في سياق مفاجئ و يبعث على الكثير من الاستغراب ، صدر عن لجنة المنظمات غير الحكومية المكونة من 19 وفد حكومي يوم الأربعاء 28 يناير 2008 قرارا يطلب نزع الصفة الاستشارية، لمدة سنة ، عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان التي يوجد مقرها بمالاكوف بالعاصمة الفرنسية باريس حيث تراسها الدكتورة فيوليت داغر وينطق باسمها الدكتور هيثم مناع وفي قيادتها نخبة من المناضلين الديمقراطيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي. أما مبعث المفاجأة فيتمثل في أن توقيت هذا الإجراء قد جاء متزامنا مع الحملة التعبوية للمجتمع المدني الدولي وغيره، والتي أضحت إلى حد الآن ، و في فترة قياسية و تجربة فريدة من نوعها ، تشمل ما يناهز 400 جمعية و منظمة و مؤسسة حقوقية أوروبية وعربية تتفرع عن شبكة من التحالفات منها تحالف أوقفوا الحرب وتحالف الدعوة لمحاكمة مجرمي الحرب و تحالف محاكمة إسرائيل ومؤسسة محكمة راسل فيما يشمل قرابة خمسة ملايين عضو منتسب لهذا التحالف الأكبر منذ العدوان على العراق.. تشارك اللجنة إياها، رغم محدودية عضويتها وقدراتها المالية، في قيادتها و تحضير لوازمها و أجندتها و برامجها، وذلك في سبيل رفع قضايا جنائية أمام عدة هيئات بعضها قضائية دولية وبعضها الآخر وطنية تدخل في إطار الاختصاص القضائي العالمي ضد مسؤولي العدوان العسكري الإسرائيلي الصهيوني على مدنيي غزة و في مقدمتهم الأطفال باعتبارهم كانوا الضحية الأولى والأكثر افتقار إلى أية وسيلة حمائية إبان هذا العدوان كما في ظل الحصار المضروب على القطاع وما يزال منذ ما يزيد على 19 شهر،،، و قد كان من بين الإجراءات التمهيدية التي أنجزتها اللجنة العربية لحقوق الإنسان في هذا الصدد هو أنها قدمت بواسطة المتحدث باسمها يوم 26 يناير الماضي إلى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أول ملف دولي يتضمن المواد القانونية مشفوعة بالصور وغيرها من الوثائق لمحاكمة مجرمي الحرب العسكريين والسياسيين الإسرائيليين في غزة مع رسالتين من رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني ووزير العدل الفلسطيني تقبل بها السلطات الفلسطينية باختصاص المحكمة الجنائية الدولية لتصبح فلسطين رابع دولة عربية تعترف باعلان روما، وذلك بموازاة مع مساعي حثيثة من أجل كسب تأييد 108دولة مصادقة على اتفاق روما من أجل مباشرة التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة في مقدمتها فنزويلا وجنوب إفريقيا وبوليفيا والبرازيل. وأما مبعث الاستغراب فهو أن طلب نزع الصفة الاستشارية عن اللجنة العربية لحقوق الإنسان قد تقدمت به الحكومة الجزائرية مدعومة مصر وقطر والسودان. وأن القضية التي تذرعت بها الدول الشاكية في وضع طلبها المعني فهي اتهامها لممثل اللجنة العربية في دورة جنيف الأخيرة بكونه كان إرهابيا خطيرا والواقع أنه محام ومناضل جزائري لحقوق الإنسان حاصل على حق اللجوء السياسي في سويسرا، ويتعرض باستمرار لتحرشات من قبل مندوبية الجزائر في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة. و يزيد من حدة الاستغراب أنه فيما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية هذا المنطق وطلب الاتحاد الأوروبي تفسيرات إضافية للتصويت على ذاك الطلب، تفضلت دولة إسرائيل بدعم الدول الأربعة إياها في إجازة القرار المترتب عنه .
