يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على المبادئ و المعايير و التطبيقات التي يمكن الاستفادة منها في الإجابة على السؤال: كيف و متى يستطيع العراق المطالبة بالتعويضات عن الغزو و الاحتلال الأمريكي له؟
مبدأ التعويضات في القانون الدولي
أقر القانون الدولي مبدأ التعويضات كالتزام ناتج عن ارتكاب دولة ما عملاً غير مشروع إزاء دولة أخرى من أجل إصلاح كامل الضرر الذي سببه العمل غير المشروع.
ورغم اختلاف فقهاء القانون الدولي بشأن المدى الذي يذهب إليه تعبير ( إصلاح كامل الضرر ) وهل تكون التعويضات ذات طبيعة عقابية أم لا وهل تقتصر التعويضات على الضرر المادي المباشر أم تتعداه إلى الأضرار المعنوية وتقديم ضمانات بعدم تكرار العمل غير المشروع ،إلا أن الحد الأدنى الذي اتفقت عليه جميع الآراء و الممارسات هو أن يصلح التعويض ، بطريقة كافية ، الأضرار التي لحقت بالدولة التي كانت ضحية للعمل غير المشروع.
2- الممارسات السابقة
يشير تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة إلى اللجوء إلى التعويضات لمعالجة المسائل الناتجة عن الصراعات المسلحة أو الحوادث المقصودة أو غير المقصودة التي تؤدي إلى أضرار تصيب الدول أو الشخصيات الدولية ، ومن ذلك اتفاقيات السلام المعقودة بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي ألزمت الدول المغلوبة بالتعويض عن جميع الخسائر و الأضرار التي أصابت الدول المتحالفة ورعاياها أثناء الحرب . و بعد الحرب العالمية الثانية أشارت اتفاقيات السلام لسنة 1947 واتفاقية بوتسدام إلى واجب دفع التعويضات ، كما أصدرت محكمة العدل الدولية قرارات عديدة لحل المنازعات التي عرضت عليها تضمنت تحديد الالتزام المبدئي بتقديم التعويضات وتركت للأطراف المعنية مسألة الاتفاق حول حجم المبالغ وطريقة تنفيذ ذلك الألتزام . كما أكد مجلس الأمن ، في حالات النزاعات المعروضة عليه التي انطوت على حق التعويض ، على هذا المبدأ ومن ذلك حق غينيا في التعويض عن الأضرار الواسعة التي أصابتها نتيجة الغزو البرتغالي لها (القرار290(1970) ، كما أشار قرار مجلس الأمن 387 (1976) إلى ضرورة قيام جمهورية جنوب أفريقيا بالتعويض عن الأضرار التي أصابت أنغولا نتيجة عدوان الأولى عليها ، أكد قرار مجلس الأمن 487(1981) على حق العراق في الحصول على تعويض مناسب عما لحق منشآته النووية المخصصة للأغراض السلمية من تدمير نتيجة العدوان الإسرائيلي عليها.وتكتسب حالة التعويضات المفروضة على العراق بموجب قرارات مجلس الأمن الصادرة بعد غزو العراق للكويت أهمية خاصة في هذا الشأن كونها تمثل حالة يمكن الاستدلال بها في موضوع هذا البحث لأسباب عديدة من بينها الآتي:
*أنها ناتجة عن حالة استخدام غير مشروع للقوة واحتلال لدولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة .
*إنها تمثل سابقة في عمل مجلس الأمن ، فللمرة الأولى في تاريخ المجلس لا يقر المجلس مبدأ الالتزام بدفع التعويضات فحسب بل أنشأ بموجب الفصل السابع من الميثاق آليات محددة للنظر في مطالبات التعويض وحسمها وأنشأ صندوق للتعويضات يمول من صادرات العراق من النفط و المنتجات النفطية وحرم العراق من حقه في التفاوض واللجوء إلى التسوية الرضائية مع الأطراف ذات العلاقة لحسم المطالبات ثنائياً .
*إنها طبقت على العراق الدولة التي تعرضت بعد ثلاثة عشر عاماً من غزوها للكويت ، إلى غزو و احتلال مشابه خرقاً للشرعية الدولية .
*إن نظام التعويضات المفروض على العراق لا يزال نافذاً ، وحسب المعطيات القائمة يحتاج العراق إلى عقود عديدة قادمة إن لم نقل قروناً ، لسداد هذه التعويضات إذا لم يتفق العراق و الكويت على حل مبني على قواعد القانون الدولي ومبادئ العدل و الإنصاف وبما يزيل الشعور بالغبن لدى العراق.
واستناداً إلى الحقائق أعلاه فقد يكون مناسباً إلقاء نظرة على سياق إقرار و تنفيذ التعويضات المفروضة على العراق:
3- التعويضات المفروضة على العراق
في 2/8/1990 ، دخلت القوات العراقية الكويت وبررت القيادة العراقية آنذاك ذلك بتآمر الكويت على العراق ومحاربتها له اقتصادياً بتخفيض أسعار النفط وسرقتها النفط من حقول العراق الحدودية مع الكويت ، إضافة إلى الدعاوى التاريخية بأن الكويت جزء من العراق .
