تتعدد و تتنوع التقارير الدولية التي تصدر سنويا عن مؤسسات أممية أو دولية أو خاصة ، تبعا لولاياتها،في شأن وضعيات بالغة الأهمية ذات صلة بالحقل الاقتصادي أو المالي أو الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي أو التعليمي أو الحقوقي أو العسكري ،،، في بلد من بلدان المعمور . و تختلف هذه التقارير من حيث مصادر المعلومات كما من حيث اللغة و المرجعيات و الأدوات و المعايير و طرق التحرير و التبويب و النشر التي تعتمدها في تقييم حالة الحقل الذي تختص في تتبعه . و فيما تقدم بعض هذه التقارير صورة الوضعية المعنية بشكل مركب يجمع بين مواطن النجاح و مواطن الفشل لتحفيز الحكومات على الاسترشاد بتنبيهات و توصيات معينة ، فإن بعض هذه التقارير يركز أساسا على مواطن الضعف و الفشل بغاية الضغط على الحكومات لبذل قصارى جهودها في سبيل إخراج الأمر من دائرة الإهمال الراكد فيها و إعطائه أولويته الجديرة به ، و إن بعضها الآخر يتجاوز هذين الأسلوبين إلى اعتماد منهجية الترتيب بناء على معلمات إحصائية موضوعية و سلاليم من درجات محددة للتنقيط، و ذلك بهدف اختصار الوصف و تيسير مقارنة الوضعية بغيرها في بلدان أخرى و تتبع مدى التقدم أو التراجع أو التأخر الذي لحق بهذه الوضعية داخل نفس البلد من سنة إلى أخرى .
و هكذا ، و باعتبار أن المملكة المغربية هي واحدة من الدول التي أصبحت تقع تحت مجهر المراقبة الخارجية المركزة، و ذلك خاصة منذ تبني حكوماتها المتعاقبة لإجراءات إعادة الهيكلة الاقتصادية و إعادة جدولة المديونية و على الأخص منذ العقدين الأخيرين ، و كذا باعتبار ، من جهة ، الأضرار الاجتماعية التي تخلفت عن هذه الإجراءات ، و من جهة ثانية ، تنامي حركات الاحتجاج الشعبي و السياسات القمعية الرسمية المتخذة للرد عليها ، فإن صورتها ، أي صورة المملكة، قد أضحت مشمولة من قبل مختلف أنواع هذه التقارير و بالتالي لم تعد مقصورة على أنظار مكاتب الدواليب الدولية المغلقة بل انتشرت و شاعت أمام أنظار كل من يشاء التملي فيها. فكيف قدمت هذه التقارير الدولية الصادرة في عام 2008 الصورة التي كانت عليها المملكة المغربية ؟
إجمالا إن الملامح الرئيسية التي يبدو عليها هيكل البلد هي ملامح الشيخ المثقل بعوائق و صعوبات بعضها الكثير طوعي و غيرها القليل قسري . و رغم إصرار الحكومة على الاكتفاء بالتعبير عن عدم رضاها على محتويات و خلاصات تقارير دولية متعددة صدرت خلال السنوات الأخيرة و تشكيها من أنها تقارير إما غير موضوعية أو تعتمد معايير لا تتوافق مع طبيعة الدينامية المغربية و من أن القتامة التي تصبغ بها حالة بعض الاستحقاقات و الوعود و الخطط و الأنشطة و تعممها على قطاعات أخرى قد تزيد من فقدان الثقة الخارجية في مصداقية الاستراتيجيات و السياسات الحكومية الوطنية و تؤثر سلبا في ولوج و تدفق الاستثمارات الأجنبية المترددة أصلا بالإضافة إلى ما يتبع ذلك من تعطيل للعديد من المشاريع و تعميق للفقر و للهوات الاجتماعية و إشاعة لليأس بين ساكنة بالكاد تمكنت من استرجاع قليل من الأمل في حاضر يعدها بأنه إنما يؤسس لمستقبل ملؤه الرخاء و الرغد ،،، رغم هذا الإصرار و التشكي فإن التقارير إياها لم تزدد خلال 2008 إلا كثافة و لم تقدم أية شهادة عن تحسن بالغ أو ذا دلالة إحصائية في الوضعيات المعنية في البلاد .
