ورقة موقف قانوني:
جمعية الحق
شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ
27/12/2008، في تنفيذ عملية عسكرية واسعة
النطاق على قطاع غزة أسمتها الرصاص
المسكوب، والتي ابتدأت بقصف جوي واسع
النطاق استهدف أغلب مقار الشرطة
الفلسطينية ومقار حركة المقاومة الإسلامية
حماس ومقار الوزارات والمؤسسات المدنية
المدارة من قبل الحكومة الفلسطينية
المقالة، ما أسفر عن سقوط 671 قتيل وإصابة
أكثر من سبعمائة شخص بجراح متفاوتة منهم
أكثر من مائة وعشرين بجراح خطرة وحرجة،
علما بأن اغلب ضحايا اليوم الأول كانوا من
قوى الشرطة المدنية وغيرها، الذين
استهدفهم القصف الجوي خلال حفل تخريج في
أكاديمية الرئيس عرفات.
وفي مساء يوم السبت الموافق 3/1/2009م،
أعلنت سلطات الاحتلال عن الشروع في بدء
تنفيذ هجومها البري على قطاع غزة من عدة
محاور، والذي تم التمهيد له بقصف بري وجوي
وبحري مكثف للمحاور التي اختيرت لتقدم
القوات البرية، علما بأن الفترة الزمنية
المحددة للهجوم البري كما هو واضح من
تصريحات رئيس دولة إسرائيل ورئيس الوزراء
الإسرائيلي ووزير الدفاع غير محددة بل من
الممكن لها أن تطول وأن يشارك فيها عشرات
الآلاف من أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي
ما يعني استمرار نزيف الدم الفلسطيني.
إن خطورة ما آل إليه الوضع في الأرض
الفلسطينية، جراء
حجم وطبيعة الهجوم الإسرائيلي على قطاع
غزة، وما خلفه لهذا الوقت من حجم مرتفع
للضحايا الفلسطينيين ولحجم التدمير الذي
ألحق بالبنى التحتية الفلسطينية، قد بات
ينذر بعواقب وخيمة على سكان القطاع، وليس
هذا فحسب بل إن تصعيد دولة الاحتلال
للأوضاع في قطاع غزة، قد بات يهدد فعلا
السلم والأمن الدولي ليس في الأرض
الفلسطينية المحتلة وحسب وإنما في المنطقة
بأسرها، ما يقتضي تدخل المجتمع الدولي
الجاد والفاعل بمواجهة هذا الوضع.
إن مؤسسة "الحق" كمؤسسة حقوق إنسان
فلسطينية تعني بالدفاع عن حقوق الإنسان
وحرياته ورصد ما تتعرض له هذه الحقوق من
انتهاكات واعتداءات، قد بادرت الى وضع
وإصدار هذه الورقة لتوضيح حقيقة ما يجري
على صعيد قطاع غزة، لعلها تسهم في تعريف
الرأي العام الدولي والمحلي والإقليمي
بحقيقة الأوضاع وزيف الإدعاءات
الإسرائيلية، لحمل المجتمع المدني الدولي
وعلى وجه الخصوص مؤسسات حقوق الإنسان
والمنادين بهذه الحقوق على تحمل
مسؤولياتهم في الضغط والتأثير على صانعي
القرار والساسة في دولهم وغيرها، لإجبارهم
على التدخل وإعمال التزاماتهم القانونية
في وقف ما تتعرض له الكرامة الإنسانية
للفلسطينيين وحقهم المشروع في الحياة
والأمن والآمان وغيرها من الحقوق والحريات
من جرائم وانتهاكات جسيمة.
الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة في ضوء
القانون الدولي الإنساني
1- الوضع القانوني لقطاع غزة
تعتبر الأراضي الفلسطينية
التي وقعت تحت سيطرة القوات الإسرائيلية
في أعقاب حرب الخامس من حزيران عام 1967
أراضي محتلة، تندرج ضمن إطار ومفهوم لائحة
لاهاي لعام 1907 وأيضا اتفاقية جنيف
الرابعة لعام 1949م، وليس هذا فحسب بل
أكدت على انطباق وصف الأراضي المحتلة على
هذه الأراضي عشرات القرارات الدولية
الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة
للأمم المتحدة، كما أكد على هذا التوصيف
فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار
القانونية الناشئة عن تشييد جدار في
الأراضي الفلسطينية المحتلة، الصادرة
بتاريخ 9 تموز 2004.
واستنادا لقواعد القانون الدولي العام،
يعتبر انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي عن
أجزاء من قطاع غزة في العام 2005، مجرد
إعادة انتشار وانسحاب جزئي لقوات الاحتلال
عن هذه الأراضي وليس إنهاء لحالة
الاحتلال، لكون هذا الانسحاب اقتصر على
الإقليم الترابي ولم يمتد ليشمل كافة
مكونات الإقليم الفلسطيني، بل لم يسترد
الفلسطينيون سيادتهم عليه، جراء تمسك
إسرائيل بعد جلائها عن قطاع غزة بالسيطرة
على أجواء القطاع، فضلا عن البحر وأيضا
على المعبر الحدودي الفاصل بين قطاع غزة
ودولة مصر، كما لم تزل لغاية هذه اللحظة
تتحكم بحركة المواطنين من والى القطاع
فضلا عن تحكمها المطلق بدخول الإمدادات
على اختلافها، وليس هذا فحسب لم تزل دولة
الاحتلال الإسرائيلي تتحكم بمن لهم حق
الإقامة في القطاع بدليل إصدارها في العام
2007م لأكثر من ثمانية ألاف موافقة على
طلبات لم شمل لأسر القطاع، مما يعني بأن
قطاع غزة لم يزل تحت السيطرة الفعلية
لقوات وإدارة المحتل.
وبالنظر لكون قطاع غزة ارض محتلة، تبقى
علاقة هذه الأرض مع دولة الاحتلال
الإسرائيلي محكومة بقواعد القانون الدولي
الإنساني الناظمة للاحتلال، كما تبقى جميع
التزامات المحتل الناشئة عن لائحة لاهاي
لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام
1949، وغيرها من القواعد العرفية الناظمة
للاحتلال سارية وواجبة الاحترام والتطبيق
من قبل المحتل الإسرائيلي.
2- أضرار وضحايا عمليات القصف التي يتعرض
له قطاع غزة.
