- عندما اتخذ المحافظون الجدد في
الولايات المتحدة الأمريكية قرار غزو
العراق واحتلاله في عام 2003 لم يكن
قراراً اعتباطياً متسرعاٌ من حيث
تحديد أهدافه وغاياته ، وإنّما كان
نتيجة قرار مدروس وعن سبق الإصرار
مستهدفاً إعادة صياغة العراق وتسخير
خيراته النفطية وموقعه الاستراتيجي في
خدمة التحالف الإمبريالي – الصهيوني ،
ولآجال طويلة ، وما الاتفاقية الأمنية
الأخيرة إلاّ إحدى تجلياته ونتائجه
والتي تشرعن هذا الاحتلال ، وتكبّل
العراق بقيود جديدة تنتقص من سيادته
وتضعه تحت الهيمنة الأمريكية لعقود
طويلة .
-الاتفاقية الأمنية باطلة قانونياً :
1- لقد حدّدت اتفاقية فيينا لعام
1969 شروط توقيع المعاهدات الدولية ،
ومن أهم هذه الشروط أن تكون الدول
الموقعة تتمتع بسيادتها ، وتمتلك
الإرادة الحرة في التوقيع ...وهنا
نتساءل هل الدولة العراقية ذات سيادة
كاملة في ظل تواجد ما يزيد عن 165 ألف
جندي أجنبي ، وما يماثل هذا العدد من
الشركات الأمنية فوق ترابها الوطني ؟
، كما أنّ العراق موضوع تحت عقوبات
الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة
، ولذلك فهي مسلوبة الإرادة ومنقوصة
السيادة ، إضافة إلى هذا كلّه فقد
صرّح المالكي أثناء زيارته لمدينة
كربلاء خلال عيد الأضحى بأنّ العراق
سيستعيد سيادته كاملة من خلال توقيعه
على هذه الاتفاقية ، وهذا إقرار ضمني
بأنّ العراق منقوص السيادة عندما وقّع
عليها ، كما أنّ قائد القوات
الأمريكية في العراق صرّح بعد التوقيع
على الاتفاقية بأنّ قواته لن تنفذ
عمليات عسكرية بعد الآن إلاّ بالتنسيق
مع الحكومة العراقية ، وهذا إقرار
ضمني آخر على أنّها كانت تنفذ عمليات
عسكرية بدون العودة إلى رأي الحكومة
العراقية ، كما أنّ القوات الأمريكية
لها سجونها الخاصة تعتقل فيها من تشاء
ويتواجد فيها عشرات الآلاف من أبناء
العراق ، وهل هذا يمكن أن يتمّ في ظل
دولة ذات سيادة ؟ وعلى كل حال ، لا
يستطيع أيّ مكابر أن يقول إنّ العراق
غير محتلّ من قبل قوات أمريكية غازية
جاءت خارج إطار الشرعية الدولية ،
ولأسباب تأكّد بطلانها ....
2-تمّ التوقيع على الاتفاقية من
الجانب العراقي من قبل أطراف مجلس
الحكم أنفسهم الذين عيّنهم /بريمر/عندما
كان حاكماً عامّاً على العراق ،وتواطؤوا
معه بعد ذلك ، ولن تنفعهم وتنظفهم
الصبغة التي اكتسبوها من خلال
انتخابات تشريعية مزيّفة تحت حراب
المحتل ، وبالتالي فإنهم بعيون كلّ
الشرفاء داخل العراق وخارجه أنّهم
ناقصو الأهلية السياسية والوطنية التي
تؤهلهم لتوقيع على اتفاقيات باسم
الشعب العراقي الأبيّ ....
