منذ بداية احتلال العراق، لم يتمتع المسيحيون العراقيون بالأمن أو الحماية. صحيح أن هذا وضع كل أبناء العراق، وصحيح أيضا أن أقليات الأزيدية والشبك قد تعرضت لاعتداءات آثمة ومجرمة، إلا أن الإستنزاف الذي تعانيه الأقلية المسيحية في العراق أصبح مستمرا وشبه منتظم.
في نهاية 2003، ضربُ ديرٍ في الموصل بصاروخ، ووضعت قنابل في مدرستين مسيحيتيتن في بغداد والموصل، تم اكتشافها ونزعها قبل أن تنفجر. كذلك عشية ليلة الميلاد من نفس السنة، انفجرت قنبلة في كنيسة في بغداد، وفي دير آخر للرهبان في الموصل، تم لحسن الحظ اكتشاف قنبلة وتفكيكها.
في الأول من آب (أغسطس) من عام 2004، تعرضت في سلسلة من التفجيرات المتزامنة خمس كنائس للاعتداء في بغداد والموصل. أدّى ذلك لقتل أحد عشر شخصاً وجرح خمسة وخمسين. كما نزع رجال البوليس قنبلتين أخريتين قبل انفجارهما. وكان من الواضح أن الغاية من توقيت الاعتداء تهدف لسقوط أكبر عدد من الضحايا. فالأول من أغسطس هو يوم مقدس بالنسبة لبعض الطوائف المسيحية العراقية. وثمة قائمة غير حصرية بأسماء 20 فقيد على الأقل سقطوا في الهجمات على كنائس في بغداد والموصل في النصف الثاني من عام 2004
أما في عام 2005 ارتكبت ميليشيات أحزاب، تشارك في الحكومة والجماعات الإرهابية الدينية المتطرفة، اعتداءات منهجية على ما أسمته دور الخلاعة والإباحة مثل محلات بيع المشروبات الكحولية والموسيقى والأزياء وحتى صالونات التجميل. وكان معظم مالكي هذه المحلات من المسيحيين العراقيين المنتشرين في عدة مدن عراقية. لم يجر أي تحقيق جدي ومستقل في أي من هذه الاعتداءات. واستمرت الحكومة وقوات الإحتلال باتهام القاعدة والإرهابيين بارتكاب ما تعدى الأسباب السياسية لأسباب اقتصادية أحيانا أو دينية، من مثل محاولات فرض نمط حياة معين على كل المواطنين العراقيين بما في ذلك ملبس المسيحيات.
في 11 تشرين الاول/اكتوبر2006، عثرت شرطة الموصل بعد خطفه بثلاثة أيام على جثة الكاهن من طائفة السريان الارثوذكس بولس عامر اسكندر (55 عاما). كانت مقطوعة الرأس ومرمية في احد شوارع حي المحاربين في وسط مدينة الموصل. وكان المختطفون قد طالبوا بفدية مالية عالية قبل تخفيضها، ويقال دفعت للمختطفين، إلى أن انقطع الاتصال بهم مع ارتكاب جريمتهم الآثمة.
وفي أيار/ مايو 2007، كان المسيحيون في مقدمة ضحايا عمليات ملاحقة قام بها عناصر القاعدة ضد محال تجارية. وفي يونيو/ حزيران 2007، قتل السكرتير الشخصي لكبير الأساقفة الريجنالد جاني بعد أن تعرض لاطلاق رصاص داخل كنيسته مع ثلاثة من أتباعه.
في 29 شباط/فبراير2008، اعترض مسلحون سيارة المطران بولص فرج رحو. فقتلوا السائق والمرافقين رامي حكمت بولس وسمير عبد الأحد وفارس جرجيس خضر. وبعد 15 يوما عثر على جثة الفقيد المطران مدفونة في حي الانتصار شرقي الموصل. وجهت محكمة الجنايات المركزية العراقية تهمة القتل لأحد مسئولي القاعدة وأصدرت حكما بالإعدام عليه في مايو/أيار الماضي.
مؤخرا، شهدت الموصل عمليات قتل وحرق منازل استهدفت المسيحيين وراح ضحيتها 11 فقيد، كما أصيب ثلاث منازل، وغادر المدينة في العشر الأوائل من هذا الشهر أكثر من 932 عائلة مسيحية.
ما يلفت النظر في هذه الأحداث الأخيرة أن القاعدة أدانتها، كذلك فعلت عدة منظمات إسلامية مسلحة. بحيث وجهت أصابع الإتهام لأطراف أخرى تقوم بذلك لغايات سياسية رخيصة.
هناك عدد آخر من عمليات الاغتيال طالت مسيحيين رصدتها اللجنة العربية ضمن عمليات الاغتيال السياسي غير الديني واستهداف العلماء في العراق. أدت كل هذه الأحداث إلى هجرة واسعة لمسيحيي العراق الذين يعتبرون أقدم جالية مسيحية في العالم. كان عددهم قد قدر في 1990 بمليون وربع المليون، أي حوالي 3% من مجموع السكان. أما نسبة من هاجر منهم فتتجاوز 50%.
يجدر بالذكر أن العراقيين المسيحيين اعترضوا مؤخرا على حذف المادة 50 من قانون انتخابات مجالس المحافظات، التي تحفظ حقوق الأقليات من مسيحيين وصابئة وشبك وإيزيديين. ما يتعرض له المسيحيون يستوجب تحقيقا نزيها ومستقلا، كون أكثر من ميليشيا بل وعصابة استهدفت الأقليات وغير المسلحين لعدة أسباب.
تستنكر اللجنة العربية لحقوق الإنسان الاعتداءات الواقعة على المواطنين العراقيين كافة، كما وتعتبر الاعتداء على المسيحيين والأقليات اعتداءا على هوية وتاريخ وأصالة شعب العراق. فهو الذي جمع في غناه الثقافي والديني والبشري واحدة من أغنى وأعرق الثقافات والحضارات الإنسانية.
إننا نعتبر الإجراءات الحكومية ذر للرماد في العيون، وتصريحات قوات الاحتلال جزء من الأزمة لا من الحل. وعليه، نناشد القيادات الروحية والسياسية اتخاذ موقف صارم من كل من يتعرض للمواطن العراقي، أكان بسبب انتمائه الديني أو القومي أو المذهبي. فاعتبار حق المواطنة دون أي تمييز، هو الأساس الحقيقي لإعادة بناء العراق المدمر وللتخلص من الإحتلال وعقابيله ومن الفوضى العارمة. ولا بد في معركة المواطنة، من وضع الميليشيات كافة تحت طائلة المحاسبة القانونية، إنقاذا لوحدة العراق وتماسك مختلف مكوناته البشرية وإحقاقا للعدالة.