سقط جراء قصف قوات الاحتلال المتواصل
لقطاع غزة،
حوالي 671 شخص، منهم 547 شخص مدني، سجل
منهم 155 طفل، وحوالي 49 من النساء، و5
أفراد من الأطقم الطبية المدنية، كما
أبيدت أسر بأكملها، كما هو الحال مع
الدكتور نزار ريان أحد القادة السياسيين
لحركة المقاومة الإسلامية حماس، الذي نجم
عن استهدافه تدمير منزله المكون من أربع
طبقات قتل فيه زوجاته وأبنائه التسعة.
وألحق القصف الإسرائيلي المتواصل للمدن
والمناطق السكنية في قطاع غزة، أضرارا
مادية فادحة بالممتلكات الفلسطينية الخاصة
والعامة، حيث تضرر جراء هذا القصف على
صعيد القطاع حوالي " 4000 " منزلا منها
280 منزل دمرت بالكامل، كما قصف ودمر
حوالي 13 مسجد، وتعرضت أربع مدرس للقصف
فضلا عن جزء كبير من مبنى الجامعة
الإسلامية إلى جانب تدمير كافة المقار
الحكومية من وزارات ومقار أمنية وشرطية.
تقييم مبررات قصف وتدمير قوات الاحتلال
الإسرائيلي
للسكان المدنيين وممتلكاتهم في ضوء
القانون الدولي الإنساني
بررت القيادة السياسية والعسكرية
الإسرائيلية، عمليات القصف والتدمير
والقتل الجاري تنفيذها على صعيد قطاع غزة،
بضرورات أمنية وعسكرية، اقتضت وحتمت على
قوات الاحتلال الإسرائيلي القيام بذلك،
كما تدعي بأن هذه الأعمال تأتي في سياق
الممارسة الطبيعية والقانونية لحق إسرائيل
المشروع في الدفاع الشرعي عن النفس
بمواجهة الصواريخ الجاري إطلاقها من قطاع
غزة صوب التجمعات السكانية الإسرائيلية في
إسرائيل.
الحماية التي اقرتها أحكام القانون الدولي
الإنساني للسكان المدنيين وممتلكاتهم
كما سبق وأسلفنا تتدرج الأرض الفلسطينية
بما في ذلك قطاع غزة، ضمن نطاق ومفهوم
الأراضي المحتلة لكونها وجدت فعليا تحت
سيطرة وإدارة قوات أجنبية معادية إجتازتها
دون وجه حق ، ونجحت فعليا بالسيطرة عليها
وإدارتها عبر إقامتها لحكومة عسكرية تمارس
دورها في حكم وإدارة هذه الأراضي.
وبطبيعة الحال يترتب على انطباق المفهوم
القانوني للأرض المحتلة الوارد بمضمون
المادة " 42 " من لائحة لاهاي لعام 1907،
على الأراضي الفلسطينية ، جملة من الآثار
والنتائج القانونية التي من ضمنها وأهمها
في ذات الوقت سريان ومد نطاق ولاية أحكام
وقواعد قانون الاحتلال الحربي على هذه
الأراضي ، لتصبح دون شك الأساس القانوني
الواجب أن يحكم وينظم كافة جوانب
العلاقات الناشئة عن واقعة الاحتلال بين
المحتل وقواته وإدارته من جانب والإقليم
الخاضع للاحتلال وسكانه المدنيين من جانب
آخر.
وبالعودة لمضمون ونصوص هذا القانون
الناظمة لحقوق السكان المدنيين وممتلكاتهم
، نجد منح هذا القانون،
لحماية وحصانة تكاد أن تكون مميزة للسكان
المدنيين وأيضا لممتلكاتهم الخاصة
والعامة.
فعلى صعيد أحكام ونصوص لائحة الحرب البرية
الملحقة باتفاقيات لاهاي لعام 1907 ، جاء
بنص المادة 23 من اللائحة أيضا ، " علاوة
على المحظورات المنصوص عليها في اتفاقيات
خاصة يمنع بالخصوص ...
(ز) تدمير ممتلكات العدو أو حجزها، إلا
إذا كانت ضرورات الحرب تقتضي حتما هذا
التدمير أو الحجز...".
ونصت المادة 25 من اللائحة على "تحظر
مهاجمة أو قصف المدن أو القرى والمساكن
والمباني غير المحمية أيا كانت الوسيلة
المستعملة "، في حين ورد بمضمون المادة 46
من اللائحة "ينبغي إحترام شرف الأسرة
وحقوقها وحياة الأشخاص والملكية الخاصة،
وكذلك المعتقدات والشعائر الدينية .لا
تجوز مصادرة الملكية الخاصة ".
وعلى صعيد اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949
، جاء في نص المادة "18" من الاتفاقية "
لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات
المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى
والمرضى والعجزة والنساء النفاس ، وعلى
أطراف النزاع احترامها وحمايتها بكل
الأوقات ...".
ونص مضمون المادة الثالثة والثلاثين من
ذات الاتفاقية على " تحظر تدابير الاقتصاص
من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم"، في حين
عالج نص ومضمون المادة " 53 " موضوع هدم
وتخريب الملكيات بقوله " يحظر على دولة
الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة
أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات أو
بالدولة أو السلطات العامة أو المنظمات
الاجتماعية أو التعاونية إلا إذا كانت
العمليات الحربية تقتضي حتما هذا التدمير
" .
والى جانب الاتفاقيات السالف ذكرها تطرق
بروتوكول جنيف الأول المكمل لاتفاقيات
جنيف الأربع من خلال مواده المختلفة
لحقوق والتزامات قوات الاحتلال تجاه
السكان المدنيين والملكيات العامة والخاصة
والمناطق والموارد الزراعية على صعيد
الإقليم المحتل ، أكد نص المادة 50
والمادة 51 و52و 54 من البروتوكول على
حصانة السكان المدنيين وعدم تأثر صفتهم
المدنية بوجود أفراد بينهم لا يسري عليهم
تعريف المدني " ، كما أكد على حظر
استهداف المدنيين وحظر شن الهجمات
العشوائية أي تلك التي لا توجه إلى هدف
عسكري محدد، أو التي تستخدم طريقة أو
وسيلة للقتال لا يمكن حصر أثارها أو من
شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص
المدنيين ، أو الأعيان المدنية دون تمييز،
كما حظرت نصوصه أيضا بشكل كلي تجويع
المدنيين ووضعهم في ظروف معيشية صعبة.