3 – استخدام الترهيب والابتزاز للضغط
على الجانب العراقي للتوقيع على
الاتفاقية
، حيث استُخدِم وضع العراق ظلماً تحت
طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم
المتحدة التي تقنّن بشكل تعسفي التدخل
الدولي في شؤونه الداخلية ، واستخدام
القوة ضدّه ،والتهديد بإبقاء العراق
على هذه الحالة إذا لم توقع(الحكومة
العراقية) على الاتفاقية الأمنية ،كما
استُخدمَت الأموال العراقية المغتصبة
الموجودة في البنوك الأمريكية للغاية
ذاتها ، وكذلك مسألة العقوبات والديون
السابقة ،والتي كان من المفروض
إسقاطها تلقائياً بزوال النظام السابق
، إضافة إلى كونها فُرِضَت بشكل تعسفي
وحاقد على العراق من الأساس ....
4- تهديد الإدارة الأمريكية بتعريض
العراق لأوضاع أمنية صعبة إذا لم يتمّ
التوقيع على الاتفاقية ...وبأنّها
ستنفّذ هذه الاتفاقية سواء وقّع عليها
( المجلس النيابي العراقي ) أم لم
يوقّع ...
5 – التهديد الأمريكي القائل بأنّ
القوات الأمريكية ستنسحب فوراً في حال
عدم التوقيع على الاتفاقية ،ويعني هذا
التهديد بأنّ الإدارة الأمريكية سترفع
غطاءها عن أتباعها وعملائها في السلطة
، وعندئذ سيجدون أنفسهم تحت رحمة
شعبهم وحيدين ، وبالتالي ستكون
نهايتهم السياسية محتومة ، وسيغادرون
العراق مذعورين ....
- وهكذا نجد أنّ اتفاقية فيينا لعام
1969 ، ومجمل الشروط والملابسات التي
أحاطت ورافقت أجواء التوقيع على
الاتفاقية تجعلها باطلة قانونياً ،
لأنّ ما بُنِيَ على باطل فهو باطل
.....
الظروف السياسية التي سبقت ورافقت
التوقيع على الاتفاقية :
-مهّدت الإدارة الأمريكية لإخراج
الاتفاقية منذ فترة طويلة ، وكانت
أولى المؤشرات على ذلك التوقيع على
اتفاقية إعلان مبادئ بتاريخ
28/11/2007 من قبل الرئيس الأمريكي
والمالكي ...وما الاتفاقية الأمنية
الأخيرة إلاّ استنساخاً لها من حيث
الجوهر ، والتي وقع عليها كلّ من (
وزير خارجية العراق )والسفيرالأمريكي
في بغداد بشكل أولي ومسبق كنوع من
الضغط على السياسيين العراقيين
،وإفهام الجميع أنّ الاتفاقية ستخرج
إلى النور بشكل أكيد ، كما أقرّتها
حكومة المالكي بشكل أولي وبعد 19
دقيقة كانت في مجلس النواب ...
- أشارت الصحافة الأمريكية إلى وجود
ملاحق أمنية واقتصادية وسياسية تفسر
وتوضح بنود الاتفاقية الأمنية
واتفاقية الإطار ، وقد تكون هذه
الملاحق أشدّ خطراً من الاتفاقية
نفسها ...
- كالعادة كانت القيادات الكردية
الأشدّ حماساً للتوقيع على الاتفاقية
، حتى أنّ مسعود البرزاني عرض بصفاقة
ولؤم المنطقة الكردية في شمال العراق
على الإدارة الأمريكية لكي تنشئ عليها
قواعدها العسكرية إذا رفضها البرلمان
العراقي ، وإضافة إلى ذلك كان (
المجلس الأعلى – الحكيم ) ،وحزب
الدعوة يعلنان بوضوح موقفهما المؤيد
للاتفاقية .
- اتسم موقف الحزب الإسلامي ( أخوان
مسلمين العراق ) بالميوعة والتردّد
وبدا وكأنّ قادته بمثابة شهود الزور
الخائفين من لعنة التاريخ ، ووضعوا
شروطاً تضمن لهم بعض المكاسب الرخيصة
مقابل موافقتهم على الاتفاقية ، وهي
ما تضمنته بعض بنود وثيقة الإصلاح
التي شكّلت غطاءً للتوقيع على
الاتفاقية ، وهنا لابدّ من الإشارة
إلى أنّ إخلاء سبيل المعتقلين
المتواجدين لدى القوات الأمريكية ليس
إلاّ تحصيل حاصل لأيّ انسحاب أمريكي
من العراق ، وهي قضية وطنية وإنسانية
كان من المفروض متابعتها والسعي من
أجلها
منذ فترة طويلة ، ومن قبل
الجميع..كما أنّ الاستفتاء الشعبي كان
من المفروض أن يتمّ قبل عرضها على
مجلس النواب ...
