بتكليف من
اللجنة العربية لحقوق الإنسان
المعهد العربي للتنمية والمواطنة
المرصد الفرنسي لحقوق الإنسان
المعتقلون السياسيون الستة وقضية بلعيرج
مراقبة قضائية أمام المحكمة الابتدائية في سلا (المغرب)
تقرير عن الجلسة الأولى للمحكمة 16/10/2008
الدكتور هيثم مناع
تقديم
منذ فبراير/شباط 2008، وملف ما يعرف بالمغرب بقضية بلعيرج يشغل عددا من المنظمات الحقوقية. إننا أمام عدة قضايا في قضية وعدة ملفات تم خلطها بشكل غير منطقي في ملف قضائي واحد. تحدث بذلك أكثر من وزير سياسي مغربي، ضمن فترة إفشاء سر البحث التمهيدي، الأمر الذي يشكل عقوبة قضائية. وتحدث أكثر من مسئول عن أدلة ومعلومات ثابتة، قبل انتهاء التحقيقات الأولية. ذلك في تعارض مع صلاحيات القضاء المختص من جهة. ومن جهة ثانية، جرى رفض كل طلبات إطلاق السراح المؤقت وحضور شهود، ولم تقبل طلبات محامين بلجيكيين بالحضور للدفاع عن موكليهم، ولم يطلع المتهمون على كامل الملف، وبقيت بالنسبة للمحامين نقاط رمادية ضمنه حتى يوم انعقاد الجلسة.
للأسف، قام عدد من الصحفيين بالترويج لمؤامرة كبيرة على المملكة المغربية. وساهم عزل المسئول الرئيسي في القضية عبد القادر بلعيرج في زيادة الشائعات والقيل والقال. فاتهم البعض إيران بمحاولة زعزعة الأوضاع في المغرب. وبعضهم تحدث عن دور لحزب الله. بل ولم يمتنع البعض عن ذكر دور لمنظمة القاعدة. لقد سمح بعض الإعلاميين لانفسهم بكل الفنطازيات الممكنة: بحيث اكتشف خيطا سريا يمتد من جماعة "أبو نضال"، إلى الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، ثم حركة التشيع عبر قناة المنار. أخيرا وليس آخرا، لم تنشر الصحف التي روجت لكل ذلك لمن طالب بحق الرد الدفاع عن نفسه. بل وتم استغلال الفراغات القانونية في الصحف الصادرة على الشبكة العنكبوتية للترويج لاتهامات كبيرة للسياسيين المعتقلين في هذه القضية.
كانت عدة منظمات حقوقية عربية، عقدت اجتماعا في كييف في شهر أبريل/نيسان 2008، اعتبرت فيه اعتقالات ومحاكمة السياسيين في هذا الملف أمرا خطيرا. فهو يهدد الحريات السياسية في البلاد، ويقحم مسؤولين من الأحزاب السياسية المرخص لها في تهم بالإرهاب. فكلفت أكثر من مناضل حقوقي بمتابعة الملف. وقد اتفقت اللجنة العربية لحقوق الإنسان والمعهد العربي للتنمية والمواطنة والمرصد الفرنسي لحقوق الإنسان على تكليفي، بالتنسيق مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان وقسم مناهضة الإرهاب والتجاوزات المتعلقة به وإعلامهم بحيثيات الملف، وبحضور المراقبة القضائية الدولية في الجلسة الأولى من المحاكمة.
قمت مع زميلين من اللجنة العربية لحقوق الإنسان بدراسة ميدانية حول ما صار يعرف بالمعتقلين السياسيين الستة، وهم السادة : الأستاذ محمد المرواني أمين عام حزب الأمة، الأستاذ مصطفى المعتصم أمين عام حزب البديل الحضاري، الأستاذ محمد الأمين الركالة الناطق الرسمي لحزب البديل الحضاري، الأستاذ حميد النجيبني عضو قيادي بالحزب الإشتراكي الموحد، الأستاذ العبادلة ماء العينين القيادي في حزب العدالة والتنمية والصحفي عبد الحفيظ السريتي مراسل قناة المنار. لذا تم الاتصال بالمحامين المكلفين بالملف، والاجتماع بقيادات حزبية مغربية مختلفة التوجهات وأهالي المعتقلين وتنسيقية الدفاع عنهم ومحيطهم المهني.
كانت الشهادات من حولنا، بما فيها أقوال مسئولين حكوميين، تتلخص بالحديث عن أشخاص يتمتعون بسمعة عالية وأخلاق حميدة ونشاط مدني وسياسي وثقافي متميز. أما من الناحية القانونية، فيمكن تصنيف المرسوم الصادر عن السيد الوزير الأول بحل حزب "البديل الحضاري"، وفقا للمادة 57 من قانون الأحزاب المغربية، قبل متابعة المعتقلين من طرف النيابة العامة (مدينا للشخص والمؤسسة الحزبية في قضية خطيرة، هي الحرص على القيام بمظاهرات مسلحة). هذا الإجراء يمكن تصنيفه ضمن حملة تسييس المحكمة وإضفاء الطابع السياسي الذي غطى على القضائي، بل وحاول توجيه مساره.
