أولا : تمهيد
تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2008 صنّف العراق كثاني أفسد دولة في العالم بعد الصومال. التقرير والوقائع على الأرض تؤكد أن الفساد في العراق هو فساد سياسي تشترك فيه أمريكا وإيران والأحزاب والميليشيات المشاركة في الحكومة المنشأة في ظل الإحتلال، وإن هذا الفساد ينهب موارد العراق ويضاعف معاناة شعبة ويرفع نسبة الوفيات بين أبنائه وخاصة الأطفال نتيجة سوء التغذية وإنتشار الأوبئة، وهو بهذا الوصف جريمة إبادة جماعية.
هذه الحقائق تعطي دافعا إضافيا لتطوير زخم المقاومة الشعبية العراقية لتحقيق النصر النهائي على الإحتلال وعملاء الإحتلال، كما أنها توفر دليلا جرميا إضافيا للمطالبة بمحاكمة قادة الإحتلال والحكومة المنشأة في ظل الإحتلال وأحزابها وميليشياتها بجريمة إبادة شعب العراق.
ثانيا : العراق في تقرير الشفافية الدولية لعام 2008
الشفافية الدولية هي منظمة مستقلة تكتسب تقاريرها أهمية إستثنائية لرصانتها وإستنادها الى قياس علمي لمستويات الفساد في القطاع العام في دول العالم من خلال مؤشرمركب يعتمد على بيانات تم جمعها عن طريق دراسات إستقصائية متخصصة تقوم بها مؤسسات مختلفة ومستقلة وحسنة السمعة. مؤشر درجات الفساد الذي إعتمدته هذه المنظمة يقيّم ويرتب الدول طبقا لدرجة وجود الفساد بين المسؤولين السياسيين والإداريين فيها. (أنظر تقارير المنظمة وبرامج عملها في موقعها على الإنترنت http://www.transparency.org
وتقرير المنظمة لعام 2008 الصادر في 23/9/2008 درس حالة الفساد في 180 دولة من دول العالم البالغة 200 دوله (إستثنى 20 دولة بسبب عدم وجود إحصائيات موثوقة) ووضع جدولا رتب فيه الدول حسب درجة الفساد فيها، وكان العراق، مع ماينمار، ثاني أفسد دولة في العالم بعد الصومال. وترتيب العراق هذا العام هو أسوأ من ترتيبه عام 2007 عندما إحتل المرتبة الثالثة بعد الصومال وماينمار.
إن مراجعة متأنية لتقرير الشفافية الدولية تظهر حقائق مذهلة توضح المدى الخطير لفساد السياسيين ومؤسسات الدولة العراقية المنشأة في ظل الإحتلال.وأدناه أهم الخلاصات والإستنتاجات عن هذا التقرير.
1- – يذكر التقرير أن درجة الفساد في الدول ترتبط بمستوى الدخل، فالدول ذات الدخل القومي المرتفع هي الأقل فسادا والعكس بالعكس. وهذه قاعدة مستقرة في تفسير ظاهرة الفساد، فالدول العشر الأولى الأقل فسادا، وهي الدانمرك والسويد ونيوزيلانده وسنغافورة وفنلنده وسويسرا وأيسلنده وهولانده وأستراليا وكندا، يتراوح فيها معدل الدخل القومي بين 70000 - 45000 دولار للفرد الواحد، بينما تسع من الدول العشرالأكثر فسادا هي الدول ذات الدخل القومي الأكثر إنخفاضا (بحدود 500 دولار للفرد الواحد) وهي الصومال وماينمار وهايتي وأفغانستان والسودان وتشاد وغينيا وغينيا الإستوائية والكونغو الديمقراطية. أما العراق، ثاني أفسد دولة في العالم، فقد كان الإستثناء الصارخ لهذه القاعدة. فالعراق يبلغ دخله القومي السنوي لعام 2008 أكثر من 82 مليار دولار منها سبعين مليار دولار واردات النفط.
وهذا يعني أن معدل دخل الفرد العراقي السنوي هو بحدود 3000 دولار، وإن إحتلاله أسفل القائمة مع ماينمار والصومال يعني أن عوامل أخرى غير ضعف الدخل وغير الفساد الإداري التقليدي هي التي أوصلت العراق الى هذه الدرجة من الفساد، خاصة إذا ما أخذنا في الإعتبار أن الفساد الإداري والمالي كان، عبر تاريخ العراق الحديث، ظاهرة هامشية سرعان ما تلاشت في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وأصبح العراق البلد الأكثر نزاهة في العالم الثالث. ثم جاءت فترة الحصار 1990-2003 حيث شهد الدخل القومي هبوطا مريعا، ومع ذلك إنحصر الفساد في مستويات محددة لبعض مؤسسات الدولة ولم يصبح ظاهرة طاغية لوجود قيادة سياسية نزيهة تحارب الفساد ولإرث شعب العراق من القيم الدينية والوطنية التي تنبذ الفساد. وهكذا كان المضطر من المواطنين يبيع اثاث بيته لينفق على عائلته، ولم يسرق ولم ينهب.
إن الفساد الواسع في العراق المحتل ليس فسادا إداريا بل هو ظاهرة سياسية مقصودة وسياسة منهجية للمحتل والحكومة الطائفية والعنصرية المنشأة في ظل الإحتلال. ولقد أشارت منظمة الشفافية الدولية الى الطبيعة السياسية للفساد في العراق وإمكانية إحتوائه بقولها (إن نتيجة العراق تسلط الضوء على أهمية منع الفساد، وتنفيذ سيادة القانون).
2 – يقول تقرير منظمة الشفافية العالمية (في أشد البلدان فقراً، يمكن لمستويات الفساد أن تعني الفرق بين الحياة والموت، عندما تكون الأموال المخصصة للمستشفيات أو المياه النظيفة موضوعا للفساد). وهذا إقرار من المنظمة بأن الفساد يمكن أن يتحول الى جريمة قتل جماعي أو إبادة جماعية عندما يستهدف البنى التحتية الأساسية للمجتمع كالمستشفيات ومنشآت تصفية المياه. وفي حالة العراق بالذات تبرز هذه الحقيقة باجلى صورها. فالنهب المنظم الذي يمارسه السياسيون الفاسدون لم يستثن أي مرفق من مرافق الخدمات الأساسية للشعب. إن إنتشار الكوليرا والجمرة الخبيثة والتايفوئيد وبقية الأمراض المتوطنة كان بسبب إستيراد الفاسدين كلورا فاقد الصلاحية من إيران، وإغراق أسواق العراق بالأدوية المغشوشة ومنتهية الصلاحية. وسرقة الأموال المخصصة لإصلاح المستشفيات التي لم تعد تصلح أن تكون حتى كمأوى للحيوانات (تصريح عقيل الفريجي عضو مجلس محافظة البصرة يوم 12/8/2008).
إن تضاعف نسبة تضاعف وفيات أطفال العراق إلى 150% (تقرير منظمة انقذوا الأطفال الأمريكية)جعل العراق ضمن مجموعة من أفقر دول العالم مثل بتسوانا وزمبابوي في نسبة بقاء الأطفال على قيد الحياة. وما كان ذلك ليحدث في بلد غني كالعراق لولا هؤلاء المفسدين الذين سرقوا الموارد المخصصة لحليب الأطفال ولبناء المستشفيات.
3- يقول تقرير الشفافية الدولية (تشير الأدلة إلى أن تحسنا بمقدار نقطة واحدة، من أصل نقاط المقياس العشرة، يؤدي إلى زيادة تدفقات رأس المال بنسبة 0.5 % من إجمالي الناتج المحلي للبلد وزيادة في نسبة متوسط الدخل بنسبة قد تصل إلى 4 %)
وإذا علمنا أن العراق حصل على 1.3 نقطة فقط من أصل عشر نقاط، وأنه قادر على أن يتقدم خمس نقاط لو لم يكن هناك فساد سياسي،فيمكن تقدير إنعكاسات ذلك على أحوال شعب العراق.إن تخفيض نسبة الفساد في العراق نقطة واحده سيوفر 3.68 مليار دولار، وهذا المبلغ كاف لإنشاء محطات طاقة كهربائية تجعل العراق مصدرا للكهرباء لا مستوردا لها. ونقطة ثانية كفيلة بتوفير الماء الصالح للشرب لجميع العراقيين وثالثة لبناء مصافي للنفط تسد حاجة السوق الداخلية وتوفر فائضا للتصدير، ورابعة لإعادة بناء الصناعة الوطنية وخامسة لتحسين التعليم والصحة والمواصلات. هذا بخصوص ما سرقة الفاسدون في عام واحد، وإذا أضفنا الى ذلك موارد العراق المسروقة منذ الإحتلال، والتي قدرها نائب رئيس هيئة النزاهة القاضي موسى فرج ب (250) مليار دولار، نستطيع أن نقدّر ابعاد جريمة الإبادة التي ترتكب بحق شعب العراق.
ثالثا- ملاحظات ختامية
1- إن تقرير الشفافية الدولية هو وثيقة إدانة إضافية للإحتلال وللحكومة العراقية المنشأة في ظل الإحتلال التي تسبب نهبها لموارد العراق، وخاصة تلك المخصصة للدواء والماء الصالح للشرب وحليب الأطفال، في وفاة ألاف العراقيين. وهذه الجريمة لوحدها تعطي لشعب العراق الحق في إسقاط هذه الحكومة ومحاكمة أعضائها بجريمة الإبادة الجماعية وإسترداد أموال الشعب المسروقة.
2- إن الفساد السياسي للحكومة المنشأة في ظل الإحتلال يقتل شعب العراق بطريقتين. الأولى هي بحرمان الشعب من موارده لتحسين ظروف حياته الصحية والثقافية والمعاشية، والثانية هي في إستخدام أموال الشعب المسروقة لتمويل الميليشيات والأحزاب طائفية وفرق الموت التي تقتل وتهجّر وتعتقل المواطنين. إضافة الى أن بعض موارد العراق المسروقة تذهب الى إيران، وخاصة النفط المهرب من البصرة الى إيران والنفط المنتج من حقول مجنون التي إستولت عليها إيران، وتستخدم إيران هذه الموارد لتمويل مشروعها الطائفي التقسيمي في العراق.
3- إن تقرير الشفافية الدولية نزع عن المحتل وعملاء المحتل الأهلية الإدارية والمالية، وردّ على مزاعمهم بإن الوضع في العراق يتحسن. يكفي إستذكار وعود رئيس الحكومة المنشأة في ظل الإحتلال بأن يكون عام 2008 عام الإعمار والقضاء على الفساد، فإذا به ينتهي عاما للخراب ومزيدا من الفساد. كما كشف التقرير حقيقة الأحزاب الدينية المتلفعة برداء الدين. وثبت إن هؤلاء هم من يشّرع الفساد وينهب أموال العراق، وهذا شاهد إضافي على أن العملاء، وإن كانوا معممين، لا يصلحون لحكم الأوطان.
4- وأخيرا، هل يمكن بعد كل هذه الحقائق أن يدعي مدّع بأن الإنتخابات السابقة واللاحقة في العراق المحتل هي نزيهة؟ وكيف يمكن أن تكون الإنتخابات إستثناء من حالة الفساد، وهي الوسيلة للوصول الى المناصب الإدارية والسلطة والثروة؟
بغداد 12/10/2008
المصدر: شبكة البصرة