صاحب الفخامة السيد محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية الباسلة:
- دار اللحياة
إن شعبك - ومعه الأمة العربية - لا يزال يتذكر كلماتك التي صدحت بها في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، حين اهتزت القاعة طرباً وضجت تصفيقاً لعباراتك التي أحسنت اختيارها حين قلت: «لن نسمح بتجويع الفلسطينيين أو بتحويل الوضع في غزة إلى كارثة إنسانية».
ومع ثقتي بمتابعة سيادتكم للوضع الإنساني في غزة، إلا أنني أود أن أذكر سيادتكم، من باب «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين»، أن قتلى غزة تجاوزوا الـ240 شخصاً، بسبب منع الدواء والغذاء!
ومع أنه لا يوجد عزاء للأسر التي فقدت أحبتها بسبب نقص الدواء، أو حُرِمت أطفالها بسبب منع الحليب، إلا أنه يمكن لمصر العروبة أن توقف عداد الموت في غزة، حين لا تقف في وجه الإغاثات الإنسانية التي يقوم بها الشرفاء من أبناء شعبك العريق.
ذلك أن الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية، من منع قافلة الإغاثات الإنسانية، المتمثلة في معونات الأغذية والأدوية التي حملها المصريون الشرفاء في ذكرى تاريخ العبور يوم الأربعاء الماضي، والتهديد الذي أدلى به بعض المسؤولين المصريين من «قطع قدم من يحاول الوصول إلى غزة»، جاء متعارضاً مع كلام سيادتك الآنف الذكر، فضلاً عن أنه أمر لا يليق بمقام مصر وكرامتها.
إن غزة يا سيادة الرئيس تموت اليوم جوعاً ومرضاً بسبب الحصار الإسرائيلي، الذي رفضته الأمة المصرية، ولك أن تستمع إلى ما قاله عقلاء الأمة المصرية وحكماؤها حول الحصار، من أمثال المرحوم عبدالوهاب المسيري، أو الكاتب القدير فهمي هويدي، أو معالي نائب وزير خارجيتكم السابق الدكتور عبدالله الأشعل، وهؤلاء - كما يعلم سيادتكم - ليسوا من المنتفعين ولا يمكن أن يتهموا بأن لهم أطماعاً سياسية، بل هم من المصريين المخلصين الأوفياء الذين يريدون لمصر أن تبقى عزيزة شامخة تحت قيادتكم.
أما إذا كانت المسألة قانونية دولية صرفة، فدعني أطمئنك يا سيادة الرئيس أن مصر غير ملزمة بالوفاء بمعاهداتها الدولية التي تتسبب في قتل المدنيين الأبرياء، لأن هذا بحد ذاته يعد اليوم جريمة من جرائم القانون الدولي، وكما يعلم سيادتكم فإن «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، وحيث إن «حق الحياة» أمرٌ مقدس، فإن موت الأبرياء من المدنيين بذريعة الالتزام بالمعاهدات الدولية أمر غير مقبول من الناحية القانونية الدولية الصرفة.
بيد أن اتفاقية المعابر لعام 2005، قد نصت على أن تبقى المعابر مفتوحة بشكل متواصل، الأمر الذي لم تلتزم به إسرائيل، حيث في عام 2007 وحده، أغلق معبر رفح 308 أيام من أصل 365 يوماً، ولك أن تعود يا سيادة الرئيس إلى ما نقله الكاتب القدير فهمي هويدي عن الدكتور صلاح الدين عامر أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة، الذي تحدث عن الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاقية المعابر لعام 2005، الأمر الذي يترك الباب مفتوحاً أمام مصر لعدم وفائها بتلك الاتفاقية نتيجة خرقها من الجانب الإسرائيلي.
ولك أيضاً أن تعود إلى الوثيقة القانونية الدولية التي وقعها عدد من أساتذة القانون الدولي ونشطاء حقوق الإنسان في العالم العربي منهم كاتب هذه السطور، ونشرتها وكالة فرانس برس وبقية وسائل الإعلام العالمية، من أن الحصار المفروض على غزة اليوم يمثل «جريمة إبادة» بالمفهوم القانوني الدولي، حيث إن «حرمان أشخاص من الطعام أو الدواء بنية إهلاك جزء منهم» يعد النوع الثاني من جرائم الإبادة بحسب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وكما لا يخفى على سيادتكم، فإن الوضع المأسوي الذي تعيشه غزة اليوم طبياً وبيئياً واقتصادياً وإنسانياً، يعطي التعريف الحقيقي لمعنى «الكارثة الإنسانية»، التي حذرتم منها في خطابكم الشهير. وإن عدم السماح بمرور مواد الإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين إليها وتسهيل مرورها، يعد جريمة قانونية دولية بحسب القاعدة 54 من القواعد التي أعدتها منظمة الصليب الأحمر الدولي حول قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
وكما يعلم سيادتكم فإن ثقافة «كسر الحصار» باتت اليوم تزداد انتشاراً وتأييداً بين مختلف فئات المجتمع المصري المثقفة منها وغير المثقفة، الأمر الذي قد يحيل مشكلة غزة في نهاية المطاف إلى مشكلة مصرية داخلية، فيستفحل الداء ويصعب الدواء، إذا لم تتخذ الحكومة الخطوات ذاتها بحكمتها المطلوبة.
إن مكانكم التاريخي يا سيادة الرئيس لا يزال فارغاً، وإن لم تملأه أنت فسيملأه غيرك، وأرجو ألا يكون ذلك!
* حقوقي دولي.