تذكير: يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهم وثيقة حقوقية نالت قبول الجميع ، إذ رغم أن هذا الإعلان يشكل مجموعة قواعد و مبادئ بين حكومية غير ملزمة و غير آمرة لهذه الحكومات باحترام موادها الثلاثين ، سواء منها المتعلقة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية أو المعنية بالحقوق و الحريات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، المستحقة لكافة الأفراد و المجموعات و الجماعات الإنسانية ، فقد حظي بإجماع لا نظير له من قبل مختلف الشعوب   المستقلة منها أو القابعة تحت الاحتلال أو الناقصة السيادة ،،، و كذا من قبل مختلف الهياكل الدولية و الإقليمية و الوطنية ، ذات الصلة بحقوق الإنسان ، الحكومية  منها أو المستقلة . و تزداد أهمية هذا الإعلان بالنسبة للجميع لأنه ، من جهة ، تغيى ضمان الكرامة البشرية للناس بغض النظر عن اختلافاتهم و انطلق في ذلك من القواسم و الحاجات المشتركة بينهم جميعا في شتى أنحاء المعمور ، و لأنه ، من جهة أخرى ، يرتب في طليعة نصوص الشرعة الدولية لحقوق الإنسان . و لا شك أن هذا الإجماع اللا نظير له هو الذي كان وراء اتفاق الجميع ، أيضا، على ترسيم يوم 10 دجنبر / كانون الأول ، الموافق ليوم صدوره في عام 1948 ، من كل سنة يوما عالميا لحقوق الإنسان . غير أنه ، في حين تتخذ بعض المجتمعات الديمقراطية من هذا اليوم محطة لرصد و مواكبة و تعزيز الحقوق و الحريات بين مكوناتها الحضارية ، و تتخذ منه بعض الدول التي تزعم أنها تعيش مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية فرصة للإعلان عن نواياها المتجهة نحو إحداث مؤسسات  و استكمال  إجراءات قانونية و إدارية و تربوية و تعزيز شراكات مع عناصر مجتمعها المدني ذات صلة ،،، فإن دولا عديدة أخرى ، على طول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط ، و من آسيا ، و أمريكا اللاتينية، و أغلب إفريقيا جنوب الصحراء ،،، ما تزال تحرص ، و إن بدرجات متفاوتة ، على حرمان الناس من حقوقهم   و حرياتهم أو الانتقاص منها  أو التضييق على ممارستها أو تمحين المدافعين عنها أو تجمع بين مختلف هذه الانتهاكات.

و في هذا الإطار ، تختص هذه المقالة ، بمناسبة الذكرى الستين الحالية للبيان العالمي لحقوق الإنسان ، في موضوعة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان   و حرياته ، و ذلك من حيث كنه المصطلح و الأنواع و الأشكال التي يحيل عليها  و آليات الحماية و الوقاية منه .

 

أولا ــ بخصوص مصطلح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان : التطور ، الدلالة والتوظيف .

 

1. التمييز بين انتهاك أو خرق حقوق الإنسان و باقي الجرائم العادية الأخرى : يقصد بانتهاك حقوق الإنسان:   

ـ كل فعل أو سلوك صادر بشكل عمودي عن الدولة عبر أحد أجهزتها الإدارية أو الأمنية أو غيرها ضد شخص أو مجموعة أو جماعة بغرض الحرمان أو المنع من التمتع بحق أو أكثر من حقوق الإنسان و حرياته أو بغرض الانتقاص منها أو المعاقبة على ممارستها ؛

ـ كل فعل أو سلوك صادر ، سواء ، بشكل عمودي عن الدولة عبر أجهزتها تلك ، أو بشكل أفقي عن أحد الأفراد أو المجموعات أو الجماعات ضد آخرين بخصوص حقوق و حريات محمية من قبل أحد أو أكثر من مكونات القانون الدولي لحقوق الإنسان ، كما هو الحال بالنسبة للعنف ضد الطفل أو المرأة أو التحرش بهما ،،،

