تعد الهجرة من الظواهر الانسانية
الموغلة في القدم. فمنذ أن وجد الإنسان،
تحرك بكل حرية من مكان إلى آخر تاركا مسقط
رأسه ومنتقلا إلى فضاءات أرحب طلبا للأمن
والرفاهية ومن أجل تحقيق العيش الكريم له
ولباقي أفراد أسرته ذكورا وإناثا على حد
سواء[1].
وبذلك لم تنقص الهجرات بتاتا في
أية مرحلة من التاريخ الإنساني قديمه
ومعاصره، بل تتراجع خلال فترات النماء
الاقتصادي والسلم القاري، ثم تزداد وتيرتها
ارتفاعا إبان الحروب والمجاعات والكوارث
الطبيعية. كم من مناطق هلكت ساكنتها بسبب
الحروب فاستقبلت مهاجرين جدد أو لم تعمر
أبدا. وكم من قارات أفرغت من أهلها بسبب
الزلازل ففروا بأرواحهم إلى قارات أخرى
برمتهم. أي هاجر كل من بقي منهم على قيد
الحياة بعد تلك الكوارث المفجعة فكتب
التاريخ تحفل بالأمثلة في هذا الشأن[2].
اتخذت الهجرة خلال التاريخ
المعاصر منحى آخر. أضحت من المشاكل التي
نجمت عن التقدم الصناعي نتيجة ما أفرزه من
تطورات مهمة ومتلاحقة تطلبت التزود باليد
العاملة بوفرة. وبما أن الدول الأروبية
وجدت نفسها أمام نقص كبير في النمو
الديموغرافي وحاجة ماسة إلى هذه اليد
العاملة خصوصا أن الحروب الكونية للقرن
الماضي أفقدتها الكثير من الأرواح. فقد
عمدت لسد النقص الحاصل في القوة البشرية
لأن تفتح أبوابها على مصراعيها أمام اليد
العاملة، سيما القادمة من الجنوب. وازداد
الطلب على المهاجرين من كل الأصقاع بما
فيهم العمال المغاربة بعد الستينات من
القرن الماضي[3].
تحولت الهجرة الدولية نحو أروبا
وأساسا نحو فرنسا من هجرة فردية ذكورية
إلى هجرة في إطار التجمع العائلي، ثم إلى
هجرة موسمية أو ظرفية لتنتهي بالهجرة
السرية التي تتداول تحت إسم " ثقافة
الحريك[4]".
لقد تم تناول موضوع الهجرة عبر
مختلف حقب التاريخ بطرق ومقاربات متباينة[5].
ويجمع الدارسون المعاصرون على اعتبار
الهجرة " الظاهرة الأكثر تعقيدا وصعوبة
عند الملاحظة. فالهجرة عامل يتجدد
كالإخصاب والولادة"[6]
، ويؤكدون على أن الهجرة الدولية اعتبرت
قبل الثمانينات من القرن الماضي ذكورية[7]
بلا منازع، بل ومتوسطية، في حين عرفت
الهجرة النسائية – التي لم تنقطع بتاتا
إلى العدم عبر التاريخ الإنساني – تهميشا
وإهمالا ليس بالمغرب فقط، بل عبر مختلف
أنحاء العالم[8]
.
يبدو أن النقص المهول في
الإحصائيات لن يمكن الباحثين في الموضوع
من تشخيص الظاهرة بكيفية علمية ودقيقة.
فكيف سيكون عليه الأمر إذا أرادوا
الاهتمام بقضايا فرعية، من قبيل الهجرة
وصون الكرامة، والهجرة والاندماج والتهميش
والهجرة والتنمية...
وبذلك يصعب معرفة حجم المسألة في
غياب التقارير المضبوطة والإحصائيات
الدقيقة، ويزيد الطين بلة كون معظم
المهاجرات يعشن في الظل، ويتحاشين الحوار،
ومنهن من ترفضه بتاتا.
يعزى بعض الباحثين النقص الحاصل
حول الهجرة النسائية إلى قلة الأبحاث حول
الموضوعات الهامشية ومنها الأبحاث حول
المرأة عامة بما فيها المهاجر ويفسرون
الأمر بكون المجتمعات لم تنظر إلى المرأة
كعامل أساسي في التنمية، بل كرست عبر
مختلف الوسائل وبكافة السبل لدونية
المرأة. وعاشت المرأة المهاجرة الآتية من
بلد ثقافته مختلفة، وله وضع اقتصادي هش
وعادات وتقاليد خاصة على الهامش مرتين
بسبب جنسها وبلدها[9].
هكذا، لم ينظر لقضية الهجرة
النسائية من باب المصالح المشتركة
والقضايا السياسية والاقتصادية الكبرى بين
دول الانطلاق ودول الوصول، بل بمعزل عن
تلك المصالح. وهذا ما حصل إلى حدود
الثمانينيات من القرن الماضي.
شجعت الاتفاقية المبرمة بين
المغرب والدول الأروبية على إثر إعلان
برشلونة لسنة 1995 الدول المتعاقدة على
الاعتراف بالدور الأساسي للمرأة في
التنمية، مما يقر بضرورة تمكين المرأة
المهاجرة من حقوقها كاملة مثلها مثل الرجل
في المسكن والعمل وصون كرامتها في إطار
قانوني. لأن سياسة الاندماج تعتمد في
الأساس على رغبة المجتمع المستقبل في
تحقيق فرص التكافؤ بين الجنسين، وكذلك بين
المقيمين والوافدين، وهذا من أجل إعطاء
المرأة ‘مكانية أكبر لممارسة جميع الأنشطة
المخولة لها داخل جميع مؤسسات بلد الوصول.
