دعونا
من الجدال و الكلام المنمق و الأخذ و الرد
, دعونا نسمي ما يجري كما هو , إنه زمن
الإمبراطورية أيها السادة , إنه زمن
الهيمنة , إنه زمن الأساطيل و الدبابات
المتطورة التي ترسم على الأرض حدود
الإمبراطورية و تفرض سلطتها في كل مكان ,
ليس أن صدام غبي أو مجرد ديكتاتور , ربما
كان أكثر دموية هذا صحيح , لكن تمت
الإطاحة به بسبب حاجة الإمبراطورية فقط ,
أما من تبقى من هؤلاء الطغاة فإنهم
سيستخدمون حتى إشعار آخر لأداء ذات المهمة
التي تريدها الإمبراطورية من طغاة محليين
: أن يحكموا باسمها و لحسابها..إن طغاتنا
الأقزام , المعتدلين , ليسوا إلا نوابا عن
الإمبراطورية من بني جلدتنا , أما طغاتنا
الممانعون فهم طغاة تتعارض مصالح
الإمبراطورية مع استمرار ديكتاتورياتهم
على ظهورنا , و هم يحاولون إما إقناع
الإمبراطورية بتغيير رأيها أو يحاولون بكل
الوسائل , خاصة بدماء الناس في كل مكان ,
تأخير أو إعاقة تقدم جيوش الإمبراطورية
إلى كراسيهم لكي تطيح بهم و تنصب ممثلين
أفضل عنها لحكمنا..أما الفلسطينيون فهم
الهنود الحمر المعاصرون , الذين يجب
استئصالهم لأجل بناء مستوطنة جديدة (
لليهود هذه المرة و ليس للبوريتانيين ) ,
النقد الأساسي الموجه اليوم لحماس و لأي
مقاومة هو أنها تنحر الشعب الفلسطيني بيد
الإسرائيليين , لأن هذا هو مصير الهنود
الحمر المحتوم , لكن لأننا في عالم مجلس
الأمن و إعلان حقوق الإنسان البرجوازي ,
لن يجري ذبحهم إلا عند الضرورة , يمكنهم
الذهاب بعيدا , يمكنهم حتى العيش بشيء من
السلام خلف الجدران العازلة و حواجز جيش
"الدفاع" و في معازلهم وحتى بحراسة عسس من
جنسهم , بل إن العالم المتحضر سيمنحهم
الطعام و المأوى إذا تصرفوا كخدم مطيعين
للمستوطنة المجاورة كما فعل لبعض الهنود
الحمر الذين لم يقاوموا جزارهم الأبيض قبل
إنجاز استئصالهم التام , تمثل سلطة رام
الله سلطة آخر ملوك الهنود الحمر الذين
استمدوا سلطتهم من رضا الرجل الأبيض و
كانت مهمتهم البحث مع السلطة البرجوازية
الناشئة التي كانت تقضم أراضي الهنود عن
معازل جديدة لا تغري الباحثين عن الذهب
بيض البشرة , النقد الأساسي يتمثل اليوم ,
كما في تموز يوليو 2006 , في الخسائر التي
يستطيع الجيش الإسرائيلي إنزالها بشعوبنا
المكشوفة و التي تحدد معنى الهزيمة و
النصر , يمكننا كهنود حمر أن نعيش بسلام
فعلا , إذا قبلنا بشروط المستوطنين
الصهاينة , خليفة المستوطن الأبيض , لكن
مقاومة الأصوليين لا تستند فقط إلى عداء
لكل ضحايا الإمبريالية الآخرين , بل حتى
لعداء الإنسان نفسه في شكل البشر المحليين
أي المسلمين العاديين أي إلغاء و تهميش
البشر الذين تدعي الدفاع عنهم , لكنها لا
تشيطن اليوم من قبل إعلام البترودولار
لهذا السبب , فهؤلاء البشر لا وجود لهم
أساسا لا بالنسبة لهذا الإعلام و لا
لسادته و لا لأنظمة الممانعة , ما يوجد
هناك فقط سادة علينا أن نصفق لأحدهم و
نشتم الآخرين , تستخدم خسائر غزة اليوم ضد
الأصولية لكن ليس لصالح البشر في غزة , بل
لصالح أنظمة اختارت أن تكون أكثر من
متفرجة على ذبح غزة , لصالح أنظمة اختارت
, في سبيل بقائها , أن تصبح خدما