اجتمع مجلس الأمن في نفس اليوم واصدر القرار 660(1990) بموجب الفصل السابع من الميثاق معتبراً دخول القوات العراقية للكويت غزواً invasion وأنه لذلك شكل خرقاً breach للسلم و الأمن الدوليين ، ودان قرار مجلس الأمن الغزو و طالب بسحب القوات العراقية فوراً دون قيد أو شرط.
وبعد أربعة أيام أصدر مجلس الأمن قراره 661(1990) الذي فرض بموجبه عقوبات شاملة على العراق بسبب عدم سحب القوات العراقية من الكويت .وتوالت قرارات مجلس الامن في فرض مختلف أشكال العقوبات و القيود على العراق. واعتبر مجلس الأمن في قراره 674(1990) بأن العراق (مسؤولاً عن أي خسارة مباشرة أو ضرر مباشر بما في ذلك الضرر اللاحق بالبيئة واستنزاف الموارد الطبيعية أو الضرر الواقع على الحكومات الأجنبية أو رعاياها أو شركاتها نتيجة لغزوه واحتلاله غير المشروعين للكويت). ثم صدر قرار مجلس الأمن 686(1990) الذي اعتبر قبول العراق بدفع التعويضات واحداً من شروط وقف إطلاق النار، تلاه القرار 687(1991) الذي طلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم توصيات إلى مجلس الأمن بشأن إنشاء صندوق لدفع التعويضات وانشاء لجنة لإدارة الصندوق واقتراح المستوى المناسب لمساهمة العراق في الصندوق وقدم الأمين العام تقريره يوم2/5/1991 (الوثيقةs/22559) ووافق عليه مجلس الأمن بقراره 696(1991) وبذلك أسست لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة وأنشئ صندوق التعويضات،وفي مذكرة لاحقة مؤرخة30/5/1991 أوصى الأمين العام استقطاع ما لا يزيد عن 30% من صادرات العراق من النفط و المنتجات النفطية ،وأقر مجلس الأمن هذه النسبة بقراره 705 (1991) (انظر رسالة وزير خارجية جمهورية العراق إلى الأمين العام للأمم المتحدة المؤرخة 27/5/1991 المتضمنة موقف حكومة جمهورية العراق من تأسيس اللجنة - وثيقة مجلس الأمن s/22643). وبدأ عمل لجنة التعويضات وصندوق التعويضات ببعض الأموال العراقية المجمدة لدى الدول الأخرى التي تمثل عائدات النفط أو المنتجات النفطية التي بيعت أو الموجودة في تلك الدول في 6/8/1990 أو مابعدها وذلك بموجب قرار مجلس الأمن 778(1992) ، إلا ان العمل الفعلي لاستقطاع وتسديد التعويضات بدأ بعد تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء ،حيث نص قرار مجلس الأمن 986(1995) على تسديد 30% من عائدات النفط العراقي المصدر ضمن البرنامج إلى صندوق التعويضات . وتشير احصائيات لجنة التعويضات إلى أنه لغاية يوم 26/1/2004 بلغت قيمة المطالبات بالتعويضات المقدمة غلى اللجنة أكثر من 264 مليار دولار دفعت اللجنة منها لحد الآن أكثر من 18 مليار دولار من أموال العراق وجدير بالذكر أن نسبة الاستقطاع من صادرات العراق النفطية لصندوق التعويضات خفضت من 30%إلى 25% بموجب قرار مجلس الأمن 1330 في 5/12/2000 ، وبعد الاحتلال الامريكي للعراق خفضت النسبة إلى 5% بموجب قرار مجلس الأمن 1483 (2003) .
إن استعراضاً سريعاً لنظام التعويضات المفروض على العراق يوضح الآتي:
*انه ذو طبيعة عقابية ويفتقر إلى مبادئ العدالة و الانصاف ولم يأخذ بالاعتبار العقوبات الشاملة المفروضة على العراق واستقطع بشكل تعسفي 30% من موارد البرنامج الانساني (النفط مقابل الغذاء) التي كان يفترض أن تخصص جميعها لتلبية الحاجات الانسانية الأكثر إلحاحاً للشعب العراقي الذي كان على حافة المجاعة وانهيار البنى الأساسية الصحية و الخدمية بسبب الحصار .
*أنه استند إلى أسس سياسية بحتة ، حيث أن مجلس الأمن ، وهو مؤسسة سياسية تولى الوظيفة القضائية من بدايتها إلى نهايتها عبر آليات يسيطر عليها المجلس نفسه خلافاً للصيغ والممارسات الطبيعية لتسوية النزاعات الدولية وفق القانون الدولي والتي تخضع فيها ميكانيكية التعويضات للمفاوضات أو للهيئات التحكيمية أو القضائية .
