القضاء منزه عن السياسة ولكن القضاة منوط بهم الإصلاح

 د. نادر فرجاني

‏19‏/08‏/2005‏ 02:46 م

استقلال القضاء مطلب شعبي وضرورة إصلاح تتجاوز، مع كل الاحترام الواجب، القضاة أنفسهم؛ ودعم القضاة الآن واجب أول على كل وطني.

بداية، نفرق بين القضاء من ناحية، وبين القضاة في لحظة زمنية معينة، من ناحية أخرى. القضاء أحد أهم مؤسسات الحكم، والقضاء المستقل المنصف إحدى دعائم نسق للحكم الصالح. القضاء، مؤسسة وقيمة، من أعز ما يملك للشعب، ويعلق عليه الآمال في صيانة الحرية والكرامة الإنسانية. ومن ثم فإن الحرص على قيام قضاء منصف ومستقل يتجاوز القضاة أنفسهم إلى الشعب قاطبة. ولكن زمرة القضاة في لحظة زمنية محددة تحمل شرفا مزدوجا: القيام بأعباء القضاء من ناحية، والتعبير عن ضمير الأمة من ناحية ثانية، باعتبارها شريحة من ألصق شرائح النخبة بحماية الحق وإقامة العدل كأسس للحكم الصالح، ومن ثم يشكلون ضمير الأمة في مسارها التاريخي.

إذ تحت الاستبداد والفساد يضحي مجرد إحقاق الحق وإقامة ميزان العدل فعلا سياسيا بالمعنى الأشمل، على الأقل في رأي أعمدة الحكم الفاسد، وإن حمي حقوق الناس.

كل هذا يضع القضاة في لحظات تاريخية فارقة، تجاه تحد تاريخي فحواه المساهمة في الإصلاح الهيكلي، أو البنيوي، للحكم خاصة في منظور ضمان سيادة القانون، المنصف والحامي للحرية، وضمان الاستقلال البات للقضاء. ومن ثم يصبح الإصلاح منوطا بالقضاة، لكونهم شريحة طليعية من ضمير الأمة، في مرحلة التحول من حبس الحرية، من خلال الاستبداد والفساد، إلى مجتمع الحرية والحكم الصالح. بل ليس من المستبعد أن يتولى القضاة، في مرحلة انتقالية أعباء تسيير المجتمع مباشرة. ولا يدنس ذلك الموقف شرف القضاء، بل يعلي من شأنه، في المنظور التاريخي، ويعد عربونا للمكانة الأرقي للقضاء في مجتمع الحرية والحكم الصالح.

من المهم هنا التحذير من سعي أساطين الحكم الاستبدادي إلى إبعاد القضاة عن المساهمة في مهمة الإصلاح التاريخية بدعوى عدم تسييس القضاء.

 

أما في مجتمع الحرية والحكم الصالح، فيتنزه القضاء، المستقل قطعا، عن أهواء ودنس السياسة بمعنى التنافس على الحكم. ولا معنى للمناداة بعدم تسييس القضاء قبل بلوغ هذا المثال، إلا محاولة تخريب واحد من أهم روافد الإصلاح.

ومن حسن الطالع أن قضاة مصر قد تصدوا بشرف وبسالة ورصانة لقضية الإصلاح.

لكل ذلك أمسى واجبا على كل وطني أن يدعم نضال القضاة من أجل الحرية والحكم الصالح في مصر. وأضعف الإيمان في تقديري هو التوقيع على "عريضة الشعب" التي يجري تداولها الآن وإيصال الرسالة إلى القضاة، وإلى كل من يهمه الأمر حبذا قبل الاجتماع التاريخي للجمعية العمومية لنادي القضاة في الثاني من سبتمبر القادم!

مفكر عربي من مصر، المحرر الرئيسي لتقرير التنمية العربية