للإمبراطورية....ما أن تقبل بالداروينية
الاجتماعية كمذهب يسيطر على حياتنا و على
عالمنا , البقاء للأقوى , البقاء للأكثر
تطورا , و بتبرير اجتثاث الهنود الحمر
كشعب بأكمله و تهجيره في أرضه إلى مناطق
جدباء مع الاستمرار بقتله و ذبحه , لصالح
ذلك الجزء الأكثر تطورا في العالم وفقا
للظروف يومها , أنت بذلك قد أصبحت عبدا
مطيعا للإمبراطورية "المتفوقة" , لكن
الإمبراطورية لن تحول كل المدن إلى روما ,
و لن يأكل الناس أو يمارسوا حياتهم وفقا
لطريقة الحياة في روما , قد نلبس كما
يلبسون في نيويورك لأن الأزياء المعاصرة
تصمم هناك , لكن ملابسنا ستكون رثة مقارنة
بما يرتدون في مركز الإمبراطورية , وحدهم
السادة المحليون الذين يحكمونا باسم
الإمبراطورية سيلبسون كما يفعلون في مركز
الإمبراطورية , الإمبراطورية تريد لنا
حياة أفضل بالفعل , فهي تريدنا عبيدا
خانعين , إنها تريد لنا شكلا نقبل من
خلاله و لو لفترة من الوقت أن نكون عبيدا
مطيعين لها , إنها تريد بعض الحرية
للتعبير لكل من يقبل بها إلها متوجا لا
شريك له بما في ذلك حرية النقد الفارغ
الروتيني لها و لجرائمها , إنها لن ترسل
كل الناس إلى المقصلة , هذا تطور كبير
بالمقارنة مع أنظمة قراقوش التي حكمتنا
حتى اليوم , ستقمع حينا و ستفتح المجال
حينا أمام النخب المسيطرة لتحولها إلى
سادة محليين , يدافعون عنها كمهمة أولى ,
هكذا تعرف الديمقراطية في بلادنا و هكذا
تمارسها في العراق حتى اليوم , إنها تكره
الثورات , أما إذا حدثت فإنها سترد عليها
بكل وسائلها المتطورة للقتل و التدمير , و
سيقول لنا من يخدمها بإخلاص أو من يراها
جديرة بحكمنا , أرأيتم , قلنا لكم , كلوا
و اشربوا ما تيسر لكم و لا تلقوا بأنفسكم
إلى التهلكة...أنظمة الاعتدال (
الديكتاتوريات التي يحكمها أنصاف أميين أو
مصابين بالخرف أو العتاهة ) تستحق كل هذا
الدفاع لأنها تحكم باسم سيطرة
الإمبراطورية , إنها تدعونا للقبول بسيطرة
الإمبراطورية و خلصت , أي مقاومة هي تخلف
و غباء , أن نريد أو نحاول مقاومة حضارة
الرجل الأبيض المتفوقة هذا أولا تخلف و
ثانيا غباء , يقول ابن خلدون في مقدمته
:"المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في
شعاره و زيه و نحلته و سائر أحواله و
عوائده , و السبب في ذلك أن النفس أبدا
تعتقد الكمال في من غلبها و انقادت إليه
إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من
تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها
ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب" (
المقدمة الفصل 23 , ص 146 ) , طالما نظر
البرابرة بإعجاب ما بعده إعجاب إلى روما ,
و طالما اعتبر العبيد النظام الإقطاعي
المتفوق في بداياته رمزا للحرية , لحريتهم
, و كم كانت القنانة تبدو ثورية و واعدة
بالنسبة لهم يومها , كما قاتل العبيد
الزنوج إلى جانب الشمال البرجوازي في
الحرب الأهلية الأمريكية و هم يعتقدون
أنهم يقاتلون في سبيل حريتهم , لم يكن
التاريخ إلا سلسلة دائمة من بيع الوهم
للمضطهدين في سبيل فرض نظام آخر أكثر
تطورا ربما لكنه كان دوما ينقل استلابهم و
