي اكتمل وبلغ غايته‏,‏ ارتباطا بذلك فقد شكلت موجات التحرر الإنساني المتتابعة توسيعا مستمرا لمتغير المواطنة بحيث استوعب في النهاية فئات العامة من البشر إلي جانب الصفوة التي احتكرته في البداية‏.‏ هذا إلي جانب أن متغير المواطنة قد تحرر من حصار الأغلبية له ليصبح من حق كل الجماعات والفئات التي أقصيت إلي هامش المجتمع‏,‏ حيث أدي إدماجها إلي تأسيس حالة من المواطنة الشاملة والمتجانسة التي تشكل قاعدة للمشاركة المتجانسة التي يقودها الجميع في كل ما يخص الوطن المشترك‏.‏

علي هذا النحو يستطيع التحليل النظري أن يحدد مجموعة من التحولات الرئيسية البارزة علي صعيد التطور الواقعي والفكري لمفهوم المواطنة‏.‏ ويتمثل التحول الأول في ظهور تبلور متغير المواطنة‏,‏ فقط تطورت المواطنة من نطاق سطحي ومحدود كان الإنسان البدائي يرتبط في إطاره المكان والعمران والإطار الاجتماعي الذي عاش في نطاقه‏,‏ بحيث نجد أن الإنسان البدائي وإن قطع المسافات في اتجاهات مختلفة إلا أنه يعود عادة إلي ذات المكان مفضلا إياه علي الأطر البيئية الأخري‏.‏ وحينما تبلورت دولة المدنية اليونانية والرومانية القديمة‏,‏ أضيف إلي الإطار البيئي الاجتماعي الذي ارتبط به الإنسان في المرحلة السابقة‏,‏ حيث قام البعض بتطوير بعض الحقوق والامتيازات التي امتلكوها في نطاق الإطار المكاني الاجتماعي في مقابل حرمان البعض الآخر منها‏,‏ استنادا إلي امتلاك هذا البعض المستأثر بالحقوق لمصادر القوة المتنوعة‏.‏ ونتيجة لذلك تطورت عواطف الارتباط والأنس بالمكان عند البعض الذي امتلك حقوقا متميزة في مقابل عواطف الوحشة والاغتراب عند البعض الآخر الذي حرم من هذه الحقوق بل وعاني من فرض الحقوق والالتزامات‏.‏ ولقد استمرت حالة المواطنة علي هذا النحو حتي نهاية القرن الرابع عشر‏,‏ إذا اعتبرنا التطور الغربي إطارا لتبلور الفكر الاجتماعي والسياسي المتعلق بمفهوم المواطنة‏.‏

ومع قيام حركة الإصلاح الديني والثورة الفكرية والعلمية والتنويرية المترتبة عليها وتبلور بناء الدولة القومية‏,‏ بدأت مرحلة جديدة في تاريخ تطور متغير المواطنة‏,‏ فقد قادت الدولة القومية صراعا مع الكنيسة تارة وحروبا مع أمراء الإقطاع تارة ثانية حتي تبلور المجتمع العام بمعني‏Society‏ علي أنقاض المجتمعات المحلية‏Communities‏ ذات الانتماءات أو الولاءات الضيفة‏,‏ وحينما تبلور المجتمع العام والدولة القومية الضابطة له عملت هذه الدولة علي تحرير البشر من كل الأطر الفئوية الأثنية التي كانوا ينتمون إليها والتي شكلت مرجعية لتحديد الحقوق والواجبات‏,‏ لتفرض محلها حقوقا وواجبات متساوية لكل البشر في المجتمع بحيث اعتبرت هذه المساواة ركنا أساسيا من أركان المواطنة‏.‏ ولقد استكملت ذلك ببعد آخر من أبعاد المواطنة حينما حولتهم من رعايات عليهم واجبات‏,‏ إلي مواطنين لهم حقوق مثلما عليهم واجبات تؤكد لهم شرعية المشاركة في القضايا التي تمس الوطن‏,‏ الدولة والمجتمع‏,‏ ومن ثم تنشأ رابطة عضوية قوية تؤكد الارتباط العضوي القوي بين الإنسان والدولة والمجتمع‏,‏ وهو الارتباط الذي يؤسس بدوره حقوقا وواحبات متبادلة بين هذه المتغيرات الثلاثة‏.‏

وفي عصر العولمة حدث تحول جديد حيث بدأت تظهر في إطاره إرهاصات لشكل جديد للمواطنة حيث برزت مجموعة من المتغيرات التي تعمل في اتجاه تحرير المواطنة من حدودها القومية‏,‏ وفك الارتباط بين المواطنة وبين الدولة القومية‏,‏ والسعي باتجاه مواطنة عالمية تسقط علي سنابكها تدريجيا الانتماءات القومية والمحلية الضيقة‏,‏ ليتولد انتماء عام وشامل ومواطنة إنسانية عامة وشاملة‏.‏ قد يكون هذا التحول الآن جنينيا محدودا غير أن الوعي بهذه المواطنة يتعمق وتتأسس العواطف المرتبطة بها‏,‏ وتسعي إلي الاكتمال الذي قد يتحقق حينما تتوفر له أسسه المادية والواقعية‏,‏ وأيضا حينما يستوعبه البشر‏,‏ حقيقة أن بعض هذه الأسس الواقعية والمادية والفكرية والعاطفية قد تحقق‏,‏ غير أن البعض الآخر مازال في إطار المجهول وعدم الاكتمال‏.‏

وتوازيا مع التحولات التاريخية التي قطعها مفوم المواطنة وقعت تحولات موازية علي صعيد الإطار الاجتماعي والسياسي لمتغير المواطنة‏.‏ ويتمثل التحول الأول في هذا الصدد في اتساع منظومة الحقوق والواجبات التي يتضمنها مفهوم المواطنة‏,‏ فبعد أن كان قاصرا علي الحقوق والواجبات ذات الطبيعة السياسية والقانونية فإنه اتسع ليشمل حزمة كاملة من الحقوق والواجبات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية العامة‏.‏ وبعد أن كانت هذه الحقوق‏'‏ السياسية والقانونية‏'‏ تقع علي خلفية العلاقة بين المواطن والدولة بالأساس‏,‏ أصبحت هذه الحقق تستند إل مرجعية المجتمع وهو ما يعني أنه بعد أن كان تطور الدولة هو المحدد لطبيعة المواطنة ومستوي تطورها أصبح المجتمع القومي هو المتغير الفاعل في هذا الصدد‏.‏

وارتباطا بذلك حدث تحول آخر وقع بالأساس في نطاق مجتمع الحداثة‏,‏ وإذا كان المجتمع التقليدي فيما قبل الحداثة قد شهد تحرير بعض الفئات الاجتماعية كالعبيد وأفنان الأرض‏,‏ فإن مجتمع الحداثة شهد حركات مقاومة كثيرة قادتها فئات اجتماعية عديدة للحصول علي المواطنة الكاملة في المجتمع الذي تعيش فيه‏,‏ ويمكن في هذا الإطار النظر إلي حركات الشباب والمرأة وبعض حركات مقاومة الاستبداد وكل المعذبين في الأرض علي ما يذهب الفيلسوف الفرنسي‏'‏ فرانز فانو‏'‏ باعتبارها حركات اجتماعية تقودها فئات أو جماعات اجتماعية لتحصل علي حقوق تعتقد أنها لها‏,‏ أي أنها تسعي للحصول علي المواطنة الكاملة‏,‏ وفي مجتمع ما بعد الحداثة يقع نضال جديد للحصول علي حقوق إنسانية عامة قد تتناقض مع حقوق اجتماعية وثقافية مستقرة‏,‏ حيث تسعي بعض الجماعات للحصول عليها استنادا إلي الشرعية الإنسانية برغم الشرعيات الثقافية والاجتماعية وفي ظل ما أصبح يعرف بحقوق الإنسان وليس حقوق الجماعة أو المجتمع‏.‏

