ليس صحيحاً أن حرب
اسرائيل على غزة بدأت منذ عشرة أيام،
الصحيح أن هذه الحرب لم تتوقف لحظة واحدة
طيلة الاشهر المنصرمة لا بل طيلة السنوات
الماضية. وقد اخذت هذه الحرب اشكالاً
متعددة تراوحت بين الاحتلال المباشر
والحصار المطلق وما بينهما من اعتداءات
واغتيالات وحرمان للغذاء والدواء.
اما العدوان الحالي فهو
تصعيد خطير وجنوني للحرب المستمرة على
الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية. واي
مراجعة بسيطة لتصريحات قادة الكيان
الصهيوني في الفترة الماضية تبين أن
التصعيد الاسرائيلي مبني على تخطيط مسبق
ويستهدف كسر الإرادة الفلسطينية نهائياً
واستعادة ما أمكن من سمعة الجيش الصهيوني
التي تزعزت على ارض لبنان بفعل نضال
وبطولة المقاومة اللبنانية.
وفي هذا الاطار ترتدي
هذه الحرب اهمية استراتيجية بالنسبة
للكيان الصهيوني اذ يرى الربح فيها ممراً
اجبارياً لتصحيح المعادلات الاقليمية التي
يخشى أن تتكرس وتكرس معها تراجع المشروع
الصهيوني الذي طرح نفسه مشروعاً قوياً
متمتعاً بتفوق استراتيجي مستديم. فالحرب
الحالية هي حاجة اسرائيلية قبل أن تكون
عنادا فلسطينياً وقد عبر عن ذلك بعض قادة
الكيان الصهيوني عندما قالوا أن ليس
امامهم سوى هذا الطريق. وبهذا المعنى فان
اصرار بعض الاطراف العربية على اتهام حماس
باسقاط هدنة لم تقم أصلاً هو محض افتراء
الغرض منه التنصل من نصرة غزة والتفلت من
كل الالتزامات الاخلاقية والدينية
والسياسية التي تفرض نفسها في مثل هذه
اللحظات التاريخية.
فاذا كانت اسرائيل، بدعم
غير محدود من الادارة الأمريكية، تسمح
لنفسها بارتكاب المجازر بحق الشعب
الفلسطيني فمن حق الشعب الفلسطيني أن
يدافع عن نفسه بكل الاسلحة المتاحة، ومن
حق الشعب العربي أن يطالب انظمته بمد يد
العون والدعم لغزة المحاصرة بالنار والجوع
والعطش.
واذا كانت اسرائيل تمنع
عن الاطفال الحليب والدواء وتستبيح كل
المحرمات وتجتاح كل الاتفاقات والعهود
الدولية فاي عذر يبقى للانظمة العربية أن
تبقى متفرجة مسكونة بالخوف وهي التي تعرف
قبل غيرها أن العدوان الإسرائيلي يطال
امنها وينتقص من سيادتها ويسعى لاحياء
مشاريع لا طاقة لها بتحملها.
أن الشعب الفلسطيني الذي
يقاوم اليوم باسم العرب جميعاً لا يطالب
بدعم عسكري – وان كان لا يرفضه – ولكنه
يطالب بدعم سياسي واقتصادي وهذا حق له على
كل اقطار العروبة وديار المسلمين.
أن العلاقات
الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية مع
اسرائيل اصبحت عاراً يجب التخلص منه. وارض
الكنانة التي قدمت عشرات الالوف من
ابنائها في مواجهة الطغيان الإسرائيلي
تعرف قبل غيرها أن مصدر الخطر عليها انما
يكمن في الجيش العنصري الذي فتك بابنائها
عندما تمكن منهم في لحظات لم يمر عليها
الزمن بعد. وهي تعرف مثل غيرها أن مصلحتها
الحقيقية تكمن في صمود غزة وردها العدوان
على اعقابه بعنفوانها ومساعدة اشقائها .
وغزة اليوم بصمودها الاسطوري تستحق من مصر
كل مؤازرة ممكنة وضمن الشرعية الدولية
التي لم تكترث لها اسرائيل مرة واحدة. أن
معبر رفح هو تحت السيادة المصرية
وليس لاحد أن ينازع مصر حقها في فتح هذا
المعبر وايصال الدواء والغذاء وكل ما
يحتاجه قطاع اختار الكفاح على الاستسلام.
كما انه من حق مصر في ظل
هذه الحرب التي تمس امنها أن تقطع النفط
والغاز عن كيان يمنع عن غزة وقود سيارات
الاسعاف وغاز المطابخ.
انه من العار حقاًُ أن
تمتنع الانظمة العربية عن القيام بمبادرات
حقيقية تفرضها روابط الاخوة والانسانية
تجاه غزة في وقت تمتلئ عواصم العالم كله
بمظاهرات التأييد لفلسطين دون أن تشهد هذه
العواصم مظاهرة واحدة تأييداً لاسرائيل.
وحتى تشيكيا التي سبق أن اعتبرت الحرب
الاسرائيلية عملية دفاعية عادت عن خطئها
وحملت مسؤولية الخطأ للناطق بلسان الرئاسة
التشيكية.
أن العالم كله يشعر
بالخجل من ممارسات اسرائيل ما عدا حفنة
على رأسها جورج بوش الذي لم يعترف لحد
الان من اعطاه المعلومات الكاذبة التي
تذرع بها لتدمير العراق وتشريد اهله
وتحويل خمسة ملايين من اطفاله الى يتامى.
نقول للانظمة العربية انتهبوا لما يجري في
العالم وفي بلادكم من تحولات وتطورات.
استمعوا الى نداء الشعب الفلسطيني اخرجوا
من الدوائر التي رسمتها قوى دولية تؤكد
يومياً عداءها لقضايا شعبكم . انصتوا جيدا
الى ما يقوله اطفال غزة وعمان وبغداد،
وتجاوبوا مع نداء الشعب الفلسطيني قبل
فوات الاوان. نطالبكم بالضغط المتواصل
لرفع الحصار عن اهل غزة ووقف العدوان
عليها، ونقول لمن راهن على جورج بوش أن
الرئيس الامريكي وعد بقيام الدولة
الفلسطينة عام 2005، فنكث الوعد، ثم جدد
وعده بان تقوم الدولة عام 2008، وها هو
اليوم ينفذ وعده – الذي بهركم وسحركم-
فيشارك اسرائيل الحرب على غزة ويدعو
جنرالاتها الى سحق اطفالها.
لقد راهنتم سابقاً على بوش وامثاله فماذا
كانت النتيجة غير الذل والخسران؟! غداً
سيقول لكم هذا الرئيس المخذول - إذا
استمريتم في المراهنة عليه :" آسف لما
آلت اليه الامور، كان عليكم أن تكونوا
اكثر مساندة لمواقف اسرائيل واكثر حزماً
تجاه المقاومة".
- مقالة نشرت في جريدة "السفير "
اللبنانية بتاريخ 6/1/2009
5/1/2009
". |