وعلى صعيد المدونة التي أصدرها الأمين
العام للأمم المتحدة بشأن المبادئ والنظم
الأساسية للقانون الدولي الإنساني الواجبة
التطبيق على قوات الأمم المتحدة التي تقوم
بعمليات تحت قيادة وإشراف هيئة الأمم
المتحدة
،
ألزمت المدونة القوات بواجب وضرورة:
·
التمييز بشكل واضح بين السكان المدنيين
والمحاربين، وبين الممتلكات المدنية
والأهداف العسكرية، وتوجه جميع العمليات
الحربية ضد المحاربين والأهداف العسكرية
وحدها.
·
حظر القيام بأي هجمات على المدنين أو
الممتلكات المدنية.
·
حظر القيام بضربات عشوائية لا تمييز فيها
بين الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين،
وبعمليات ينتظر أن تؤدي إلى خسائر في
الممتلكات المدنية لا تتناسب مع المزايا
العسكرية .
·
حظر القيام بأعمال الردع تجاه الأشخاص
المدنيين أو تجاه الممتلكات ذات الطابع
الثقافي
·
حظر القيام بأعمال انتقامية ضد الممتلكات
أو المنشآت المحمية بموجب هذه المادة.
شروط القانون الدولي الإنساني لوقف
الحماية عن الممتلكات وممارسة المحتل
للضرورة الأمنية
في أعقاب هذا الاستعراض المقتضب لأحكام
وقواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة
بتحديد وتنظيم حقوق والتزامات المحتل تجاه
السكان المدنيين وممتلكاتهم العامة
والخاصة في الأراضي الخاضعة لسلطة وسيطرة
قوات الاحتلال ، نلاحظ حصر هذه القواعد
والأحكام للحالات الجائز والممكن للمحتل
حال توافرها التعرض للممتلكات الخاصة
والعامة ومن ثم امتلاكه لحق ومشروعية خرق
وتجاوز ما أقرته وفرضته هذه القواعد من
حظر عام على أعمال قصف وهدم وتخريب
الممتلكات بحالة واحدة هي ، اقتضاء حالة
الضرورة الحربية لذلك ، وهذا ما يعني
ضرورة أن تتطلب الضرورة الحربية إجراء
وتنفيذ سلطات الاحتلال لأعمال الهدم
والتخريب، سواء لغاية وقصد المحافظة على
أمن وسلامة قوات الاحتلال، أو لكون
الأعيان والممتلكات الخاصة والزراعية
تستخدم من قبل الطرف الآخر في أعمال
ونشاطات ذات طابع عسكري، وليس وفق طابعها
المدني مما يحتم ضرورة تدميرها وتخريبها
من قبل قوات الاحتلال لتجريد وحرمان
الطرف الآخر من ميزة وفوائد استخدامها
واستغلالها.
وبهذا الصدد قد نتساءل عن حقيقة موقع
ومكانة الضرورة الحربية أو الأمنية من
أعمال القصف والتدمير والتخريب الذي
الحقته قوات الاحتلال الإسرائيلي بسكان
قطاع غزة وممتلكاتهم العامة والخاصة، وهل
التزمت بسير عملياتها بضوابط وقواعد
القانون؟
يتفق الفقه والقانون والقضاء الدولي على
أن الضرورة الحربية أو العسكرية محكومة
ومقيدة بعدة شروط قانونية هي:
1.
ارتباط قيام وتحقق هذه الحالة بسير
العمليات الحربية أي أن هذه الضرورة لا
يمكن لها ان تقوم أو تتحقق سوى في لحظة
الاقتتال وسير العمليات الحربية بين
القوات المتحاربة خلال مراحل القتال
والحرب، أو لحظة الاشتباك المسلح والقتال
بين قوات الاحتلال وأفراد المقاومة في
الأراضي المحتلة ، ولهذا لا يمكن بأي حال
من الأحوال الإدعاء بقيام وتوافر الضرورة
الحربية في الظروف الاعتيادية وحالة
الهدوء وتوقف القتال.
2.
الطبيعة المؤقتة لهذه الضرورة، بمعنى أن
الضرورة الحربية ليست بحالة دائمة ومستمرة
وإنما هي بالنظر لطابعها الاستثنائي ليست
بأكثر من حالة واقعية مؤقتة تبدأ ببداية
الفعل الذي استوجب وحتم قيام هذه الحالة
وتنتهي بنهايته وزواله ، فإذا ما كان مبرر
هذه الضرورة مثلا تدمير آبار للمياه أو
مدارج للطائرات أو مستودعات للغذاء ، زالت
هذه الضرورة وانتهت بانتهاء هذا التدمير.
3.
أن لا تكون الإجراءات المستخدمة تنفيذا
لحالة الضرورة محظورة بموجب القانون،
ولهذا يجب أن تتماشى ممارسات وتصرفات
الأطراف الممارسة لحالة الضرورة الحربية
مع قواعد وأحكام القانون الدولي ، فلا
يجوز مثلا لمن يتذرع بقيام حالة الضرورة
العسكرية أن يلجأ الى استخدام الأسلحة
المحرمة أو أن يقوم بقصف وضرب المناطق
المحمية والمحظور التعرض لها أو أن يقوم
بعمليات الثأر والاقتصاص من السكان
المدنيين وممتلكاتهم .
4.
إن لا يكون أمام القوات المتحاربة في حال
الضرورة الحربية أي خيار بتحديد طبيعة
ونوع الوسائل سوى تلك التي تم استخدامها
فعلا ، ولهذا إذا كانت الظروف حتى في حال
قيام وتوافر الضرورة الحربية تسمح
باستخدام وسائل متفاوتة بالضرر مثال ذلك
استخدام وسيلة المصادرة او الاستيلاء على
الممتلكات الخاصة كبديل عن التدمير، وجب
على القوات المتحاربة العزوف عن هذا
التدمير واستخدام البدائل الأخرى.
