اذا
تجردنا عن الادعاءات الدينية ـ القومية
التاريخية، السخيفة والكاذبة والمثيرة
للسخرية، لليهودية والصهيونية العالمية،
فإن عملية ظهور الحركة الصهيونية، ومن ثم
"صناعة" "الوطن القومي اليهودي" الذي
اعطوه اسم "اسرائيل"؛ ـ هذه العملية لا
تنفصل بتاتا، بل هي ولدت تماما في رحم
الظاهرة الاستعمارية، التي طبعت العالم
بأسره ببصماتها الدامية، منذ الارهاصات
الاولى للثورة الصناعية، وما تمخضت عنه
مما يسمى "عصر التنوير" في اوروبا، وظهور
البروتستانتية، والثورات البرجوازية
الاوروبية وظهور الشيوعية، و"اكتشاف"
اميركا، والحروب النابوليونية، ، واستعمار
الشرق، وصولا الى الحرب العالمية الاولى
وظهور الفاشستية والنازية وانهيارهما،
وظهور وانهيار النظام الكولونيالي
(الاستعماري) القديم معهما وفي اعقابهما.
ولذلك فإن الفهم او محاولة الفهم الصحيح
للظاهرة الصهيونية ودولة اسرائيل، لا يمكن
فصله عن الظاهرة الاستعمارية.
فما هو الاستعمار؟
ـ يرتبط الاستعمار بنشوء الانظمة الطبقية
الاستغلالية القائمة، من جهة، على استغلال
الانسان للانسان، ومن جهة ثانية، على
التفاوت في التطور الاقتصادي والعسكري
والنزعة القتالية ـ العدوانية، في مختلف
المجتمعات الانسانية، على خلفية وجود
الانظمة الطبقية الاستغلالية:
في البدء تنشأ الفئة او الطبقة
الاستغلالية، داخل مجتمع انساني معين
(قبيلة، اتنية، اتحاد قبلي، قومية، دولة
الخ)، وتغتني وتتقوى وتقيم نظامها
الاستبدادي، اولا عن طريق استثمار
واستغلال "جماهيرها" الخاصة، اي جماهير
المجتمع ذاته الذي نشأت فيه. وحين تجد هذه
الفئة او الطبقة الاستغلالية انها قد
اتخمت بالامتيازات، ولم يعد استغلال
"مجتمعها" الخاص يكفيها، (وهذا في حال
الازدهار)، او ان امتيازاتها قد شحت
لاسباب طبيعية او اجتماعية ـ اقتصادية
(وهذا في حال الافتقار)، فإن تلك الفئة او
الطبقة تعمل على تشجيع "مجتمعها"
(القبيلة، الاتحاد القبلي، الاتنية،
القومية، الدولة الخ) الى غزو "المجتمعات"
الاخرى وسلبها ونهبها، واخيرا: استعمار
ارضها وبلادها وشعبها.
وبسبب قانون التطور المتنوع والمتفاوت
لمختلف "المجتمعات" البشرية، كنتيجة
منطقية لارتباط كل مجتمع بالزمان
(والتاريخ) وبالمكان (والجغرافيا)؛ فإن
الظاهرة الاستعمارية كانت تمثل عملية "قطع
استمرار" للتطور "الطبيعي" لكلا
المجتمعين: المستعمـِر والمستعمـَر.
وحينما يجري الحديث عن الاستعمار، يذهب
التفكير عادة الى افريقيا واسيا، والشرق
الادنى والشرق الاوسط والشرق الاقصى،
والهند والهندوشين والجزائر وجنوب افريقيا
الخ. وننسى (او نتناسى) ان اهم (بالنسبة
لتطور النظام الرأسمالي العالمي والتاريخ
العالمي برمته) وابشع وافظع استعمار عرفه
التاريخ البشري هو استعمار اميركا.
فاستعمار اميركا وظهور "الدمقراطية الاكبر"
او ما يسمى "الولايات المتحدة الاميركية"
كان هو "الاستعمار الكامل" الناجح الوحيد
(واذا لم يكن الوحيد، فهو الاكبر والانجح
بين جميع عمليات الاستعمار الاخرى) في
التاريخ العالمي. فبعد ان "اكتشف"
القراصنة الاستعماريون ما سمي "اميركا"،
وبدأ الزحف الاستعماري اليها، تمت الابادة
الكاملة للسكان الاصليين (الهنود الحمر)
الذين كان "عددهم يزيد على 112 مليون
انسان لم يبق منهم في احصاء اول القرن
العشرين سوى ربع مليون" (منير العكش،
اميركا والإبادات الجماعية، دار رياض نجيب
الريس، بيروت، 2002، ص 11).
