عندما يدخل المرء المغرب يشعر بأنه قد دخل
في قارة شبه مستقلة، سواء كان ذلك بمعنى
الاكتفاء الذاتي البيئي أو المجتمعي، حيث
يتمتع هذا البلد بعوالم بيئية مختلفة
بحرية وبرية، سهلية وجبلية متنوعة وغنية،
وثقافات جزئية متعددة في كلٍ ثقافيٍ
مغاربي، وتعددية وخصب في الحياة السياسية
والمدنية والإعلامية يذكّر دائما بأن
المخزن رغم كل سطوته، لم يكن الطرف الحاسم
في الإنجازات الأساسية على صعيد الحقوق
والحريات. كيف لا والإنسان في هذا البلد
هو صانع الحرفة المتميزة والزراعة الغنية
واللقمة الكريمة والثراء الفعلي. الإنسان
هو الثروة المغربية الأولى، لذا، لا يمكن
للزائر إلا أن يحب الشعب المغربي وأن يشعر
بأعماقه بحفاوة ضيافته وصدق تضامنه مع
القضايا الكبيرة للمنطقة والإنسانية
وقدرته على الإنجاب الثقافي والفكري
والأدبي والحقوقي، حتى لا نتكلم عن
العلماء والطاقات الكبيرة التي قدمها هذا
البلد للعالم.
من الضروري البدء بهذه المقدمة، للتمييز
بين العطاء المغربي العام والانتهاكات
التي تحدث في هذا البلد بحق مواطنيه
ومنظماته المدنية وصحفييه الذين يتمتعون
بمهنية عالية ونقابييه الذين تمرسوا في
الدفاع عن قطاعاتهم الشعبية. المغرب لا
يختزل لا في انتهاكات حقوق الإنسان ولا في
زوارق الموت هربا من أزمة اقتصادية تعم
القارة السوداء. لكنه أيضا ولغناه الطبيعي
والإنساني، يحمل طموحات كبيرة وأحلام
ممكنة ودروسا غنية لجيرانه الأقرب بل
والأبعد. ضمن هذه الرؤية الشاملة للدفاع
عن حقوق الإنسان في المغرب تداعت اللجنة
العربية لحقوق الإنسان والمرصد الفرنسي
لحقوق الإنسان ومنظمة صوت حر للدفاع عن
حقوق الإنسان والملتقى الثقافي الاوربي
العربي وشريكنا من وراء بحر المانش المعهد
العربي للتنمية والمواطنة إلى هذه الندوة
التعريفية بملفات هامة في المملكة
المغربية. وأود أن أسجل اعتذار الزميل
عبيدة فارس مدير المعهد العربي للتنمية
والمواطنة عن الحضور وتحيته لكم ورسالة
تضامنه مع المعتقلين.
الطلبة في المغرب هم البقرة الحلوب
للسياسة والحياة المدنية، هم من يجدد دم
الأحزاب والجمعيات والنقابات ويعيد رسم
خارطة البلاد السياسية. واستهداف الطلبة،
كما يحدث في قضية مراكش، هو ناقوس خطر
لموضوع يتجاوز حرية النضال المطلبي إلى
ضرب منابع تجديد الدم السياسي في المجتمع،
في 12 غشت/آب الماضي صدر الحكم الاستئنافي
في حق سبعة طلاب من بين مجموعة الطلبة
المعتقلين على خلفية الأحداث الأليمة التي
شهدتها جامعة القاضي عياض بمراكش خلال شهر
ماي الماضي ، وذلك بسجنهم لمدة سنة نافذة
وغرامة 1500 درهم لكل واحد منهم، إضراب 47
يوما لم يشفع للمعتقلين بحوار مع الإدارة
السجنية. الطابع الانتقامي للأسف يغطي هذا
الملفقبل الإضراب بل وبعده، وقد تحصلنا
على شهادات بوقوع التعذيب للمعتقلين
السبعة موجودة معنا في هذا الكراس الذي
أوصلناه للمقرر الخاص بالتعذيب في الأمم
المتحدة.