كما أن إقرار أحكام وقواعد القانون الدولي
الإنساني بمشروعية خروج المحتل على بعض
أحكام ومبادئ القانون كاستثناء حال توافر
وقيام الضرورة الحربية ، لم يأت عاما وعلى
وجه الإطلاق ، وإنما قيدت أحكام وقواعد
قانون الاحتلال الحربي هذا الاستثناء
بمبادئ ومعايير قانونية هامة هي:
أ- مبدأ التناسب
يقتضي هذا المعيار ، أو المبدأ ضرورة أن
تتلاءم أعمال القصف والتدمير والتخريب
للممتلكات الخاصة أو العامة أو للأراضي
الزراعية الجاري تنفيذها من قبل قوات
الاحتلال لغاية الضرورة الحربية، مع
متطلبات واحتياجات سكان الإقليم المدنيين
، وبالتالي لا يجوز بأي حال لقوات
الاحتلال حتى في ظل قيام وتوافر مبررات
الضرورة الحربية، أن تستخدم هذا الحق على
وجه قد يؤدي إلى المساس باحتياجات السكان
أو قد يؤدي إلى وضعهم في ظروف معيشية صعبة
، أو التأثير على استقرارهم وبقائهم في
هذه الأراضي
.
ومن جانب آخر يعني مبدأ التناسب في هذه
الحالة وجوب وضرورة مراعاة الطرف الممارس
لهذه الضرورة ، لحقيقة تناسب تصرفاته
ووسائله المستخدمة وحجم الضرر الذي قد
يلحق بالطرف الآخر مع ما تقتضيه وتتطلبه
الضرورة الحربية فعلا ، وبعبارة أخرى
يعني هذا المبدأ ضرورة ان يتناسب حجم
وطبيعة الرد الجاري القيام به من قبل
الطرف الممارس لحالة الضرورة الحربية مع
حقيقة حجم ومقدار الخطر الفعلي المواجه له
.
ب- مبدأ تقييد وضبط وسائل إلحاق الضرر
بالخصم
نصت على هذا المبدأ المادة 22 من لائحة
لاهاي بقولها " ليس للمتحاربين حق مطلق في
اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو " وكذلك
المادة 35 من بروتوكول جنيف الأول " أن حق
أطراف أي نزاع مسلح في اختيار وسائل
القتال ليس حقا لا تقيده قيود".
ومن هذا المنطلق يترتب على الأطراف
المتحاربة في ظل توافر وقيام الضرورة
الحربية أن تراعي وتأخذ بعين الاعتبار
ضرورة أن تتماشى طبيعة الوسائل التي قد
تستخدمها مع ما هو جائز ومسموح لها
باستخدامه استنادا لأحكام وقواعد القانون
الدولي الإنساني.
مدى مراعاة المحتل الإسرائيلي لضوابط
القانون حال ممارسته للضرورة
بالعودة إلى التساؤل عن حقيقة موقع ومكانة
الضرورة الحربية أو الأمنية، من أعمال قصف
وتدمير قوات الاحتلال الإسرائيلي للمنازل
والممتلكات الفلسطينية الخاصة والعامة،
يمكننا القول بأن قوات الاحتلال
الإسرائيلي قد ابتعدت كل البعد عما وضعته
أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني
المعنية بحالة الاحتلال الحربي من معايير
بهذا الشأن، بل لا نغالي إن قلنا بأن
سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد غيبت كليا
أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني
وحتى القانون الدولي في علاقاتها
وتصرفاتها الجارية على صعيد قطاع غزة
المحتل وسكانه المدنيين، فأعمال القصف
والقتل والهدم والتخريب الجاري القيام بها
وتنفيذها، لم تحتمها كما هو ثابت الضرورة
الحربية، ولعل فيما سنقدمه من أدلة
وبراهين ما يدحض الادعاءات الإسرائيلية
ويؤكد على حقيقة تجاوز وخرق قوات الاحتلال
الإسرائيلي لكافة المبادئ والقواعد
الناظمة لسير العمليات الحربية، ولمقتضيات
الضرورة الحربية .
·
لم تنحصر أعمال القصف كما هو ثابت في
استهداف العسكريين من أفراد المقاومة ، بل
استهدفت منذ اللحظة الأولى لتنفيذها
السكان المدنيين بدليل سقوط أكثر من 547
قتيل مدني، بل لا تتعدى نسبة أفراد
المقاومة من مجمل الضحايا الذين سقطوا
نسبة 12%.
·
لم تستهدف أعمال القصف كما هو ثابت منصات
إطلاق الصواريخ، بل استهدفت منذ اللحظة
الأولى لتنفيذها البنى التحتية المدنية من
مقار ومؤسسات والشرطة المدنية والسكان
المدنيين، والمرافق التعليمية ودور
العبادة.
وليس هذا فحسب بل يتضح من المناشير التي
قذفتها الطائرات الإسرائيلية والتي تطالب
السكان تحت طائلة التهديد بقصفهم واستهداف
منازلهم حال عدم الإبلاغ عن أي تواجد
لأفراد المقاومة أو عن أماكن إطلاق
الصواريخ ما يؤكد على قصد ونية استهدافهم
وتعمد إلحاق هذا الضرر والأذى بهم.
·
لم تحترم دولة الاحتلال الإسرائيلي كليا
معيار التناسب، بدليل أن حجم الضرر الذي
ألحقته ولم تزل بالفلسطينيين قد فاق كثيرا
ما قد ألحقته الصواريخ من أضرار
بالإسرائيليين، فأين التناسب بين القوة
المستخدمة من الإسرائيليين والصواريخ
الفلسطينية، ولعل في هذا المعطى الرقمي ما
يؤكد قطعيا على غياب وتغييب الإسرائيليين
لمبدأ التناسبية، حيث سقط باعتراف سلطات
الاحتلال الرسمي 5 قتلى إسرائيليين وجرح
حوالي 35 شخص خلال الأشهر الستة المنصرمة
جراء الصواريخ الفلسطينية فضلا عن إصابة
العشرات بالضرر النفسي جراء الصدمات
النفسية الناشئة عن الخوف الذي قد تثيره
هذه الصواريخ، في حين قتل أكثر من ستمائة
فلسطيني وجرح حوالي 2800 ودمر 280 منزل
تدميرا شاملا، كما تعرض حوالي 4000 منزل
للتدمير الجزئي خلال اثنى عشر يوما من بدء
القصف الإسرائيلي.