*خرجت قرارات لجنة التعويضات عن مفهوم (الضرر أو الخسارة المباشرة) التي حددها قرار مجلس الأمن 674(1990) و القرارات اللاحقة ووافقت على مطالبات بتعويضات عن أمور لا يمكن إدراجها تحت هذه التسمية ، ومن ذلك العقود التي كان العراق طرفاً فيها ولم يخل بتنفيذها إلا انها أصبحت غير ممكنة التنفيذ بسبب فرض الحصار على العراق بل وحتى السفن التي كانت متجهة إلى العراق عند فرض الحصار وحولت وجهتها بسببه طالبت بتعويضات وحصلت عليها .
*حرمت لجنة التعويضات ممثلي العراق من حضورالمرافعات ،كما حرم العراق من الاطلاع على وثائق وملفات المطالبات ، ولم يسمح لممثل يالعراق حضور جلسات لجان المفوضين إلا في حالات نادرة واستثنائية ولفترة قصيرة وبصدد أسئلة محددة.
*وافقت اللجنة في حالات معينة على مبالغ للتعويض تفوق ما هو مذكور في المطالبة ، فمثلاً طالبت اللجنة الوطنية الكويتية الخاصة بأسرى الحرب و المفقودين بمبلغ 58 مليون دولار ومنحتها اللجنة 153 مليون دولار ، أي أكثر من ضعفي المبلغ المطالب به . كما فشلت سكرتارية اللجنة في حالات معينة في التحقق من المطالبات ، فقد لاحظت دول معينة ، مثل سريلانكا و الهند ويوغسلافيا و البوسنة ، أن اللجنة عوضت مطالبين مرتين عن نفس المطالبة في 575 حالة.
4- التوصيف القانوني لاستخدام القوة ضد العراق :
أولاً :حالات الاستخدام المشروع للقوة في العلاقات الدولية:
أقر ميثاق الأمم المتحدة حالات الاستخدام المشروع للقوة العسكرية في العلاقات الدولية بالآتي :
*قيام الدول فرادى أو جماعات بالقيام بالدفاع عن النفس (إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم و الأمن الدولي) ( المادة 51 من الميثاق) .وهذا التخويل محدد ويتوقف العمل به عندما يتخذ مجلس الأمن إجراءاته بشأن نزاع ما.
*قيام مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات وفق الفصل السابع من الميثاق ، وتحديداً وفق المادة 42 من الميثاق ، عن طريق القوات الجوية و البحرية و البرية عندما يقع تهديد للسلم أو إخلال به.
*قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالنظر في الحالات التي يظهر فيها تهديد للسلم أو إخلال به أو عمل من أعمال العدوان في حالة فشل مجلس الأمن في أداء وظيفته المحددة له في هذا الشأن .ويحق للجمعية العامة في هذه الحالة إصدار توصيات قد يكون من بينها استخدام القوة عند الاقتضاء استناداً إلى قرار الجمعية العامة 7/317 في 3/10/1950 المعنون (الاتحاد من أجل السلام).
وفيما عدا هذه الحالات فإن أي استخدام للقوة في العلاقات الدولية محرم ، والفقرة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة أكدت على:
(يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة) .
كما أن استخدام الدول للقوة العسكرية خارج هذه الآليات يمثل انتهاكاً للعديد من المبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ومنها المبادئ الواردة في المادة الثانية من الميثاق بشأن عدم التدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي للدول ومبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة و التذرع بالوسائل السلمية لحل النزاعات ، إضافة إلى أنه يمثل انتهاكاً لصكوك دولية عديدة أخرى من بينها إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية و التعاون بين الدول الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها 3314 في 14/12/1970 و الذي نص على ( ليس لأي دولة أو مجموعة دول أن تتدخل بصورة مباشرة ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لأي دولة أخرى ولا يجوز لأي دولة استخدام التدابير الاقتصادية أو الإرهابية أو المسلحة لقلب نظام الحكم في دولة أخرى بالعنف أو مساعدة هذه النشاطات أو التحريض عليها أو تشجيعها).
ثانياً : المبررات الامريكية لغزو العراق :
وإذا أردنا ، في ضوء هذه الحقائق أن نوصف العمل العسكري الأمريكي ضد العراق الذي بدأ في 20/3/2003 والذي أدى إلى احتلال العراق احتلالاً عسكرياً مباشراً ،فإن المطلوب أن نناقش المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة لاحتلال العراق .
مع بدأ العمليات العسكرية الأمريكية -البريطانية ضد العراق يوم 20/3/2003 وجه المندوبون الدائمون للولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا رسائل إلى رئيس مجلس الأمن تشرح أسباب لجوء دولهم لاستخدام القوة . رسالة المندوب الأمريكي بدأت بالقول (بدأت قوات التحالف عملياتها العسكرية في العراق ، وكانت هذه العمليات ضرورية بسبب استمرار انتهاك العراق لالتزاماته بنزع السلاح بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بضمن ذلك القرار 1441 ، وان العمليات العسكرية ستضمن الامتثال لهذه الالتزامات ). ثم أشارت الرسالة إلى أن هذه الأعمال العسكرية مصرح بها بموجب قرارات مجلس الأمن النافذة بضمنها القرارين 678و 687 ، كون القرار 687 فرض التزامات على العراق وخاصة التزامات نزع السلاح و اعتبرها شروطا ًلوقف إطلاق النار وان يخرقها بشكل مادي يزيل أساس وقف إطلاق النار ويعيد إحياء التخويل باستخدام القوة بموجب القرار 678 .