ولن ندخل كثيرا هنا في تحليل ظاهرة
استعمار اميركا. ونكتفي بطرح هذه "المسألة
البسيطة" وهي: لماذا ينسى العالم ان
اميركا هي "بنت الاستعمار" و"الابادة
الكاملة" للسكان الاصليين، اي انها بلد
اقامه (وبالطبع لا يزال "يحافظ عليه"
و"يسيطر عليه") جزارون ساديون، "وحوش
بشرية" و"اكلة لحوم بشر"؟
اننا نجد الجواب على هذه "المسألة
البسيطة" عند الوحشين التوأمين: ستالين
وهتلر:
في مواجهته للمعارضة داخل الحزب الشيوعي،
والجيش الاحمر، والبلاد السوفياتية، كان
ستالين يقول: "يوجد شخص، يوجد مشكلة؛ لا
يوجد شخص، لا يوجد مشكلة". اي: اقضوا على
كل معارض وعلى جميع المعارضين، فتنتهي
المعارضة. وحكم ستالين الاتحاد السوفياتي
حوالى 30 سنة، قضى خلالها على 30 مليون
شيوعي (اولهم لينين)، وجندي احمر ومواطن
سوفياتي؛ اي بمعدل مليون ضحية كل سنة؛ اي
انه كان يلزمه ان يحكم 150 سنة حتى يقضي
على كل الشعوب السوفياتية، ما عدا فرق
الولادات. وطبعا هذا مستحيل. ولكن اذا كان
ستالين غير قادر على القضاء على الشعوب
السوفياتية، فقد قضى على المعارضة لحكمه
المعادي للسوفيات وبالتالي فتح الطريق
امام انهيار الاتحاد السوفياتي.
وكان هتلر يقول: يوجد يهود، يوجد مسألة
يهودية. فاتخذ الحزب النازي سنة 1941 ما
يسمى "قرار الحل النهائي"، اي القضاء
التام على كل اليهود. ولكن "المسألة
اليهودية" هي جزء من الحالة الامبريالية
والاستعمارية التي اوجدت هتلر ليخدمها لا
لتخدمه. و"اليهود" الذين وجه لهم هتلر
"محرقته" هم "اليهود" الذين رفضوا الرحيل
الى فلسطين بعد صدور "وعد بلفور"، اي
"اليهود اللايهود" وكان كل هدف "المحرقة"
ـ بالتنسيق مع الصهيونية العالمية ـ
"التخلص" من اليهود الشيوعيين
والاشتراكيين والدمقراطيين اللاصهيونيين،
و"اقناع" اليهود العاديين باللجوء الى
"ارض الميعاد". وبالتالي فإن محرقة هتلر
ضد اليهود كانت جزءا من اللعبة
الامبريالية والاستعمارية ليس اكثر. اي:
كان مستحيلا على هتلر ان يقضي على "اليهود
اليهود"، لانه كان من المستحيل عليه ان
يقضي على الامبريالية التي اوجدته.
ومن المرجح ان ستالين وهتلر كانا يستفيدان
من التجربة الاميركية في التصفية التامة
للهنود الحمر، ولكنهما فشلا في تحقيق مثل
ذلك "النجاح الاميركي" الذي ظل وحيدا
كظاهرة استعمارية "كاملة" ناجحة.
كم يوجد من "الذكاء" (بقياس تاريخ غير
محدد الى الان) في تدمير مجتمع الهنود
الحمر وابادة 112 مليونا منهم، من اجل
اقامة دولة عنصرية "منحطة وسافلة" بكل
المقاييس الجمالية والاخلاقية والانسانية
كالولايات المتحدة الاميركية؟؟!
ـ ان التاريخ لم يجب بعد على هذا السؤال.
وهو سيبقى سؤالا للتاريخ، الذي ستخطه
الاجيال القادمة بكل تأكيد. لأن التاريخ
لا يَنسى ولا يُنسى!
ولكن اذا اخذنا مقياس "النجاح" لوحده
لقياس "الذكاء"، فإن استعمار اميركا
وابادة سكانها الاصليين كان استعمارا
كاملا "ناجحا"، اي "ذكيا"! (حتى الان، على
الاقل).
اما باستثناء المثال الاميركي، فإن ظاهرة
الاستعمار اجمالا تتصف، او على الاصح قد
اتصفت بالفشل، اي بالغباء.
فلا هي نجحت في ابادة السكان الاصليين
ابادة كاملة كما جرى في اميركا، ولا هي
كانت قادرة على الاستمرار في ان تحكم
الشعوب المستعمرة كما تحكم بلدانها
الاصلية، اي اقلية طبقية استغلالية تحكم
اكثرية شعبية مستغلة.