غير أننا لا ينبغي ونحن نعرض للإطار العام وللتحولات المتتابعة التي طرأت علي متغير ومفهوم المواطنة أن نعي بأن لا نسقط أسري تطور المفهوم في إطار الحضارة الأوروبية الغربية بل نجد أنه من الضرور الالتفات إلي حقيقتين‏,‏ الأولي أن متغير المواطنة كما تبلور في إطار الحضارة الغربية استفاد من العناصر التي طورتها الحضارات الأخري لذات المتغير أو المفهوم‏,‏ فقد استفاد التراث الغربي من التراث الشرقي وبخاصة الإسلامي في هذا‏.‏ والثانية أن آليه متغير المواطنة ومفهومها لم تكن واحدة في الحضارات المختلفة‏.‏ وفي هذا الإطار ينبغي أن لا نسقط أسري التطور أو التصور الأوروبي لمفهوم المواطنة الذي تبلورت في نطاقه من خلال الصراع وإدماج الفئات الاجتماعية المهمشة‏,‏ حيث بدأ المفهوم ناقصا ثم أصبح أكثر اكتمالا الآن‏.‏ في مقابل ذلك نجد أن الإسلام والحضارة التي استندت إليه قدم المفهوم كاملا منذ البداية في أركانه الأساسية التي بلغها التطور الغربي بعد أكثر من قرنين من الزمان‏,‏ وبرغم ذلك فلم يظل المفهوم كاملا متكاملا كما هو بل تكالبت عليه متغيرات عديدة فرضت تآكله وتراجعه‏,‏ الأمر الذي يعني أن المواطنة تعيش في حالة أزمة علي الصعيد العالمي والقومي علي السواء وعلي الصعيد الحضاري‏.‏

أولا‏-‏ في معني المواطنة ومتغيراتها الفاعلة‏:‏

يتشكل تعريف المفهوم عادة بعدة أبعاد أساسية‏,‏ ويتمثل البعد الأول في التحديد اللغوي للمفهوم‏,‏ بينما يتمثل البعد الثاني في التحديد الذي يفرضه السياق الاجتماعي والثقافي والحضاري للمفهوم‏,‏ علي حين يتصل التحديد العلمي للمفهوم بالتراث العلمي الذي ينتمي إليه‏,‏ ولا شك أن هناك علاقة بين هذه الأبعاد‏.‏ بيد أن المسألة الجوهرية والهامة التي أشير إليها تتمثل في أن العلوم الاجتماعية والإنسانية تواجه الآن ما يمكن أن نسميه بأزمة المفاهيم والتصورات‏.‏ وهي الأزمة التي يمكن نسبة جذورها إلي بعدين‏,‏ حيث يتصل البعد الأول بالتغيرات المتسارعة التي تقع علي الصعيد القومي والإقليمي والعالمي حيث امتلكت هذه التغيرات قوة دفع ذاتية للانطلاق في كل اتجاه‏,‏ وبعد أن كان الإنسان هو الذي يؤسس هذه التغيرات ويتحكم في مسارها فإنه لم يعد أمامه الآن سوي التكيف معها‏.‏ بحيث نجد أن هذه التغيرات المتتابعة لعبت دورها في إعادة بناء أو تشكيل المتغيرات الواقعية بحيث سقطت خاصية التطابق بين المتغيرات والرموز أو المفاهيم التي تشير إليها‏,‏ وأصبحت مساحة عدم التطابق هي ذاتها مساحة بداية الانفصال بين المتغير الواقعي والمفهوم الذي يشير إليه‏,‏ الأمر الذي يفرض علينا إعادة تأمل مفاهيم العلوم الإنسانية حتي تصبح أكثر دقة في تحديد المتغيرات التي ترمز إليها‏,‏ بينما يستند البعد الثاني للأزمة التصورية أو المفاهيمية في التراكم الفكري الذي بدأ يتحقق علي الصعيد العالمي في مختلف النظم العقلية بخاصة العلوم الإنسانية والاجتماعية التي لم تستقر تصوراتها أو مفاهيمها بعد‏,‏ ولقد ساعد علي ذلك الثورة المعرفية التي أسستها تكنولويجا المعلومات‏,‏ حيث تراكمت التصورات والمفاهيم التي تشير إلي متغيرات في سياقات اجتماعية متباينة‏,‏ ومن ثم فمن الطبيعي أن يحدث تفاعل بين هذا التراكم المفاهيمي‏,‏ من شأنه أن يؤكد علي تصور مفاهيم معينة والحاجة في ذات الوقت إلي تطوير آخر حتي نصل إلي اتفاق شامل حول المفهوم الذي يعد رمزا لمتغير معين والذي يصبح بعد ذلك أحد مفردات اللغة العلمية بامتياز‏.‏

وفي محاولة استكشاف تحديد مفهوم المواطنة بالنظر إلي البعد الأول وهو التحديد اللغوي للمهفوم‏,‏ فإننا نجد أن هناك من يؤصل المفهوم في التراث ليوظفه ويجعله معبرا خير تعبير عن مفهوم المواطنة في العصر الحديث‏,‏ وبين من يعتقد أن الصياغة العربية تثير كثيرا من الإشكاليات‏.‏ وتأكيدا لهذا الموقف الأخير نجد أن تعريف المواطنة والمواطن في اللغة العربية مأخوذة من الوطن أي المنزل الذي يقيم فيه‏,‏ وهو موطن الإنسان ومحله حسب ابن منظور في لسان العرب‏.‏ ويؤكد هذا الفريق أن الدخول السهل لكلمة المواطنة في اللغة العربية من شأنه أن يجعل كلمة المواطنة تستعمل في الوعي أو اللاوعي الجماعي بالمعني العميق لها‏.‏ وقد انحصر معناها أحيانا في ذهن القائل والسامع ليشير إلي أبناء الوطن وأتباع القادة أو رعايا السلطان أو سفهاء العامة‏.‏ وينتقد هذا الفريق مفهوم المواطنة ربما بسبب علاقته بمفهوم الوطنية الذي يشير إلي الانتماء ويعمق الولاء للوطن علي حساب غير المواطنين من السكان فيه‏.‏ ويخلص إلي أن تجربة الإنسانية مع المواطنة تظهر أن هذا المصطلح ولو أن الكثير من البشر لم يعرف معناه‏,‏ ولم يعش مبناه لم يسمح حتي اليوم بنيل حقوق مشتركة متساوية‏.‏ وبوصفه كذلك فهو يشكل خطوة متأخرة بالنسبة لأطروحات الشرعية الدولية التي ترفض اعتبار المواطنة حالة خاصة ويدعو إلي انتقال المواطنة إلي عصر حقوق الإنسان عندما يصبح كل شخص مواطنا‏(1).‏