·
إن استخدام القصف الجوي والبحري والبري
المكثف بواسطة الصواريخ والقذائف الثقيلة
الارتجاعية والانشطارية وغيرها من صنوف
الأسلحة الفتاكة وشديدة التدمير، في قطاع
غزة البالغ مساحته 364كم والذي يقطنه أكثر
من مليون ونصف المليون، يعني بداهة توافر
نية وقصد تدميري وإلحاق ما تحقق من أذي
وضحايا، بل من غير المعقول والمقبول أن
يدعي قادة دولة الاحتلال بأنهم يجهلوا بأن
استخدام هذه الأسلحة قد كان بالإمكان حصر
أضرارها بالعسكريين أو أفراد المقاومة، أو
أنهم تفاجؤوا من حجم الخسائر التي ألحقت
بالمدنيين.
فطبيعة الأسلحة المستخدمة وكثافة وحجم
القصف الذي طال كافة المناطق في قطاع غزة
يؤكد توافر وقيام نية وقصد إلحاق الضرر
والأذى بالمدنيين.
·
قد يرتكب المتحاربون خطأ في العمليات
الحربية يلحق ضررا بالمدنيين، وهو أمرا قد
يحدث في بعض الأحيان، ولكن المتابع لمسار
الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة يكتشف من
استعراض المسار اليومي لهذه العملية، بأن
ضحايا كل يوم من أيام هذا الهجوم هم
بأغلبهم مدنيون ما يعني قطعا انتفاء الخطأ
وتوافر نية وقصد استهدافهم.
·
أبلغت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل
اللاجئين (أنوروا) قوات الاحتلال بتاريخ
2/1/2009، عن 23 موقع ومدرسة تابعة
للوكالة زودت إحداثياتها لقيادة الاحتلال،
لإعلامهم بأن هذه المدارس والمواقع قد تم
استخدامها كملجأ وملاذ آمن للسكان، وهو ما
يعني معرفة قوات الاحتلال اليقيني بأن هذه
المدارس والمواقع هي مواقع مدنية محمية،
ورغم ذلك فقد تم استهداف هذه المدارس
وقصفها،كما هو الحال مع مدرسة أسماء بنت
أبي بكر التابعة لوكالة الغوث شرق مخيم
الشاطئ بتاريخ 6/1/2009، ما أدى إلى
استشهاد ثلاثة مواطنين.
وهذا ما يحمل دليلا آخر على نية وتعمد
استهداف المدنيين.
كما أدى استهداف محيط مدرسة الفاخورة
التابعة لوكالة الغوث، بتاريخ 6/1/2009
بأربع قذائف مدفعية إلى قتل 39 شخص منهم
13 طفلا و6 نساء، علما بأن قوات الاحتلال
على علم بأن هذه المدرسة قد سجلت كموقع
محمي ما يعني وجود المئات من المدنيين
بداخلها، كما أن المدنيين طلبا للأمن قد
تجمعوا بجانب هذه الأماكن والمدارس ظنا
منهم بعدم استهداف المحتل لهذه المناطق
المحمية.
كما استهدف القصف مسجد إبراهيم المقادمة
في منطقة مخيم جباليا عند الساعة الخامسة
مساء بتاريخ 3/1/2009، خلال تأدية
المواطنين للصلاة مما أدى إلى مقتل 16
مواطن داخل المسجد من ضمنهم ستة أطفال.
فهذا الاستهداف المباشر للمدارس والمساجد
يؤكد على تعمد الجانب الإسرائيلي الواضح
والصريح في استهداف وقتل المدنيين.
·
يتبين من الوسائل القتالية المستخدمة ومن
طيران الاستطلاع المستخدم قدرة قوات
الاحتلال الإسرائيلي العالية على مراقبة
وفحص كافة التحركات، فهي تستخدم على مدار
الساعة طائرات الاستطلاع والمناطيد كما
تمتلك أسلحة متطورة ودقيقة التصويب ما
يعني القدرة العالية لقوات الاحتلال على
تحديد الهدف وليس هذا فحسب بل على التمييز
الدقيق بين الأهداف العسكرية والأهداف
المدنية.
·
يتضح من تفاصيل العمليات العسكرية البرية
التي شرعت في تنفيذها مساء يوم السبت
3/1/2009م، استخدام قوات الاحتلال
الإسرائيلي لأسلوب الاقتصاص من المدنيين
وممتلكاتهم، كوسيلة انتقام من افراد
المقاومة، ولعل في سقوط اكبر قدر من
الضحايا المدنيين بتاريخ 6/1/2009م، حوالي
110، وقصف مدرسة، بعد فشل وعدم نجاح قوات
الاحتلال الإسرائيلي في السيطرة على تل
الريس وتل الكاشف شمال قطاع غزة مساء يوم
5/1/2009م، ما يؤكد على البعد الانتقامي
لاستهداف المدنيين.
·
استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقصف
المباشر عشرات المنازل ، بحجة استهداف
وقتل قادة سياسين وميدانيين لحركة
المقاومة، ولعل الملاحظ بشأن هذا
الاستهداف، استخدام المحتل لقوة تدميرية
عالية جدا، بحيث أدى قصف منزل الدكتور
نزار ريان في مخيم جباليا بتاريخ1/1/2009
الى تسوية منزله المكون من اربع طبقات
بالأرض فضلا عن تضرر عشرات المنازل
المقامة بمحيط منزله.
·
ومن جانب آخر كان جميع ضحايا هذا التوجه
هم من المدنيين سواء من أقارب المستهدفين
أو مجاوريهم، لكون جميع المنازل التي
استهدفت لهذه الغاية لم تكن تأوي
المستهدفين.
·
لعل ما يؤكد نية القتل والاستهداف المتعمد
للمدنيين، استهداف قوات الاحتلال
الإسرائيلي للطواقم الطبية والمسعفين خلال
محاولتهم إخلاء القتلى أو نقل المصابين،
حيث قصفت بتاريخ 4/1/2009 بحي الزيتون
بمدينة غزة سيارة إسعاف خلال توجهها
لإخلاء المصابين ما تسبب بمقتل ثلاثة من
طاقمها، كما أطلقت النار في مدينة بيت
لاهيا بتاريخ 5/1/2009 على سيارتين
للإسعاف كانت في طريقها لإخلاء ضحايا
القصف، ما تسبب باصابة خمسة مسعفين وذلك
رغم وجود تنسيق مسبق مع قوات الاحتلال حول
حركة هذه السيارات، كما قصفت قوات
الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 5/1/2009م
منزل المواطن منار الكردي لمرة ثانية خلال
محاولة أفراد الطواقم الطبية إخلاء الجرحى
والمصابين جراء القصف الذي تعرض له
المنزل، ما تسبب في إصابة عشرة مسعفين.