ففي "الاطار الوطني" للمجتمعات الطبقية
الاستغلالية يوجد فقط حاجز طبقي (اقتصادي
ـ مالي ـ اجتماعي) بين الطبقة السائدة
والشعب المسود. وحتى هذا الحاجز الطبقي لم
يكن بالامكان ان يكون "تاما"، "جامدا"
و"نهائيا"، بل هو كالسلم المتحرك: فدائما
يوجد مستغـَلون ومستغـِلون، ولكن: دائما
يوجد حكام يتحول اولادهم او احفادهم الى
محكومين وبالعكس، اغنياء يتحولون الى
فقراء وبالعكس، برجوازيون يتحولون الى
حرفيين او بروليتاريين وبالعكس؛ ومن ثم
كان ولا يزال يوجد اساس واقعي لتضليل قطاع
شعبي واسع بـ"حسنات" النظام الاستغلالي
القائم على التمييز الطبقي، على اعتبار ان
"الارتقاء الى فوق" هو مسألة "نعمة من
السماء" و"حظ" و"اجتهاد فردي" و"شطارة"
و"فلهوية" وغير ذلك من الاوهام والخرافات
السخيفة، ولكن الواقعية، والتي لا تغير
شيئا في طبيعة المجتمعات الطبقية (حتى
الدينية) القائمة ليس على الاخاء الانساني
(والديني)، بل على التمييز بين الاخ واخيه
واستغلال الانسان للانسان، داخل "المجتمع
الاهلي" او "المجتمع الوطني" او "المجتمع
الديني" ذاته. وتتولى الايديولوجية
الطبقية الاستغلالية عملية التبرير
الفلسفي ـ الاجتماعي ـ الديني للنظم
الاستغلالية التمييزية: نظريات "المبادرة
الفردية" و"حرية السوق" و"انا خلقناكم
طبقات طبقات" الخ. ولكن في هذه المجتمعات
يبقى المستغـَلون والمستغـِلون ابناء جنس
واحد، اتنية واحدة، لون واحد، دين واحد،
"وطن" واحد الخ.
اما في اطار المجتمع الاستعماري، فإن
الاستغلال الطبقي القائم على التمييز
الانساني يستمر، ولكن يضاف اليه التمييز
بين الناس على اساس الدين والعرق واللون
والانتماء "الوطني"، ويتولى الاستعمار
عملية قسرية للمطابقة بين "المحتوى
الاستغلالي" مع "الشكل البشري" بالذات، اي
ان الاستغلال يتخذ "شكلا" عنصريا محددا:
الاقلية الاستعمارية هي من جنس او عنصر او
دين معين، والاكثرية المستعمرة هي من جنس
او عنصر او دين آخر. وهنا يتخذ الصراع
المتولد عن الاستغلال والاستعمار لا شكلا
طبقيا ـ اقتصاديا ـ اجتماعيا ـ ثقافيا ـ
ايديولوجيا فقط؛ بل ـ وبالاضافة الى كل
ذلك ـ شكلا قوميا، عنصريا، فئويا ـ دينيا؛
وتصبح العلامة المميزة بين الطرفين
المتصارعين ليس فقط نوعية وحجم الملكية
ودفتر الحسابات الخ، بل الانتماء الفئوي ـ
الديني، والقومي، والاتني، واللغة ولون
البشرة الخ.
وبالطبع لقي الاستعمار بعض "الشعبية"
الاضافية في المجتمع الاستعماري ذاته، لان
بعض فتاته كانت تلقى الى بعض جماهير البلد
الاستعماري. فكانت، مثلا، زوجة عامل منجم
بريطاني قتل ابنها الوحيد مع الجيش الملكي
الاستعماري في الهند، تدعو آخر الشهر من
كل قلبها بطول العمر للملك او الملكة، ليس
لان هذه الام الثكلى يهمها كثيرا
الكومنولث البريطاني، بل لان التعويض
الشهري الذي كانت تتلقاه، عن دم ابنها
القتيل، من وزارة المستعمرات البريطانية،
كان يفوق الأجر الشهري الضئيل لعامل
المنجم الذي هو زوجها. كما ان الشباب
الانكليز كانوا يفضلون الانضمام الى الجيش
الاستعماري البريطاني والقيام بـ"مغامرة
العمر" في الهند او قبرص او غيرهما
والتمتع بامتيازات وملذات ومغامرات نسائية
استثنائية والحصول على ضمان شيخوخة وتعويض
اصابة او وفاة واجور عالية، لا تقاس بأجور
"العمل الشاق والقذر" في المناجم او سكك
الحديد او افران الصلب والحديد.
ولكن مشكلة الاستعمار الرئيسية بقيت مع
الشعوب المستعمرة ذاتها.
ومع ان الاستعمار كان يمتلك المدارس
والجامعات ومراكز الابحاث وجيوشا لجبة من
المتعلمين والمثقفين، وحتى قطيعا من "كلاب
الحراسة" و"ابواق الاستعمار" من العملاء
في البلد المستعمر ذاته، فإنه فشل فشلا
ذريعا في ان يحل هذه الاشكالية: اي
إشكالية العجز عن ايجاد "قاعدة شعبية"
للاستعمار بين الشعوب المستعمَرة.
من هنا كان الغباء التاريخي للاستعمار؛
لأن اضفاء الطابع التمييزي العنصري على
التمييز الاجتماعي الطبقي، يعني
(بالمعادلة الحسابية البسيطة نفسها: 1 +1
= 2) ان الاستعمار يقضي على نفسه بنفسه،
ويبدو كتلميذ فاشل لا يعرف حتى الحساب
البسيط.
فالتمييز العنصري (القاعدة الوجودية
للاستعمار)، لا يقاس فقط بالرساميل،
والمعامل، والجامعات، والمدافع والطائرات
والصواريخ، وبعض "البهارات الدمقراطية"
مثل وضع بعض "الملونين" في "البيت الابيض"
الاميركي؛ بل يقاس ايضا بابجديات انسانية
ـ اجتماعية ـ بسيكولوجية مختلفة، اولها:
الديموغرافيا؛ وارتباطها بالغنى والفقر،
والنظرة الى الحياة والموت، والاستعداد
للتضحية بالنفس الخ.