علي خلاف هذا الموقف في إطار وضع المفهوم في اللغة العربية نجد غالبية من الباحثين العرب الذي لم يجدوا القصور الذي وجده الموقف السابق فيما يتعلق بمفهوم المواطنة في اللغة العربية حيث نجدهم يعبرون بمفهوم المواطنة خير تعبير عن المضمون المتضمن في كلمة‏Citizenship,‏ يشير إلي ذلك عنوان كتاب خالد محمد خالد مواطنون لا رعايا‏,‏ وكتاب فهمي هويدي مواطنون لا ذميون‏,‏ حيث تشير كلمة المواطنة التي اختارها الباحثون العرب إلي أن استخدامها مقرون بالسعي إلي المساواة والمطالبة بالعدل والإنصاف بالنسبة لجميع من يحمل جنسية الدولة‏.‏ وقد رأي المفكرون العرب أن مفهوم المواطنة في العربية يقرب إلي الأذهان مضامين الأصل الإنجليزي ويربطه بفكرة الوطنية ذات الأهمية المركزية في العمل المشترك بين جميع المواطنين من أجل النهضة الحضارية ومن أجل الاندماج الوطني وبناء الدولة باعتبارها مؤسسة مستقلة عمن يحكمها ويتساوي جميع المواطنين في القرب والبعد منها ويتمتعون جميعا بحقوق مدنية وسياسية واجتماعية كما يتحملون واجبات متساوية دون تمييز‏(2).‏ وبلورة لذلك يؤكد أحد الباحثين العرب علي ضرورة وجود أساسين من أسس المواطنةهما‏:‏ المشاركة في الحكم من جانب‏,‏ والمساواة بين جميع المواطنين من جانب آخر‏,‏ قبل أن يصير لكل شخص صفة المواطنة من خلال المشاركة في الحياة السياسية‏(3).‏ ويؤكد الباحث علي رسوخ مبدأ المواطنة من خلال كتابات رجال الفقه والقانون والدين‏(4).‏

ويتصل التعريف اللغوي السابق للمفهوم في اللغة العربية وهو المفهوم الذي بدأ ضيقا محدودا ثم اتسع ليتطابق مع نظيره الغربي في اللغة الإنجليزية مع التعريف العلمي الذي قدم لمفهوم المواطنة‏.‏ في هذا الإطار يشير أحد التعريفات إلي المواطنة باعتبارها العضوية الكاملة في دولة أو بعض وحدات الحكم‏..‏ والمواطنون لديهم بعض الحقوق مثل حق التصويت وحق تولي المناصب العامة وكذلك عليهم بعض الواجبات مثل واجب دفع الضرائب والدفاع عن بلدهم‏(5),‏ وفي تحديد آخر تعرف المواطنة باعتبارها المكانة التي تيسر الحصول علي الحقوق الأهلية والحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية‏(6).‏ ويحدد أحد التعريفات المواطن بأنه الشخص الذي له حقوق التصويت وتولي المسئوليات السياسية والتمتع بالمساواة أمام القانون والحق في الحصول علي الخدمات والامتيازات الحكومية‏,‏ في مقابل ذلك فإن المواطنة تعني القيام بمجموعة من الالتزامات كطاعة القوانين ودفع الضرائب والدفاع عن الوطن‏(7).‏ هذا ويحدد‏'‏ مارشال‏'T.H.Marshall‏ المواطنة باعتبارها المكانة التي تيسر الحصول علي الحقوق والقوي المرتبطة بها‏(8).‏ وفي محاولة تفصيل هذه الحقوق يري أنها تتشكل من الحقوق المدنية التي تضم حرية التعبير والمساواة أمام القانون‏,‏ والحقوق السياسية التي تشمل الحق في التصويت والحق في الانضمام إلي أية تنظيمات سياسية مشروعة‏,‏ والحقوق الاجتماعية الاقتصادية التي تحتوي علي الرفاهية الاقتصادية والأمان الاجتماعي‏(9).‏

ويتمثل البعد الثالث في تأثير السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي علي تحديد مفهوم المواطنة والمضامين التي تندرج تحته بغض النظر عن نطاقها‏.‏ يؤكد هذا البعد أنه ليس هناك تحديد صارم للحقوق والواجبات التي تشكل مضامين مفهوم المواطنة‏,‏ إلا أن المجتمعات في تطورها تمكنت من بلورة مفهوم المواطنة بحيث أسست نموذجا مثاليا لها‏,‏ وهو النموذج الذي أصبح يشكل مرجعية لتقييم الإنجازات التي تحدد مدي اكتمال المواطنة‏,‏ أو تقلصها وضيق نطاقها‏.‏ ارتباطا بذلك يمكن القول بأن المجتمعات الأوروبية قد وصلت إلي المواطنة الكاملة من خلال الصراع والنضال التاريخي‏,‏ حيث ترجع بداية الاهتمام بمبدأ المواطنة في أوروبا إلي ظهور الفكر السياسي العقلاني التجريبي وتزايد تأثيره ونتيجة حركات الإصلاح السياسي وما تلاها من حركات النهضة والتنوير في الحياة السياسية‏.‏ وقد تأثر هذا الفكر بروافد كثيرة تؤكد جميعها علي تطبيق مبدأ مساواة الجميع أمام القضاء‏(10).‏ بالإضافة إلي ذلك فقد قام الفكر السياسي والقانوني الجديد‏,‏ في إطار الحضارة الغربية منذ القرن الثالث عشر حتي قيام الثورتين الأمريكية والفرنسية في القرن الثامن عشر‏,‏ بصياغة مبادئ واستنبات مؤسسات وتطوير آليات وتوظيف أدوات حكم جديدة أمكن بعد وضعها موضع التطبيق تدريجيا لتأسيس وتنمية نظم حكم قومية مقيدة السلطة من خلال حركات الإصلاح المصحوب بالانتفاضات الشعبية إن أمكن‏,‏ وجدير بالذكر أن عملية الانتقال التاريخية من الحكم المطلق إلي الحكم المقيد ومن وضع التابع إلي وضع المواطن لم تكن عملية سهلة‏,‏ بل كانت مخاضا عسيرا قطعت فيه رؤوس ملوك وسالت علي دربه دماء شعوب‏.‏ ويعود الفضل في إنجاز هذا التحول التاريخي إلي أن الناس في دائرة الحضارة الأوروبية‏'‏ غيروا ما بأنفسهم‏'‏ من رضي بالتبعية إلي إصرار علي المشاركة الفعالة التي تحقق مصالح الناس وتصون كرامتهم‏(11).‏ علي هذا النحو يؤكد كثير من الباحثين علي أن المواطنة في أوروبا لم تكن منحة ولكنها طلبت واكتسبت من خلال النضال السياسي للمشاركة في عملية الحكم ويقتبس نجوا‏Ndegwa‏ كلا من فوراكير‏Foweraker‏ ولاندمان‏Landman‏ ليؤكد أن الحقوق المسلم بها ليست ثابتة ولا يمكن تحديد حقوق المواطنة باعتبارها توقعات معتادة‏,‏ ولكن يمكن النظر إليها باعتبارها صراعا يتمكن من تحقيق الحقوق في مواجهة الدولة‏(12).‏ وهو ما يعني أن التاريخ الأوروبي والثورات المتنوعة التي وقعت لعبتا دورا أساسيا في إيضاح المواطنة بحيث ظهر المفهوم في أكمل حالاته باعتبار أن هناك من دافع عنه‏.‏

علي خلاف ذلك نجد أن السياق العربي لم يكن به ما يدعم التطور التاريخي للمفهوم حتي بلورته‏,‏ فنحن إذا تأملنا العالم العربي سوف نجد أن النزعة الأبوية متجذرة فيه وهي نزعة لا تقر منح الحقوق بقدر ما تؤكد علي الالتزامات‏.‏ ولقد تصاعدت هذه النزعة الأبوية عن الأسرة حتي وصلت إلي رأس النظام السياسي فهو الأب وهم الأبناء الذين عليهم الطاعة بغض النظر عن الحقوق التي تمنح لهم أو الالتزامات التي تفرض عليهم‏.‏ بالإضافة إلي ذلك نجد أن النزعة الأبوية لا تعرف المساواة‏,‏ فهناك تفرقة بين الإناث والذكور فيما يتعلق بالحقوق والواجبات بين الصغار والكبار والجميع منشأ علي تفاوت الحقوق والالتزامات‏,‏ كما هو منشأ علي الطاقة وقبول ما يعطي له أو يفرض عليه‏,‏ الأمر الذي يتناقض تماما مع لزوميات مفهوم المواطنة‏.‏

وإذا كانت الدولة القومية في الغرب قد لعبت في نهاية المطاف دورا محوريا في دعم فكرة المواطنة كنتيجة لصراع تاريخي طويل ومتتابع فإن الدولة في العالم العربي لعبت دورا مضادا في وأد أو عرقلة نمو مفهوم المواطنة‏.‏ فقد ساهمت أولوية السلطة أو الدولة علي الفرد أو المواطن كما أبرزتها بعض المقاربات القومية ولا تزال في تراجع البعد الديموقراطي في هذا الفكر ومن ثم تهميش مبدأ المواطنة إن لم يكن إهماله‏(13),‏ وعلي هذا الأساس فإننا لا نلحظ مكانا لمبدأ المواطنة في المراحل الأولي لتشكل الفكر القومي‏.‏ وإذا كانت المواطنة هي تعريف للفرد في مواجهة الدولة من زاوية الحقوق والواجبات‏,‏ فإنه يمكن القول بأن ميزان الحقوق والواجبات يمر في مراحل متعددة ومضطربة قبل أن يصل إلي نقطة التوازن التي تحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي الداخلي‏,‏ فقد يصبح هذا الميزان مختلا لصالح الدولة في مراحل نشأتها الأولي حيث تكون الواجبات المنوط تحققها بالأفراد تجاه دولتهم قيد البناء أكثر من الحقوق التي يتمتعون بها نتيجة انتمائهم الوجداني والقانوني لهذه الدولة‏.‏ ثم يبدأ الميزان في مرحلة لاحقة بالتعديل التدريجي في اتجاه تصحيح الاختلال المؤقت تبعا بناء الدولة وترسخ كيانها واكتسابها الثقة بنفسها وتراجع حدة المخاطر التي تهدد وجودها‏(14).‏

استنادا إلي ذلك فإن الدولة العربية لم تلعب دورا في بلورة مفهوم المواطنة نظرا لثلاثة اعتبارات‏.‏ ويتمثل الاعتبار الأول في أنه نظرا لحداثة نشأة الدولة القطرية ومحاولة ترسيخ جذورها في مواجهة فكرة القومية فإنها أكدت علي واجبات المواطنين نحوها‏,‏ ولم تهتم كثيرا بالتأكيد علي الحقوق أولا لطابعها القهري‏,‏ ولأنها في مرحلة البناء كانت تهتم بتطوير ذاتها وبنائها‏,‏ وحينما اكتمل بناؤها فإنها بسبب توجهاتها الأبوية استمرت في طابعها القهري الذي يفرض الواجبات دون أن يسلم بالحقوق ومن ثم فقد أعاقت تبلور مفهوم المواطنة‏.‏ ومن ناحية ثانية فإنه لأسباب عديدة استمرت ثقافة الدولة الأبوية بحيث تحولت إلي ما يمكن أن نسميه بنموذج الدولة المشوهة لعدم قدرتها علي طرق سبيل النضج لظروف عديدة‏,‏ منها غياب تداول السلطة‏,‏ وسيطرة البيروقراطية‏,‏ والانفراد بالقرار وكالة عن الجماهير دون تفويض‏,‏ وانتشار الفساد دون مساءلة‏,‏ ذلك بالإضافة إلي الاستناد إلي آليات القهر المتنوعة بحيث لعبت كل هذه الظروف دورها في اختزال متغير المواطنة‏.‏

ويشكل المجتمع الذي تنظمه الدولة الاعتبار الثالث الذي يمكن بالنظر إليه إدارك المتغيرات المسئولة عن تخلف حالة متغير المواطنة‏.‏ فمن ناحية نجد أن المجتمعات العربية تخضع لما يمكن أن يسمي بحالة القهر الفائض سواء بسبب قهر النظام السياسي أو بسبب قهر الظروف الاقتصادية والمعيشية أو بسبب حالة الفقر التي يعيش في إطرها نسبة تتراوح بين‏30-4‏ من السكان يعيشون تحت خط الفقر‏,‏ هذا بالإضافة إلي ظروف الأمية وتخلف الوعي الاجتماعي والسياسي‏,‏ وجميعها ظروف تدفع بغالبية البشر إلي هامش المجتمع تعيش حالة من نصف المواطنة‏,‏ حيث تفرض عليها الالتزامات دون منحها فرصة التمتع بالحقوق‏,‏ ومن الطبيعي أن تنصرف هذه النوعية من الجماهير إلي محاولة تأمين ما يؤمن البقاء علي قيد الحياة‏,‏ في مثل هذه الظروف يصبح الحق في المواطنة الكاملة ترفا بعيد المنال‏.‏

ويكشف تأمل المعطيات التي توفرت عن هذه المصادر أو الأبعاد الثلاثة التي أشرنا إليها في بداية تحليلنا التصوري لتحديد مفهوم المواطنة أن هناك مجموعة من الحقائق الأساسية التي ينبغي أن نأخذها في الاعتبار في حالة تناولنا مفهوم المواطنة ونعرض فيما يلي لبعض من هذه الحقائق‏:‏

‏1-‏ أن المواطنة من حق الأفراد الذين يشغلون مكانة معينة في بناء المجتمع‏,‏ ولأن هذه المكانة نقطة ثابتة في بناء المجتمع فإن هذه المكانة ترتبط بها مجموعة من الأدوار التي ينظم أداؤها حزمة من الحقوق والالتزامات‏,‏ التي يعد التمتع بها مقياسا أساسيا من مقاييس المواطنة‏,‏ وفي هذا الإطار فإننا نميز بين أسلوبين من أساليب شغل المكانة‏,‏ حيث يعرف الأسلوب الأول بأسلوب العزوة حينما تتحدد مكانة الفرد والأدوار التي عليه ان يقوم بها بواسطة جماعته‏,‏ وفي المجتمع الذي يوافق بها بواسطة جماعته‏,‏ وفي المجتمع الذي يوافق علي هذا الأسلوب لشغل المكانة فإننا نجد أن المواطنة ناقصة‏.‏ في مقابل ذلك نجد المجتمعات التي يشغل أفرادها مكانتهم استنادا إلي استحقاقاتهم وإنجازاتهم‏,‏ فإننا نجد أن المواطنة تكون غالبا متبلورة أو كاملة لأن البشر يكونون متساوون في شغلهم لمكاناتهم وليست هناك أية تنظيمات وسيطة يمكن أن تخل بمبدأ المساواة‏.‏

‏2-‏ علي هذا النحو تعتبر المساواة معيارا أساسيا من معايير المواطنة وهو المعيار الذي يتمتع الأفراد بموجبه بذات الحقوق وعليهم ذات الالتزامات استنادا إلي ذلك فإننا إذا تأملنا مبدأ المساواة فسوف نجده من المبادئ المتكشفة بمعني أن يظهر لهذا المبدأ في كل مرحلة تاريخية جانب جديد‏,‏ وأن المساواة تتسع في كل مرحلة تاريخية لتستوعب فئة جديدة كالعبيد في مراحل تاريخية سابقة والمرأة في مرحلة تاريخية تالية‏,‏ إضافة إلي الأقليات التي كانت مستبعدة‏.‏

‏3-‏ أنه إذا كانت المواطنة تتضمن بعض المضامين الثقافية والاجتماعية والتاريخية‏,‏ فإن المواطنة علي هذا النحو تصبح نتاجا لحالة التطور الاجتماعي التي بلغها المجتمع‏,‏ غير أن بلورة أو تحديد الحقوق والالتزامات المرتبطة بها تعد عملية من اختصاص الدولة‏,‏ ومن ثم يمكن القول بأنه إذا كان قانون التحول الاجتماعي من المتجانس إلي المتباين قد قاد إلي تبلور النظام السياسي والدولة‏,‏ فإنه قد أدي أيضا إلي تبلور مفهوم المواطنة‏.‏ علي هذا النحو يمكن القول بأن ظهور الدولة والمواطنة بشكلها الأكثر تطورا قد ارتبط أو تلازم مع تبلور وظهور الدولة القومية ومن ثم ينتمي الاثنان إلي ذات المرحلة التاريخية‏.‏

‏4-‏ أن المواطنة علي هذا النحو ترتبط بالمجتمع وإن لعبت الدولة دورا بارزا في تحديد عناصرها وأركانها‏,‏ وذلك يرجع إلي أن المواطنة هي نتاج لتفاعل عناصر عديدة في إطار جغرافي يشكل وطنا أو مستقرا لمجموعة من البشر وتراث مشترك ناتج عن تفاعلهم مع بعضهم البعض من ناحية‏,‏ ومع البيئة المحيطة من ناحية ثانية‏,‏ حيث تحتوي هذه البيئة علي الدين والثقافة واللغة والخبرة التاريخية المشتركة‏,‏ وهو ما يعني أن المواطنة هي تعبير عن روح أمة تتجلي من خلال الفرد علي ما يذهب عالم الاجتماع إميل دوركيم‏,‏ وذلك يرجع إلي أن المواطنة هي حقيقة كلية ترتبط بالمجتمع كحقيقة كلية وتنتج عنه‏,‏ وإن كانت ترتبط بالدولة أيضا ولكنها لا تنتج عنها‏.‏

‏5-‏ إن المواطنة تعد حقيقة متكشفة في اتجاهات عديدة تسعي دائما إلي بلوغ الاكتمال إذا استعنا بالتصور الماركسي لطبيعة الحقيقة التي تتطور وتتكشف تاريخيا‏.‏ وفي كل مرحلة تقدم تصورا عابرا وناقصا حتي تبلغ حالة اكتمالها وبلوغها حدودها النهائية‏,‏ أي حتي تتحقق حقيقتها أو جوهريتها‏.‏ ذلك يعني أن المواطنة تتجه إلي الاتساع النوعي‏,‏ فالمواطنة التي كانت تؤكد علي الحقوق والالتزامات السياسية تجاه الدولة اتسعت لتضم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتي البيئية‏,‏ فمن خلال التكشف النوعي نجد أن المواطنة في كل مرحلة من مراحل التطور تضم أنواعا جديدة من الحقوق‏.‏ بالإضافة إلي ذلك فقد يأخذ التكشف الطابع الفئوي بمعني الاتجاه إلي تضمين أو شمول فئات اجتماعية جديدة لم تكن تتمتع بالمواطنة قبل ذلك‏,‏ فالفئات التي كانت مستبعدة من المواطنة في دولة المدينة الرومانية‏'‏ العبيد والمرأة‏'‏ ثم استيعابها في التطورات المتتابعة أو التكشف المتتابع لمفهوم المواطنة‏.‏

‏6-‏ ككل الظواهر أو التجليات الاجتماعية من الممكن أن تنحرف المواطنة عن نمطها السوي أو نموذجها المثالي‏.‏ غير أن هذا الانحراف يظل حالة استثنائية عارضة تشير إلي حالة من وجود بنائي غير متوازن وغير مستقر‏.‏ في هذا الإطار تقع ظاهرة يمكن أن نسميها بالمواطنة المشوهة أو الناقصة حينما تصبح النظم السياسية استبدادية لا تسمح بالمشاركة الحقيقية برغم إعلاناتها وشعاراتها الديموقراطية‏,‏ أو ظاهرة التراجع عن المواطنة حيث تتحقق هذه الحالة حينما يتراجع أفراد المجتمع عن مرحلة الدولة إلي مرحلة ما قبل الدولة‏,‏ تحدث هذه الحالة إذا برزت مجموعة من الظروف التي تبرز في إطارها فاعلية هويات أو كيانات اجتماعية أقل من الدولة بحيث يصبح وجودها طاغيا علي وجود الدولة الذي يضعف أو يتآكل‏,‏ بحيث تلعب هذه الكيانات أو الهويات دورها في تحديد واجبات والتزامات الفرد لكونها قد أصبحت هي التي تشكل مرجعيته أو إطاره الاجتماعي‏.‏ أو قد يحدث ما يمكن أن نسميه بالمواطنة المزاحة‏,‏ حينما يحدث تناحر أو صراع بين البشر في المجتمع الذي يتكون من جماعات متباينة وفق أية متغيرات ثابتة‏,‏ في هذا الحالة فإننا نجد أن الأفراد المختلفين في صراعهم مع أعضاء الجماعة الأخري أو مع الآخر يستندون في مرجعيتهم إلي جماعتهم‏,‏ وفي هذه الحالة تزاح المواطنة العامة جانبا لتشكل هذه الحالة مرجعية ثانية أو ثانوية‏.‏

‏7-‏ في بعض الأحيان يحدث ما يمكن أن يسمي بتضارب أو تنازع المواطنات ويحدث ذلك حينما تتخلق أطر عادية أو معنوية يمكن أن تشكل إطارا لتحديد الحقوق والالتزامات التي ينبغي أن تستند إليها معايير تفاعل البشر‏.‏ علي سبيل المثال في العالم العربي والإسلامي نجد أن الدولة القومية حديثة العهد هي التي تشكل مصدر أو آلية تحديد الحقوق والواجبات علي غرار نموذج الدولة الغربية‏,‏ غير أننا نجد أن مفهوم الأمة الإسلامية قد يبلور بدوره شكلا من أشكال النظام السياسي أو الدولة‏,‏ ومن ثم فالتراث الديني للأمة الإسلامية يصبح هو الآخر مصدرا لتحديد الحقوق والالتزامات ويشير إلي مفاهيم كالمشاركة والشوري‏.‏ في هذه الحالة يحدث ما يمكن أن يسمي بتنازع مرجعيات المواطنة وقد يصفي هذا الصراع لصالح أحد الأطراف أو قد يحدث شكل من أشكال التوفيق‏,‏ أو قد يظل الصراع بين مرجعيات المواطنة لفترة طويلة بسبب مشكلات كثيرة تهز استقرار الدولة والمجتمع معا‏.‏