المنظمات الحقوقية
في النقاش الذي سبق الجلسة مع حقوقيين من اللجنة الوطنية للتضامن مع المعتقلين الستة، استعرض هؤلاء تضامن منظمات حقوق الإنسان الأساسية في المغرب (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المنظمة المغربية، العصبة المغربية، المركز المغربي ومنتدى الكرامة)، وشخصيات يسارية وإسلامية ومستقلة مشهود لها بالنزاهة والحرص على حقوق المواطنة والحريات الأساسية في المغرب. كذلك اتخاذ المنظمات الدولية التي تنتسب لها المنظمات المغربية موقفا مشابها. وقد نظمت يوم انعقاد الجلسة وقفة احتجاجية أمام قاعة المحكمة الابتدائية في سلا، شارك فيها أكثر من خمسين مواطنا ومواطنة. نددت الوقفة بمحاكمة السياسيين وإبقاء المتهمين في الاعتقال الإداري ورفض كل طلبات إطلاق السراح أثناء المحاكمة. يجدير بالذكر، أن السلطات المغربية قد سمحت لكل نشاطات التضامن مع المعتقلين داخل المغرب، كما ولم تمنع أي حقوقي أو فرد من عائلات المعتقلين من السفر لحضور ندوات التضامن خارج المغرب. كذلك نشرت الصحف المغربية المستقلة مختلف وجهات النظر في هذا الملف الخطير. بالمقابل، لم تعط وزارة العدل موافقتها على طلب توكيل محامين من بلجيكا، سواء عن المتهم الرئيسي أو ضده. فحضرت محامية بلجيكية كمستمعة.
التقيت القاضي بنشقرون عبد العزيز وهيئة المحكمة قبل الجلسة، كذلك النيابة العامة، برفقة النقيب الأستاذ عبد الرحيم الجامعي، والأستاذ خالد السفياني، والنقيب الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو، وقد رحبوا بحضور مراقب دولي. وقد اطلعت على جوانب هامة في الملف، تتعلق بسلامة النفس والجسد بشأن عدد من المعتقلين، كذلك بظروف الاعتقال. ومن الواضح أن المعتقلين السياسيين الستة قد عوملوا في السجن بعد حملة التضامن المغربية والعربية والدولية معاملة جيدة، نسبة لما يعامل به المتهمون في ملفات التهم بالإرهاب. ولم يشمل ذلك كل المعتقلين الستة والثلاثين.
الجلسة الأولى
في بداية الجلسة وبعد استعراض أسماء المتهمين وحضورهم، أعلن محامي عبد القادر بلعيرج، النقيب محمد زيان، بأن موكله قد رفض الحضور للجلسة، فاقتيد بالقوة وبالرغم عنه، وأن من حقه أن يشرح للمحكمة السبب الذي جعله يرفض المثول أمامها. استجاب الرئيس للطلب، وقام المتهم بتوضيح ظروف اعتقاله في عزلة من العالم. لم يسمح له خلالها، كما أوضح، بالاجتماع أو بالاتصال بأحد من أفراد عائلته، وذلك طيلة تسعة أشهر. كذلك لم يتمكن من مقابلة محاميه في ظروف طبيعية. وطلب فك عزلته واحترام الشروط الدنيا لحقوق السجين. بعد ذلك استكتب عدد كبير من المحامين من أجل التدخل. وكان من أول المتدخلين النقيب عبد الرحمن بن عمرو والنقيب عبدالله الجامعي والنقيب محمد أقديم وعدد من المحامين، ركزوا جميعا على موضوعة إطلاق السراح المؤقت وشروطه في المسطرة الجنائية المغربية. وقد أوضح المحامون أن موكليهم، وبشكل خاص ذوي المواقع السياسية والإعلامية المعروفة، تتوفر فيهم كل صفات إطلاق السراح الشرطي وهي:
- المتهم عديم السوابق،
- مستعد للمثول قضائيا في أي وقت،
- مستعد لدفع كفالة مادية أو معنوية،
- معيل لأسرة وأطفال قّصر،
- انهى مرحلة الاعتقال والاستجواب،
- من حقه قرينة البراءة الدستورية والقانونية،
- لا يتسبب الإفراج عنه في عرقلة الإجراءات المسطرية،
- لا يشكل الإفراج المؤقت أي خطر على الأمن العام، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات عامة.
