يعتقد البعض أن الغرب إنما نهض بفضل ثورته على الدين وفصله عن الدولة،وتبنيه لشعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان،بينما لم نجد لهذه المفاهيم والشعارات أية قيمة حين غزت الجيوش الأمريكية العراق خارج القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان وميثاق منظمة الأمم المتحدة،كما لم نجد لهذه المفاهيم أية قيمة منذ بدء خلق كيان الدولة الصهيونية على أرض فلسطين خارج القانون والمواثيق الدولية وحتى الآن،تم فيها طرد سكان البلاد الأصليين ليحل محلهم يهود صهاينة جلبوا من كافة أصقاع الغرب،الذي سعى للتخلص منهم ومن شرورهم وليزرعهم في بلادنا لنشر الرعب والقتل والمذابح ولوقف التنمية.

 

لقد جربنا الاستعمار الفرنسي في القرن العشرين الماضي ،وفي أواخر أيامه حين انتصر الجنرال"ديغول" بمساعدة البريطانيين والأمريكان على الجيوش الألمانية ،وكانت سوريا تحكم من قبل حكومة"فيشي" التابعة للألمان ،والتي انسحبت لتفسح المجال للجيش الآخر بالدخول ،إلا أن هذا الجيش أتت إليه الأوامر بضرب دمشق،أقدم مدينة عامرة على وجه الأرض بلا استثناء ولعلها أجملها،فهاجم هذا الجيش المستشفى الوطني وسلط ناره من أفواه رشاشاته ومدافعه على الجرحى والمرضى،ولم يقدر بعد ذلك إلا على أربع ممرضات أخذهن"سبايا" .

 

كما رمى السجون بالقنابل حيث لا يملك من فيها دفعاً ولا منعاً ،فصير سجونهم مقابر لهم ،واتخذ من المشفى العسكري بالمزه قلعة يضع فيها مدافعه وأسلحته لقصف الأحياء الآمنة ،فأحرق منه سوق ساروجة والكلاسة وغيرها،ومن مدرسة "الفرنسيسكان" كانت تطلق الرشاشات على الناس في الطرقات،بينما وَجد لدى القاضي"سبيرو" الذي جاء به الفرنسيون إلى المحكمة المختلطة رشاشاً ليقتل به الناس ،ولقد نبشت المدفعية القبور في مقبرة الدحداح ظناً من الجيش أن الموتى سيقاومون!! .

 

أما المجزرة التي وقعت في المجلس النيابي فسوف أنقل بعض المقاطع من مذكرات خالد العظم التي يقول فيها:

 

(ويوم الثلاثاء في 29آيار 1945،ذهبت إلى الندوة النيابية لحضور الاجتماع المقرر عقده في الساعة الرابعة وانتظرت مع لفيف من النواب قرع الجرس إيذاناً باكتمال النصاب لعقد الجلسة،لكن الأكثرية لم تكن قد حضرت ،وظللنا نتتظر في الحديقة إلى ان بلغت الساعة الخامسة والنصف،فقطعنا الامل بإمكان الاجتماع وسرنا إلى السرايا لاستطلاع أخبار الأزمة.

 

وجدنا نائب رئيس الوزراء جالساً في بهو الرئاسة وحوله بعض النواب والموظفين.وبدأ السيد جميل مردم يدلي بآخر ما لديه من أخبار الأزمة ،والنواب يناقشونه فيما يجب عمله،وفي الساعة السادسة تماماً سمعنا أصوات طلقات نارية فخرجنا إلى الشرفة لمعرفة المصدر.واشتد أزيز الرصاص بشكل مزعج،فعدنا إلى البهو لنتقي الرصاصات الطائشة.وعبثاً ذهبت محاولات نائب الرئيس للاتصال هاتفياً بمراكز الشرطة والدرك،إذ كانت الخطوط الهاتفية مقطوعة.

 

وبعد برهة جاءنا من يخبرنا بأن الجنود الأفرنسيين المرابطين أمام مركز رئاسة أركان الجيش الأفرنسي طلبوا من حرس المجلس النيابي أن يصطفوا لتحية العلم الأفرنسي في موعد إنزاله فما كان منهم تجاه رفض الحرس هذا الطلب إلا أن بدأوا بإطلاق الرصاص عليهم.فقابلهم الحرس بالمثل،ولكنهم ما لبثوا أن هجموا على المجلس ودخلوه عنوة وقتلوا ذبحاً جميع أفراد الحرس واستولوا على بناية المجلس.وبعد هنيهة بدأ إطلاق الرصاص على السرايا من الجهة الخلفية .وعلمنا أن مصدره هو الجنود الأفرنسيون المرابطون إلى جانب بناية الهاتف التي تشغلها الآن دائرة الإذاعة في شارع النصر.واخترقت هذه الرصاصات نوافذ السرايا وصارت تتساقط في الممر).