‏8-‏ أنه إذا كان الصراع قد شكل الآلية التي تبلورت من خلالها الدولة والمواطنة في أوروبا حيث ناضلت مختلف الفئات الاجتماعية تباعا بهدف الحصول علي المواطنة الكاملة التي تشتمل علي حقوق متنوعة‏(15).‏ وإذا ساعدت قيم وثقافة المجتمع علي ذلك ابتداء من حركة الإصلاح الديني إلي ظهور التفكير العلمي إلي حركة التنوير ثم الثورة الفرنسية والصناعية‏,‏ كلما كانت هناك ظروف مواتية لنمو المواطنة الأوروبية إلي حد كبير‏,‏ علي خلاف ذلك نجد أن المجتمعات الشرقية والعالم العربي ما زالت الثقافة الأبوية هي التي تسيطر فيها استنادا إلي قوة التكوينات العائلية والأثنية‏,‏ إلي جانب الطابع القهري للدولة التي تطرفت في استخدام القوة والقهر ليصبح وسيلة فرض شرعيتها للتغطية علي حداثتها وهشاشتها‏.‏ وحينما تعرضت غالبية المجتمعات الإسلامية والعربية للاستعمار الذي تحالف مع الدولة في قهر المجتمعات والشعوب‏,‏ ومن ثم فقد ظلت غالبية هذه المجتمعات تعيش حالة من الحرمان المطلق الذي لم تتوفر له الظروف من أجل التحول إلي حرمان نسبي مولد للرفض والتمرد من أجل السعي للحصول علي الحقوق التي تشكل قاعدة المواطنة‏.‏

ثانيا‏-‏ التكشف التاريخي لمفهوم المواطنة‏:‏

تعد المواطنة من المفاهيم التي تبلورت عبر تحولات تاريخية متتابعة منذ بداية المفهوم في الحضارة اليونانية والإغريقية القديمة مرورا بالعصور الوسطي وعصر النهضة والتنوير وحتي عصور الثورات الكبري التي أكدت علي الحقوق الأساسية للإنسان في أوروبا‏,‏ بالإضافة إلي العولمة التي سعت كمرحلة إلي التأكيد علي هذه الحقوق وتوسيع نطاق فاعليتها حتي خلق مواطنة عالمية تتجاوز أو تتعارض في بعض الجوانب مع المواطنة القومية‏.‏ أحيانا يصبح التحول هادئا من المواطنة القومية إلي العالمية‏,‏ وأحيانا يمكن تشخيص التحول بأنه يعيش حالة أزمة ما يمكن أن نسميه بأزمة المواطنة ارتباطا بذلك فسوف نحاول تطوير بعض القضايا من واقع التراث الإنساني القائم التي يمكن أن تشكل في مجموعها إطارا نظريا لفهم حالة المواطنة في واقعنا المعاصر‏.‏

ارتباطا بذلك يكشف تتبع التطور التاريخي لمفهوم المواطنة عن وجود عدة مراحل تاريخية متتابعة تحرك عبرها المفهوم حتي وصل إلي حقيقته الجوهرية أو اقترب منها‏,‏ إذا جاز لنا أن نستخدم اللغة الماركسية في التعبير‏.‏ وإذا كان هذا المفهوم قد تطور أساسا في أوروبا فإننا نجد أن الغرب قد استفاد في تطويره لهذا المفهوم من الفكر السياسي الإغريقي والفكر القانوني الروماني‏,‏ كما استفادت أوروبا من جهود العرب وفقه الشريعة الإسلامية الذي أكد علي مبدأ المساواة‏(16).‏ في هذا الإطار ترجع البداية الأولي لتطوير مفهوم المواطنة باعتبار أنها تشير إلي عضوية المجتمع المحلي أو المشاركة فيه‏.‏ وعلي هذا النحو نجد أن الأشكال المختلفة للمجتمعات السياسية يمكن أن تتضمن أشكالا مختلفة من المواطنة‏.‏ وقد تبلورت هذه المبادئ البسيطة للمواطنة منذ‏2500‏ سنة مضت من خلال كتاب السياسية‏Politics‏ لأرسطو‏.‏ إذ يرجع الاختلاف الكبير بين المواطنة في دولة المدينة الإغريقية القديمة ونظيرتها في الدولة الديموقراطية الحديثة إلي نطاق المجتمع السياسي في كل منهما‏.‏ في هذا الإطار تعني المواطنة بالنسبة لأرسطو المكانة المتميزة للجماعة الحاكمة في دولة المدينة‏.‏ فبينما يتحدد أساس المواطنة في الدولة الديموقراطية الحديثة في القدرة علي المشاركة في القوة السياسية وممارستها من خلال عملية الاقتراع‏,‏ حيث تشير مشاركة المواطنين في الدولة القومية الحديثة إلي عضويتهم القانونية في المجتمع السياسي استنادا إلي الاقتراع العام‏.‏ ومن ثم العضوية في المجتمع المدني المستند إلي حكم القانون‏.‏ فمكانة المواطن بالنسبة لأرسطو تقتصر علي ممارسة المشاركين ذوي التأثير للقوة علي حين تتسع المواطنة القومية اليوم لتنتشر عبر المجتمع‏(17)‏ ويتمتع بها كل أعضائه‏.‏

ويكشف رصد التطور التي انتقلت من خلاله المواطنة المحدودة لدولة المدينة إلي المواطنة الشاملة وصولا إلي مواطنة الدولة القومية عن وجود ثلاثة أبعاد متوازية للتطور أسلمت إلي ما يسمي بالمواطنة الشاملة‏.‏ ويتمثل البعد الأول في التطور باتجاه الكشف الكامل لمفهوم المواطنة من خلال الانتقالات التاريخية التي ميزت مراحل التطور المجتمعي في أوروبا‏.‏ وإذا كانت دولة المدينة الإغريقية قد شهدت المواطنة المحددة بمن يملكون السلطة أو الثروة‏.‏ فإنه في الفترة التي عرفت بالعصور الوسطي وهي الفترة التي امتدت من عام‏300‏ إلي‏1300‏ حدث تراجع واضح المفهوم المواطئة‏,‏ فقد اندثرت التجارب الديموقراطية المحدودة في دائرتي الحضارتين الإغريقية والرومانية من جهة‏,‏ ومن جهة أخري بسبب توجه الحضارات السائدة آنذاك بما فيها الحضارة العربية الإسلامية الصاعدة إلي إقامة حكم ملكي غير مقيد‏(18).‏

ويمكن القول بأن مفهوم المواطنة قد وجد محطة تطوره التالية في تشكل الدولة القومية نتيجة للصراع بين الملوك والكنيسة لسعيهم لنزع حق السيادة منها وإقرار استقلال الملوك الخارجي إزاء البابوات والأباطرة‏(19).‏ ومنذ ذلك الحين أخذ مبدأ التمثيل النيابي وما صاحبه من حكم القانون في الانتشار جغرافيا والتحسن نوعيا في دائرة الحضارة الأوروبية بفضل التجربة البريطانية‏.‏ إذ أصبحت الشعوب تعتقد بحقها في السيادة التي سبق أن خلعها الملوك عن الكنيسة خلال مرحلة بناء الدولة القومية واحتكروها لأنفسهم‏.‏ وأصبح الشعب يطالب بأن تكون السيادة للأمة‏,‏ والسلطة للشعب وانقسم التطور الديموقراطي إلي مسارين‏,‏ مسار الإصلاح الذي مثلته التجربة البريطانية ومنحي العنف الذي مثلته الثورتان الأمريكية والفرنسية اللتان احتفظ رجالهما بنظرية السيادة ولكنهم نقلوها بمميزاتها وخواصها من الملك إلي ألامة وجعلوا الأمة صاحبة السيادة بدلا من الملك‏(20).‏ وبرغم ذلك فإن المواطنة في أوروبا ما قبل الثورة الصناعية كانت تقتصر علي عدد محدود من البشر في المجتمع‏.‏ حيث يتحدد المواطنون بصفتهم ملاك الثروة من الذكور علي حين أنكرت صفة المواطنة عن بقية السكان كالمرأة والأطفال والفقراء‏,‏ وهو ما يعني أن اتساع مبدأ المواطنة كان قد ارتبط بنضج بناء الدولة القومية‏(21).‏