وقد اثبتت التجربة التاريخية ان المجتمعات
الفقيرة، فالافقر، هي اكثر نموا
ديموغرافيا من المجتمعات الغنية، فالاغنى.
وان "القيمة المادية" للفرد في المجتمعات
الاولى الفقيرة، هي ادنى منها في
المجتمعات الثانية الغنية. ومن ثم ان
استعداد الفرد للتضحية بنفسه في المجتمعات
الفقيرة، فالافقر، هي اكبر بكثير، وتكبر
باستمرار، من استعدادات الفرد للتضحية
بنفسه في المجتمعات الغنية، فالاغنى.
ماذا كان يعني ذلك على المستوى الواقعي،
العملي؟
كان يعني، ان الاستعمار، بقوانين تطوره
ذاتها، كان يناقض نفسه بنفسه. فبمقدار ما
كان الاستعمار يزداد استعمارا، اي يزداد
نهبا وسلبا وعدوانا وقوة وغنى، على حساب
الشعب المستعمر، الذي يزداد ضعفا وفقرا
ماديا واقتصاديا وعسكريا، فإن الاقلية
الاستعمارية، بمقدار ازدياد غناها، كانت
تزداد اقلوية، وتتناقص استعداداتها
للتضحية بافرادها، في حين ان الاكثرية
المستعمرة، وبمقدار ازدياد فقرها، كانت
تزداد عددا واستعدادا للتضحية بأفرادها.
وبالنتيجة: يأتي يوم، تصبح فيه حياة
الاقلية (بمقاييسها هي للحياة والموت)
كالجحيم الذي لا يطاق؛ وتضطر للانسحاب من
المعركة، او للزوال والسحق تحت اقدام
الفقراء الملونين ولعناتهم وبصقاتهم
واحذيتهم. وهذه هي (من جهة) تجربة
الفيتنام والجزائر التي كانت فيها خسائر
الشعب المستعمر الثائر تعد بالملايين،
وخسائر المستعمرين تعد بالالاف فقط، ومع
ذلك فإن المستعمرين اضطروا للانسحاب
مهزومين اذلاء. و(من جهة ثانية) تجربة
افريقيا الجنوبية والكونغو وافريقيا
السوداء عموما، التي لم يعد فيها
المستعمرون البيض قادرين على العيش لمجرد
ان الزنجي لم يعد "عبدا مطيعا" يساق
بالعصا، وصار يتجرأ ان يرفض الاهانة ويرد
على الشتيمة بشتيمة وحتى ـ وهناك الطامة
الكبرى ـ يحمل سكينا يدافع بها عن نفسه او
بندقية او قنبلة يدوية بدائية. وانهزم
البيض في افريقيا ولم يكن قد قتل منهم سوى
بضع مئات او بضعة آلاف قليلة جدا، وهو ما
لا يقاس بعشرات الملايين من القتلى
الافارقة المظلومين.
ولبعض "المفكرين" العرب، (مثل فؤاد النمري
وبهاء الدين نوري وفخري كريم وكريم مروة
والعفيف الاخضر، وجميع "اليساريين"
و"الليبيراليين" مؤيدي الاحتلال الاميركي
للعراق) الذين يحللون الرأسمالية
والامبريالية والاستعمار من وجهة نظر
"ميكانيكية"، تنحصر بالتطور الانتاجي
والاقتصادي والاجتماعي الشكلي، لا من وجهة
نظر "انسانية" شاملة؛ لبعض هؤلاء
"المفكرين" نطرح السؤال البراغماتي
التالي: هل كان ـ او هو الان ـ بإمكان
الاستعمار ان يتماهى مع البلد المستعمَر؟
وبالتالي هل يمكن لـ"عرب 48" ان ينالوا
كامل حقوق المواطنية الاسرائيلية، ويصبح
المناضل العربي عزمي بشارة رئيسا لدولة
اسرائيل مثل شيمون بيريز ويصبح الجيش
الاسرائيلي جيشا صهيونيا "يهوديا ـ
عربيا"؟
ـ لقد اثبتت التجربة التاريخية ان
الاستعمار هو أغبى من ان يفعل ذلك. فحتى
القرى والبلدات الدرزية في اسرائيل، التي
يتم تجنيد ابنائها في الجيش الاسرائيلي،
تعاني من التمييز العنصري على كل
المستويات.
واذا كانت الفوارق الفيزيولوجية بين
المستعمرين البيض والافارقة والهندوصينيين
كبيرة، فإن الفوارق الفيزيولوجية بينهم
وبين الشعوب المستعمرة في افريقيا
الشمالية والشرقين الادنى والاوسط ليست
كبيرة جدا، ومع ذلك فإن الاستعمار الذي
رفع (مثلا) شعار "الجزائر فرنسية" لم
يستطع ان يتجاوز عقدته العنصرية ويتعامل
مع الجزائريين ويعاملهم كفرنسيين فعلا،
وبالتالي ان "يعمـّر" ويطور الجزائر كي
تصبح بلدا راقيا ومزدهرا على قدم المساواة
مع فرنسا. لو كان بامكان الاستعمار
الفرنسي ان يفعل ذلك، ربما كان تاريخ
فرنسا والجزائر (والعالم!) سيكون غير ما
كان عليه. ولكن المستعمِر لم يكن بامكانه
ان يكون الا مستعمِرا ـ عنصريا غبيا. وكان
عليه ان يجني ثمرة غبائه، وان يرحل او
يدمر.
XXX
بعد هذه المقدمة عن الظاهرة الاستعمارية
بشكل عام، نأتي الى النظر الى الظاهرة
الاستعمارية الاسرائيلية بشكل خاص:
اولا ـ لقد علمنا التاريخ ان نلقي الى
المزبلة كل ما يقوله اي مستعمر عن نفسه.
فالمستعمِـر كان دائما يرفع شعارات:
الارادة الالهية، والديانة الحقيقية،
والحقوق الدينية، والحضارة، والتفوق
الحضاري، والتمدن، والتقدم، والحرية
والدمقراطية الخ الخ. واذا كان لهذه
الشعارات ان تطبع على ورق، فإن الشيء
الوحيد الذي قد تنفع فيه بشيء، فهو ان
تستعمل كورق لتنظيف الاقفية في المراحيض.
ثانيا ـ ان الادعاءات اليهودية والصهيونية
عن اية حقوق الهية او دينية او قومية في
فلسطين، لا تخرج عن هذا الاطار، بل هي ـ
بالمقارنة مع غيرها ـ تمثل احط درجات
الانحطاط الاستعماري. فالتوراة اليهودية
الموجودة بين ايدي كل الناس (اي في كل
مكتبات العالم) هي كتاب فاشستي ـ نازي ـ
عنصري، يتقدم (في الزمن) ويتفوق (في
الانحطاط) على كل امثاله، ويبدو معه كتاب
هتلر "كفاحي" كتابا "انسانيا" اخلاقيا
وراقيا جدا. فهذه التوراة تروي لنا حكاية
قبيلة همجية (يقتل فيها الاخ اخاه "قايين
وهابيل"، ويضاجع فيها الاب بناته "لوط"،
ويقوّد فيها الزوج بزوجته "ابرام وساراي")
هي القبيلة العبرانية، تخصصت في السلب
والنهب والربا والمتاجرة الحرام بما في
ذلك المتاجرة بالنساء والغش والشعوذة
والاحتيال والسرقة وتحويل الاحرار الى
عبيد ("خدمة" المشعوذ يوسف لفرعون وتحويل
الشعب المصري القديم من شعب حر الى شعب
عبيد لفرعون)، وتسمي كل تلك الاعمال
الشيطانية اعمالا "ربانية"؛ ثم طلع فيها
شامان مشعوذ وقاتل وقاطع طريق اسمه موسى،
اخترع لها "الها" شيطانيا، وحشيا وسافلا
على شاكلتها، سماه "يهوه"، وادعى ان هذا
اليهوه منحها "ارض كنعان" او فلسطين،
وامرها بإبادة الكنعانيين واليبوسيين
والعموريين والحويين وكل السكان الاصليين
لتلك الارض ابادة كاملة، والاستيلاء
عليها. ثم لما ظهرت الديانة المسيحية
بوصفها اول (وليست ثاني) ديانة سماوية،
وخشيت روما على نفسها من ان يؤدي ظهور
الديانة الالهية ـ الانسانية ـ الثورية
الجديدة الى انهيار نفوذها وسلطتها
واستعمارها للمنطقة، فإن تلك القبيلة
العبرانية الوحشية (التي تحولت الى
اليهودية)، مثلما تعاونت مع فرعون، تعاونت
مع الاستعمار الروماني في قتل يوحنا
المعمدان وعيسى المسيح ومطاردة وقتل
المسيحيين الاوائل بأبشع اشكال القتل
والتنكيل مدة مئات السنين. ولكن شعوب
الشرق المستعمرة من قبل روما هي التي
انتصرت في النهاية على روما وعملائها
اليهود، وتحولت اغلبية سكان المنطقة، بما
في ذلك اغلبية الجماهير اليهودية الفقيرة
القديمة، الى الديانة المسيحية، ومن ثم
الى الديانة السماوية الثانية (وليست
الثالثة) اي الديانة الاسلامية، ومع ذلك
ظلت القيادة العبرانية ـ اليهودية
(الدينية والزمنية) تدعي أحقيتها هي (كفئة
غنية متسلطة) بفلسطين، لمجرد ان هذه الفئة
كانت في الماضي تساهم في حكم فلسطين كخادم
عميل للحكم الاستعماري الروماني الذي اصبح
اثرا بعد عين.
ثالثا ـ اذا القينا كل الادعاءات
"الدينية" و"القومية" العبرانية ـ
اليهودية الى "مكانها الطبيعي"، اي الى
المراحيض ومزابل التاريخ، فإن الاستعمار
الاسرائيلي لفلسطين لم يكن ممكنا ان يكون
الا كجزء من الاستعمار الغربي والتقسيم
الاستعماري الجديد للشرق، بعد الحرب
العالمية الاولى.
وقد استفادت اوروبا من الحركة الصهيونية
في اتجاهين:
اولاـ الاستعانة بالمحرقة لليهود او
بالمساعدات لليهود (وهما وجهان لعملة
واحدة)، للتخلص من وجود اليهود في
اوروبا..
وثانيا ـ ارسال اليهود المضللين
لاستخدامهم كمرتزقة استعماريين في الشرق،
واستخدام دولة اسرائيل كقاعدة استعمارية
ستراتيجية رئيسية لحماية الانظمة العربية
وغير العربية التابعة للاستعمار العالمي،
وتكريس المصالح الاستعمارية والامبريالية،
لعشرات السنين، في هذه المنطقة من العالم،
ذات الاهمية القصوى اقتصاديا وسياسيا
وستراتيجيا الخ.
ومن باب تحصيل الحاصل القول ان الاستعمار
والامبريالية والصهيونية نجحت في استعمار
فلسطين وزرع اسرائيل على انقاضها، كما سبق
ونجحت في استعمار شمال افريقيا وافريقيا
الجنوبية والهند الصينية وغيرها.
ولكن مرحلة الاستعمار قد ولت في كل مكان
تقريبا؛ فلماذا بقيت اسرائيل بوصفها آخر
ظاهرة استعمارية؟
ان السبب في رأينا المتواضع هو: خصوصيتها
الفريدة، المتمثلة في تلازم ظاهرة اسرائيل
مع ظاهرة لفظ العالم كله لليهود.
اي انه اذا كانت كل ظاهرة استعمارية اخرى
هي ظاهرة استعمارية "بسيطة"، اذا صح
التعبير، اي ذات بعد واحد هو "تمدد"
المجتمع الاستعماري المعين في ارض وبلاد
اجنبية؛ فإن ظاهرة اسرائيل هي ظاهرة
استعمارية "مركبة" تقوم اولا على "التخلص"
من اليهود غير المرغوب فيهم في مختلف
البلدان الامبريالية والرأسمالية؛ ومن ثم
على استخدام هذه "النفايات اليهودية"
بالنسبة للمجتمعات الامبريالية
والرأسمالية ـ الام في استعمار بلد اجنبي،
هو فلسطين، استنادا الى القوة الاستعمارية
اولا، والى الخرافات والاساطير اليهودية
ثانيا.
وهذا "النبذ" العالمي لليهود (الذي تمثل
بأبشع صوره في الهولوكوست) كان يعوض
اسرائيل ديموغرافيا، حيث كانت الهجرة
اليهودية الجديدة الى اسرائيل تفوق دائما
الهجرة المعاكسة من اسرائيل. وآخر موجة
هجرة يهودية الى اسرائيل، كانت هجرة
المليون يهودي "سوفياتي" سابق. ومع انه لا
يزال يوجد في العالم خارج اسرائيل حوالى
15 مليون يهودي، الا انه لم يعد يوجد في
الافق العالمي الان ما يشير الى امكانية
حدوث هجرة يهودية جماعية جديدة الى
اسرائيل، خصوصا مع ارتفاع وتيرة النزاع
العربي ـ الاسرائيلي.
والان بازدياد الهجرة اليهودية المعاكسة،
وازدياد معدلات الفقر الفلسطيني والعربي،
الذي يعني ازدياد معدلات الولادات
والكثافة السكانية الفلسطينية والعربية
وزيادة الاستعداد للتضحية بالنفس في
الصراع ضد اسرائيل (وهو ما يتمثل في ظاهرة
العمليات الاستشهادية البطولية المتزايدة،
والتي هي "سلاح خاص" بيد الفقراء، اقوى
بكثير ـ بسيكولوجيا ـ من سلاح القنبلة
الذرية بيد الاغنياء)، فإن اسرائيل اصبحت
محكومة بالعد العكسي لتحقيق احدى
"ضرورتين":
ـ اما فرض "السلام" الاسرائيلي بالقوة على
الفلسطينيين والعرب، في اقصر مهلة ممكنة؛
ـ واما مواجهة المصير المجهول، الذي،
وكيفما كان، سيكون مصيرا اسود تماما
لاسرائيل وللصهيونية العالمية، التي فتحت
على نفسها بنفسها ابواب الجحيم. وسيكتشف
اليهود المضللون في وقت غير بعيد ان القوى
الاستعمارية العالمية التي تسلحهم وتدفعهم
اليوم لقتل الاطفال والنساء والمدنيين
العرب، ستغسل اياديها منهم غدا وهي تسعى
للتقرب من القوة العربية ـ الاسلامية
الاقتصادية ـ العسكرية الصاعدة لاحتواء
هذه القوة وتوجيهها ضد الشعوب العربية
والاسلامية المظلومة.