- عقد علماء أفاضل من السنة والشيعة
في النجف ، وخرجوا بتوصيات ضد
الاتفاقية ، وتفاءل البعض بموقف
السيستاني ، ولكنّ المعلومات التي
تسرّبت عنه ، أو نطق بها ممثلوه كانت
عبارات مطّاطة ،حمّالة أوجه ، حيث
يمكن ان يفسرها المرء كما يرغب ،ومنها
: ضرورة التوافق الوطني على الاتفاقية
، وعلى المسؤولين العراقيين تحمّل
مسؤولياتهم الوطنية تجاه الاتفاقية ،
ولكن بأي طريق واتجاه ، هل باتجاه رفض
الاتفاقية أم قبولها ؟ ... وعندما غاب
بعض نواب الشيعة عن جلسة البرلمان
العراقي المخصصة للتصويت على
الاتفاقية أصدرت المرجعية بياناً
تستغرب فيه غياب هؤلاء ، ولماذا لم
يؤجّلوا سفرهم إلى الأماكن المقدسة
لأداء فريضة الحج يوماً واحداً
...ولكن كل مراقب سياسي موضوعي يدرك
جيداً أنّ حزبا الدعوة والمجلس الأعلى
ما كانا سيصوتان على الاتفاقية لو
شعرا أنّ السيستاني لا يقبل بها ...
أمّا مفهوم التوافق الذي يرغب به فقد
اتضح فيما بعد أنّه توافق الائتلاف
الشيعي مع جبهة التوافق والكتلة
الكردية ، أي توافق الأطراف المشكّلة
للحكومة العراقية الراهنة ...
- بدا حزب الفضيلة متردّداً بين
القبول والرفض ، ولكنّه تبلور أخيراً
بموقف سلبي من الاتفاقية ،أي
بالامتناع عن التصويت ...
- كان ولا يزال التيار الصدري
الأكثر وضوحاً وتشدّداً ضد الاتفاقية
والتواجد الأمريكي ، وقد عبّر عن هذا
الموقف من خلال المظاهرات الشعبية ،
وخاصة المظاهرة المليونية التي نظمها
في بغداد ، وبالموقف المتشدّد والرافض
لهذه الاتفاقية داخل ( البرلمان
العراقي ) ، وكلّ متغاض أو جاحد
للاعتراف بهذا الموقف هو مكابرة وظلم
سياسي ، وهنا لن أتوسع في إلقاء الضوء
على هذا التيار بسلبياته وإيجابياته ،
لأنّي سبق أن كتبت مقالاً من حلقتين
في منتصف عام 2008 ونُشِر في عدة
مواقع ، وفي جريدة " الديمقراطي "
ويمكن العودة إليه...
- إنّ معظم الأطراف والأحزاب
القومية والوطنية العراقية والتي هي
خارج البرلمان العراقي كانت ضدّ
الاتفاقية ، وخاصة هيئة علماء
المسلمين ، والمؤتمر الوطني العراقي
بقيادة الشيخين : حارث الضاري ، وجواد
الخالصي ، كما أصدر بعض علماء الشيعة
فتاوى مكتوبة ضدّ الاتفاقية منهم :
كاظم الحائري ، أحمد البغدادي ،مهدي
الخالصي، حسين فضل الله ،وآخرون ..
- من الطبيعي والبديهي ، أن يرفض
هذه الاتفاقية كلّ من حزب البعث
وفصائل المقاومة العراقية ، هذه القوى
التي تطالب بشكل دائم وبإلحاح
بالخروج الفوري لقوات الاحتلال من
العراق ...