لكن ما الذي يفسر هكذا تغول للدول العربية العضو في اللجنة الأممية، مدعوم من قبل إسرائيل بالذات على اللجنة العربية لحقوق الإنسان، تغول من مترتباته إمكانية حرمان اللجنة من التحدث باسمها في مجلس حقوق الإنسان ؟ الواقع أن هناك ثلاثة أنواع من الدواعي : أ ـ دواعي عامة، وهي الأخطر بالنظر إلى أنها تسعى إلى تهديد الوجود المحلي، لهياكل حقوق الإنسان غير الحكومية و خاصة منها تلك التي تتمسك بعدم المساومة أو اقتناص الفرص لأغراض شخصية فلا تعتمد سوى المعايير الدولية للقانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان في رصدها و توثيقها و تشهيرها بانتهاكات هذه المعايير و كذا الحال في اقتراحها لمشاريع نصوص وآليات حقوقية جديدة ذات صلة.. وتجد هذه الدواعي تعبيرها الأوضح في ما قد يكون أدلى به مندوب مصر في المجلس إياه بتزامن مع التصويت على قرار نزع الصفة حيث جمع فيه بين صيغة استقوائية و أخرى تحريضية لأشقائه من الحكام العرب قائلا : "يجب أن نؤدب المنظمات الحقوقية التي توحشت ضد نظمنا". . ب ـ دواعي تتعلق بإسرائيل والسودان اللتين تسعيان معا إلى كسر شوكة اللجنة العربية لحقوق الإنسان، التي لعبت دور المحرك لولادة منظمة "عدالة واحدة" وتطرح قضية الخروج من منطق عدالة الغالب لمنطق العدالة للجميع وتناهض الحالة الاستثنائية على حساب دولة القانون سواء حدثت باسم حالة الطوارئ أو الحرب على الإرهاب. أم أن البعض يذهب إلى منطق غياب محاسبة السلطات، ويعتبر أنه حيث أمكن النجاح في تقديم مرتكبين إسرائيليين لجرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية في حق أطفال غزة العزل إلى محاكم ذات صلة ، تتسع فرص عدم إفلات المسؤولين السودانيين من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بل وفرص محاكمة المسؤولين المصريين عن إغلاق معبر رفح حيث تذكر اللجنة العربية بأن إغلاق سويسرا لحدودها في وجه الهاربين من القمع النازي والمساعدات للمقاومين الأملمان للنازية تكلف الفدرالية السويسرية تعويضات للضحايا تدفعها حتى اليوم . ج ـ أما الدواعي الأخرى فهي خاصة تعود إلى مرجعية انتقامية تتمثل بخصوص مصر، في تفاحش نسبة العداء لديها تجاه اللجنة وخاصة إثر تتبعاتها القضائية للمحاكمات العسكرية الجائرة ضد الإخوان المسلمين فيها و ما استلزمته خطورة ذلك من تغطيات ونشر. وتتمثل بالنسبة لقطر ، في غضبها الشديد على اللجنة جراء الحملة التي خاضتها هذه الأخيرة إلى جانب البدون من آل مرة من أجل استرجاع جنسيتهم التي تم تجريدهم منها على غير وجه حق، خاصة وأن هذه الحملة قد تكللت بالنجاح لفائدة معظم الضحايا. و تتمثل بشأن الجزائر ، في تبرمها من أجندة اللجنة والذي تحول إلى عداء على إثر إصدار هذه الأخيرة لتقرير حول التعذيب الممارس داخل المخافر الأمنية والأماكن السجنية وغيرها المنتشرة في هذا البلد المغاربي موثق بالأسماء والحالات.
فهل يكون غرض الدول الأربعة المدعومة من قبل إسرائيل هو ، من جهة ، لجم حركية اللجنة العربية لحقوق الإنسان بتجميد فاعليتها المتميزة في المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، ومن جهة ثانية ، الحد من دورها القيادي النشيط في إعمال وتفعيل " الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات و هيئات المجتمع في تعزيز و حماية حقوق الإنسان و الحريات الأساسية المعترف بها عالميا " الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1998، أي ذات السنة التي تأسست فيها اللجنة العربية لحقوق الإنسان، كذلك تقديمها مشروع مشابه لحماية العاملين في الحقل الإنساني والخيري؟. ومن جهة ثالثة، هدر قدرات شبكة تحالفاتها التي تم رصها بشكل لا نظير له من أجل هدف واحد ووحيد هو عدم إفلات المسؤولين العسكريين و السياسيين الإسرائيليين من المساءلة و المحاسبة القضائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي باشروها ضد أطفال غزة (والمقال قيد الكتابة تمنع السلطات المصرية لليوم الثالث بعثة التحقيق التي أرسلتها اللجنة العربية لغزة والمكونة من محامين نرويجيين وفرنسيين من عبور معبر رفح)، وذلك بتوزيع هذه القدرات بين جهود توجه نحو الطعن في قرار نزع الصفة الاستشارية عنها وجهود توجه نحو مواصلة إنجاز الأجندة الأصلية لكن بتشردم وفي ظروف أصعب، ومن جهة أخرى، تهديد باقي المنطمات العربية المشابهة بما هو أقذر ؟ إنها تساؤلات تستمد مشروعيتها من كون أن الحكم الذي صدر ضد اللجنة العربية لحقوق الإنسان كان، ولا شك ، قد تقرر قبل التصويت عليه و ذلك في دواليب المهادنة بين أمير قطر ورئيس مصر خلال الفترة القصيرة بين قمة الدوحة وقمة هرم الشيخ . لكن أليس من دواعي الفخر أن يرفض مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الانسان التنفيذ الفوري لهذا القرار ويستمر مندوب اللجنة يقوم بعمله حتى التصويت النهائي في يوليو 2009 في المجلس الاقتصادي والاجتماعي وأن تقول مسؤولة في المفوضية: لا نريد أن نحرم أنفسنا من علاقة بلجنة تقدم لنا 80% من معلوماتنا الحقوقية عن العالم العربي؟؟
٭ كاتب و باحث من المملكة المغربية، قيادي في اللجنة العربية لحقوق الإنسان