لقد قضى "الصليبيون" 250 سنة في الشرق ولم
يستطيعوا لا ان يأوربوا العرب ولا ان
يتعربوا؛ فرحلوا وكان من حظهم في بعض
الحالات ان رحلوا "بسلام" كما رحلوا من
القدس بعد تحريرها على يد صلاح الدين؛
وقضى المستعمرون الفرنسيون 132 سنة في
الجزائر، ولم يستطيعوا لا ان يفرنسوا
الجزائر ولا ان يجوزروا فرنسا، فرحلوا
وكان من حظهم عقد اتفاقية ايفيان على يد
ديغول؛ وها قد مر على وعد بلفور اكثر من
تسعين سنة، وعلى تأسيس اسرائيل اكثر من
ستين سنة، ولم تستطع اسرائيل ان تتأقلم مع
الفلسطينيين والعرب؛ حتى بالنسبة لما يسمى
"عرب 48" او "الاسرائيليين العرب" بقيت
اسرائيل جسما غريبا وكيانا استعماريا
اقلويا اغتصابيا احتلاليا، لا يستطيع
العيش يوما واحدا الا بالعدوان والقتل
والتدمير والقمع. ومن المهازل المضحكة
المبكية ان احد ابطال مفاوضات "السلام" مع
اسرائيل، وهو "الرئيس" (طبعا: رئيس!!)
محمود عباس يقوم باستجداء الاسرائيليين
مدة شهور لاظهار بادرة "حسن نية" من
قبلهم، واخيرا يربـّح الشعب الفلسطيني
المظلوم 100 الف جميلة، بأنه استطاع اقناع
اسرائيل بالافراج عن 227 معتقلا فلسطينيا،
في حين يقبع في المعتقلات النازية
الاسرائيلية اكثر من 11 الف مواطن فلسطيني
مظلوم، بمن فيهم اطفال وشيوخ ومرضى ونساء
وحتى نساء حوامل. فكم مائة سنة، او الاصح
كم الف سنة يحتاج "الرئيس!!!" محمود عباس
واسرائيله كي يحلا مشكلة الـ11 الف اسير
فلسطيني، و5ـ6 ملايين لاجئ فلسطيني و10
ملايين فلسطيني مظلوم؟؟!!
وفي العقود الثلاثة الاخيرة، وتحديدا منذ
توقيع اتفاقية كامب دايفيد، راهنت اسرائيل
على فرض "السلام" بينها وبين الاطراف
العربية. فكانت الاتفاقية الاسرائيلية ـ
الاردنية، وكانت اتفاقية اوسلو، وكانت
"مدريد" وغيرها وغيرها، وكانت اخيرا
المفاوضات الاسرائيلية ـ السورية غير
المباشرة برعاية تركية تحت تجليطة شعار
"السلام العادل والشامل" الذي لا يستحي
النظام السوري من المناداة به، في حين ان
الاراضي السورية ذاتها (الجولان) هي محتلة
منذ اكثر من اربعين سنة. ولكن مؤامرة
"السلام" الاسرائيلي تحطمت على صخرة
المقاومة الوطنية الاسلامية بقيادة حزب
الله في لبنان، خصوصا في حرب تموز 2006؛
فاتجهت اسرائيل (بالتواطؤ المفضوح مع
"الاوسلويين الفلسطينيين" و"العربان
الكامب دايفيديين") لتنفيذ مؤامرة السحق
النهائي لارادة المقاومة الفلسطينية، عن
طريق سحق الجماهير الشعبية المظلومة في
غزة ودفعها للاستسلام والتخلي النهائي عن
ارادة المقاومة والتسليم التام بالاحتلال
الاسرائيلي لفلسطين و"تفويض" اسرائيل
بتقرير مصير الشعب الفلسطيني الابي البطل
بالاشتراك مع بعض الخونة الذين يبيعون
ارضهم وعرضهم بثلاثين من الفضة، كما باع
يوضاس السيد المسيح.
ولكن كما خسئت اسرائيل وانهزمت امام ارادة
المقاومة في لبنان، فهي ستنخسئ وتنهزم
امام ارادة المقاومة التي لا تقهر، مهما
كانت التضحيات، في فلسطين. وكل ما ستفعله
اسرائيل بحملتها الظالمة، والغبية، على
الاطفال والنساء والمدنيين العزل في غزة
هي انها ستدفن بيديها كل امكانية
لـ"السلام" العربي ـ الاسرائيلي، وكل
امكانية لتطبيع واستمرار وجود اسرائيل في
المنطقة.
لقد كتب احد الكتاب الاسلاميين (ابرهيم
عبدالله) في مقال بعنوان "شيء لا
يصدق...!!" منشور على الموقع الالكتروني
"اصدقاء القصة السورية" يقول: "لا جديد
تحت الشمس ... إسرائيل الدموية هي.. هي..
لم تتغير، ولا أظنها ستتغير... لو تركت
الأفاعي سمها، وتخلت الثعالب عن خبثها،
والذئاب عن مكرها، ما تركت إسرائيل عشقها
للدم العربي عموما وللدم الفلسطيني
خصوصا... إنها تَحِنُّ إليه (كالمدمن) على
المخدرات... تحتاج إليه لتهدئ النار التي
تَلظّى في عروقها، فلا تهدأ إلا إذا أخذت
(وجبتها) الكافية من دماء
الفلسطينيين...".
اي: انها قصة الاستعمار في كل مكان وزمان.
