السيد الرئيس:
يسرني أن أزف إليكم التهنئة بمناسبة انتخابكم وعلى الخطوات القوية التي بدأتم بها في الأيام الأولى لإدارتكم بالشروع في معالجة الأضرار التي لحقت بالأمريكيين والعالم خلال الثماني سنوات الماضية. وأضم صوتي إلى الملايين حول العالم الذين يتمنون لكم القوة والحكمة والنجاح في الجهود التي تبذلونها. (لعله من المناسب هنا الاستشهاد بشيء من القرآن أو الحديث).
لقد قلت في خطاب تنصيبك "وللعلم الإسلامي، نحن نسعى إلى طريق جديد إلى الأمام، يقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل". فلو قدر لك النجاح في شق هذا الطريق الجديد، فستكون نقلة هامة من الماضي القريب، حيث طالما كانت السياسة الأمريكية تعتبر مجرد الهجوم على الإسلام استناداً إلى المعرفة السطحية أو بالجهل بكل ما يتصل بهذا الدين، في ممارساته وأتباعه.
إن أخطاء الإدارة السابقة كانت كثيرة وفادحة للغاية، وإنك اليوم أمام الكثير من الفرص الجديدة التي تتيح لك المجال لشق طريق جديد. وإن تغيير السياسات التي تستهدف المنظمات الخيرية، الإسلامية منها وغير الإسلامية، تمثل فرصة نادرة لإبداء الاحترام للعالم الإسلامي وتحسين مصالحنا المشتركة. إن الصدقة مبدأ أساسي من مبادئ الإسلام. كما أن الزكاة واحدة من أركان الخمسة التي قام عليها الإسلام. إن ما قامت به إدارة بوش من اضطهاد للمنظمات الخيرية الإسلامية ومضايقتها والتعذيب وصور سجن أبو غريب ومعتقل غوانتنمو تقف شاهداً على حالة عدم احترام والنفاق التي اتسمت بها الولايات المتحدة في نظر العالمين الإسلامي والعربي.
السياسات الأمريكية الحالية تجاه الجمعيات الخيرية وغيرها من المنظمات غير الربحية قد أدت إلى تقويض مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم. ففي الصومال على سبيل المثال، أدى إغلاق مكتب مؤسسة الحرمين إلى تشرد 2500 يتيم في شوارع مقديشو، حيث لجأ الكثيرين منهم لسوء الحظ، إلى حرف غير منتجة كوسيلة للعيش. وكانت الولايات المتحدة في وقت سابق قد جمدت ممتلكات شركة البركات (وهي شركة لتحويل الأموال قد تم تبرئتها من علاقة بالإرهاب) مما أدى إلى خلق أزمة سيولة في الصومال تتضاءل أمامها الأزمة الاقتصادية العالمية التي نعاني منها هذه الأيام. كما أن إغلاق برنامج التطعيم الذي كانت تموله مؤسسة الحرمين أدى في النهاية إلى تزايد وانتشار الأمراض في ذلك البلد المنكوب. وطيلة هذه الفترة، ظل المسؤولون في مؤسسة الحرمين يعرضون تحويل العمليات التي كانوا يقومون بها إلى جهة أخرى حرصاً منهم على استمرار هذه ال خدمات الحيوية. غير أن الحكومة الأمريكية رفضت هذه العروض.
ومن المؤسف أن مثال الصومال ليس فريداً من نوعه. حيث مركز المجتمع المدني في مدرسة لندن للاقتصاد قام بتوثيق الآثار المدمرة للسياسات الأمريكية تجاه المؤسسات الخيرية في جميع أنحاء العالم. كما أن معهد كروك Kroc للدراسات السلام الدولية في جامعة نوتردام (من خلال التقرير الذي أعده لصالح منظمة كورديد وهي منظمة خيرية ألمانية) وجد أن:
"الكثير من السياسات التي تم تطبيقها باسم مكافحة الإرهاب جعلت من خطر الإرهاب أكثر سوءاً. كما أن المبالغة في التركيز على الإجراءات الأمنية ألحقت الضرر بالحريات المدنية في كثير من الدول، وحولت الانتباه من السياسات التي كانت ضرورية لمواجهة التحديات المعقدة لمكافحة الإرهاب المعاصر".
وفي دراسة بعنوان "الضرر الجانبي" أعدها مركز الرقابة على الإدارة والميزانيةOMB watch ومنظمة مانحون بلا حدود Grant makers without Borders ، خلصت الدراسة إلى أن:
"الإطار الحالي لسياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية، لا يعمل بشكل جيد عندما يأتي دور المنظمات غير الربحية الأمريكية. فبدلاً من الاعتراف بالقطاع على أنه حليف هام فيما يسمى "بالحرب على الإرهاب"، يصف المنظمات الخيرية ظلماً بأنها قنوات لتمويل الإرهابيين، ومراتع خصبة لنمو التطرف. وهذا لا يزال مستمراً بالرغم من حقيقة أنه، وكما يقول أحد الخبراء "إجمالاً، لا شك في أن قطاع المنظمات الطوعية لهو من أهم المساهمين في تحقيق الأمن الإنساني في بدايات القرن الحادي والعشرين" وبالتالي تعمل المنظمات الأمريكية غير الربحية ضمن نظام قانوني يلحق ضرراً بالبرامج الخيرية، ويؤدي إلى تقويض استقلالية قطاع العمل غير الربحي، ويضعف المجتمع المدني".