 

ثم يروي خالد العظم المعاناة التي عاشوها في الظلام في السرايا وخافوا أن يكون مصيرهم مصير شرطة المجلس النيابي ثم روى كيف استطاعوا الخروج من السرايا من الباب الجانبي متسترين بطرف من أطراف نهر بردى حتى وصلوا أخيراً إلى دار خالد العظم في سوق ساروجة، وقد بلغ عدد هؤلاء مئة شخص، نواب ووزراء وجرى طمأنة بعض من أهل الموجودين بالهاتف، فعلم الفرنسيون باستراق السمع ،الملجأالذي لجأت إليه الحكومة والنواب ،فقصفوا بمدافعهم من المزة سوق ساروجة حيث دار خالد العظم الذي لم يصب بالقنابل التي تساقطت على دور أخرى وشب الحريق في المنطقة) . 

 

ما أن أعلن قيام الدولة الصهيونية في فلسطين عام 1948 حتى نشطت عصاباتها من الهاغانا وشتيرن000 إلخ بالقيام بمذابح في العديد من البلدات والقرى الفلسطينية ،تناولت النساء والأطفال والشيوخ وسالت الدماء الفلسطينية زكية أمام سمع الغرب المتحضر الذي ساهم بشكل أوبآخر في هذه المجازروهُجِّر مئات الالآف من الفلسطينين خارج أوطانهم .

 

وتمر الأيام حافلة بالمآسي والجراح وتقع كارثة عام 1967 وتتخاذل جيوش الدول المحيطة بالكيان الصهيوني،وتضيع أراض من الدول المجاورة ،وتستمر الحال حتى إذا كان عام 1973 وبدت بوادر انتصار فإذا بالغرب ينتصر للباطل ويمد جسوراً جوياً لإمداد جيوش الصهاينة بأحدث الأسلحة بما فيها الدبابات التي  نزلت من الطائرات مع طواقمها لتدخل المعارك فوراً .

 

بعد ذلك بدأت مفاوضات الاستسلام لتخرج مصر من حلبة الصراع مع العدو بعد "كامب ديفيد" ثم مرت بمدريد وانتهت بأوسلو،وساد هدوء كافة الجبهات لأكثر من عشر سنين،أعطت الفرصة للكيان الصهيوني لاقتطاع المزيد من الأراضي وبناء المستوطنات وتهويد القدس والخليل،ونشر الرعب في صفوف الفلسطينيين وأقامة الحواجز والطرق الالتفافية وأخيراً الجدار الفاصل ،بينما نجد عرباً يسعون لتقبيل أيادي العدو لاستجدائه بفتات من مائدته .

 

وأخيراً وليس آخراً حاصر العدو الصهيوني غزة بموافقة عرب لأشهر طويلة ثم صب جام غضبه بالأسلحة الأمريكية المدمرة من صواريخ وقنابل وأسلحة محرمة دولياً،واستعمل كافة صنوف التدمير براً وجواً وبحراً،فأحرق الأخضر واليابس وقتل النساء والأطفال والشيوخ وبعد أكثر من ثلاثة أسابيع انهزم فلم يحقق ما سعى إليه في حربه العدوانية ،وعاونه في ذلك أو سكت عن مجازره المواليين من هذا الغرب المنافق .

 

ما كان لافتاً للنظر أكثر من الحرب نفسها ،هو هرولة مسؤولين كبار من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا إلى الكيان الصهيوني ليجتمعوا بالقتلة أولمرت وباراك وليفني ،في تل أبيب وليمدوهم بالدعم المطلق لجرائهم التي شاهدها العالم أجمع على شاشات التلفاز،ودون أن يرف لهم جفن ،أو يحاولوا ولو من قبيل المجاملة، التعرف على ما وقع في غزة ،أو ليزوروا الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ،ويروا بأنفسهم الدمار الذي خلفته ألتهم العسكرية!.

 

هكذا تتكرر مأساة الشعوب الضعيفة التي تقع تحت نير احتلال ذوي العيون الزرق،الذين يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ،لتكون وسيلة لتضليل شعوبنا الساذجة التي تحكم من قبل أنظمة قمعية استبدادية لم تترك لها فرصة للتمييز بين الخبيث والطيب،فآثر بعضها أن يرتمي بأحضان الغرب الهمجي مخدوعاً بدعاوي النفاق و حرصهم على الشعارات التي يطرحونها .

 

ولم يدر بخلد أحد أن يستعرض أمامه التاريخ الأسود لهذا الغرب وليطرح على نفسه السؤال الكبير،ما هو الفرق بين جريمة أصحاب العيون الزرق في أمريكا مع الهنود الحمر وهيروشيما وناغازاتي والفيتنام وبناما وأمريكا الجنوبية أو مع السود في أفريقيا أو مع الشعوب التي استعمروها في بلادنا العربية والإسلامية .

 

شريط الأحداث يتكرر بنفسه والمثل يقول:

 

(التقي من أتعظ بغيره والشقي من أتعظ بنفسه)و( لا يلدغ المؤمن من جحرمرتين).

 

لا ننكر أن هناك أصواتاً وقفت بحزم في الخندق الحقيقي لحقوق الإنسان،وخرجت للشوارع منددة بالجرائم التي ترتكب بحق شعوبنا،سواء قبل الغزو الأمريكي الهمجي للعراق أو المجازر التي ارتكبت ولا تزال في فلسطين .أولئك هم من نمد وسنمد لهم يد الصداقة.

 

دمشق    

- مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية