أي غرابة في أن تتمكن يوم 28 يناير الجاري  دولة الجزائر تعاضدها دولة مصر والسودان وقطر   (وتصويت اسرائيلي داعم) من الحصول على قرار بنزع الصفة الاستشارية عن لجنتنا في المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة لمدة عام. رغم أن مداخلات اللجنة في فرق عمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي في طليعة نشاطات المنظمات غير الحكومية.

كل هذا الإصرار بحجة أن ممثل منظمتنا في دورة حنيف الأخيرة كان إرهابيا خطيرا والحال أنه مناضل جزائري لحقوق الإنسان حاصل على حق اللجوء السياسي في سويسرا.

هذه العملية الأخيرة هي آخر ما ووجهنا به ونحن منذ اليوم الأول نرفع العقبة تلو العقبة.

 

منذ ولادتها سنة 1998 واللجنة العربية لحقوق الإنسان في صراع لا يتوقف .

 صراع مع الأسباب التي أجبرتنا نحن مجموعة من الحقوقيين العرب لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة على خلقها أي الاستعمال الانتقائي لحقوق الإنسان وحتى لا نقول استعمالها للوجاهة والشخصانية.

صراع ضدّ أهوائنا نحن ونقائصنا نحن وقد تربينا كلنا في الأجواء المسمومة للنرجسية والتعصب والديمقراطية التي لا تتوجه إلا للآخرين.

 صراع مع قلة الإمكانيات المادية حتى لا أقول غيابها التام وقد آلينا على أنفسنا ألا نقبل فلسا واحدا من أي طرف خاصة ذلك الذي ينفق بيد على المنظمات غير الحكومية وباليد الأخرى على حكومات الاستبداد ودولة العدوان.

صراع مع دول تمنعنا من العمل الميداني وتلاحقنا في كل مكان وتحجب مواقعنا وتتصدى لمبادراتنا وتحذرنا كما لو كنا الشيطان في قمقمه.

 ربما كان أهم صراع والتحدي الذي رفعناه هو مع  مناطق الظل في ثقافتنا.

تحديات ومصاعب كانت تبدو غير قابلة للمواجهة من قبل بضعة أشخاص  وجدوا داخلهم ما يكفي من القوة  وربما من الوقاحة للقول لنبدأ وسنرى.

وطيلة هذه السنوات الصعبة استطاعت المجموعة أن تبقى متماسكة ...ألا يفرق بينها لا طموحات شخصية ولا صراعات داخلية أو تنافس....أن تنظم بينها التداول حتى لا تنهى عن المنكر وتأتي بمثله، .... أن تموّل من قوت عائلتها وعلى حساب صحة أفرادها نشاطا لم تصل إلى مصافه لا من قريب ولا من بعيد جمعيات تتلقى الملايين...أن تكون حاضرة في كل قضايا شعوبنا وان تواكب مآسينا وتوثق لها وتجنّد من أجلها وأن تكون عين العرب في كل المحاكمات السياسية من الخليج إلى المحيط.

ربما الأهم من هذا كله العمل الصامت الذي تقوم به وهو العمل التربوي عشرات دورات التدريب على الحصيرة كما يعرف من يشارك وأكثر من سبعين كتابا مرجع في حقوق الإنسان وندوات شبه شهرية وقرابة ثمانين بعثة تحقيق بتمويل ذاتي. إعلاميا لا مقارنة بين حضورها وإشعاعها وإمكانياتها المادية. هذا الحضور الإعلامي لم نرده يوما للتألق الشخصي وإنما لاعتبارنا لأنفسنا أصحاب رسالة. ربما الدليل على هذا أن جل الوقت مخصص للعمل على الأمد الطويل وكلنا نسهر إلى الصباح وقد توزعنا الأدوار. منا من ينقب في عمق ثقافتنا العربية والإسلامية لنبني على الدعامات التي تركها لنا الآباء والأجداد، ومنا من يتابع مشاكل الحاضر الضاغط علينا سواء تعلق الأمر بوضع النساء أو المهاجرين. ومنا من يحلم ويخطط لدولة الاستقلال الثاني  وكل هذا بالتشاور وقراءة ما نكتب ومناقشتها قبل نشرها. هكذا تكونت مكتبة فكرية وفريق عمل ميداني لا نظير لهما.

أخيرا لا آخرا اللجنة اليوم رأس الحربة في ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائليين.

كيف لا تصبح اللجنة عدوا للنظام السياسي العربي الفاسد والنظام الثقافي الفاسد والنظام العالمي الفاسد  وكيف لا يطلب رأسها من هذا وذاك.

 

 لكن ألم يقل أيليا أبو ماضي.

 ما كانوا طلبوك بذمتهم .......لو لم تكن منهم أجلّ وأعظما.

على العهد سنبقى لا لشيء إلا إخلاصا  لمبادئنا ، لكل الضحايا ولكل القضايا العادلة.

                                             الرئيس السابق للجنة العربية لحقوق الإنسان