تردنا يوميا عشرات الرسائل التي تستفسر عن موقف اللجنة العربية
لحقوق الإنسان من التحركات التي تجري لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة
إثر جريمة العدوان التي تعرض لها في نهاية العام الماضي وبداية هذا
العام، والتي شكلت تصعيدا لجريمة الحصار المطبق على القطاع منذ
قرابة 18 عشرا. والحقيقة أن كون كل مناضلات ومناضلي اللجنة العربية
لحقوق الإنسان من المتطوعين، ولكوننا في حالة استنفار على عدة
أصعدة، ثقافية، حقوقية، إغاثية، إعلامية وقضائية، في الوقت الذي لا
يوجد لدينا سكرتاريا وموظفين، لم يكن بالإمكان إصدار نشرة إخبارية
أو بيانات صحفية منتظمة في ظل وقوع العدوان العسكري. لقد انتدبت
اللجنة العربية لحقوق الإنسان أهم عناصرها القيادية وطلبت لشخصيات
حقوقية وسياسية وثقافية عربية وأوربية متعددة الانضمام لتحركاتها
لضمان أكبر قدر من الفاعلية. وبودنا أن نشكر في هذه المناسبة عددا
كبيرا من مناضلي حقوق الإنسان ومن الديمقراطيين الذين وضعوا أنفسهم
تحت تصرف نشاطات اللجنة العربية وغطوا تحركاتهم الشخصية والعامة من
نفقتهم الخاصة وسيكون مع هؤلاء المناضلين وقفة شكر وتقدير في أول
فرصة بعد الاستنفار العام الحالي.
1-
إن أي عدوان همجي يستنفر المستويات المدنية والإنسانية عند الأفراد
والجماعات. ولعل هذه الإنسانية الجميلة التي تصرخ ضد المجرمين
والقتلة هي أرقى ما تبقى للناس من شموع أمل في عالم يتجه أكثر
فأكثر نحو انتزاع قيم العدالة الكونية والكرامة الإنسانية. لهذا،
تحيي اللجنة العربية لحقوق الإنسان كل المبادرات والحملات المدنية
والشعبية التي قامت وتقوم على صعيد الإغاثة والشجب والرصد المدقق
والملاحقة القانونية والتحرك السياسي والثقافي والإعلامي ضد القتلة
ومع الضحايا. وتعتبر هذا الواجب مسؤولية إنسانية عامة لا تختص بدين
أو بعرق أو بقوم أو بحزب أو بتكتل حقوقي.
2-
لقد طُلب من اللجنة العربية لحقوق الإنسان الوساطة في أكثر من قضية
فلسطينية حساسة وأكثر من اتصال مع مؤسسات قضائية وحقوقية دولية.
وبطلب من المعنيين أنفسهم، تخرج اللجنة العربية عن تقليد اتبعته
خلال أحد عشر عاما من نضالها، وهو الشفافية التامة وإعلام الجمهور
بكل ما تقوم به. من هنا حرصنا على عدم التصريح في أكثر من محور
والتزمنا الصمت في قضايا محددة، حرصا على أكبر قدر من الفعالية
والعطاء. لكن نتعهد بوضع كل ما نقوم به أمام الرأي العام بمجرد
تحقيق القواعد الصلبة للبرنامج الذي التزمنا به أمام أنفسنا وتجاه
كل المخلصين الذين يمنحونا ثقتهم. فالجميع يعرف قوة وفعالية وتوغل
وتغول اللوبي الموالي للدولة العبرية، كذلك كلنا يعلم حساسية الوضع
الفلسطيني وضرورة تحقيق الوحدة الفلسطينية. لم نجد من الضروري مثلا
أن نعلن أن أحد الفنادق تلقى تهديدا لإعطائنا صالة لمؤتمر صحفي
فاعتذر، وأن عددا من الأطباء الذين أعربوا لنا عن رغبتهم في الذهاب
لغزة تلقوا تهديدا من مراكز عملهم، وأن عددا من الأشخاص لم يحصل
على فيزا شنغن لأن في دعوتهم كلمة غزة. بل أن ممثلية دولة عربية في
الأمم المتحدة في نيويورك قدمت طلبا لمحاسبة اللجنة العربية
والمطالبة بسحب الصفة الاستشارية منها بحجة حادث مفتعل وقع قبل ستة
أشهر، وذلك في لحظة تسليم التحالف الدولي لملف جرائم الحرب
الإسرائيليين للمحكمة الجنائية الدولية. من هنا نرجو تفهم بعض
التكتم من طرفنا باعتباره مفروض علينا، كون الأصل في الأشياء
والقاعدة الأساسية هي الشفافية الكاملة والحوار الدائم مع محيطنا
الطبيعي.
3-
إن كل ما نقوم به أصلا، كما أن تكوين تحالف من أكثر من 350 منظمة
من كل قارات العالم لمتابعة المجرمين الإسرائيليين بوجود أكثر من
سبعين محاميا من نخبة المحامين العرب والغربيين، كل هذا يجري بشكل
تطوعي. وقد عرضت علينا أطراف حكومية مساعدات مالية وقانونية
فاعتذرنا منها وطالبناها بدعم سياسي علني والتصديق على ميثاق روما
للمحكمة الجنائية الدولية، كذلك المنظمات غير الحكومية المشاركة في
التحالف الدولي هي فقط من يغطي تكاليف نشاطاته. هذا التوضيح
اضطررنا له بعدما وردنا رسائل بخصوص تصريح للمحامي راجي الصوراني
لموقع الجزيرة نت يقول فيه : "عملية
اللجوء إلى القضاء تكلف حوالي نصف مليون يورو". وعليه نؤكد أن
المحامي راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، لم
ينتسب بعد للتحالف الدولي، وأن المنظمات الموقعة على نشاطنا من
قطاع غزة هي مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان والميزان لحقوق الإنسان.
علما أن المركز الفلسطيني يقوم بمتابعة مجرمي الحرب الإسرائيليين
منذ سنوات بالتعاون مع عدد من المحامين والهيئات الحقوقية. لقد غطت
المنظمات العضو في التحالف تكاليف جلسات باريس ولاهاي وجنيف
وبروكسل، ونشكر في هذه المناسبة المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية
والخيرية و "عدالة واحدة" و"المراب" على ما قدموه من تسهيلات
للمؤتمرات الصحفية. ونذّكر مرة أخرى بأن كل المحامين في التحالف
الدولي من المتطوعين.
4-
هناك عدة دعاوى قضائية قدمت للمدعي العام في المحكمة الجنائية
الدولية، سواء أرسلت بالبريد أو الفاكس أو سلمت باليد. وكما تصدر
بيانات صحفية عن اعتقال سجين سياسي من عدة أطراف حقوقية، تستطيع
منظمات أو مجموعات أن تتقدم بشكوى أو طلب لأية محكمة وطنية أو
دولية من تلقاء نفسها. فقط نود الإشارة هنا إلى أن تبعثر الجهود
وضعف معظم الملفات التي قدمت في القضايا الخاصة باحتلال العراق
كانت سببا من أسباب رفضها. لهذا حرصنا على التشبيك والتجميع لأكبر
قدر ممكن من الطاقات القانونية والمنظمات الحقوقية في مبادرة
مشتركة واحدة. علينا في هذا الصدد أن نشكر النقابات العربية
الكبيرة كاتحاد المحامين العرب واتحاد الأطباء العرب كذلك المنظمة
العربية لحقوق الإنسان وعشرات المنظمات العربية لانضوائهم في خيمة
دولية واحدة لتكثيف وتركيز الجهود. كما نشكر مبادرة أوسلو ومبادرة
جنيف ومبادرة فيينا ومبادرة بلجيكا لانضمامهم لتحالف دولي واحد
قادر على التحرك والتأثير.
5-
ليست الإجراءات القضائية من اختصاص طب الطوارئ، بل هي عملية تحتاج
إلى التوثيق والتدقيق وروح المتابعة والقدرة على النضال الطويل
الأمد والعقلنة الفائقة والأمانة العلمية. لذا نرجو عدم الترويج
لأي حديث عن نتائج سريعة أو انجازات كبيرة. الإنجاز الأول، أي
تحقيق إجماع كبير من مناضلي حقوق الإنسان واخصائيي القانون الدولي
حول وقوع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يعتبر مكسبا يجب الحفاظ
عليه أمام الآلة القانونية والإعلامية الصهيونية الدولية.
6-
إن اللجنة العربية لحقوق الإنسان تؤكد مواصلة نضالها من أجل إقامة
العدل في فلسطين وإقرار الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وتحقيق
البرنامج الإعلامي والثقافي والتنموي والإغاثي والقانوني حول قطاع
غزة، وتشكر كل من يناضل من أجل هذه الأهداف النبيلة.
باريس في 24/1/2009
.
|