في المغرب تقليد مطلبي ونقابي عريق في
نضال الخريجين. ونحن نتشرف بإعطاء المثل
النضالي المغربي للدول العربية الأخرى،
الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين
بالمغرب تدفع ثمنا غاليا لنضالات كوادرها،
ثلاثة من أطر الجمعية، هم سعيد مرزوقي
(سبعة أشهر نافذة)، انس سليماني ومحمد
فازيقي (خمسة أشهر نافذة) يقضون حكما
بالسجن لم تكتف السلطات بتثبيته في
الاستئناف بل ونقلت السجناء من سجن وجده
قرب أهاليهم إلى سجن بوعرفة، الأمر الذي
اضطرهم لإضراب طويل عن الطعام لم تستجب
فيه السلطات لمطالبهم باستعادة ظروف سجن
أفضل في وجدة. المعتقلون الثلاثة أعضاء في
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
كما أن أزمة الخريجين ونضالاتهم تطرح على
الطاولة العلاقة الجوهرية بين الكوادر
الجديدة والقدرة على استيعاب الكفاءات
وتوظيفها في عملية التنمية. قضية سيدي
إفني فجرت جروح كبيرة في المجتمع تضع نصب
العين جدل العلاقة بين الحقوق الاقتصادية
والحقوق السياسية، وقد أتيحت لنا أثناء
تواجدنا في المغرب في شهر تموز/يوليو
الماضي فرصة متابعة عدة قضايا سبقتها أو
واكبتها مثل قضية صحيفة المساء وقضية
النشرة المغاربية ثم مكتب الجزيرة ومديره
الأستاذ حسن الراشدي، قضية مناضلي المركز
المغربي لحقوق الإنسان لإبراهيم سبع الليل
ومحمد الوحداني وأحمد بوفايم ومسؤول جمعية
أطاك إبراهيم بارا وباقي المعتقلين في
أحداث سيدي إفني.
أما ملف المعتقلين الستة، فيعيدنا إلى مدى
جدية قبول فكرة التعدد السياسي المستقل عن
الفضاء المخزني. خاصة وأننا نشهد عملية
فبركة من الشرفة العليا لحزب أو أكثر يحمل
نفس اليافطة العريضة مدجنة ومهجنة وفق
الخطاب السائد. لن أصادر كلمات ضيفتنا
السيدة سكينة قادة زوجة الأستاذ عبد
الحفيظ السريتي معتقل الرأي والصحفي في
قناة المنار اللبنانية، سنترك لها، كمنسقة
لتنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين
الستة وكزوجة معتقل، أن تحدثنا تارة
بالعقلانية المطلوبة منها في ظرف كهذا،
وتارة أخرى بالقلب الذي لا يمكن أن يغيب
في محنة كبيرة كهذه.
بعدها، يتحدث الأمين العام للمؤتمر القومي
العربي المحامي خالد السفياني عن تجربته
كمحام في القضايا السياسية في المغرب
اليوم، الدكتورة فيوليت داغر تعطينا صورة
عن التقرير الذي تصدره اللجنة العربية
لحقوق الإنسان اليوم عن المراقبة
القضائية الدولية لمحاكمة إبراهيم سبع
الليل وحسن الراشدي، أما اللاجئ السياسي
حسن بكير فسيعرض لنا صورة عن مترتبات
الصورة الوردية للوضع في المغرب على طالبي
اللجوء السياسي من هذا البلد في أوربة.
أخيرا، وبسبب تعقيدات جديدة على الفيزا،
لم يتمكن الباحث والقيادي المغربي في
اللجنة العربية لحقوق الإنسان من تقديم
مداخلته، وسيعرضها لنا الأستاذ عماد
الدايمي من منظمة صوت حر للدفاع عن حقوق
الإنسان. ثم يأتي وقت الإفطار وبعده تبدأ
الجلسة الثانية المخصصة للنقاش يرأسها
فتحي بلحاج رئيس الملتقى الثقافي العربي
الأوربي..
2600
صحفي في المغرب منهم صحفي واحد مرخص
للصحافة الالكترونية
|