ويتصل بعد التطور الثاني الذي ساعد علي تبلور مفهوم المواطنة بمجموعة التطورات الفكرية التي وقعت فشكلت طاقة دافعة لتطور هذا المفهوم‏.‏ في هذا الإطار يعتبر عصر النهضة الأوروبية هو الفترة الجنينية لتبلور مفهوم المواطنة بمعناها الحديث‏,‏ وذلك نتيجة لاهتمام الفكر السياسي فيها بإعادة اكتشاف مبدأ المواطنة واتخاذه تدريجا مرتكزا لبناء الدولة القومية الحديثة ولتأسيس نظم سياسية حية وفعالة حققت قدرا متزايدا من الاندماج الوطني والمشاركة السياسية الفعالة وحكم القانون‏,‏ الأمر الذي جعل من إقامة الدولة المتماسكة غير الزمن بصرف النظر عن حكامها إمكانية عملية‏,‏ بفضل القبول الفكري والتقبل النفسي لمبدأ المواطنة الذي شكل حجر الزاوية للمذهب الديموقراطي في أوروبا الغربية‏(22).‏ وتحولت الدول في دائرة الحضارة الغربية تدريجيا بمقتضي مراعاة مبدأ المواطنة إلي دول ديموقراطية‏.‏

بالإضافة إلي ذلك فقد لعبت حركة الإصلاح الديني دورا بارزا في الطريق إلي بلورة مفهوم المواطنة القومية‏.‏ فبالإضافة إلي أنها أضعفت السيادة الكنسية كقاعدة لأحد أشكال المواطنة حينئذ‏,‏ فإنها أطلقت عقال الحركة العلمية التي شكلت أساسا لعصر التنوير الذي تضمن كتابات روسو ومنتسكيو وكثيرين غيرهم حيث تبلور كل ذلك في نوع من الفكر السياسي العقلاني التجريبي‏(23).‏ وقد كان من نتاج التطور علي هذا البعد استنباط مبادئ ومؤسسات وأدوات حكم جديدة‏,‏ وأمكن بعد وضعها موضع التطبيق تدريجيا تأسيس وتنمية نظم حكم قومية مقيدة السلطة‏.‏ والجدير بالذكر أن عملية الانتقال التاريخية من الحكم المطلق إلي الحكم المقيد‏,‏ ومن وضع التابع إلي وضع المواطن‏,‏ لم تكن سهلة بل كانت مخاضا عسيرا قطعت فيه رؤوس ملوك وسالت علي دربه دماء شعوب‏(24).‏ وهو ما يعني أن الدولة القومية باعتبارها المستوي الرئيسي للهوية والمصالح المشتركة لم تكن هي التي منحت المواطنة بل إن الأفراد والجماعات هم الذين ناضلوا طلبا للمواطنة من خلال الصراعات السياسية‏,‏ وهي الصراعات التي أدت إلي أن الدولة أصبحت هي المصدر الوحيد لحماية وتدعيم حقوق الأفراد والجماعات‏,‏ فقد ساعدت الصراعات السياسية علي إعادة تحديد العلاقات بين الدولة والمجتمع‏,‏ ونتيجة لذلك تطورت الحقوق المدنية المتمثلة في الحقوق الأساسية والمساواة أمام القانون‏,‏ والحقوق السياسية مثل الحق في التنظيم لتحقيق الخير العام‏,‏ والحق في الرفاهية الاقتصادية والأمن باعتبارها من خصائص المواطنة‏.‏ وقد أدي التركيز علي الحقوق إلي رفع المواطنة إلي مستوي الحقوق الاقتصادية والثقافية وبصورة عامة فقد أتاحت المكانة السياسية والقانونية للبشر أن يعاملوا‏,‏ وأن يعاملهم الآخرون بنفس القدر في المجال العام‏.‏ وعلي هذا النحو يتحقق نوع من العدالة الاجتماعية‏,‏ ويمنح الأعضاء الحقوق التي تجعل كل منهم مساويا للآخر‏.‏ وفي هذا الإطار نجد أن علي الأفراد والجماعات التزام أن يعامل كل منهم الآخر علي نفس القدر من المساواة وأن تكون لهم نفس الفرص في عملية ممارسة السلطة‏(25).‏

وتتوازي فاعلية البعد الثالث مع فاعليته مع البعدين السابقين لتبلور مفهوم المواطنة حيث يتصل بوقوع بعض الأحداث أو الظروف التاريخية التي ساعدت علي تحقق ذلك‏.‏ ويشكل ظهور الدولة القومية أحد المتغيرات التي لعبت دورا في تبلور مفهوم المواطنة‏.‏ وإذا كان تشكل الدولة القومية قد تحقق نتيجة الحرب علي جبهتين‏,‏ الكنيسة لإزاحة سيطرتها وتحرير رعاياها ليكونوا مواطنين في دولة‏,‏ فقد كانت إقطاعيات الأمراء هي الجبهة الثانية التي حاربت الدولة عليها‏,‏ وساعدها في ذلك اختراع البارود الذي تفوق علي قلاع الأمراء الحصينة ومن ثم أدي إلي تحرير التابعين لأمراء الإقطاع وتحويلهم إلي أعضاء متجانسين في مجتمع كبير ومواطنين في دولة‏,‏ بحيث يمكن القول بالتزامن بين تبلور الدولة القومية والمجتمع العام بمعني‏Society‏ والمواطنة في معية واحدة‏(26).‏

وتعد الحاجة إلي المشاركة السياسية هي المتغير الثاني الذي لعب دورا أساسيا في استكمال تشكل الدولة الحديثة‏,‏ حيث انعكس ذلك علي مزيد من التأكيد أو التبلور لمفهوم المواطنة فقد شغلت المشاركة السياسية مكانة بارزة في تكوين الدولة الحديثة‏,‏ وذلك عندما أصبحت علاقة الدولة أو الملك مباشرة مع السكان أو الشعب وأعد المسرح السياسي لتطبيق فطرة سيادة الشعب تطبيقا حيا حركيا حيث يسلم في إطارها بأن الشعب مصدر السلطة السياسية‏,‏ وفي إطار الدولة القومية أصبح الشعب يعتبر الدولة دولته ويطالبها بمرور الوقت بالاعتراف بحقوقه‏(27).‏