الأطراف التي كانت قادرة على منع
تمرير الاتفاقية :
1 – المرجعية الشيعية في النجف حيث
أنّ رأياً واضحاً وصريحاً يصدره
السيستاني ضد الاتفاقية كان كافياً
لمنع تمريرها ، غير أنّ الأحداث
والتجارب أثبتت أن هذه المرجعية غير
جديرة بأن تأخذ الدور الريادي الوطني
الذي اتخذته المرجعية في ثورة العشرين
...
2 – حزب / المجلس الأعلى/ لأنّه يشكل
الشريحة الشيعية الأكبر التي تعاملت
مع الاحتلال ، وتواطأت معه ، وغطّت
وجوده ، ولكن حسب تقديري أنّ أيّ طرف
دخل مجلس الحكم البريمري لا يمكن أن
يخرج من جلده ويصبح وطنيّاً جديراً
ومؤهّلاً لتحمّل مسؤولية تاريخية
جسيمة تجاه وطنه ، فمصيره أصبح
مرتبطاً بوجود المحتل ، وسيكون خياره
الرئيسي هو الخروج مع دبابات المحتل
التي دخل معها ...
3 – جبهة التوافق : يتعامل السياسيون
مع هذه الكتلة داخل العراق وخارجه
بأنّها الممثل الرئيسي لسنّة العراق
في الحكم ، والذي يشكّل فيها الحزب
الإسلامي عمودها الفقري ، ولذلك فإنّ
رفضها تمرير الاتفاقية كان سيمثل
غياب السنة عن الموافقة عليها ، وفي
هذه الحالة أزعم أنّ السيستاني كان
سيحجب موافقته الضمنية على الاتفاقية
، وكان نواب الائتلاف الشيعي سيحجمون
عن المضي مع الأكراد لوحدهم بدون فريق
سنّي يغطيهم أمام الشعب العراقي ،
وهذا الاعتبار لا يخفف بأيّ شكل من
الأشكال المسؤولية الخطيرة التي
يتحمّلها الائتلاف الشيعي من جرّاء
تحالفه مع الكتلة الكردية لتمرير هذه
الاتفاقية ...
4 – إيران : كان بإمكان النظام
الإيراني أن يعرقل الموافقة على هذه
الاتفاقية لو شاء ، ولكن حسب تقديري (
وهنا أفسّر ولا أبرّر ) أنّ هذا
النظام ، وخاصة أجهزته الأمنية يرى
في الساحة العراقية مصيدة للقوات
الأمريكية ،ممّا يجعلها بمثابة صمّام
أمان ونطاق حيطة لأمن إيران ، باعتبار
أنّ هذه المصيدة استنزفت القوات
الأمريكية ،وأنهكتها ، ووضعتها تحت
رحمة القوات المسلحة الإيرانية
،ووحداتها الخاصة ، وبعض فصائل
المقاومة العراقية المتعاطفة معها ،
أو مدعومة من قبلها ، وبالتالي فإنّ
أيّ عدوان أمريكي ،أو إسرائيلي على
إيران سيعرّض هذه القوات داخل العراق
، وفي منطقة الخليج كلّها إلى أضرار
كبيرة ، وخاصة بعد تنامي القدرات
العسكرية الإيرانية بشكل مذهل خلال
السنوات الأخيرة ....إضافة إلى ذلك
فإنّ احتلال أفغانستان من قبل قوات
الحلف الأطلسي ، ورغبة الرئيس
الأمريكي الجديد بنقل قسم رئيسي من
قواته في العراق إلى أفغانستان يبقي
الخطر الأمريكي قريباً من الأراضي
الإيرانية ، لا بل يزيده ، لعدم وجود
حلفاء وأتباع لإيران هناك بالفعالية
نفسها المتوفرة في العراق ، وبالتالي
فإنّ مضاعفة عدد القوات الأمريكية في
أفغانستان يضاعف القلق الإيراني أكثر
من بقاء تلك القوات ملجومة في العراق
...ومن هنا أزعم أنّ هذا التصوّر