فهذه الممارسات تؤكد على نية القتل
والاستهداف وليس هذا فحسب بل تؤكد على نية
ترويع أفراد الخدمات الطبية لمنعهم من
ممارسة أعمالهم في إغاثة وتقديم العون
الطبي للمصابين.
ولا تقف الانتهاكات المرتكبة من قبل دولة
الاحتلال الإسرائيلي على صعيد قطاع غزة
على جريمة القصف والاستهداف غير المبرر
للمدنيين وتعمد قتلهم أو إصابتهم، وإنما
تلازمت مع هذه الجريمة مجموعة من
الانتهاكات والجرائم أهمها:
-
استهداف أماكن العبادة والمؤسسات
التعليمية والخيرية وهو ما يمثل خرقا
لأحكام المادة 27 من لائحة الحرب
البرية ( لاهاي) لعام 1907 التي نصت
على (في حالات الحصار أو القصف يجب
اتخاذ كافة التدابير
اللازمة لتفادي الهجوم، قدر المستطاع،
على المباني المخصصة للعبادة والفنون
والعلوم والأعمال الخيرية والآثار
التاريخية والمستشفيات والمواقع التي
يتم فيها جمع المرضى
والجرحى، شريطة ألا تستخدم في الظروف
السائدة آنذاك لأغراض عسكرية.ويجب
على
المحاصرين أن يضعوا على هذه المباني
أو أماكن التجمع علامات ظاهرة محددة
يتم إشعار
العدو بها مسبقاً.)،
كذلك يجسد هذا العمل انتهاكا سافرا
لنص المادة 56 من اللائحة.
-
التهديد والتخويف لإرغام سكان قطاع
غزة، والضغط عليهم بواسطة المناشير
لتقديم معلومات عن أفراد المقاومة
ومكامن صواريخهم، ويعتبر مثل هذا
العمل جريمة وانتهاك سافر لنص المادة
31 والمادة 33 من اتفاقية جنيف
الرابعة.
كذلك نصت المادة 44 من لائحة لاهاي
لعام 1907، التي أكدت على (لا يجوز
لأي طرف في النزاع أن يجبر سكان
الأراضي المحتلة على الإدلاء بمعلومات
عن القوات المسلحة للطرف الآخر، أو عن
وسائل الدفاع التي
تستخدمها هذه القوات.)
-
منع مرور الإمدادات الغذائية والطبية
وغيرها من الضروريات جراء إغلاق
المعابر بوجه إرساليات الإغاثة وهو ما
يخالف التزامات دولة الاحتلال
الإسرائيلي الناشئة عن المادة 23 من
اتفاقية جنيف الرابعة.
ومن جانب آخر إن التزام دولة الاحتلال
الإسرائيلي بتقديم الإمداد الغذائي والطبي
لسكان قطاع غزة بوصفهم سكان مدنيين تحت
الاحتلال هو التزام أصيل على عاتق المحتل
ويجب عليه ان يتحمله منفردا اذا ما عجزت
موارد الأرض المحتلة عن تأمين هذه
الاحتياجات، استنادا لنص المادة 55 من
اتفاقية جنيف الرابعة.
-
قطع الكهرباء ووضع السكان في ظروف
معيشية صعبة جراء شح المواد الغذائية
ونفاذ مخزون الدواء والمحروقات فضلا
عن جريمة الاستهداف المباشر للسكان
وهو ما يمثل خرقا للمادة 32 من
اتفاقية جنيف الرابعة التي ألزمت
المحتل بالامتناع عن ممارسة أي من
التدابير التي من شأنها أن تسبب
معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص
المحميين
الموجودين تحت سلطتها.
-
استهداف الطواقم الطبية ومنعهم وإعاقة
ممارستهم لمهامهم ما اثر على حركتهم
وحال بينهم وبين التدخل العاجل لتقديم
خدماتهم لضحايا القصف، وهو ما يمثل
خرقا وانتهاكا إسرائيليا لنص المادة
17 من اتفاقية جنيف الرابعة.
-
إكراه وتهديد السكان المدنيين على
إخلاء مساكنهم دون ان تتوفر لهم مناطق
آمنة وهو ما يمثل خرقا لنص المادة 49
من اتفاقية جنيف الرابعة التي الزمت
المحتل بعدم استخدام هذا الإجراء إلا
اذا اقتضى ذلك أمن السكان
أو لأسباب عسكرية قهرية، كما يجب على
دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات
النقل أو الإخلاء
أن تتحقق إلي أقصي حد ممكن من توفير
أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال
الأشخاص
المحميين.
مدلول القصف الإسرائيلي في ضوء القانون
الدولي الإنساني
ينطبق على الممارسات الإسرائيلية في قطاع
غزة مدلول جرائم الحرب
حظرت أحكام وقواعد القانون الدولي
الإنساني المتعلقة بحالة الاحتلال الحربي
بمقتضى أحكام المادة 25 من لائحة لاهاي
لعام 1907، على حظر قيام دولة الاحتلال
بمهاجمة وقصف المدن والقرى والمساكن
والمباني.
و بخصوص موقف أحكام اتفاقية جنيف الرابعة
من قصف السكان المدنيين في الأراضي
المحتلة ، وعمليات القصف العشوائي
واستهداف الطواقم الطبية وغيرها من
الانتهاكات التي سبق الإشارة اليها،
يمكننا القول بأن الاتفاقية الرابعة وإن
خلت من النص الصريح على قصف السكان
المدنيين بمتن بنودها، إلا أنها أدرجت
بمتن المادة 147 ،مجموعة من الأفعال التي
يحظر على المحتل قطعيا اقترافها أو القيام
بها على صعيد الأراضي المحتلة ، كالقتل
العمد والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية
وتدمير واغتصاب الممتلكات وغير ذلك.
وبالرجوع لما ألحقه القصف الإسرائيلي من
أضرار على صعيد الأراضي الفلسطينية
المحتلة ، نجد انطباق وصف القتل العمد
لضحايا عمليات القصف الإسرائيلي غير
المبرر للأحياء السكنية الفلسطينية
وللأشخاص المدنيين وأيضا نقف على انطباق
وصف التدمير غير المبرر بالضرورة
الحربية، للمنازل والممتلكات الفلسطينية
العامة والخاصة.
