عقدت لجنة الجمعيات في مجلس حقوق الانسان (وهي مؤلفة من ممثلين ل19 دولة، تقدم توصيات بخصوص الجمعيات غير الحكومية وتعقد جلسة مرة في السنة) دورة عادية بدءا من 18 يناير 2009 فوجئنا على أثرها بالتطرق خلال الاجتماع للجنة العربية لحقوق الإنسان والاحتجاج على ما زعمه الوفد الجزائري بأن اللجنة العربية أدخلت لقاعة الأمم المتحدة شخصا ليتحدث باسمها موضوعا على لائحة الارهاب (منظمة أصبحت القاعدة في المغرب الاسلامي).
وحيث أن هذا الأمر لم تكن قد تمت جدولته في البرنامج ووجد بعض أعضاء الوفود أن الحجج الذي قدمه وفد الجزائر غير مقنع، فقد احتاج الأمر لخمس جلسات (19 و23 و26 و28 يناير ثم 2 فبراير 2009 لاتخاذ قرار بتجميد عضوية اللجنة بعدما كان وفد الجزائر قد طلب شطب الصفة الاستشارية للجنة العربية لحقوق الانسان من المجلس الاقتصادي الاجتماعي في الأمم المتحدة بشكل نهائي، ثم قبل بعد المناقشات والاعتراضات بالتجميد ل3 سنوات، ثم لسنة (18 من أصل 19 صوتوا على التجميد لسنة كحل وسط منها مصر والسودان وقطر وتحفظ على القرار وفد الولايات المتحدة). لم يكتف الوفد الجزائري بذلك بل حاول أن تصبح التوصية سارية المفعول على الفور بدلا من انتظار عقد دورة المجلس الاقتصادي والاجتماعي العادية في شهر يوليو المقبل للبت بالأمر.
حددت الجلسة الأخيرة في 2 فبراير لتعليل الصيغة النهائية للتوصية، بعدما وجدت بعض الوفود وخاصة الغربية منها أن الأمر لا يمكن أن يمرر بالضغط، وأنه سيشكل سابقة ضد جمعيات حقوق الإنسان، خاصة وأنه ليس من خطورة في التهمة، إضافة إلى أن ما قدمه وفد الجزائر ضد اللجنة العربية لحقوق الإنسان اعتراه حسب بعض الوفود "الغموض" و"نقص المعلومات" و"عدم الموضوعية"، وكان وحده مصدر المعلومات كون السكريتارية الدائمة للجنة الدول لم ترسل طلبا للاستفسار من اللجنة العربية عن الأمر كما هي العادة، وعلما أن اللجنة العربية لم تعلم بما يدور من شكوى مقدمة ضدها إلا ليلة النقاش في 26 يناير2009 حيث اعتمد الوفد الجزائري على عنصر المفاجأة لمنع تحضير الرد.
وعليه، وبعد علمنا بمحتوى النقاشات من خلال الاطلاع عليها على موقع المجلس الاقتصادي الاجتماعي في 26 يناير، تم تحضير رسالة أرسلت للجنة الجمعيات التي كانت ستعقد جلستها في 28 فبراير حيث جرى الرد على الاتهامات. لكن لم نتأكد من توزيعها كون لجنة الجمعيات لم تشر لطلبنا حق الرد بحضور مندوب منا إلى نيويورك. ثم في 1 فبراير/شباط ارسلت رسالة ثانية لأعضاء المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وأعضاء لجنة الجمعيات، ومفوضة حقوق الإنسان ورئيس مجلس حقوق الإنسان لتفنيد بعض النقاط الواردة في قرار التجميد.
من هو مندوب اللجنة العربية في جنيف (بين 2006-2008) الذي دار حوله الجدل؟
هو المحامي رشيد مسلي، أهم عناصر هيئة الدفاع عن المعتقلين الاسلاميين في الجزائر ( التي قادها رئيس ومؤسس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان علي يحيي). اعتقل في 1996 وطالبت اللجنة العربية منذ تأسيسها بالافراج عنه، وتبنته منظمة العفو الدولية وفريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة. نشر له هيثم مناع شهادة كان قد أرسلها له من داخل المعتقل عن التعذيب الذي تعرض له، وذلك في كتاب (سلامة النفس والجسد، التعذيب في العالم العربي في القرن العشرين) في 1998. بعدفا أفرج عنه غادر الجزائر للعلاج وطلب اللجوء السياسي في سويسرا وحصل عليه. ثم طلب الانتساب للجنة العربية عرفانا بالجميل ولمساعدة المعتقلين في أي مكان، بحيث صار اختصاصه تقديم طلبات وقوائم بالمعتقلين في العالم العربي لفريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي، كذلك متابعة آليات الأمم المتحدة المختلفة من تقارير بديلة أو متابعة المقررين الخاصين. وهو يعيش في جنيف حيث أصبح مديرا قانونيا لمؤسسة سويسرية لحقوق الإنسان اسمها الكرامة، وصار يقدم الطلبات للأمم المتحدة باسم المنظمتين. منذ قبل الواقعة، كانت اللجنة العربية لحقوق الإنسان قد قررت تسمية الحقوقي عبد الوهاب هاني (تونس) ممثلا لها في جنيف رسميا منذ 1/1/2009 وعمليا قبل هذا التاريخ.