ـ كل فعل أو سلوك صادر بشكل أفقي ، و كان يمكن أن يظل جزءا من الجرائم )  المخالفات ، الجنح ، الجنايات ( التي تنظمها القوانين الجنائية أو الإدارية أو التجارية أو المدنية الوطنية  ) القطرية  ( العادية ، لكنها تتحول إلى انتهاك لحق من حقوق الإنسان حين تتحيز الأجهزة القضائية أو غيرها من أجهزة الدولة ذات الصلة للجاني أو الجناة ضد الضحية أو الضحايا .

 2 ـ نماذج من انتهاكات حقوق الإنسان  )مقتطفات من مصنف أنجزته منظمة العفو    الدولية (:

2.1 ــ انتهاكات الحق في الحياة ، و منها: الإعدام بعد محاكمة جائرة ،  الإعدام بعد انتهاك الحق في استئناف الحكم ، أو في التماس العفو أو في التخفيف من الحكم ، الحكم بإعدام القاصر عند ارتكاب الجريمة ، أو بإعدام المصاب بالتخلف العقلي أو بالجنون أو المرأة الحامل أو المرضعة، التهديد بالقتل أو الإعدام خارج نطاق القضاء على يد موظفين رسميين أو جماعات شبه عسكرية أو أشخاص عاديين أو جماعات بالتعاون مع الحكومة أو بتسامح من جانبها، أو كذلك على يد أشخاص مجهولين ينتمون للفئات المذكورة، الوفاة في الحجز بسبب التعذيب أو الإهمال أو استخدام القوة أو في ظل أوضاع احتجاز تهدد الحياة ، الوفاة بسبب استخدام القوة على يد الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون أو أشخاص يعملون بتواطؤ مباشر أو غير مباشر مع الدولة الوفاة الناشئة بسبب اعتداءات من جانب قوات الأمن التابعة للدولة أو من يتعاون معها أو تتسامح معه سلفا ، تهديد حياة السكان المدنيين أثناء الصراعات المسلحة المتعارضة مع أحكام القانون الدولي الإنساني ، طرد أو إعادة الأفراد إلى بلدانهم حينما تكون حياتهم مهددة بالخطر في هذه البلدان ، انتهاك الالتزام بالتحقيقات في الانتهاكات المزعومة للحق في الحياة ، و بتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة ، انتهاك الالتزام بتقديم تعويض كاف لضحايا انتهاكات الحق في الحياة ،،،،

2.2 ــ انتهاكات الحق في الحرية ( حالات الاختفاء القسري نموذجا ) كحال: 

القبض على شخص محدد الهوية ، أو احتجازه أو اختطافه رغما عن إرادته ، أو سلبه حريته بطريقة أخرى ، خارج نطاق القانون ، ثم إخفاء مكانه أو رفض الإفصاح عن مصيره أو الاعتراف بمن سلبه حريته ، و ذلك من قبل موظفين أو مستويات مختلفة من الحكومة، أو على يد جماعات تعمل لحسابها أو بإذن منها أو بموافقتها ؛

2.3 ــ انتهاك الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، مثل :

أ ــ التعذيب البدني ، كــ :

التعريض لضوء مبهر أو لضوضاء صارخة أو الإجبار على تناول عقاقير معينة ، الحرمان لفترات طويلة من النوم،  الحرمان لفترات طويلة من الطعام أو من الخدمات الصحية الكافية أو من المساعدة الطبية ،  الأحكام القضائية التي تنطوي على عقوبات بدنية ،  الاغتصاب داخل الحجز و الاعتداءات الجنسية ،،،

ب ــ التعذيب النفسي أو العقلي كــ :

الإخضاع للعزلة التامة ، احتجاز السجين في ظل أوضاع تجعله دائما غير قادر على معرفة المكان الذي يحتجز فيه   و لا الوقت الذي يمضيه ، التهديد بقتل الأقارب أو بتعذيبهم ، الإهمال التام ، التعريض لعمليات الإعدام الوهمية ،  إخفاء الأقارب ،،،،

2.4 ــ الانتهاكات التي تدخل في إطار أشكال التعصب  و التمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد ، مثل :

انتهاكات  الحق في مبدإ عدم التعرض للتمييز في شؤون الدين أو العقيدة ، 

انتهاك مبدإ التسامح بشأن أمور الدين و العقيدة ،   

انتهاك حرية الفكر و الرأي و الدين و العقيدة ، 

انتهاك حرية المرء في إظهار دينه أو معتقداته ،

انتهاك حرية التصرف في الممتلكات الدينية ، 

انتهاكات السلامة البدنية و الصحية للأفراد ( رجال الدين و المؤمنون ) ،

الانتهاكات التي تمس المرأة ،،،،

2.5 ــ انتهاكات حقوق الطفل ، مثل :

حرمان الأطفال من التمدرس و التربية ،     

توريط الأطفال في ممارسات الجنس التجارية ، 

توريط الأطفال في البغاء و استعمالهم في إنتاج المواد الإباحية ،  تهريب الأطفال و الاتجار فيهم ،

تجنيد الأطفال ، أقل من سن 18 عام ، في الصراع المسلح ، 

باقي الانتهاكات الأخرى المبينة في اتفاقية حقوق الطفل.

 2.6 ــ انتهاكات الحق في عدم السلب التعسفي لحرية الإنسان ، كــ :            

الاستمرار في احتجاز السجين بعد استيفائه العقوبة، 

الاستمرار في احتجاز السجين رغم أن أحكام قوانين العفو العام تنطبق عليه ، 

سلب الفرد حريته ، خارج نطاق القانون ، في ممارسة حقوقه الأساسية أو حرياته المكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان    و في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، 

عدم الامتثال في محاكمة الأفراد لكل من الأحكام الدولية المتصلة بالحق في المحاكمة العادلة ،،،

2.7 ــ انتهاكات حقوق الأجانب ، مثل :

الأشكال المعاصرة من العنصرية و التمييز ضد الأجانب ، 

التعصب ضد المهاجرين ، 

الممارسات العنصرية و التمييزية ضد العمال المهاجرين ، 

حركات اليمين المتطرف و النازية الجديدة ضد الملونين ،         

  العنصرية  و التمييز العنصري ضد العرب ،،،

2.8 ــ انتهاكات الحق في حرية الرأي و التعبير ، كــ :

تعريف جرائم أمن الدولة بصيغ مفرطة في الإبهام ،

إساءة استخدام حالات الطوارئ ، 

ممارسة السلطات الخاصة بحالة الطوارئ دون إعلان رسمي ، 

التهديد أو الإرغام أو استخدام القوة للتأثير على إرادة المرء في اعتناق ما يشاء من آراء ، 

تقييد حق المرء ، خارج نطاق القانون ، في حرية التعبير ، أي في جمع المعلومات و الأفكار و تداولها عن طريق أي وسيط إعلامي يختاره ، 

احتجاز الأشخاص الذين يمارسون حقهم في حرية الرأي و التعبير أو يروجون لهذا الحق ، بمن فيهم المهنيون العاملون في مجال الإعلام ، أو استخدام التمييز أو العنف ضدهم أو مضايقتهم ، 

الإجراءات التي تتخذ ضد أنشطة أحزاب المعارضة و النشطاء النقابيين و ضد وسائط الإعلام و الناشرين في الوسائط الإعلامية الأخرى ( الكتب ، المجلات ، الأفلام ، المسرح ، فنون الأستوديو، الإنترنيت) ، 

العراقيل ضد أنشطة المدافعين عن حقوق الإنسان ( مثل : المحامون و النشطاء في خدمة المجتمع ) ،