كما تشير الرسالة الامريكية إلى أن العراق مستمر في الخرق المادي لالتزاماته بنزع السلاح بموجب القرار 687 مثلما أكد ذلك القرار 1441 الذي منح العراق فرصة أخيرة للامتثال وقرر ان فشل العراق في تقديم إعلان شامل ومحدث وتام وفي التعاون التام في تنفيذ القرار سيمثل خرقاً مادياً آخر .وانتهت الرسالة بالقول ( إن الأفعال التي تقوم بها قوات التحالف هي الجواب المناسب وهي تمثل خطوات ضرورية للدفاع عن الولايات المتحدة و المجتمع الدولي من الخطر الذي يمثله العراق ولاستعادة السلم والأمن الدولي و الاقليمي ، وان أي تأخير في الرد كان سيسمح للعراق بالاستمرار في سلوكه غير المشروع و التهديدي ، وان حكومة العراق تتحمل المشؤولية الكاملة عن العواقب الوخيمة لتحديها قرارات مجلس الأمن)
أما رسالتا المندوبين الدائمين البريطاني و الاسترالي فلا تختلفان كثيراً عن مضمون رسالة المندوب الدائم الأمريكي وتركزان على أن فشل العراق في الامتثال لالتزاماته في نزع السلاح يمثل خرقاً مادياً لشروط وقف إطلاق النار في القرار 678 ، وان اللجوء إلى العمليات العسكرية كان ضروريا ً بعد ان أصبح واضحاً أن لا طريق آخر للحصول على امتثال العراق وان هدف هذه العمليات العسكرية هو ضمان امتثال العراق لالتزاماته في نزع السلاح وسيكون العمل العسكري محدوداً بالاجراءات الدنيا لضمان هذا الهدف .
ثالثاً : هل إن المبررات الأمريكية لغزو العراق قانونية:
بما ان الموقف الامريكي البريطاني الأسترالي (الانكلوسكسوني ) الرسمي المبلغ إلى الأمم المتحدة هو ما يعتد به عند مناقشة موضوع شرعية أو عدم شرعية استخدام الولايات المتحدة القوة العسكرية ضد العراق ، سنقوم باستعراض ماورد في الرسالة الأمريكية في ضوء ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ، وفي ضوء الحقائق التي تكشفت بعد سنة من الاحتلال الامريكي للعراق:
الادعاء بان العراق لم يمتثل للقرار 1441 الخاص بنزع الأسلحة:
هذا الادعاء لا أساس قانوني له فقد عهد مجلس الأمن إلى لجنة الأمم المتحدة للمراقبة و التفتيش و التحقق unmovic والوكالة الدولية للطاقة الذريةIAEA مسؤولية التحقق من تنفيذ العراق لالتزاماته في نزع السلاح ،وان لجنة الأمم المتحدة للمراقبة و التفتيش و التحقق ذكرت في تقريرهاالمقدم إلى مجلس الأمن يوم 7/3/2003 (الوثيقةS/2003/232 ) ،ان أعمال التفتيش التي قامت بها خلال ثلاثة أشهر و نصف لم تجد دلائل تناقض إعلانات العراق ولا دلائل على وجود أنشطة أو أسلحة محظورة في العراق . وذكر السيد هانز بليكس في إيجازه لمجلس الأمن يوم 7/3/2003 الآتي (استؤنفت عمليات التفتيش في 27 تشرين الثاني وبالنسبة للمسائل المتعلقة بالإجراءات وخاصة الدخول للمواقع عند الطلب ،لم نواجه صعاباً تذكر ) وأضاف( كان بإمكاننا في هذه المرحلة أن نضطلع بعمليات التفتيش في العراق بأكمله دون إخطار مسبق وأن نزيد من عمليات الاستطلاع الجوي )وأكد (لم يعثر حتى الآن على أدلة على وجود أنشطة محظورة) مضيفاً( قامت أفرق التفتيش بفحص هياكل لأبنية بحتمل وجود مرافق تحت الأرض فيها بالإضافة إلى ذلك استخدمت معدات رادارية تخترق طبقات الأرض في العديد من المنشآت ولم يتم حتى الآن العثور على أية منشآت تحت الأرض للإنتاج أو التخزين الكيميائي أو البايولوجي) . أما المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي فقد اكد في إيجازه لمجلس الأمن يوم 7/3/2003 على الآتي(بعد ثلاثة أشهر من عمليات التفتيش الإقتحامية لم نجد حتى الآن ما يدل أو يشير بشكل معقول إلى إحياء برنامج الأسلحة النووية في العراق ونعتزم مواصلة أنشطتنا التفتيشية ) . أنظر محضر جلسة مجلس الأمن ليوم 7/3/2003 الوثيقة S/pv.4714
ومن جانب آخر فإن فترة السنة التي مرت منذ الاحتلال الأمريكي للعراق أظهرت أن ادعاء امتلاك العراق لأسلحة أو برامج محظورة هو ادعاء غير صحيح بعد أن قام جيش من الخبراء الأمريكان عددهم 1400 خبير برئاسة ضابط المخابرات الأمريكي السيد ديفيد كي (والذي سبق وان عمل مفتشاً في اللجنة الخاصة -الانسكوم - وأثار مشاكل عديدة مع الجانب العراقي ) بمسح العراق من شماله إلى جنوبه بمساعدة 130ألف جندي من قوات الاحتلال الأمريكي ولم يجد أي دليل يدعم أي من الاتهامات الواردة في رسائل المندوبين الأمريكي و البريطاني و الأسترالي إلى مجلس الأمن ، والتي ذكرت تفاصيلها في كلمة وزير الخارجية الأمريكي أمام مجلس الأمن يوم 5/2/2003 وفي الملف الذي قدمه رئيس الوزراء البريطاني السيد توني بلير في أيلول 2002 إلى مجلس العموم البريطاني ونشر في وسائل الإعلام .