و هكذا ، فالمملكة المغربية ماتزال تحتل الرتب المتأخرة ، مع تقهقر سنوي نحو رتب أدنى ، في شتى الميادين ، حيث كأمثلة عن ذلك يرتبها تقرير التنمية البشرية الصادر سنويا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الرتبة 125 بين مجموع 177 دولة تخضع لأجندته . و يصنفها تقرير مناخ الأعمال الصادر عن البنك الدولي بين دول شمال إفريقيا في رتب متأخرة عن كل من تونس و مصر و الأردن . و في نفس الحال تقريبا يضعها تقرير آخر يتعلق بالميزانية المفتوحة ،،، و الأدهى من ذلك أن تقرير هذه المؤسسة المالية حول التعليم في شمال إفريقيا و الشرق الأوسط ، و هي المؤسسة التي ما فتئت المملكة تسترشد بنصائحها و توجيهاتها ، قد وضع المغرب في الرتبة 11 بين 14 دولة من بينها فلسطين و العراق المحتلتين... أما الأفدح ، فهو أن المملكة من خلال تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2008 قد تراجعت 8 مراتب على مؤشر الفساد لتحتل الرتبة 80 ضمن 179 دولة على الصعيد العالمي و الرتبة 9 بين 20 دولة عربية و الرتبة 2 بين دول المغرب العربي .
و بغض الطرف عن تقارير تصدر عن أقسام خاصة تابعة لوزارات خارجية بعض الدول العظمى و أخرى تصدرعن صحف أجنبية كبرى حول حالة حقوق الإنسان في دول العالم ، و هي تقارير غالبا ما تسترشد بإستراتيجيات سياسية و عسكرية دولية كما هو حال التقرير السنوي لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث تتم الإشادة بأدوار المملكة المغربية في مكافحة الإرهاب لكن دون أن يفوتها ، مثلا ، تسجيل التراجع الملحوظ في مجال تكريس حرية التعبير و ضمان حماية ممتهني الصحافة، و بغض النظر كذلك عن تقارير فرقاء عمل الأمم المتحدة و ممثلي أمينها العام و مجلس حقوق الإنسان الأممي في شأن افتحاص الدول و مناقشة تقاريرها حيث تتسم مسطرة إصدار التقارير بالبطء ،،، فإن الصورة التي تلتقطها عدسة رصد منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الدولية و الإقليمية لحالة هذه الحقوق و الحريات هي صورة أقتم .
من الأمثلة الصادعة أن المملكة المغربية في تقرير التصنيف العالمي لحرية الصحافة الحالي الصادر عن منظمة " مراسلون بلا حدود " تواصل تراجعها لتحتل المرتبة 122 بين 173 دولة على الصعيد العالمي . و جاء في " التقرير العالمي 2008 : التظاهر بالديمقراطية يقوض الحقوق " لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن المغرب " يقدم صورةً مختلطة عن حالة حقوق الإنسان؛ فقد خطا خطواتٍ هامة نحو معالجة انتهاكات الماضي، وهو يتيح فسحةً كبيرة للمعارضة والاحتجاج العلنيين وقلل من التمييز ضد المرأة في قانون الأسرة. لكن السلطات تواصل، بمساعدةٍ من المحاكم المتعاونة معها، استخدام التشريعات القمعية أحياناً لمعاقبة معارضيها المسالمين، خاصة من ينتهكون تابو انتقاد الملك أو الملكية، أو من يشككون في "مغربية" الصحراء الغربية، أو من "يسيئون إلى الإسلام " . و كما جاء في تقرير أمنيستي الدولية المعنون بـ " 60 عاماً من الإخفاق على صعيد حقوق الإنسان – ينبغي على الحكومات أن تقدم اعتذاراً وتفعل شيئاً الآن " فإن المغرب مثله مثل معظم دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط ما يزال يركز في إضراره بحقوق الإنسان على اتهام المعارضين السياسيين و الصحفيين المستقلين و المحتجين سلميا و المدافعين عن حقوق الإنسان بالمس بالمقدسات أو بالمؤسسات و بالتشهير و القذف في حق شخصيات و بالمس بـ " النظام العام " و " الأمن العمومي " و " الاستقرار السياسي " و " الاطمئنان العام " ،،، و قد وزع هذا التقرير دواعي القلق على حالة حقوق الإنسان في المغرب إلى إلى عشرة قضايا ، من بينها : 1ـ المدافعون عن حقوق الإنسان ، حيث يوثق لاعتقال أو سجن أو متابعة حوالي 113 من نشطاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ، يعتبرهم التقرير سجناء الرأي ، بتهم " المس بالمقدسات" أو " زعزعة الحكم الملكي " أو " التحريض على أعمال العنف أو المشاركة فيها" ؛ 2 ـ القيود على حرية الصحافة ، حيث يوثق التقرير لتوجيه تهم جنائية و اعتقال أو سجن أو متابعة 03 صحفيين هم مصطفى حرمة الله و عبد الرحيم أريري عن جريدة " الوطن" و أحمد بنشمسي عن جريدة " نيشان " .