اضطهادهم إلى مراحل أعلى أيضا , طالما
كانت العقلانية كفلسفة للبرجوازية تتحدث
عن مسيرة دائمة نحو التطور و التقدم
البشري تقودها البرجوازية بواسطة
تكنولوجيا أكثر فأكثر تطورا , كانت
المركزية الأوروبية هي تفسيرها الإمبريالي
, العالم الذي يقف بوجه استعماره من قبل
النظام الأكثر تفوقا أو من الحضارة الأكثر
تفوقا عالم غبي تعشعش فيه الأصولية
المحلية الرافضة للتطور , هذا لا يعني
أننا سعداء بحشرنا من جديد بين طغيانين
كما كان الحال بين الستالينية و
الرأسمالية , بين ثقافتي نفي للإنسان , إن
صعود الأصولية , سواء السنية أو في شكل
نظام إيران , إنما هو صورة سلبية عن
المركزية الأوروبية تماثلها في كل شيء و
تعاديها في الاتجاه , إنها نفي للإنسان
لصالح قوى محلية مسيطرة , هكذا فسرت
القومية فيما مضى و هكذا تفسر الهوية
الحضارية اليوم أيضا , لكن القوة المهيمنة
اليوم في العالم إلى جانب صلفها و غرورها
و استعدادها لمساواة سيطرتها بوجود العالم
أصلا تملك اليوم قوة كافية لتدمير العالم
, إنها تدمره بالفعل دون حساب لصالح
منطقها الأساسي الداخلي : الربح , هذا لا
يقتصر فقط على موارد الأرض , بل أيضا على
البشر , خاصة في الأطراف , ربما من حسن
حظنا أننا نعامل بطريقة أفضل من الأفارقة
الذين يتركون للمجاعات و الإيدز و لوردات
بزنس الحروب دون تدخل مباشر من
الإمبراطورية , يجب أن نشكر النفط هنا ,
إذا كان اليسار المناهض للستالينية قد فسر
الواقع في أيام الحرب الباردة على الشكل
التالي : اشتراكية أو بربرية , إما سيطرة
الستالينية أو الإمبريالية التي تعني
البربرية في نهاية المطاف أو الاشتراكية ,
فإن التقدمي الأمريكي نعوم تشومسكي يعرض
الواقع اليوم على الشكل التالي : الهيمنة
أو البقاء , على خلاف اليسار السلطوي الذي
يرحب بظهور أية قوى استبدادية محلية (
إيران أو الأصولية ) أو عالمية ( الصين ,
روسيا , أوروبا البزنس ) إلى جانب
الإمبراطورية الأمريكية و يعتبر هذا مخرجا
للوضع القائم , تذكرنا المواجهة اليوم بين
الأصولية الإسلامية و الإمبراطورية
بالمواجهة بين الستالينية و الإمبريالية ,
كانت المواجهة تعتمد على تكديس أكبر عدد
ممكن من أسلحة الدمار الشامل للبشرية و
على سحق أية مقاومة لهيمنة أي من القوتين
في كل مكان , المواجهة اليوم تستخدم دماء
المدنيين و حرية البشر من شوارع أوروبا
إلى باكستان و الهند و العراق إلى غزة و
نعلين , كلا الطرفين يستبيح كل شيء , في
سبيل ضرب خصمه , في سبيل الهيمنة , يقتل
الأمريكيون العراقيين البسطاء كما تفعل
الأصولية تماما , و خلافا للعقلانية
البرجوازية و للماركسية , ليس التاريخ
عبارة عن مسار حتمي نحو خلاص البشرية و لا
مسيرة مستمرة من التقدم , إنه اختبار
حقيقي للإنسانية , إنه اليوم أكثر من أي
وقت مضى بيد البشر , إما الهيمنة أو
البقاء , هل سيتغلب المضطهدون , المستلبون
, على قوى تدجينهم , فقبولهم أو استسلامهم
للواقع هو النقطة الأساس في استمرار نظام
اضطهادهم , هذا هو المفتاح لمصير البشرية
غدا , و إلى حد كبير مصير هنود حمر هذا
العالم الجدد........
|
|