القوانين و الممارسات التي تعرقل حق المرأة في التعبير عن آرائها و عن إسماع صوتها و المشاركة في عملية صنع الفرار ، و التمتع بمركز مساو للرجل أمام القانون ، و جمع المعلومات و تلقيها و تداولها حول الشؤون التي لها صلة مباشرة بها ( مثل : تنظيم الأسرة ، و جوانب العنف الموجهة ضدها ،،، ) ،

2.9 ــ انتهاكات حقوق المرأة في عدم التعرض لأعمال العنف ، كــ :

العنف البدني  و النفسي الذي يقع في نطاق الأسرة ، 

ضرب الأطفال الإناث و الاعتداء عليهم في نطاق الأسرة ، 

اغتصاب الزوج لزوجته ، 

تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية و غيره من العادات التقليدية الضارة بالمرأة ، 

العنف على غير يد الزوج  و العنف المتصل بالاستغلال ، 

العنف البدني و الجنسي و النفسي الذي يحدث في المجتمع العام بما في ذلك حوادث الاغتصاب ، الاعتداءات             و التحرشات الجنسية، أعمال التخويف في مكان العمل    و في المؤسسات التعليمية ،،،

لكن متى ينعت أحد هذه الانتهاكات أو أكثر  بأنه انتهاك جسيم لحقوق الإنسان ؟

3 ـ المسار الذي عرفه مصطلح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ( التطور على مستوى الدلالة أو التوظيف ) :

3.1 ــ في 1915 ، كان يشير إلى المجازر الجماعية التي تعرض إليها الشعب الأرميني على يد الأتراك ؛

3.2ــ في 1945 ، أطلقته المحكمة العسكرية الدولية في نونبرغ على الأعمال التي اقترفها مجرمو الحرب العالمية الثانية ؛

3.3ــ في 1985 ، استعملته محكمة الاستئناف الفرنسية ، في مدينة ليون أثناء محاكمة كلاوس باربي ، لتشمل به مجموعة الأعمال اللاإنسانية و غيرها من الاضطهادات التي تمت باسم الدولة ضد خصوم سياسيين مهما كان شكل المعارضة التي أبداها هؤلاء الخصوم .

3.4 ــ ابتداء من سنة 1988 ، أي تاريخ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في روما ، أصبح مصطلح الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان :

أ ــ كما هو مسطر في المادة 07 من ميثاق هذه المحكمة يضم لائحة طويلة من الاعتداءات تشمل :

الأبارتايد ،

الإجبار على الحمل، أو الإجبار على التعقيم أو على أية أشكال أخرى من الاعتداء الجنسي ، و الإجبار على البغاء ،     و الاستعباد الجنسي،،،

اختطاف الأشخاص ،

الاغتصاب ،

القتل العمد ،

التعذيب ،

الإبعاد القسري للسكان ،      

السجن أو الأشكال الأخرى للحرمان من الحرية بما يخالف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ،

كل جريمة تتسبب في إيذاء النفس أو الجسد أو الصحة العقلية،

ب ــ يعتبر أنه كلما ارتكبت هذه الانتهاكات بشكل ممنهج ، و متواتر ، و على نطاق واسع،،، كلما نعتت بأنها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ، أي جرائم ضد الإنسانية .

ثانيا ــ في شان الآليات الدولية و الوطنية للحماية من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

2.1 ــ الآليات القضائية ، مثل :

المحاكم الجنائية التي تعقد لمتابعة مجرمي الحرب ،

المحكمة الجنائية الدولية ،

باقي المشاريع التي تدخل في سياق عولمة القضاء ( متابعة بينوتشي أمام القضاء الإسباني ، متابعة شارون و حسين هبري أمام القضاء البلجيكي،،،)،،،  

2.2 ــ الآليات غير القضائية ، و هي نوعان :

الآليات الميثاقية : آليات تسمى كذلك نسبة إلى ميثاق الأمم المتحدة  ، و تستند إلى عضوية الدول فيها . بموجبها يمكن للأفراد أو المجموعات أن يتقدموا بشكاويهم ضد حكومات دولهم في حالة انتهاكها للحقوق أو الحريات الأساسية إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي التي تتكلف بالتحقيق في هذه الشكاوي و إبلاغ تلك الحكومات بنتائج ذلك و الطلب منها رفع الانتهاكات المعنية و جبر الضرر المترتب عنها و ذلك حالما يتم التأكد من وقوعها فعلا .