المحتمل يجعل إيران غير راغبة في
الانسحاب الأمريكي من العراق قبل أن
تتضح الأمور مع الإدارة الأمريكية
الجديدة أكثر فأكثر ،ووجهة التحاف
الغربي المعتمدة مستقبلاً تجاه الملف
النووي الإيراني بشكل خاص ، والدور
الإيراني في المنطقة بشكل عام ...وعلى
كلّ حال نلمس هنا ازدواجية المعايير
الإيرانية المعتمدة في التعاطي مع
مشاكل المنطقة وأزماتها ، حيث نجد
مواقف إيرانية مبدئية وواضحة وصائبة
حيال القضية الفلسطينية ،والمقاومة
الإسلامية اللبنانية ، وبين موقفها
الكالح في العراق الذي يلهث وراء
مصالح إيرانية خاصة ، ولكن لايعني ذلك
ولا بشكل من الأشكال أن نقف وراء
المساعي الأمريكية – الصهيونية لحرف
الصراع في المنطقة عن مجراه الحقيقي ،
والذي يجب أن يبقى دائماً باتجاه
العدو الإسرائيلي ...ونظراً لحساسية
الموضوع وخطورته وجدت لزاماً عليّ
كتابة مقال مستقل حول الموقف الإيراني
في العراق وأسسه المحتملة وذلك خلال
أيام قليلة قادمة .
- خيّم الكثير من الشكوك والريبة
على أجواء مناقشة الاتفاقية وإقرارها
داخل البرلمان العراقي نتيجة عدم نشر
نصّها الإنكليزي ، وخاصة بعد تصريح
أحد العاملين بالبيت الأبيض بأنّ
الرئيس بوش لن ينشر نص الاتفاقية
باللغة الإنكليزية إلاّ بعد مصادقة
البرلمان العراقي عليها ، ممّا زاد
التخوّف من وجود تباين بين النصين
بالعربية والإنكليزية ، وبما يخدم
أكثر فأكثر المصالح الأمريكية ،وعلى
حساب الدولة العراقية وسيادتها ، كما
أُثيرت تساؤلات كثيرة حول وجود ملاحق
سرية سياسية وأمنية واقتصادية تخفي ما
هو أعظم وأخطر ممّا جاء في نص
الاتفاقية المنشور ...كما أنّ
الارتباك والتناقض كانا واضحين في
التصريحات والتعليقات حول الموعد
النهائي للانسحاب الكامل للقوات
الأمريكية المحدّد في آخر عام 2011 ،
وكان تصريح رئيس أركان القوات
المسلّحة الأمريكية الأوّل حول
الموضوع وجرى قبل التوقيع على
الاتفاقية ،حيث قال :" إنّ الانسحاب
النهائي من العراق مرتبط بحالة الوضع
الأمني في العراق " ،وقد أسرع الناطق
باسم البيت الأبيض لينفي ذلك ،ويؤكّد
على أنّ نهاية 2011 هي الموعد النهائي
للانسحاب ...وقد أثبتت الوقائع فيما
بعد بأنّ كلام رئيس الأركان كان
الأكثر دقة ،لأنّ سلسلة من التصريحات
أعقبت التوقيع على الاتفاقية تدعم
كلامه ، وقد شارك في ذلك وزير الدفاع
الأمريكي نفسه ، وقائد القوات
الأمريكية في العراق ...
- حدّدت المادة الرابعة من الاتفاقية
المهمات التي ستقوم بها القوات
الأمريكية داخل العراق ، وحصرتها "
بالمساعدة المؤقتة وبطلب من الحكومة
العراقية لمساندتها في جهودها من أجل
الحفاظ على الأمن والاستقرار في
العراق ،بما في ذلك التعاون في القيام
بعمليات ضدّ تنظيم القاعدة ،
والمجموعات الإرهابية الأخرى ،
والجماعات الخارجة عن القانون ،
وبقايا النظام السابق ."