وبينما يركز تقرير "الأضرار الجانبية" على المؤسسات غير الربحية الأمريكية، إلاّ أن النتائج التي خرجت بها هذه الدراسة تنطبق على جميع المؤسسات الخيرية في كافة أنحاء العالم.
المشكلات التي حدثت بسبب عملية "التصنيف"، حيث يتم تصنيف الأشخاص والمنظمات كممولين للإرهاب وتجمد ممتلكاتهم، تنبع من العوامل التالية:
· تمت التصنيفات على أساس الأدلة السرية، حيث لا يسمح للجهة المصنفة بالإطلاع على هذه الأدلة أو التصدي لها وتفنيدها.
· ربما تعتمد هذه التصنيفات في أدلتها على بعض المقالات الصحفية أو بعض المواد المنشورة على الإنترنت.
· الأشخاص الذين يتم تصنيفهم لا يتمتعون بحق التمثيل القانوني.
· هذه التصنيفات قد لا يمكن التصدي لها أمام جهة مستقلة.
· عملية التصنيف منافية لمعايير القوانين الدولية الإنسانية، بالإضافة إلى المعايير التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية.
بينما كان المسؤولون في الإدارة السابقة يؤكدون على أن تصنيف الشخص أو الجهة ضمن قائمة الإرهاب لا يعني اتهامه بنشاط إجرامي، وأن تجميد الممتلكات مسألة مؤقتة ستستمر حتى تنته الحرب على الإرهاب. وأي شخص أمريكي يقدم دعم مادي لمنظمة مصنفة ضمن هذه القائمة يرتكب جريمة بموجب قانون باتريوت.
هنالك القليل جداً من الاستثناءات فيما يتعلق بتعريف الدعم المادي، كالأدوية على سبيل المثال. وفيما عدا ذلك فإن القائمة طويلة جداً، ولغة قانون باتريوت مبهمة للغاية. فمثلاً يعتبر قطاع غزة تحت سيطرة كيان إرهابي. وبالتالي، فإن الأمريكيين الذين يريدون تقديم معونات لأهل غزة يواجهون خطر الملاحقة القانونية بحجة تقديم الدعم المادي للإرهابيين. فبينما يمكنهم توزيع الحبوب الدوائية لأهالي غزة، لا يمكنهم تقديم الماء لابتلاع هذه الحبوب، ولا يمكنهم تقديم الرعاية الطبية أو توفير العصي ليتوكأ عليها الذين بترت أطرافهم.
إن بيئة التعريفات الجنائية الكثيرة والمبهمة والمصحوبة بالعقوبات المريعة قد تركت آثاراً قاسية على النشاط الخيري في جميع أنحاء العالم. كما أن حقيقة التطبيق الانتقائي للقانون- حيث تم تصنيف المنظمات الخيرية الإسلامية وموظفيها فقط – بعث برسالة إلى العالم الإسلامي مفادها أن اللعبة ليست على هذا المستوى. فهم يعتقدون أن الولايات المتحدة تخوض حرباً ضد الإسلام، وليس ضد الإرهاب.
وقد ضمت المنظمات غير الإسلامية صوتها إلى أصوات أولئك الذين يدعون إلى تغيير هذه السياسات. فقد بعثت بتحليلاتها للمشكلات القائمة ومقترحات للتغيير من شأنها أن تسهم في تعزيز الأمن القومي، في ذات الوقت الذي تعالج فيه المظالم التي شعر بها الناس في العالمين العربي والإسلامي من جراء هذه الممارسات. وقد تم جمع هذه المقترحات مع مشروع وإرسالها إلى فريقك الانتقالي. آمل منك أن تطلع على المقترحات والتوصيات بإمعان.
لقد بعثت قبل مدة من الزمن برسالة مفتوحة إلى أعضاء الدورة التاسعة بعد المائة للكونغرس. وقد دعوت من خلال تلك الرسالة إلى الحوار، غير أن عرضي لم يجد آذاناً صاغية. وأتمنى أن تسير بنا قيادتكم نحو حال أفضل- تضع فيه إدارتكم يدها على يد المسلمين في كافة أرجاء المعمورة، لنعمل معاً في احترام متبادل، ولكي نحقق أهدافنا المشتركة.
* عضو جمعية أصدقاء الجمعيات الخيرية foca
.