الحكم والسياسة في تونس مشغولان بقصة تجدد في اذهاننا صورة الديموقراطية المزورة في العالم العربي، التي تحرص على الاجراءات والاشكال والديكورات في حين لا تبقي على شيء من القيم الديموقراطية ووظائفها.
خلاصة القصة أن تونس تستعد لانتخابات رئاسية في شهر نوفمبر من العام القادم. ولأن هذه الانتخابات يراد لها ان تكون تجديدا لبيعة الرئيس الحالي زين العابدين بن علي، الذي يحكم البلاد منذ عام 1987، فالمطلوب أن يتنافس على المنصب مع آخرين. بشرط واحد أن يكون هو الفائز في نهاية المطاف.
ولأن هذا الفيلم يتكرر منذ واحد وعشرين عاما، فإن الإخراج هذه المرة اختلف قليلا، حيث سمح لزعماء الأحزاب وحدهم بالترشح للانتخابات، ورغم أنهم مواطنون شأنهم شأن غيرهم ممن ينبغي ان تتاح لهم فرصة التنافس على المنصب، إلا أن تعديلا دستوريا نص على ان يكون الترشح مقصورا على رؤساء الاحزاب، ولأن هذه النصوص يجري تفعيلها على أيدي «الترزية» الذين أصبحوا يحتلون موقعا متميزا في عالم السياسة والقانون، ولابد أنك سمعت برواج بضاعتهم في مصر وغيرها، فقد أريد بهذا النص استبعاد أحد أبرز المعارضين للرئيس بن علي، هو السيد احمد نجيب الشابي الرئيس السابق للحزب الديموقراطي التقدمي المعارض.
مع ذلك، فقد رشح الشابي نفسه منافسا للرئيس، وبدأ في تنظيم حملته الانتخابية رغم أنف السلطات التي فرضت حصارا عليه واتخذت تدابير عدة لتأديبه لأنه تجرأ وحاول أن يخرج عن النص المكتوب للفيلم الانتخابي. اقام الشابي موقعا لحملته الانتخابية على شبكة الانترنت، وعلى احدى صفحات الموقع نشر صورا للشخصيات التي تزكيه وتسانده، كان من بينها صورة له والى جواره نقيب الصحافيين الحالي ناجي البغوري، الأمر الذي أربك السلطات التونسية وأثار حفيظتها.. لماذا؟ لأن الحكومة وهي تحكم قبضتها على المجتمع، فإنها حرصت على أن تكون قيادات المجتمع المدني من رجالها الموثوق بهم. وهو تقليد متبع في أنظمة الديموقراطية العرجاء، التي ترحب بمؤسسات المجتمع المدني في العلن، لكنها تلحقها بالحكومة في السر.
المشكلة التي فجّرتها الصورة يختزلها السؤال التالي: كيف يكون البغوري نقيبا للصحافيين ويظهر في صورة تعطي انطباعا بأنه مؤيد لرجل يعارض الرئيس زين العابدين ويحاول منافسته في الانتخابات؟ ذلك أن النظام يعتبر قيادات المجتمع المدني من رجاله الموثوق بهم، وما أقدم عليه نقيب الصحافيين يخل بهذه القصة ويجرح ولاءه للرئيس.
كان حل الإشكال بسيطا، أن يُضغط على ناجي البغوري لكي يصدر بيانا يتبرأ فيه من الصورة، ويعلن على الملأ أنه لم يرتكب جرم تأييد منافس للرئيس وهو ما حدث. ذلك أن الرجل ما لبث أن أصدر بيانا جرى تعميمه وإبرازه في مختلف وسائل الإعلام قال فيه: فوجئت بحشر صورتي مع السيد أحمد نجيب الشابي في موقع حملته الانتخابية على شبكة الإنترنت ضمن مجموعة من الشخصيات تحت عنوان: «صور مريدي احمد نجيب الشابي»، وتم ذلك دون علم مني، وشدد البغوري في بيانه على أن النقابة تؤكد على عدم وقوفها إلى جانب أي مرشح للانتخابات الرئاسية، استنادا الى استقلاليتها عن كل الاطراف. وبعد اعلان البيان ذكر موقع الشابي أن البغوري تعرض لضغوط من جانب السلطات لكي يعلن عدم مساندته لترشح الشابي، مضيفا «إننا نفهم الضغوطات التي تعرض لها ونقدر موقفه».
انتهى المشهد عند هذا الحد، لكن عرض الفيلم الديموقراطي لايزال مستمرا، حيث يتقدم الرئيس زين العابدين بن علي قائمة المرشحين، معلنا على الملأ أنه يرحب بالمنافسة، وأنه مصرّ على نزاهة وشفافية الانتخابات، والاحتكام الى صناديق الانتخابات، في الوقت ذاته تقف العناصر الوطنية والديموقراطية حائرة ومترددة، لأنها تعرف جيدا أن النتيجة معلومة سلفا، وأن منافسة الرئيس باهظة التكلفة، وان الثمن فيها يدفع بلا مردود.
إن الفيلم معروض في أغلب العواصم العربية، وحتى الآن فإنه حقق نجاحا كبيرا، رغم أنه حافل بالمشاهد الفاضحة