وهنا نلاحظ التلاعب بصياغة المادّة
بحيث أصبحت الأبواب العراقية جميعها
مفتوحة بدون استثناء أمام إمكانية
تدخل القوات الأمريكية ، ولكنّ
الأنظار توجّهت على الخصوص باتجاه
الأعداء المشتركين للحكومة العراقية
والقوات الأمريكية ، فالمقصود
بالمجموعات الإرهابية الأخرى كافة
فصائل المقاومة العراقية الراهنة
البطلة ، أو التي يمكن أن تظهر
مستقبلاً ، أماّ الجماعات الخارجة عن
القانون فالمقصود منها بشكل خاص "جيش
المهدي " التابع للتيار الصدري ،لأنّ
هذا التعبير استخدمته الحكومة
العراقية والقوات الأمريكية أثناء
حملاتها العسكرية و"صولات المالكي
الشهيرة " في البصرة والعمارة ومدينة
الصدر ...أمّا بقايا النظام السابق
فيشمل أيّ شخص كان منتمياً إلى حزب
البعث والتنظيمات العسكرية والمدنية
التي كانت قائمة في العراق قبل
احتلاله ، وأيّة فصائل مقاومة انبثقت
عنها ، بينما العبارة التي يمكن أن
تكون صالحة في كل وقت للتدخّل
الأمريكي وفي أيّ مكان من العراق هي :
" الحفاظ على الأمن والاستقرار " ،
فاستناداً إلى هذه العبارة يمكن إشراك
القوات الأمريكية في قمع مظاهرة شعبية
، أو تجمّع عمّالي ،أو إضراب أيّ قطاع
من قطاعات الشعب والدولة ....وهكذا
تتماهى المخططات الأمريكية مع كلّ ما
يخدم "أحصنة" مجلس الحكم ، ويصبح
المناخ مؤاتياً مستقبلاً للطلب من
الحكومة الأمريكية تمديد بقاء قواتها
المحتلة في العراق لآجال لاحقة
وطويلة، لأنّ الطغمة الحاكمة في
العراق رهنت نفسها ،والعراق معها
لصالح المحتل لتأمين استمرار بقائها
في السلطة رغماً عن إرادة الشعب
العراقي الأبيّ ...
-
لم تحدّد الاتفاقية عدد القوات
الأمريكية المتبقية في العراق ، ولا
عدد العناصر أو الوحدات التي ستدرّب
الجيش العراقي لاحقاً ، لا بل تركت
الباب مفتوحاً لإمكانية زيادة القوات
الأمريكية ،لأنّه لا توجد رقابة
عراقية على حجم القوات والعتاد التي
ترغب القيادة الأمريكية في إدخالها
إلى القواعد التي تتمركز فيها فوق
الأرض العراقية ، ولم تحدّد الاتفاقية
أيّة آلية لضبط ذلك ، لا بل تعدّى
الأمر ذلك إلى إدخال " العنصر المدني
المرتبط بها " ودون تحديد لهويّة
وطبيعة هذا العنصر ، واستناداً إلى
ذلك يمكن إدخال شركات أمنية أمريكية
بأعداد كبيرة وبلباس مدني ، وتطلق لها
العنان للعبث بأمن العراق وشعبه وفقاً
للمخططات الأمريكية والصهيونية كما
جرى في السابق ، ويجري الآن ...