لم يكن لرشيد مسلي أية عضوية في حزب سياسي سلمي أو مسلح، بل توكل في قضايا عن إسلاميين.
الاستشراس الجزائري ضده يظهر أنه ازداد بعد أن شارك في تنظيم ندوة عن أوضاع الحريات في الجزائر، في وقت تصادف مع طباعة اللجنة العربية لحقوق الإنسان لتقرير عن التعذيب في هذا البلد.
السؤال: لماذا فتح الملف بعد 6 أشهر من وقوع الحادث في يونيو الماضي ؟ هل اعتقد الوفد الجزائري أن موقف اللجنة العربية من العدوان الاسرائيلي سيحرمها من تضامن الدول الأوربية أو وقوفها على الحياد، وهو من طرفه يتكفل باقناع الدكتاتوريات، خاصة وأن هذا التكتيك تم اتباعه في حالات مشابهة في السنوات الماضية في التصويت على تجميد العفو الدولية لسنة، وتجميد "المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب" لسنة أيضا ثلاث مرات، وتجميد "مراسلون بلا حدود" سنة مرة واحدة؟
لم نتفاجأ البتة من موقف الوفد المصري، فقد اتصل بنا أكثر من طرف مصري بعد حملتنا الأوربية ضد المحاكم العسكرية ليقول نحن لن ننسى ذلك لكم. ومن الجدير بالذكر صدور قرار من فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي يطعن بقانونية الأحكام الصادرة على خيرت الشاطر وزملائه من قبل المحكمة العسكرية (اثر تدخل من فيوليت داغر ورشيد مسلي) بعد الاجتماع المفترض فيه تقديم الطلب بشكل طبيعي ليتم وضعه في جدول الأعمال. السودان من ناحيته وعد أكثر من شخصية عربية بعدم التصويت، لكن يبدو أنه رجع لمنطق يعتبر نشاط اللجنة العربية من أجل محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين تعزيز لموقف أوكامبو.
قطر التي تعرف حراك اللجنة العربية لكي ينام تيسير علوني في بيته بدلا من السجن، ويفرج عن سامي الحاج من سجن غوانتانامو، ربما لم تتذكر سوى دور اللجنة العربية في رفع قضية البدون من آل مرة التي تعاونت فيها مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، رغم أنه لم يكن هناك معركة كسر عظم بل جرى تراجع تدريجي عن قرار ظالم.
فهل هذه التكهنات لعبت فعلا دورا في وقوف ممثلي هذه الدول مع القرار ضد اللجنة العربية، أم أنه تضامن الحكومات في السراء والضراء؟ المؤكد على كل حال أن مصر استبسلت بوقوفها مع موقف الجزائر، وسجل الوفد المصري في محضر الجلسة "ضرورة معاقبة المنظمات غير الحكومية".
طبعا رفضت المفوضية السامية ومجلس حقوق الإنسان سحب البادج من زميلنا عبد الوهاب هاني قبل أن يتم التصويت النهائي في تموز 2009. كما وتسلمنا رسائل تأييد من مسؤولين في مفوضية حقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان. لكن أجمل رسالة قوية وصلتنا من شرطي جزائري قرر الاستقالة من الشرطة لأن البقاء في نظام عفن يفعل هذا سيجعله يتلوث من هذا العفن.
بمعزل عن الجزائر، ستكون المغرب والعراق والعربية السعودية والسودان من البلدان التي ستصوت على القرار في المجلس الاقتصادي الاجتماعي في يوليو المقبل. فهل ستؤكد على الموقف المجحف الذي اتخذته في التوصية بحق اللجنة العربية لحقوق الإنسان أم أنها ستقبل بمناقشة الأمر بموضوعية وحياد ؟
تتساءل اللجنة العربية لحقوق الإنسان إن كانت هي محض صدفة تلك التي جمعت في نفس الوقت بين هذه المعركة التي خيضت ضدها من أطراف عربية مدعومة بقرارها من إسرائيل، والمعركة التي تخوضها هي ضد الافلات من العقاب ومحاسبة المسئولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها بنوع خاص في غزة مؤخرا. وتؤكد أنها لن تتورع خلال الأشهر الفاصلة عن ممارسة دورها في تفعيل وتعزيز حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية الذي أكد عليها اعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1998. كما لن تألو جهداً في كشف الحقائق وما بقي مستوراً، لتعرية الوجه القبيح للعسف وكل من يسهل له أو يتواطأ معه أو يشجعه وخاصة من طرف الأنظمة المصنفة كديمقراطية.