وجدير بالذكر هنا أنه حتى لو افترضنا أن العراق لم يمتثل لالتزاماته في نزع السلاح ، فالمفروض أن تقدم الدول دلائلها عن حالات عدم الامتثال هذه إلى لجنة الأمم المتحدة للرقابة و التفتيش و التحقق وإلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق منها ، فإن تأكد ذلك واستنفذت هاتان المنظمتان جهودهما لضمان امتثال العراق لالتزاماته ، عند ذلك تطلبان من مجلس الأمن النظر في الحالة و ضمان امتثال العراق الكامل لجميع قرارات مجلس الأمن بموجب الفقرة 12 من قرار مجلس الأمن 1441(2002). والولايات المتحدة وبريطانيا سبق لهما أن أقرتا هذا المبدأ وقدمتا إلى لجنة الأمم المتحدة للرقابة و التفتيش و التحقق وإلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعض دلائلهما وتحققت المنظمتان منها و أبلغتا مجلس الأمن يوم 7/3/2003 بأن تلك الدلائل غير صحيحة ، ومن ذلك الوثيقة المزورة حول شراء العراق اليورانيوم من النايجر والإدعاء بأن العراق يستخدم قضبان الألومنيوم لتخصيب اليورانيوم وأن لدى العراق مصانع أسلحة بايولوجية متنقلة .
الادعاء بأن التخويل باستخدام القوة الوارد في قرار مجلس الأمن 678(1990) لازال نافذاً:
إن هذا الادعاء هو الآخر ، لاأساس قانوني له ، فالتخويل الوارد في الفقرة العاملة الثانية من القرار 678 ينص على (للدول الأعضاء المتعاونة مع الكويت بأن تستخدم جميع الوسائل اللازمة لدعم و تنفيذ القرار 660(1990) وجميع القرارات اللاحقة ذات الصلة ، إذا لم ينسحب العراق من الكويت في 15/1/1991، أو قبله) ، واستخدمت الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها القوة العسكرية ضد العراق تنفيذاً لذلك القرار وخرجت القوات العراقية من الكويت وأعيدت حكومتها الشرعية ، ثم صدر قرار مجلس الأمن 687في 3/4/1991، الذي رحب برجوع السيادة والاستقلال و السلامة الإقليمية للكويت وبعودة حكومتها الشرعية وأعلن في فقرته 33 أنه بعد تقديم العراق إخطاراً رسمياً بقبوله الأحكام الواردة في ذلك القرار يسري وقف رسمي لإطلاق النار بين العراق و الكويت . كما قرر القرار 687في فقرته 34 انه يبقي المسألة قيد النظر.
ووجه وزير خارجية العراق في 6/4/1991 رسالة إلى رئيس مجلس الأمن اعلمه فيها بموافقة العراق على القرار 687 وبذلك ثبت وقف إطلاق نار رسمياً.
ومما تقدم يظهر ان التخويل باستخدام القوة الوارد في القرار 678 (1990) انتهى مفعوله وان مجلس الأمن قرر تثبيت وقف إطلاق النار وانه هو الذي يقرر مجدداً أية خطوات لاحقة . وهذا ما أكدته قرارات مجلس الأمن اللاحقة ذات الصلة ببند(الحالة بين العراق و الكويت) ، وآخرها القرار1441المؤرخ8/11/2002 ، الذي أوعزت الفقرة 11 منه إلى الرئيس التنفيذي للجنة المراقبة والتفتيش و التحقق وإلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن يبلغا مجلس الأمن فوراً بأي تدخل من جانب العراق في أنشطة التفتيش وبأي تقاعس من العراق عن الامتثال لالتزاماته المتعلقة بنزع السلاح. وقررت الفقرة 12 من القرار أن يعقد مجلس الأمن اجتماعاً فور تلقيه أي تقرير يقدم وفقاً للفقرتين 4و11 منه، من أجل ضمان امتثال العراق لقرارات مجلس الأمن . وقد أكد المندوبان الأمريكي و البريطاني لدى الأمم المتحدة خلال جلسة مجلس الأمن الرسمية لاعتماد القرار 1441يوم 8/11/2003 التزامهما بالعودة إلى مجلس الأمن إذا لم يمتثل العراق لالتزاماته ونفيا بشكل قاطع اللجوء التلقائي للقوة ضد العراق ، حيث ذكر المندوب الأمريكي السفير نيغروبونتي الآتي : ( ولا يتضمن هذا القرار ، وكما قلنا لأعضاء مجلس الأمن في مناسبات عديدة ، أية زنادات خفية أو أي تصرف تلقائي فيما يتعلق باستخدام القوة وفي حال إبلاغ اللجنة أو الوكالة أو إحدى الدول الأعضاء المجلس بحدوث انتهاك عراقي آخر سيعود الأمر إلى المجلس لاجراء مشاورات على النحو الذي تقتضيه الفقرة 12 من القرار ). أما المندوب الدائم البريطاني السفير السير جيريمي غرينستوك ( الذي يشغل حالياً منصب نائب الحاكم المدني للعراق) فقد ذكر الآتي : ( إن هذا القرار لا يتضمن أي تصرف تلقائي ، وإذا حدث انتهاك آخر من جانب العراق لالتزاماته المتعلقة بنزع السلاح فسترد المسألة إلى مجلس الأمن لمناقشتها وفق ما نصت عليه الفقرة 12 وسنتوقع من المجلس عندئذ أن يفي بمسؤولياته) . أنظر محضرجلسة مجلس الأمن المنشورة في الوثيقة S/PV.4644
وفور اعتماد القرار 441(2002) أصدرت حكومات روسيا و الصين وفرنسا بياناً مشتركاً يوم 8/11/2003 ذكرت فيه الآتي : ( إن القرار 1441 الذي اعتمده مجلس الأمن يستثني أي استخدام تلقائي للقوة وبهذا الخصوص فإننا نسجل بارتياح الولايات المتحدة وبريطانيا اللذين أكدا هذا الفهم في تعليلهما التصويت في مجلس الأمن وتأكيدهما بأن هدف هذا القرار هو تطبيق قرارات مجلس الأمن النافذة وفي حالة فشل العراق في الامتثال لالتزاماته فإن الاجراءات الواردة في الفقرات 4و11و12 من القرار سوف تطبق وسوف يقوم المدير التنفيذي للانموفيك أو المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً عن ذلك إلى مجلس الأمن وعندها سيتخذ المجلس الموقف على أساس ذلك التقرير ، وهكذا فإن القرار يحترم بشكل تام اختصاصات مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين طبقاً لميثاق الأمم المتحدة).
إن الوقائع أعلاه تؤكد ان المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة وبريطانيا لغزو العراق واحتلاله لا اساس قانوني لها في ميثاق الأمم المتحدة و القانون الدولي ولذا فإن هذا الغزو و الاحتلال هو انتهاك فاضح لميثاق الأمم المتحدة وتهديد خطير للسلم و الأمن الدولين وكان من المفروض أن يطبق مجلس الأمن عليه نفس المعايير التي طبقها إزاء احتلال العراق للكويت.
كيف ومتى يقاضي العراق الولايات المتحدة عن غزوها واحتلالها له:
ان الوقائع أعلاه تؤكد أن للعراق مسوغات قانونية كافية لمطالبة الولايات المتحدة بالتعويضات عن الأضرار التي سببها غزوها واحتلالها غير المشروع له ، والسؤال هو كيف ومتى؟
وإذا بدأنا بالحديث عن التوقيت ، فإن من الواضح أن ذلك لن يتم قبل زوال الاحتلال وقيام حكومة عراقية وطنية مستقلة كاملة السيادة ، ولكن هذا لا يمنع من ان تقوم الأحزاب و المنظمات العراقية غير الحكومية ومراكز البحوث والجامعات و النقابات ويقية مؤسسات المجتمع المدني ، ومن الآن بتسليط الأضواء باستمرار على الموضوع وتوثيق كل ما يتعلق بالغزو والاحتلال من ممارسات ومن ذلك انتهاكات قوات الاحتلال لاتفاقيات جنيف لعام 1949 . ومطلوب أيضاً التعاون مع المنظمات العربية والإقليمية و الدولية ذات العلاقة لبلورة رأي عام دولي يقر بلاشرعية الغزو و الاحتلال ويدين الجرائم و الانتهاكات التي تقوم بها قوات الاحتلال ويطالب الدول و المنظمات الدولية المعنية تحمل مسؤوليتها لإنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق ومطالبة الولايات المتحدة بتعويض العراق عما سببته له من أضرار وفق القانون الدولي باعتبار أن التعويضات هي أحد الجوانب الأساسية في عملية التسوية المستندة على القانون الدولي ومبادئ العدالة الطبيعية لانهاء النزاع.
أما بشأن المحفل المناسب الذي يستطيع فيع العراق مقاضاة الولايات المتحدة ، فهناك أسلوب الاتفاق الرضائي بين الجانبين العراقي و الأمريكي ، وهناك مجلس الأمن ، وهناك محكمة العدل الدولية .