- لم تحدّد الاتفاقية عدد القوات
العسكرية التي ستشغلها القوات
الأمريكية ، ولكنّ المادة 25 أشارت
إلى القواعد المتفق عليها ، وهذا
يؤكّد وجود ملاحق سرية خاصة حول ذلك ،
غير أنّ صحيفة الأندبيدنت البريطانية
ذكرت أنّ أمريكا طلبت أن يكون لها في
العراق 50 قاعدة عسكرية رئيسية ،و 350
قاعدة عسكرية فرعية ، وكما هو معروف
فإنّ القواعد العسكرية الرئيسية
الأمريكية عبارة عن مدينة أمريكية
مغلقة مقامة على الأرض العراقية فيها
كل مرافق الحياة من مياه وكهرباء
،وصالات سينما ومطاعم ومقاهي ومسابح
وملاعب ...الخ فتصوّروا كم ستلتهم هذه
القواعد من مساحة العراق ، وما هي
قدراتها على التحكّم في كل المواقع
الإستراتيجية في العراق ، وما هي
شبكة العلاقات الاقتصادية والأمنية
والاجتماعية والثقافية التي يمكن أن
تنشئها ، وما هو حجم انعكاسات ذلك
كلّه على صياغة الحياة السياسية في
العراق وفقاً لمشيئة المحتل الأمريكي
... يضاف إلى هذا كلّه ، تأثير هذه
القواعد على أمن واستقرار دول الجوار
العراقي ، وعلى الحياة السياسية فيها
، وما مقولة عدم استخدام الأرض
العراقية كمنطلق لأيّ عدوان على دول
الجوار سوى نوع من الضحك على الذقون ،
وتخدير شعوب المنطقة ، فالاتفاقية لن
تكون بأيّ شكل من الأشكال بقوة ميثاق
الأمم المتحدة الذي لم تكترث به
الإدارة الأمريكية ،وغزت العراق
واحتلته خارج إطار الشرعية الدولية ،
فمن لم يكترث بهذا الميثاق لن يأبه
لاتفاقية هو الذي صاغها وفرضها ،
وينفذها كما يشاء ... وماذا باستطاعة
حكومة المالكي أوغيرها أن تفعل لو
خرقت القوات الأمريكية تعهّدها بعدم
استخدام الأرض العراقية أو أجوائه
لضرب دول الجوار ؟ وعلى كلّ حال ، فمن
خنع للاحتلال ، ولم يدافع عن وطنه ،
لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن يدافع
عن أوطان الآخرين ، ولن يكون حريصاً
على أمنها ....
- حدّدت المادّة التاسعة من الاتفاقية
حركة المركبات والسفن والطائرات ، كما
نصّت على " إعفاء طائرات الحكومة
الأمريكية والطائرات المدنية
المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية
من دفع أيّة ضرائب أو رسوم أو جبايات
أو شابهها من رسوم ، بما في ذلك
جبايات التحليق ،أو جبايات الملاحة
الجوية أو الهبوط أو الانتظار في
المطارات التي تُدَار من قبل الحكومة
العراقية ، وتُعفى من دفع أيّة ضرائب
أو رسوم أو جبايات ، أو ما شابهها من
رسوم المركبات والسفن المملوكة للقوات
الأمريكية أو الجاري استخدامها حصراً
من جانب القوات الأمريكية لأغراض هذا
الاتفاق ويتضمن ذلك الموانئ التي
تديرها الحكومة العراقية ،وتُعفى هذه
المركبات والسفن والطائرات من متطلبات
التسجيل داخل العراق ..."
لقد استباحت هذه المادة سيادة العراق
ومصلحته الوطنية ، هذا بالإضافة إلى
الاستباحة الناجمة عن وجود القواعد
العسكرية والمطارات الخاصة بها على
أرض العراق ، والمسخّرة وبشكل مباشر
لخدمة القوات الأمريكية ،وخارج أيّة
رقابة عراقية ... وهنالك العشرات من
المسائل والمواد الأخرى التي خرقت
فيها الاتفاقية سيادة العراق ...
- حدّدت المادة العاشرة إجراءات
التعاقد للقوات الأمريكية من حيث
اختيار المتعاقدين ، وإبرام العقود
لمختلف جوانب الحياة وفقاً للقانون
الأمريكي ، كما حدّدت المادة الحادية
عشرة كيفية تأمين الخدمات والاتصالات
للقوات الأمريكية ،وأعفتها من دفع
أيّة جبايات عن استخدام موجات الإرسال
والترددات في الوقت الحالي أو
مستقبلاً ، وكلّ ذلك يتمّ على حساب
سيادة العراق وأمنه ومصالحه ...