وقد برهنت اسرائيل، والصهيونية العالمية،
والامبريالية الاميركية والعالمية بأسرها
التي اوجدت اسرائيل، وسلحتها وقوتها
وعيّـشتها حتى الان، ـ برهنت انها غير
قادرة على الاستفادة من تجربة الاستعمار
في كل مكان، وان الغباء التاريخي
للاستعمار هو قانون اجتماعي، "طبيعي"
تماما، كقانون الجاذبية، وقانون الثورة
والتحرر الاجتماعي والقومي و"لك يوم يا
ظالم".
ومهما ولغت اسرائيل الان في الدم
الفلسطيني، فهذا يؤكد اكثر فأكثر كذب
تجليطة "السلام العادل والشامل" مع
اسرائيل، ويؤكد ان مصير اسرائيل هو ان
تغرق في نهر الدم الذي تستجره، ومصير كل
من ينادي بالسلام مع اسرائيل وبعقد
"الاتفاقات" مع الاحتلال الاميركي للعراق،
هو ليس فقط الضرب بالاحذية، كما ضرب بوش،
بل والضرب بالرصاص، كما ضرب السادات،
والسحل في الشوارع، كما سحل نوري السعيد
في وقته.
والسؤال التاريخي الذي ينبغي لجهابذة
الستراتيجية الصهيونية والامبريالية
العالمية ايجاد الجواب عليه هو: لو رضيت
اسرائيل مكرهة بأي "وقف اطلاق نار" او
هدنة جديدة مع "حماس"، كما رضيت في تموز
2006 مكرهة بوقف اطلاق النار مع حزب الله.
فمن سيضمن بعد الان وجود اسرائيل في
المنطقة، ومن سيحمي وجودها؟
ـ الجدار العازل؛ الذي تساهم بعض القيادات
الفلسطينية "الاوسلوية" في بنائه؟
ان صواريخ المقاومة والعمليات الاستشهادية
البطولية اسقطت نهائيا كل خطط الدفاع
الستراتيجية التي بنتها اسرائيل منذ
وجودها الى الان. والجدار العازل تحول الى
ضد ما كان يراد منه، اي اصبح لا درعا
لحماية اسرائيل، بل "علامة جغرافية فارقة"
لرماة الصواريخ والفدائيين الاشاوس، حتى
يعرفوا تماما اين يصوبون ويضربون ولو "على
عماها"!
ـ اميركا؟
كل المؤشرات تدل ان اميركا تحتار الان كيف
ستخرج باقل الخسائر الممكنة من العراق،
وهي غير قادرة على تحمل "اعباء جديدة"
والمغامرة بخسارة نفسها، و"جلب الدب الى
كرمها"، لاجل انقاذ بضعة ملايين يهودي
عنصري وغبي لفظهم العالم المتمدن بأسره.
ـ اوروبا؟
ان اوروبا، الغربية والشرقية، لم تصدق
نفسها كيف "ارتاحت" من المسألة اليهودية
في عقر دارها، وكيف "ارتاحت" من الاستعمار
القديم للشرق، وهي تطمح لتأمين مصالحها عن
طريق "المصالحة" مع الشرق، وبالتالي فهي
على غير استعداد لان تغامر بمصالحها
واستقرارها وامنها ووحدتها او اتحادها،
لاجل "استعمار يهودي ـ نازي" غبي لفلسطين.
ـ الامم المتحدة؟
انها ديكور مسرحي من كرتون وشركة اعلانات
مفلسة تستخدمها اميركا لاغراضها الدعائية
ليس اكثر، ومتى فشلت هذه الشركة في خدمة
اميركا، توقفت اميركا عن دفع مستحقاتها
لها، واعلنت هذه الشركة الاعلانية
المشبوهة افلاسها المالي وصرفت جميع
موظفيها في اليوم التالي.
ـ افريقيا؟ الصين؟ الهند؟
لم يكن لأي منها اي مصلحة في قيام
اسرائيل. وطبعا ليس لأي منها الان اي
مصلحة في الدفاع عن استمرار وجود اسرائيل،
بل بالعكس.
لا يبقى اي طرف دولي له مصلحة في الدفاع
عن استمرار وجود اسرائيل، من اجل ان يستمر
هو بالوجود، سوى قطيع "كلاب اميركا"
وخصوصا بعض الانظمة العفنة والفاسدة
والدموية في بعض الدول العربية
والاسلامية، مثل السعودية ومصر وباكستان
وتركيا (التي تحاول الان تغيير جلدها
كالحية)!! وهذه الانظمة هي التي تصاب الان
بالهلع من احتمال زوال اسرائيل، اكثر من
طوني بلير وجورج بوش بالذات.
والارجح، ان تتجه ما يسمى "الشرعية
الدولية" (اي الامم المتحدة و"شراشيبها"
المهلهلة مثل "منظمة مؤتمر الدول
الاسلامية" و"جامعة الدول العربية")
لتشكيل "قوات سلام" عالمية، جلها او كلها
عربية ـ اسلامية، لتشكيل "زنار امن" حول
اسرائيل، بحجة "حماية الفلسطينيين"، ولكن
الهدف الفعلي هو حماية اسرائيل من الغضب
الشعبي الفلسطيني والعربي والاسلامي، ومنع
اقتلاعها من المنطقة واعادة فلسطين
لاهلها.
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
* كاتب لبنان مستقل