وجهت انتقادات لظروف التوقيف والاعتقال وأخذ التصريحات تحت الإكراه، كما هو حال أكثر من معتقل تعرض للقمع والقهر والمعاملة غير الإنسانية أو اللائقة. خاصة وأن اعتقال البعض كان لتقاطع طارئ مع المتهم الرئيسي (مثل الذي جلب دواء للسيد بلعيرج فدعاه للغداء ولم يره بعدها). كذلك جرى التعرض لحالة صلاح بلعيرج، شقيق عبد القادر، وإصابته بالسرطان ومصادرة كل أمواله. وحالة الأب الذي صودرت أملاكه بجريرة ابنه.. كما وأن الاحتفاظ بالمعتقلين نجم عنه نتائج سلبية على المجتمع، بما في ذلك بطالة عدد كبير ممن يعمل في مشاريع اقتصادية.
أكد أحد المحامين على خطورة الانتقال من الانتكاسة التشريعية التي أدت لانتكاسة أمنية، وأن يعيش المغرب انتكاسة قضائية. ففي قراءة لظروف الاعتقال والتحقيق والمحاكمة، نستنتج أن المواطن المغربي هو من يحتاج إلى ضمانات، وليس الدولة أو وكيل الحق العام. وكون المغرب لا يعوض على السراح المؤقت، فنحن نشهد مسبقا حالة ظلم يجتمع فيها: غياب خطورة الشخص، وهلامية خطورة الفعل. أي بالضرورة تعرضه للحرمان من حق الحرية، وحق العمل، وحق التعويض بنفس الوقت، دون أن تشكل حريته خطرا على أحد. وفي حين أصر المحامون على إطلاق السراح المؤقت لموكليهم، طالب محامي عبد القادر بلعريج بإطلاق السراح داخل السجن، أي منحه الحقوق الدنيا للسجناء. كذلك تم التركيز من أكثر من محام على رفع الحجز المالي، خاصة فيما يتعلق بأقرباء المتهمين.
من المؤسف أن النقاش المعمق في مفهوم الطابع الشخصي والفردي للاعتقال الإداري، والاحتفاظ بالمتهمين في السجن، وعلاقته بخصوصية خطورة الشخص، وغياب خطورة الفعل، كان يتطلب من وكيل الحق العام ردا قانونيا وجيها عن أسباب الاحتفاظ بكل معتقل. إلا أن رده كان خارج المنطق القانوني، وضمن منطق التعليمات المسبقة. كذلك رفض طلب رفع العقوبات المالية عن أقارب معتقلين، وترك مسألة وضع السجناء للمؤسسة العقابية.
هذا الرد المختزل استدعى ردا عنيفا من المحامي خالد السفياني الذي قال للمحكمة بأن عيون العالم، وليس الكاميرات الأمنية فقط، تتابع هذه المحاكمة. وأن التعامل مع الدفاع والمتهمين بهذه الطريقة هو توريط للبلد في سمعة رديئة، إذا لم يتم التصرف بشكل جماعي ومسئول. واعتبر رد الإدعاء قائم على الاستخفاف بالعقول والمعطيات القانونية. ثم طالب بعرض أسباب الاحتفاظ بكل معتقل، كونه يوجد مبادئ قانونية، ولا يمكن إلباس ثلاثين شخصا نفس العباءة مهما كان قياس كل منهم. كذلك لا يمكن الرفض دون تعليل الأسباب. وأضاف: "أحسست في الرد غياب الشعور بالمسؤولية وإدراك خطورة القضية وضرورة وجود سلطة قضائية مستقلة عادلة. نحن لسنا مع الإفلات من العقاب. ولكننا أمام حالات لا تستحق أية عقوبة، وبالتالي يصعب فهم حرمانهم من السراح المؤقت. إن ملتمسات الدفاع قانونية، وإن كنت أدافع عن المعتقلين السياسيين الستة، فأنا أطالب بمعاينة الطلب لكل المتهمين بلا تمييز ولا استثناء". مع التذكير أن التفريد والتشخيص هو الأساس، وأن رد الإدعاء تعميم وإجمال. بل تعويم يضرب في الصميم مفهوم الحريات الشخصية. وقد تدخل محام آخر، فأضاف: "نحن أمام حالة متابعة بالجملة واعتقال بالجملة واحتفاظ بالجملة، رغم أن القانون يعتبر كل شخص حالة قضائية".
رفعت الجلسة للتداول في طلب المحامين. وفي مساء اليوم نفسه، أعلم الدفاع برفض طلب إطلاق السراح المؤقت لجميع المعتقلين.
ملحوظة
يمكن القول كملاحظة سريعة، أن رئيس المحكمة قد تمتع بصدر رحب في الاستماع للمحامين ولم يقاطعهم إلا نادرا. في حين لم تكن مداخلة وكيل الحق العام بمستوى الجلسة والنقاش. إلا أن قرار المحكمة بعدم إطلاق السراح المؤقت لأي معتقل، يذكرنا بمثل مغربي يقول: "المحامون يقولون ما يريدون والقاضي يحكم بما طلب منه". نتمنى أن يتم تجاوز هذه المقولة من قبل هيئة المحكمة هذه المرة.
سالا في 18/10/2008