- أعطت المادة الثانية عشرة للعراق
الحق الأولي لممارسة الولاية القضائية
على أفراد القوات الأمريكية وأفراد
العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة
المتعمّدة ، وحين تُرتَكب الجرائم
خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها
،وخارج حالة الواجب ،وفي هذه الحالة
على السلطات العراقية عند اعتقال أو
احتجاز أفراد من القوات الأمريكية ،
وأفراد العنصر المدني العاملة معها أن
تخبر القوات الأمريكية بذلك فوراً ،
وتسليمهم لها خلال 24 ساعة من وقت
الاعتقال أو الاحتجاز ، على أن تقدّم
هؤلاء المتهمين إلى السلطات العراقية
لأغراض التحقيق والمحاكمة ... ولذلك
فإنّ تحديد الجنايات الجسيمة فقط ،
وخارج حالة ( الواجب )، سيفسح المجال
لتجويف الولاية القضائية العراقية
والالتفاف حولها ، ثمّ ما هي الطريقة
والجهة التي توصّف هذه الجناية جسيمة
أم لا ؟ كما يطرح أمامنا التساؤل
التالي : وهل الأمريكي مخوّل بارتكاب
الجرائم أثناء تنفيذ (واجبه) فوق
الأرض العراقية دون عقا ب أو حساب
...؟ وإضافة إلى هذا كلّه ، فإنّ هذه
المادّة جرّدت السلطات القضائية
العراقية من حقها في الاعتقال
والاحتجاز بعد وقوع الجريمة لفترة لا
تزيد عن 24 ساعة ...كما أعطت هذه
الحصانة أيضاً " للعنصر المدني "
العامل مع القوات الأمريكية ،أي
للشركات الأمنية التي ذاق الشعب
العراقي من جرائمها الشيء الكثير خلال
سنوات الاحتلال .
- فتحت الاتفاقية الأمنية في مادتها
الأخيرة إمكانية تمديدها بعد انقضاء
ثلاث سنوات بموافقة الطرفين ، وستكون
ذريعة عدم استكمال الجيش قدراته
القتالية والتسليحية التي تؤهّله
لمجابهة المقاومة العراقية ، أو
استمرار الأوضاع الأمنية المتفجّرة في
العراق كورقة ومدخل لإطالة أمد
الاحتلال الأمريكيي للعراق الشقيق ...
- إنّ التوقيع على الاتفاقية الأمنية
شكّل أرضية وسنداً وحامياً "لاتفاقية
الإطار للتعاون الاستراتيجي " الموقعة
معها ، والتي صاغت الأسس والمنطلقات
العامة لسلسلة من الاتفاقيات الفرعية
من أجل تأمين الهيمنة الأمريكية على
كلّ أوجه الحياة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية في العراق ،
وستقنّن وتضاعف الدور الخطير الذي
يلعبه الآن المستشارون الأمريكيون
المغروسون في مختلف الوزارات
والمؤسسات والشركات الهامة في العراق
، وبذلك تتحقق أهداف وأغراض الاحتلال
الأمريكي....
- لقد شكّل التوقيع على الاتفاقية
الأمنية هامشاً مريحاً للرئيس
الأمريكي الجديد / أوباما / من أجل
المناورة والتملّص من وعوده
الانتخابية بسحب القوات الأمريكية من
العراق خلال عام ونصف ، وسيحاول
بالتدريج تكييف إدارته الجديدة مع
هاتين الاتفاقيتين ليصبح موقفها
متطابقاً مع‘ إدارة بوش ولكن بثوب
برّاق مخادع ...
--وأخيراً ، وعلى كلّ حال ،
وكيفما كانت الحكومات العراقية
والأمريكية فإنّ من واجب كافة القوى
الشريفة المقاومة في العراق أن توحّد
صفوفها ، وتشكّل جبهة وطنية مقاومة ،
وفق برنامج سياسي واضح يصون وحدة
العراق ، وانتماءه القومي ، ويحافظ
على الأخوّة الكردية – العربية ،وذلك
من أجل إجبار المحتلّ الأمريكي على
مغادرة الأرض العراقية دون شروط
واتفاقات مذلّة تكبّل العراق وترهن
مستقبله ....والنصر دائماً حليف
الشعوب المكافحة الصابرة ، مهما عتا
الطغاة المحتلون وتجبّروا
.. في :
30/12/2008