وواضح ان الاتفاق الرضائي بين الطرفين غير متوقع ، لأن الولايات المتحدة تصر على أن غزوها للعراق مشروع. كما أن الذهاب إلى مجلس الأمن لمقاضاة الولايات المتحدة غير مضمون النتائج أيضاً لانها تمتلك حق النقض veto فيه ولانها أصبحت منذ انهيار المعسكر الاشتراكي القوة المهيمنة الوحيدة في الأمم المتحدة ، حتى وصل الأمر بمساعد وزير الخارجية الأمريكي السيد جيمي روبن أن يصرح خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي في آب 1996 بقوله (تعمل الأمم المتحدة ما تسمح لها الولايات المتحدة أن تعمله فقط) ، هذا إضافة إلى أن مجلس الأمن امتنع عن تحمل مسؤولياته إزاء الغزو و الاحتلال الأمريكي للعراق بسبب الهيمنة الأمريكية عليه، وقرارات المجلس التي صدرت منذ الغزو تعاملت معه كأمر واقع (أنظر قرارات مجلس الأمن 1472 في 28/3/2003 و 1483 في22/5/2003و 1500في 14/8/2003 و1511في 16/10/2003 و1518 في 24/11/2003 ).
وهكذا تبقى المسألة مقاضاة الولايات المتحدة أمام المحكمة العدل الدولية هي الخيار المتاح، كونها الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة وتتمتع بمقتضى نظامها الأساسي بولاية النظر في النزاعات ذات الطابع القانوني التي يمكن أن تنشأ بين دولتين أوأكثر ، وتشمل صلاحية المحكمة التحقق من واقعة من الوقائع التي إذا ثبتت كانت خرقاً لالتزام دولي وتحديد نوع التعويض المترتب على الدولة نتيجة هذا الخرق ومدى هذا التعويض (المادة 30من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية).
والاحتمالات المتاحة لمقاضاة الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية ثلاث: الأول أن يوافق العراق و الولايات المتحدة على عرض النزاع على المحكمة و القبول بولايتها الجبرية في الفصل بالنزاع ، وهذا الاحتمال غير وارد لأن الولايات المتحدة لن تقبل به. والاحتمال الثاني أن يطلب العراق من المحكمة ،من خلال قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة ، أن تصدر فتوى قانونية حول شرعية الغزو والاحتلال الأامريكي للعراق . وهذا الاحتمال صعب أيضاً لانه يستوجب موافقة أغلبية أعضاء الامم المتحدة الحاضرين المشتركين في التصويت على القرار ، ووفق المعطيات الراهنة فإن دولاً كثيرة ستتجنب المشاركة في التصويت على مثل هذا القرار الذي يؤذي في الصميم مكانة و مصالح الولايات المتحدة ، أخذاً بالعلم أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لا طابع ملزم له وقد تدعي الولايات المتحدة أن الموضوع ليس من اختصاص المحكمة مثلما فعلت هي واسرائيل مع موضوع جدار الفصل العنصري الاسرائيلي . أما الاحتمال الثالث فهو مقاضاة الولايات المتحدة أمام محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية (منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري ) لعام 1948 كون العار قوالولايات المتحدة طرفان في الاتفاقية ، و المادة التاسعة منها تنص على ( كل نزاع بين الأطراف المتعاقدة في شأن تفسير و تطبيق أو نتفيذ هذه الاتفاقية بما في ذلك المنازعات الخاصة بمسؤؤلية الدولة عن أعمال إبادة الجنس البشري أو اي من الأفعال المنصوص عليها في المادة الثالثة يحال أمره إلى محكمة العدل الدولية وذلك بناء على طلب الدولة ذات الشأن)، أي أن الاتفاقية نصت بوضوح على عدم اشتراط موافقة طرفي النزاع على عرضه أمام المحكمة و الأكتفاء بطلب يقدم من الدولة التي تعتقد ان دولة أخرى طرفاً في الاتفاقية انتهكت التزاماتها بموجبها. إن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية بموجب اتفاقية عام 1948 تسوغه حقيقة ان العديد من الأفعال التي اعتبرتها المادة الثالثة من الاتفاقية جرائم إبادة الجنس البشري ارتكبت خلال الغزو و الاحتلال الأمريكي للعراق ، وهي الأعمال التي يقصد منها التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه أو الاعتداء الجسيم على أعضاء الجماعة جسمانياً أو نفسياً أو اخضاع الجماعة عمداً إلى ظروف معيشية من شأنها القضاء عليها كلاً او بعضاً .وجدير بالذكر هنا أن الولايات المتحدة سبق لها ان اتهمت النظام السابق في العراق بجرائم إبادة الجنس البشري نتيجة للأعمال الت يقامت بها الحكومة العراقية في مدينة الدجيل قرب بغداد عام 1982 والتي نتج عنها حسب الادعاء الاسرائيلي مقتل150مدنياً عراقياً.