و تتمثل هذه التهم ، و على التوالي بالنسبة للجريدتين ، في " إخفاء أشياء متحصل عنها من جريمة " و " الإخلال بالاحترام الواجب للملك " ؛ 3 ـ أنشطة جمعية العدل و الإحسان ، حيث يشير التقرير إلى خضوع عدة آلاف من أعضاء هذه الجمعية لاستجوابات من قبل الشرطة ، و متابعة حوالي 267 منهم بتهمة " المشاركة في اجتماعات بدون ترخيص " أو " الانضمام إلى جمعية غير مرخص لها" ، كما يشير إلى استمرار متابعة ندية ياسين ، منذ 2005 ، بتهمة " إهانة الملكية " ؛4 ـ مكافحة الإرهاب ، و هنا يؤكد التقرير إلقاء القبض على ما يزيد عن 100 من المشتبه في أنهم إسلاميون متشددون ، و ذلك من قبل الشرطة بمشاركة جهاز " المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني " ذات السمعة السيئة في معاملة المحتجزين لديه ، و محاكمة بعضهم طبقا لمقتضيات قانون الإرهاب . كما يذكر بطلبات مئات من السجناء الإسلاميين ، في أعقاب تفجيرات الدار البيضاء عام 2003 ، بمراجعة قضائية لمحاكمتهم و بتحسين أوضاعهم داخل السجن و رفع القيود على زيارات الأهل و تمكينهم من الرعاية الصحية و الكف عن سوء معاملتهم من قبل حراس السجن و أفراد من قوات الأمن من خارج السجن؛5 ـ اللاجئون و طالبو اللجوء و المهاجرون؛ 6 ـ التمييز و العنف ضد المرأة؛7 ـ التمييز ؛8ـ السجن بسبب العلاقات المثلية؛ 9 ـ معسكرات " جبهة البوليساريو"،،، و حتى لا أطيل أكثر في تقديم الأمثلة إياها أدرج الملحوظة التي ختم بها الدكتور هيثم مناع التقرير الذي أنجزه بتكليف من اللجنة العربية لحقوق الإنسان و المعهد العربي للتنمية و المواطنة و المرصد الفرنسي لحقوق الإنسان حول نتائج مراقبته القضائية أمام المحكمة الابتدائية في سلا ( المغرب ) يوم 16 أكتوبر 2008 في شأن المعتقلين السياسيين الستة و قضية بلعيرج : " يمكن القول كملاحظة سريعة، أن رئيس المحكمة قد تمتع بصدر رحب في الاستماع للمحامين ولم يقاطعهم إلا نادرا. في حين لم تكن مداخلة وكيل الحق العام بمستوى الجلسة والنقاش. إلا أن قرار المحكمة بعدم إطلاق السراح المؤقت لأي معتقل، يذكرنا بمثل مغربي يقول: "المحامون يقولون ما يريدون والقاضي يحكم بما طلب منه". نتمنى أن يتم تجاوز هذه المقولة من قبل هيئة المحكمة هذه المرة".
فهل حقا بواعث قلق هذه التقارير الدولية ، المنوه عنها هنا ، تجانب الصواب في أهلية المغرب؟ الواقع أنه مهما كانت تذرعات أو تشكيات السلطات العمومية المغربية و في مقدمتها سلطة اتخاذ القرار ، فإن المعاينة و المتابعة الميدانيتين لا تجزم فقط بصدقية هذه التقارير ، بل و تنبئ أيضا بآفاق قد تكون في 2009 أسوأ من سابقتها ، و ذلك ليس فقط بحكم قصر المدة بين السنة و الأخرى و إنما بالنظر إلى أن قاطرة البلاد لم توضع بعد فوق السكة الفولاذية للديمقراطية بكامل مقتضياتها و إجرائياتها ، و للمواطنة بمختلف قيمها و آلياتها الضامنة بالفعل للمشاركة المتساوية في التدبير كما في التسيير ، و لقرار سياسي واضح يتغيى القضاء نهائيا على الأمية ، و يجبر الأضرار التي استحكمت في التعليم إثر انتفاضة التلامذة في مدينة الدار البيضاء سنة 1965 و استفحلت مع انتفاضة سكان نفس المدينة في 1981 ، و يؤكد على تمكين المرأة ،،، و للشفافية و خاصة في الميزانية والمشاركة في أعدادها ونشر المعلومات المتعلقة بتنفيذها ، و لحقوق الإنسان منظورا إليها و إعمالا لها بصفتها كونية، متكاملة،غير قابلة للتجزيئ أو الإنتقاص منها و ملازمة للأفراد و المجموعات، و لقضاء مستقل و نزيه، و كل ذلك في إطار قانوني متين يقعد لعدم الإفلات من العقاب .
٭ كاتب و باحث من المملكة المغربية elmostafa.soulaih@menara.ma