ماذا كان يمكن ان يحدث لو أن السلطات المصرية سمحت لحملة فك الحصار عن غزة بأن تصل إلى رفح، وان تجتاز المعبر إلى القطاع، فتلتقي بأهله وتسلم إليهم ما معها من مؤن وأدوية، ثم تعود ادراجها إلى القاهرة بعد ذلك؟
لست أشك في ان هذه الخطوة، لو تمت، لاحدثت دويا شديدا وأصداء واسعة النطاق، أزعم ان النظام المصري هو المستفيد الأول منها، لأن كل ما يحمله معهم المشاركون في الحملة يظل محدود التأثير ولن يحل مشكلة سكان القطاع، لكن رحلتهم، اذا قدر لها ان تتم، من شأنها ان تحدث انقلابا في صورة مصر في العالم الخارجي، وفي العالم العربي بوجه أخص.
اذا سألتني كيف ولماذا؟ فردي ان ذلك سيكون اعلانا عن وفاء الرئيس مبارك بما تعهد به ذات مرة من انه لن يسمح بتجويع الفلسطينيين في غزة، في الوقت نفسه فإن ذلك سيعيد إلى الاذهان صورة البلد القائد الذي تحرك قراراته الكبرياء والنخوة، والغيرة على مصالح الأمة وقضاياها، ان شئت فقل ان من شأن ذلك ان يرد الاعتبار إلى صورة مصر، التي شوهتها دعايات وممارسات عدة من بينها تصنيفها ضمن ما يسمى بمربع «الاعتدال » الذي يتفاعل مع الحسابات الأميركية والاسرائيلية بأكثر من تفاعله مع الطموحات والأماني العربية، وسيكون هذا التصرف بمنزلة اعلان عن ان مصر ملتزمة بمبادئ القانون الدولي الإنساني، وانها في قراراتها ومواقفها تتصرف بوحي من ارادتها المستقلة وادراكها لمسؤولياتها، غير مبالية بضغوط الاطراف ذات المصلحة في اذلال الفلسطينيين ومحاولة كسر ارادتهم بالحصار.
فلسطينيا، فإن هذه الخطوة اذا تمت فستحقق ثلاثة اهداف على الأقل، أحدها انها ستعد تعبيرا عن التضامن والمساندة العملية من«الشقيقة الكبرى »، وثانيها انها ستغدو رسالة داعية إلى استمرار الصمود والثبات في مواجهة ضغوط القهر الاسرائيلية، الهدف الثالث انها ستعد دليلا عمليا يثبت ان مصر تقف على مسافة واحدة مع مختلف الفصائل الفلسطينية، بالاخص فتح وحماس، وانها قد تختلف مع حماس في الرؤية السياسية، لكنها مع الشعب الفلسطيني في نهاية المطاف، مع كرامته وحقوقه الإنسانية الاساسية، اضافة إلى حقوقه السياسية بطبيعة الحال.
عربيا، فإن القرار كان سيوحد الشعوب العربية إلى جانب مصر، وسيعد مناسبة لتجديد الثقة فيها، بعدما اهتزت تلك الثقة منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، مما أعطى انطباعا بأن مصر تخلت عن دورها القيادي، واختارت ان تنفض يدها عن مسؤولياتها القومية، مؤثرة ان تلتحق بركب الموالين للسياسة الغربية في المنطقة بعد ان كانت قاطرة السياسة العربية. وسيكون ذلك اعلانا ضمنيا عن ان مصر بصدد الوقوف خارج المحاور العربية، مهتدية في ذلك بمعيار المصالح العربية العليا بالدرجة الأولى.
إلى جانب ذلك الانتعاش الذي يمكن ان يحدثه القرار المصري بالسماح بإغاثة المحاصرين في غزة والاعراب عن التضامن معهم، فإن اطرافا ثلاثة معروفة يمكن ان تصدمها الخطوة المصرية، وهذه الاطراف هي ابومازن وجماعته في رام الله، والحكومة الاسرائيلية، والادارة الاميركية، وحتى اذا لم يكن التطابق في المواقف كاملا بين هذه الاطراف، فإن استمرار حصار القطاع واذلال اهله لاستثارتهم ضد سلطة حماس هناك، يشكل احدى نقاط الاتفاق بينها.
اذا جاز لنا ان نلخص، فإن سماح مصر بوصول ممثلي الحملة الشعبية لفك الحصار الى غزة كان سيجمع حولها القوى الوطنية المصرية والشعب الفلسطيني والامة العربية بأسرها، في حين ان رفضها الاستجابة لمطلب الحملة، سوف يسعد رام الله واسرائيل واميركا.
وللاسف فإن القرار المصري جاء مستجيبا لهوى الأخيرين، ومضحيا بالتفاف وثقة الأولين. الامر الذي حول مشهد تحرك الحملة من القاهرة من رسالة تضامن تجدد المساندة والثقة، الى فضيحة سياسية شوهت صورة مصر وسحبت من رصيد الثقة فيها، خصوصا ان احدا لم ينس ان اسرائيل سمحت مضطرة بحملة تضامن أوروبية مع القطاع، في حين ان مصر الرائدة حاصرت حملة المصريين بقوات كثيفة من رجال الأمن المركزي لكي لا تتمكن من مغادرة القاهرة.
المصدر: صحيفة الدستور المصريه السبت 11 أكتوبر 2008