الآليات التعاهدية أو الاتفاقية ( مناهضة التعذيب نموذجا ):

ـ إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1975 ؛

ـ مبادئ آداب مهنة الطب المتصلة بدور الموظفين الصحيين، ولا سيما الأطباء، في حماية المسجونين والمحتجزين من التّعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 1982 ؛

ـ اتفاقية مناهضة التّعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المُهينة لسنة 1984 ـ 1987؛

ـ البروتوكول الاختياري الملحق لاتّفاقيّة مناهضة التّعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لسنة 2002،،،

ثالثا ــ بصدد المعايير الدولية لطي ملفات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان        ( مناهضة التعذيب ، نموذجا ):

ـ واجبات الدول بمقتضى اتفاقية مناهضة التعذيب لسنة 1984 ؛

ـ تحريم التعذيب في التشريعات الوطنية ؛

ـ عدم التذرع " بأية أوامر عليا " أو " بأية ظروف استثنائية " كمبرر لأعمال التعذيب ؛

ـ ملاحقة مرتكب التعذيب و محاكمته ؛

ـ إمكانية إجراء تحقيق دولي ؛

ـ اتخاذ التدابير التشريعية و الإدارية و القضائية و غيرها من التدابير الفعالة لمنع ارتكاب التعذيب ؛

ـ منح أوسع مساعدة قضائية ممكنة في أي إجراء جنائي يتعلق بأعمال التعذيب ؛

ـ ضمان حق ضحايا أعمال التعذيب في الانتصاف و الحصول على تعويض عادل و كاف ؛

ـ عدم طرد أو تسليم أشخاص قد يتعرضون إلى التعذيب في دولة أخرى ،،،

رابعا ــ دور التربية في الوقاية من تكرار انتهاكات حقوق الإنسان:

ـ  سد الحاجة إلى التربية و التكوين على حقوق الإنسان لدى الموظفين المنفذين للقوانين : أكيد أن ضباط الشرطة و أعوانهم ليسوا شياطين ، كما ترسخت صورتهم لدى المجتمع ،و إنما هم أفراد عاديون لكنهم أفسدوا تدريجيا على مدى أكثر من خمسة عقود من التسيب و التحلل من كل مسؤولية و أخلاق إنسانية ، و ذلك خلال قيامهم بمهامهم في إطار من العلاقات التضامنية و التكتمية المغلقة و الامتثال للتعليمات و الأوامر التراتبية ، حيث أصبح الآخر، أي كل فرد مدني ، في نظرهم هو بمثابة العدو الذي يجب تتبع أنفاسه أينما توجه أو أقام و يجب عدم توفير أية وسيلة أو شكل من وسائل و أشكال التعذيب ضده إلى أن يثبت أنه في ذلك الحين غير مذنب .. و بعبارة أخرى ، فلأن التعذيب أصبح حالة ذهنية تعكس سيادة روح الحقد على المدنيين أفرادا و مجموعات في عقول و وجدان هؤلاء الأفراد يكون من اللازم التحضير لمزامنة تنفيذ مشروع قانون تجريم التعذيب قبل و بعد إجازته بإعادة تشكيل هذه العقول  و الأفئدة بما يقدر أفرادها على إدراك أن وجودهم ضروري و لكن بشكل متمدن  لخدمة كل مكونات الإطار الحضاري لمجتمعهم بشكل متساوي ، و ذلك عن طريق:  

ا ـ تطبيق مقتضيات المادة 10 من اتفاقية مناهضة التعذيب:

" تضمن كل دولة إدراك التعليم و الإعلام في ما يتعلق بحظر التعذيب على الوجه الكامل في برامج تدريب الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين ، سواء أكانوا من المدنيين أو العسكريين ،  و العاملين في ميدان الطب، و الموظفين العموميين أو غيرهم ممن قد تكون لهم علاقة باحتجاز أي فرد معرض لأي شكل من أشكال التوقيف أو الاعتقال أو السجن أو باستجواب هذا الفرد أو معاملته . ب – تضمن كل دولة طرف إدراج هذا الحظر في القوانين و التعليمات التي يتم إصدارها في ما يختص بواجبات و وظائف مثل هؤلاء الأشخاص " .

ب ـ إدماج تعليم حقوق الإنسان في الجامعة كما في معاهد تكوين و تجديد تكوين الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين :  و ذلك على أن يشمل برنامج كل من هذا التعليم و التكوين مجموعة الوثائق ذات الصلة مباشرة بعمل الشرطة و التي أصدرتها الأمم المتحدة بخصوص إنفاذ القوانين و كذا بخصوص العدالة الجنائية  و حقوق الإنسان .

و تتمثل هذه الوثائق ، بالإضافة إلى صكوك الشرعة الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و الاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل         و بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة و بمناهضة التعذيب ، في مجموعة من الإعلانات الخاصة بالحماية ضد         " الاختفاء " القسري و بالقضاء على العنف ضد المرأة و بالمبادئ الأساسية للعدالة في ما يتعلق بضحايا الجريمة        و سوء استخدام السلطة ، و في مجموعة من المبادئ و القواعد الموجهة لسلوك الموظفين المكلفين بتنفيذ القوانين      و الإرشادية من أجل التنفيذ الفعال لقواعد ذلك السلوك ، و المانعة لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون و الإعدام دون محاكمة ، و الضامنة للعدالة في ما يتعلق بضحايا الجريمة و سوء استخدام السلطة ، و الحامية للأحداث المحرومين من حريتهم ، و المتعلقة باستخدام القوة و الأسلحة النارية من جانب هؤلاء الموظفين ، و معاملة السجناء ، و بحماية الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن .

خلاصة : إنه بقدر ما تبعت الوضعية التي آل إليها التقدم المتعثر أصلا ، في مجال إقرار الدول و حكوماتها بحقوق الإنسان و حرياته و احترام  مقتضياتها ، و هو التعثر الذي استفحل مع مطلع الألفية الثالثة و خاصة بعد إعطاء هذه الدول و حكوماتها كامل الأفضلية لقوانين تدعي حماية الأمن و الاستقرار السياسي الداخليين ، من قرف و تشاؤم ، بقدر ما تتسع الآن دائرة التفاؤل في شأن مستقبل الحقوق و الحريات التي تم نشرها عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان      و فصلت فيها باقي الإعلانات و العهود و الاتفاقيات و البروتوكولات و المواثيق ذات الصلة و ذلك إثر شروع المحكمة الجنائية الدولية في تفعيل أجندتها المبنية على أسس المساءلة و المحاسبة و عدم إفلات أي من الجناة ، مهما كانت رتبته أو منصبه ، من العقاب .

 

* المصطفى صوليح El Mostafa Soulaih، كاتب ، باحث ، و مؤطر ، في مجال التربية على حقوق الإنسان   و المواطنة ، من أطر اللجنة العربية لحقوق الإنسان ـ باريس ، فرنسا . صدر له عن ، أوراب و الأهالي و اللجنة المذكورة ، كتاب تحت عنوان : نقد التجربة المغربية في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، كما صدرت له خلال شهر أكتوبر 2008 ، عن مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب ، مجموعة قصصية تحت عنوان : ثورة الربض ، و ذلك بالإضافة إلى المساهمة في كتب أخرى مشتركة .