ويتصل المتغير الثالث بحاجة الملوك في إيرادات كافية تدفعهم إلي فرض وتحصيل مزيد من الضرائب الأمر الذي لم يكن يحدث دون وجود تمثيل لدافعي الضرائب أو المؤثرين في دافعيها‏,‏ تقنع دافعي الضرائب بدفعها وتراقب سبل صرف تلك الضرائب ومن هنا ساد القول لا ضرائب بدون تمثيل‏(28).‏ تأكيدا لذلك نجد أن المشاركة السياسية تحققت في دول الشمال الأوروبي الفقيرة نسبيا مثل الدول الاسكندنافية وبريطانيا بسبب حاجة الملوك إلي الاعتماد علي شعوبهم في تحصيل الضرائب وبالتالي تشجيعهم علي الإنتاج وزيادة قدرتهم الضريبية من خلال السماح بمزيد من المشاركة السياسية واستتباب الأمن الاجتماعي‏.‏ هذا بينما تأخرت المشاركة السياسية في دول أوروبا الجنوبية وعلي الأخص أسبانيا والبرتغال بسبب قدرة الملوك علي ملء خزائنهم من ذهب المستعمرات في أمريكا‏.‏ وقد شكل حكم القانون وصولا إلي المساواة أمامه المتغير الرابع الذي ساعد في إرساء دعائم المواطنة المعاصرة حيث بدأ حكم القانون ينتشر ويتسع نطاقه في العصر الحديث عندما بدأت الدولة القومية في أوروبا تهتم بإصدار القوانين العامة‏,‏ التي أصبحت تنظم علاقات البشر السياسية والاقتصادية والاجتماعية علي الاقل بقدر ما ينظمها السيف‏(29).‏ ونتيجة لفاعلية المتغيرات السابقة حيث تحول في مفهوم المواطنة في دائرة الحضارة الأوروبية‏,‏ من المفهوم التقليدي الذي استمد جذوره من الفكر السياسي الإغريقي والروماني إلي المفهوم المعاصر للمواطنة الذي يستند إلي فكر عصر النهضة والتنوير وأطروحات حقوق الإنسان والمواطن والدعوة لأن يكون الشعب مصدر السلطات‏,‏ وبذلك ترسخ مبدأ المواطنة وأقر كحق ثابت في الحياة السياسية واتسع نطاق ممارسته تدريجيا باعتباره إحدي الركائز الأساسية للعملية الديموقراطية‏(30).‏

ويكشف تأمل المسيرة التاريخية لمفهوم المواطنة عن ملاحظتين أساسيتين الأولي أن مفهوم المواطنة لم يتشكل دفعة واحدة وإنما قد تحرك تاريخيا واستكمل كيانه عبر المراحل التاريخية المتتابعة‏,‏ وتحول من كونه مفهوما مقصورا علي الصفوة إلي كونه محددا بامتلاك القوة بغض النظر عن طبيعته أيا كانت طبيعتها إلي أن ضم العامة وخلق حالة من المساواة الشاملة في نطاقه‏.‏ بالإضافة إلي ذلك فقد اتجه التطور التاريخي للمفهوم إلي استيعاب عناصر أو جوانب جديدة تستند إلي حزمة جديدة من الحقوق والواجبات‏.‏ غير أنه وإن لعبت الدولة دورها في بلورة جملة الحقوق والواجبات فإن تطور هذه الحقوق والواجبات استند إلي الحالة التي بلغها تطور المجتمع بالأساس‏.‏ وتشير الملاحظة الثانية إلي تباين انتماء المواطنة في المراحل التاريخية المتتابعة‏.‏ فقد بدأت المواطنة باعتبارها نوعا من الانتماء للمكان حيث عاش الإنسان في مكان معين لا يستطيع فراقه وينتمي إليه‏.‏ ثم أضيف بعد الجماعة إلي بعد المكان بعد ذلك وأصبح الانتماء موجها إلي الجماعة والمكان معا‏,‏ وحينما تطورت الجماعة وكبرت فقدت تجانسها واقتصرت المواطنة علي البعض دون البعض الآخر‏,‏ ثم تطور الأمر إلي مرحلة جديدة حيث لعب الدين والكنيسة دورهما كمرجعية للمواطنة‏,‏ وحينما تفجر الصراع بين الدولة والكنيسة وتراجعت الأخيرة برزت المواطنة مرتبطة بالدولة القومية معبرة عن الأمة التي شكلت مرجعية للدولة والمواطنة معا‏.‏

المراجع‏:‏

‏1-Taylor,Charles,'ModesofCivilSociety'PublicCulture,Vol.3.No.1(Fall1990)P..103‏
‏2-Ibid.P..107‏
‏3-Hont,Istevan,CivilSocietyandCommercialSociety,London,N.Pb,1992,P..37‏
‏4-‏ برهان غليون‏,‏ المجتمع المدني من المفهوم المجرد إلي المنظومة الاجتماعية الدولية‏,‏ فعاليات ندوة المجتمع المدني وإشكالية التحول الديموقراطي‏,‏ مركز الوثائق والدراسات الإنسانية‏,‏ جامعة قطر‏,14-16‏ يناير‏2001,‏ ص‏2.‏
‏5-‏ علي ليله‏,‏ دور المنظمات الأهلية‏,2002,‏ ص‏20.‏
‏6-‏ نفس المرجع‏,‏ ص‏22.‏
‏7-‏ نفس المرجع‏,‏ ص‏24.‏
‏8-‏ نفس المرجع‏,‏ ص‏32.‏
‏9-‏ سعد الدين إبراهيم‏,‏ غياب جزئي للمجتمع المدني في العالم العربي‏,‏ البيان‏,‏ الملف السياسي‏,‏ قضية الملف‏,‏ الجمعة‏25‏ يوليو‏2003,‏ العدد‏636.‏
‏10-‏ علي ليله‏,‏ مرجع سابق‏,‏ ص‏35.‏
‏11-CharlesTaylor:Op
‏12-Ibid.P..107‏
‏13-‏ عزمي بشاره‏,‏ المجتمع المدني‏,‏ دراسة نقدية‏,‏ مع إشارة للمجتمع المدني العربي‏,‏ بيروت‏,‏ مركز دراسات الوحدة العربية‏,26-27‏ فبراير‏1998.‏
‏14-‏ عزام محجوب‏,‏ علاقة التنمية بحقوق الإنسان‏,‏ في حقوق الإنسان والتنمية‏(‏ ندوة‏)‏ القاهرة‏97‏ يونيو‏1999,‏ ص ص‏190-191.‏
‏15-‏ نفس المرجع‏,‏ ص‏194.‏
‏16-Goet3,PhilipW:TheNewEncyclopediaBritannica,1985,Vol.20.P..716‏
‏17-Ibid.P..716‏
‏18-Ibid.P..717‏
‏19-Ibid.P..715‏
‏20-SieKhart,Paul:TheInternationalLawofHumanRights.1983.P..78‏
‏21-Ibid.P..96‏
‏22-‏ علي ليله‏,‏ النظرية الاجتماعية المعاصرة‏,‏ دراسة لعلاقة الإنسان بالمجتمع‏,‏ دار المعارف‏,‏ ص‏112.‏
‏23-PhilipW.Goetz,Op.Cit.P..718‏
‏24-PaulSiekhart,Op.Cit.P..112‏
‏25-Ibid.P..114‏
‏26-‏ عبد النبي العكري‏,‏ ما بين الديموقراطية وحقوق الإنسان من صلة‏,‏ تجربة الأحزاب العربية‏,‏ الديموقارطي في‏19‏ فبراير‏2004.‏
‏27-‏ سعيد إسماعيل علي‏,‏ حقوق الإنسان والتنمية البشرية‏,‏ مجلة الديموقراطية‏,‏ العدد اثالث‏,‏ صيف‏2001,‏ ص ص‏91-100.‏
‏28-‏ نفس المرجع‏,‏ ص‏96.‏
‏29-‏ نفس المرجع‏,‏ ص ص‏93-94.‏
‏30-‏ نفس المرجع‏,‏ ص‏96.‏

  - مجلة الديمقراطية