وتعد هذه الأعمال استنادا لبروتوكول جنيف
الأول المكمل لاتفاقيات جنيف الأربع،
ولميثاق محكمة الجزاء الدولية، جرائم حرب،
مما يستوجب استنادا لأحكام وقواعد القانون
الدولي مساءلة وعقاب الآمرين بارتكابها
ومرتكبها.
ينطبق على الممارسات الإسرائيلية في قطاع
غزة مدلول الجرائم ضد الإنسانية
يشترط القانون الدولي الإنساني لتوصيف
الجريمة بجريمة ضد الإنسانية:
·
أن تكون هذه الجريمة من الجرائم المحددة
بمتن المادة السابعة من ميثاق محكمة
الجزاء الدولية.
·
أن تكون الجريمة موجه ضد أية مجموعة من
السكان المدنيين وان تشكل نهجا سلوكيا
يتضمن
الارتكاب المتكرر للأفعال التي حددتها
المادة السابعة.
·
أن ترتكب هذه الجرائم تنفيذا لسياسة
ممنهجة للدولة وليست عمل فردي عابر.
وبتطبيق هذا المفهوم على ما يجري في قطاع
غزة، يمكننا القول بأن وصف الجرائم ضد
الإنسانية المشار إليه في المادة السابعة
من ميثاق محكمة الجزاء الدولية، ينطبق على
ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي الجارية
على صعيد قطاع غزة، ولعل ما يؤكد ذلك:
·
إن جرائم القصف والاعتداء على الفلسطينيين
وممتلكاتهم وغيرها من الجرائم المشار
إليها سابقا هي جرائم ارتكبت في إطار هجوم
واسع النطاق أو منهجي وقد وجه كما هو ثابت
ضد المدنيين الفلسطينيين، بدليل حجم
الخسائر التي ألحقت بهم قياسا بأفراد
المقاومة.
·
يتضح من تكرر استهداف المدنيين
الفلسطينيين خلال أيام العدوان الأثني
عشر، وجود نهج وسياسية ممنهجة لدى قادة
دولة الاحتلال في استهداف وقتل المدنيين
وتدمير ممتلكاتهم.
العدوان الإسرائيلي في ضوء القانون الدولي
العام
تبرر إسرائيل استخدامها للقوة بما في ذلك
عمليات القصف الجارية بمواجهة المدن
والأحياء السكنية الفلسطينية في قطاع غزة،
بحقها المشروع في الدفاع الشرعي عن النفس.
وبالطبع يضعنا الاستخدام الإسرائيلي لهذا
المبرر أمام إشكالية قانونية في غاية
الأهمية إلا وهي حقيقة قيام وتوافر حق
إسرائيل في الدفاع الشرعي عن النفس
بمواجهة الفلسطينيين، وبعبارة أخرى قد
نعبر عن هذه الإشكالية القانونية
بالتساؤل التالي ، هل لإسرائيل كدولة
احتلال الحق باستخدام قوتها المسلحة
بمواجهة الفلسطينيين في الأراضي
الفلسطينية المحتلة استنادا لحق الدفاع
الشرعي عن النفس ؟ ، وهل يترتب على
استخدام الفلسطينيين للقوة بمواجهة
الاحتلال إثارة حق الطرف الإسرائيلي
بالدفاع الشرعي عن النفس بمواجهة هذه
القوة؟
يكتسي حق الدفاع الشرعي عن النفس ، أهمية
بالغة في ظل ميثاق الأمم المتحدة ،
باعتباره حالة من الحالات القليلة، التي
أجيز من خلالها للدول بحق استخدام القوة
كخروج واستثناء مشروع،
على ما سبق وأقره الميثاق من حظر على
استخدام القوة ، بموجب المادة 2 فقرة 4 من
الميثاق .
شروط قيام وممارسة الدفاع الشرعي عن النفس
رغم كون حق الدفاع الشرعي قد تم الإقرار
بمشروعية ممارسته من قبل الدول سواء بشكل
منفرد أو جماعي، إلا أنه وبالنظر لطابعه
الاستثنائي، كان عرضة للعديد من القيود
والشروط، بهدف تنظيمه وضبطه لضمان مراعاة
وتماشي هذا الاستخدام وطابعه الاستثنائي
كحق وأيضا لضمان احترام الدول وعدم
تجاوزها للمبدأ القاضي بحظر وتحريم
استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.
ولعل من أهم هذه الشروط دون شك،
حصر الفقه والممارسة الدولية لحق الدفاع
الشرعي عن النفس في إطار واحد ومحدد،
يتمثل في حالة الهجوم المسلح الفعلي،
ولهذا لا يمكن لحق الدولة في الدفاع
الشرعي عن النفس، أن يثور قانونا سوى في
الحالات التي تتعرض فيها الدولة لعدوان
مسلح فعلي ، وبالتالي يخرج عن دائرة
الدفاع الشرعي عن النفس، كافة أعمال
الانتقام والثار ، أو الأعمال العسكرية
الاستباقية الممكن استخدامها، لمواجهة
العدوان المحتمل الوشيك الوقوع، أو حالات
التهديد باستخدام القوة وغيرها من الحالات
التي لا ترقى لدرجة العدوان.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه، كون الهجوم
المسلح الفعلي وإن كان بمثابة قرينة
قانونية أولية على إثارة حق الطرف المواجه
له في استخدام القوة استنادا لحقه في
الدفاع الشرعي عن النفس، إلا أن قيام هذا
الحق قانونا مرتبط بمدى مشروعية هذا
الهجوم، ولهذا إذا ما تعرضت دولة احتلال
أو الدولة المعتدية على أقاليم غيرها من
الدول لهجوم مسلح من قبل الدولة المعتدى
عليها أو من قبل سكان الأراضي المحتلة،
سقط حق دولة الاحتلال أو الدولة المعتدية
في الدفاع الشرعي عن النفس بمواجهة هذا
الهجوم، استنادا للمبدأ القانوني القاضي
بعدم جواز ومشروعية الادعاء بممارسة حق
الدفاع الشرعي عن النفس، في مواجهة الدفاع
الشرعي عن النفس .