إن إقامة الدعوى أمام محكمة العدل الدولية بالاستناد غلى اتفاقية منع و معاقبة جريمة إبادة الجنس البشري لعام 1948 يهدف ، فضلاً عن إعلان مسؤولية الولايات المتحدة وإدانتها على افعال تعاقب عليها الاتفاقية ، إلى إلزامها بالتعويض عن مجمل الأفعال الناتجة عن غزوها واحتلالها للعراق.
كما أن مثل هذه الدعوى يمكن أن تشمل أعمالاً أخرى قامت بها الولايات المتحدة قبل احتلالها للعراق كون مثل هذه الأفعال لا تسقط بالتقادم، ومن ذلك:
*الاضرار و الخسائر البشرية و المادية و النفسية التي عانى منها العراق بسبب الحصار الشامل الذي استمر ثلاثة عشر عاماً ، خاصة بعدما تكشف للجميع أن الولايات المتحدة هي التي دفعت مجلس الأمن لفرض الحصار في مخالفة صريحة لبنود كثيرة من ميثاق الأمم المتحدة وأن الولايات المتحدة هي التي اصرت على استمراره لثلاثة عشر عاماً بذريعة خرق العراق لالتزاماته بشأن أسلحة الدمار الشامل وتكشف للعالم أجمع أن هذه الذريعة كانت ملفقة وان الحصار أودى بحياة مليون و سبعمائة ألف من المدنيين العراقيين وتلك جريمة إبادة الجنس البشري برأي كثير من الخبراء القانونيين.
*استخدام الولايات المتحدة لذخائر اليورانيوم المنضب بكثافة خلال حرب عام 1991 ضد العراق (أكثر من 800 طن حسب بعض التقديرات ) أدى إلى كارثة بيئية و صحية ستستمر آثارها لأجيال قادمة ، ومن مظاهرها تلوث بيئة العراق بالمواد المشعة وارتفاع كبير في الاصابات بالأمراض السرطانية وخاصة في مدن جنوب العراق .
*التدمير الذي حدث نتيجة فرض منطقتي حظر الطيران غير المشروعتين شمالي و جنوبي العراق ، حيث أدت العمليات العسكرية الجوية المرافقة لفرض هاتين المنطقتين إلى سقوط آلاف المدنيين العراقيين قتلى و جرحى لإضافة إلى تدمير الكثير من البنى الارتكازية الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية ، وأغلب هذه الأعمال موثق برسائل من وزير خارجية جمهورية العراق إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
*التدمير الناجم عن القصف الصاروخي و الجوي الأامريكي للعراق خلال حملات مركزة جرت في الأعوام 1993(مرتان) وعام 1996وعام 1998وعام 2001.
الخلاصة:
الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق هو استخدام غير مشروع للقوة ضد دولة مستقلة ، وهو بهذا الوصف يمثل عدواناً ، وللعراق كامل الحق في مقاضاة الولايات المتحدة ومطالبتها بالتعويضات عن الخسائر البشرية و المادية كافة التي سببها العدوان ، ورغم أن احتمالات قبول الولايات المتحدة بالتقاضي تكاد تكون معدومة في ظل الهيمنة الأامريكية الحالية على المؤسسات الدولية ، إلا أن هذا لا يمنع من إثارة موضوع التعويضات في جميع المحافل القانونية و السياسية باعتباره أحد الوسائل ذات المصداقية و القبول لإعادة الاحترام للقانون الدولي وردع المعتدي . لقد مثل الغزو و الاحتلال الأمريكي للعراق حالة فريدة في العلاقات الدولية المعاصرة استخدمت فيها الامكانات المادية و الاعلامية الهائلة للولايات المتحدة و بريطانيا وبعض الدول السائرة في فلكهما من أجل تشويه الحقائق ، واستخدمت الضغوط السياسية و العسكرية لاسكات أي معارضة للغزو قد تصدر من الدول أو المنظمات الدولية المعنية وبالذات الأمم المتحدة ، ولإجبار الدول و المنظمات الدولية على القبول بقانون القوة و ازدواجية المعايير رغم أن العراق ، الدولة التي تعرضت للاحتلال ، هي ذاتها التي سبق وأن جوبهت بموقف دولي رافض لاحتلالها الكويت وفرضت عليها عقوبات هي الأقسى في تاريخ العلاقات الدولية . ان المتضرر من الغزو و الاحتلال الأمريكي للعراق ليس شعب العراق فحسب بل المجتمع الدولي بأسره و العلاقات الدولية المبنية على القانون الدولي . صحيح أن سياسات القوة لا يمكن أن تنتصر في النهاية على قوة القانون ، وان الحقيقة قوية بذاتها ، او كما يقول المثل ( الحقيقة كالزيت تطفو دائماً) ولكن الحقيقة بحاجة إلى رجال و نساء يدافعون عنها ، ولذا فان كل محب للسلم و العدالة وسيادة القانون في العالم مطالب بأن يرفع صوته للدفاع عن الحقيقة وتحميل المعتدي التبعات القانونية كافة لعدوانه ، وشعب العراق على وجه الخصوص مطالب بأن يدافع عن حقوقه التي سلبها الغزو و الاحتلال ، وتاريخ العراق يقول ان العراقيين كانوا دائماً عند مستوى التحدي.