وبصدد تطبيقنا لهذه الشروط والمبادئ
القانونية على صعيد استخدام إسرائيل للقوة
بمواجهة الشعب الفلسطيني، يمكننا القول
بأنه من غير الجائز والمشروع لدولة
الاحتلال الإسرائيلي التذرع بممارسة حق
الدفاع الشرعي عن النفس بمواجهة
الفلسطينيين استنادا للاعتبارات والحجج
القانونية التالية:
1-
إن حق الدفاع الشرعي عن النفس كما سبق
وأسلفنا لا يمكن له أن يثور سوى في الحالة
التي يجد فيها من يدعي بامتلاكه لهذا الحق
أمام هجوم مسلح فعلي من قبل طرف آخر، وهذا
بالطبع مخالف لحقيقة الوضع الإسرائيلي
المتواجد على صعيد الأراضي الفلسطينية
كقوة احتلال غير مشروعة وعلى وجه مخالف
لأحكام وقواعد القانون الدولي ومقاصد
ومبادئ الأمم المتحدة التي أكدت على حق
الشعوب في تقرير مصيرها وعلى حظر الاحتلال
والضم والهيمنة والسيطرة الأجنبية،وليس
هذا فحسب بل ان المجتمع الدولي وعبر
العشرات من القرارات الدولية قد أدان هذا
الاحتلال وطالبه بالانسحاب والتراجع عن
سيطرته وإدارته للأرض الفلسطينية، غير أنه
أصر على استمرار احتلاله وفرض سيطرته
بالقوة على الأرض الفلسطينية.
2-
من المسلم به بأن حق الدفاع الشرعي لا
يمكن له أن يثور بوجه الممارسة المشروعة
لحق الدفاع الشرعي عن النفس، وهو الحق
الذي اقر المجتمع الدولي للشعب الفلسطيني
صراحة بامتلاكه جراء العدوان والاحتلال
الإسرائيلي القائم على أراضيه، وليس هذا
فحسب بل إن المجتمع الدولي قد حسم بقرارات
صريحة لا لبس أو غموض بمضمونها التكييف
القانوني لاستخدام إسرائيل لقوتها بمواجهة
الشعب الفلسطيني، وذلك بوصف وإدراج هذا
الاستخدام ضمن نطاق ومدلول العدوان
والإرهاب والانتهاك الجسيم لميثاق الأمم
المتحدة.
3-
أكد القضاء الجنائي الدولي على انطباق وصف
الدفاع الشرعي عن النفس على استخدام
الشعوب للقوة بمواجهة دول الاحتلال، حيث
جاء بمنطوق أحد الأحكام الصادرة عن محكمة
نورمبرغ " أن العدو الذي يحتل إقليم دولة
بغير حق ليس له أن يتأذى إذا ما لم ينفذ
الأهالي المعتدى عليهم قوانين الحرب
وأعرافها خلال الاشتباكات التي تتم بينهم
وبينه في نطاق استخدامهم لحق الدفاع
الشرعي عن النفس."
4-
إن حق الدول في استخدام القوة دفاعا شرعيا
عن النفس هو حق استثنائي مؤقت منحه
القانون الدولي للدول كي تتمكن من التحرك
لمواجهة أي حالة طارئة تقتضي سرعة تحرك
الدولة لحماية استقلالها وسيادتها بمواجهة
ما تتعرض له من هجوم، ولهذا إذا كان هناك
للدولة متسعا لمواجهة هذا العدوان بوسائل
سلمية أو كان بإمكانها مواجهة هذا الوضع
من خلال تدخل مجلس الأمن سقط حقها
باستخدام القوة دفاعا شرعيا عن النفس.
وبالطبع لم يكن الوضع على صعيد قطاع غزة
كذلك، بدليل ان القيادة العسكرية
والسياسية لدولة الاحتلال قد صرحت في أكثر
من مناسبة بأن الهجوم الجاري تنفيذه الآن
على قطاع غزة قد تم التخطيط له مسبقا كما
تم تدريب قوات الاحتلال عليه قبل أكثر من
ستة أشهر، مما يعني بأن المحتل قد اعد
وخطط وجهز لهذه العملية وبالتالي كان
يتحين الفرصة والمناسبة لتنفيذها.
وعلى هذا الأساس ينطبق وصف
العدوان،
على الاستخدام الإسرائيلي للقوة في مواجهة
الشعب الفلسطيني لكون هذا الاستخدام يجري
على وجه مخالف لحق الدفاع الشرعي عن النفس
وأيضا على وجه مخالف
لمقاصد وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، ما
يقتضي تحرك وتدخل مجلس الأمن الدولي
العاجل لوقفه وملاحقة ومساءلة من أمر به
وارتكبه خصوصا وأن الأمر لم يعد قاصر على
العدوان وإنما تجاوزه لارتكاب جرائم حرب
وجرائم ضد الإنسانية وغيرها من محظورات
الحرب التي أقرتها المواثيق الدولية
ومدونة الأمم المتحدة لسلوك المتحاربين.
7/1/2009
جاء بنص هذه المادة ( يجب معاملة
ممتلكات البلديات وممتلكات
المؤسسات المخصصة للعبادة
والأعمال الخيرية والتربوية،
والمؤسسات الفنية والعلمية،
كممتلكات خاصة، حتى عندما تكون
ملكاً للدولة.
يحظر كل حجز أو تدمير أو إتلاف
عمدي لمثل هذه المؤسسات، والآثار
التاريخية والفنية والعلمية،
وتتخذ الإجراءات
القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال.).
نصت المادة 31 على ( تحظر ممارسة
أي إكراه بدني أو معنوي إزاء
الأشخاص
المحميين، خصوصا بهدف الحصول علي
معلومات منهم أو من غيرهم)، كما
نصت المادة 33 من ذات الاتفاقية
على (لا يجوز معاقبة أي شخص محمي
عن مخالفة لم يقترفها هو
شخصيا. تحظر العقوبات الجماعية
وبالمثل جميع تدابير التهديد أو
الإرهاب.
السلب
محظور.
تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص
المحميين وممتلكاتهم.
نظمت هذا الحق المادة 51 بقولها
" ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو
ينتقص الحق الطبيعي للدول ، فرادى
أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم ،
إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد
أعضاء " الأمم المتحدة " وذلك الى
أن يتخذ مجلس الأمن التدابير
اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي
، والتدابير التي اتخذها الأعضاء
استعمالا لحق الدفاع عن النفس
تبلغ الى المجلس فورا ، ولا تؤثر
تلك التدابير بأي حال فيما
للمجلس بمقتضى سلطته ومسؤولياته
المستمدة من أحكام هذا الميثاق من
الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى
ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ
السلم والأمن الدولي أو إعادته
الى نصابه ".
|