لا ننكر بأن العنصر المذكر سباق
للهجرة الدولية – كما أسلفنا ذكره- ولكن
ارتفاع وثيرة الهجرة النسائية بشكل مضطرد
لدرجة أنها بلغت نسبة
%40
خلال بداية هذا القرن، ثم إن التنوع في
أشكال الهجرة وامتدادها خارج المجالات
المتوسطية المألوفة سابقا، وانتشارها عبر
نقط قارية مختلفة تستدعي مقاربة الموضوع
بكل جدية. زد على ذلك أن الدور الاقتصادي
الذي أضحت تلعبه المرأة ويعترف لها
بريادتها فيه يدعو إلى ضرورة مقاربة موضوع
الهجرة عامة والهجرة النسائية بشكل خاص
كحاجة وليس كترف[10].
نقر بأن وضع المرأة المهاجرة بصفة
قانونية والعاملة يختلف عن وضع المهاجرة
المؤقتة أو غير الشرعية، كما الهجرات
الاضطرارية أو القصرية تختلف عن الهجرات
الاختيارية. وتبقى الهجرة في تعريفها
الضيق هي " تضحية" وهي كذلك رغبة
المهاجرات في توفير ظروف عيش أفضل لهن
وأيضا لمن بقي في الوطن من آباء وأبناء
وإخوة[11].
مهما اختلفت أسباب الهجرات
النسائية من أسباب شخصية وسوسيو-
اقتصادية، وتعددت الميكانيزمات وأساليب
الانتقال إلى بلد الاستقبال، فإن الخروج
من الوطن هو محاولة من المرأة الارتقاء
بمستواها السوسيو-اقتصادي، ولذا رصد مدى
نجاح المرأة في الاندماج ببلدان الاستقبال
أو معاناتها وإقصاؤها يستلزم مقاربة
الظاهرة باستحضار المراحل الكبرى للهجرة
النسائية. وسنراعي في تصنيف هذه المراحل
الاعتماد على المقال الذي عنوناه " المرأة
المغربية والهجرة" والذي سبق وخصصناه
لمراحل الهجرة النسائية خلال اليوم
العالمي للمرأة يوم 8 مارس 2008. وعليه،
سنصنف الهجرة النسائية إلى المراحل
التالية:
الهجرة النسائية في طار التجمع
العائلي خلال السبعينات
الهجرة النسائية الفردية خلال
التمانينيات
الهجرة النسائية الموسمية والهجرة
السرية خلال نهاية القرن الماضي وبداية
القرن الحالي.
مرحلة التجمع العائلي
تمت الهجرة النسائية خلال
السبعينات من القرن الماضي في إطار مشروع
جاهز أرسى قواعده رب الأسرة . وبذلك لم
تكن معظم النساء تلعب أي دور رائد بل كن
تابعات أو خاضعات لمشروع استقرار خطط له.
إذا كانت المهاجرات الرائدات وصلن
إلى بلدان الاستقبال بشمال حوض البحر
المتوسط، وأساسا فرنسا بفضل مساعدة وسيط،
زوجا أو أحد أفراد العائلة أو بعض
الأصدقاء، وكذلك هاجرن بمساعدة بعض
الأجانب الذين انتهت مهمة إقامتهم
بالمغرب، فقد تطلبت الهجرة من المهاجرات
الرائدات التأقلم مع واقع جديد مغاير لما
كان معهودا لديهن، بالمغرب، ببدلن الكثير
من المجهودات والتضحيات على حساب صحتهن.
بدت الهجرة النسائية في إطار
التجمع العائلي كتحرر من واقع الأسرة
الأصلية دون القطيعة معها، ولكن الهجرة هي
انتقال أيضا عبر لغة وثقافة البلد
المستقبل، ولذا وجدت المهاجرات الرائدات
أنفسهن مجبرات على التعامل مع مرجعيات
مختلفة. طرحت أمامهن أيضا مسائل هامشية
كاختيار اللباس والمأكل والمشرب، بل وأيضا
ضبط العلاقات مع المحيط الاجتماعي الحديث.
إذ يلزم أن لا ننسى بأن النساء المهاجرات
خلال هذه المرحلة كنا صغيرات السن أقل من
20 سنة، ويهيمن على أغلبهن شبح الأمية.
أولهن تعليم منخفض. وجلهن مرتبطات بأسرة
الإنجاب ارتباطا قويا خصوصا أن أغلبهن من
أوساط قروية ومعظمهن مرغمات على الانتقال
إلى بلد المهجر، هؤلاء النساء كنا يتنازعن
ثقل الهوية الموروثة والتأقلم مع المحيط
الجديد. أضحت بعض النساء تستغل في أعمال
غير مرئية ولا تحتاج إلى تأهيل مهني عال
من أجل دعم دخل الزوج، بل شكلن مصدر عيش
لعدد هام من الأسر بالمهجر وبالوطن الأم.
لذا، لا غرابة أن تكون هذه
المرحلة صعبة بالنسبة لأغلب الأسر
المهاجرة. وقد ترتب عنها تشتت أسر عوض
تجمعها لأن القوانين ببلد الاستقبال
مخالفة للقوانين المعمول بها في الوطن
الأصل. حصل الانفلات أيضا في زمام تربية
الأبناء. ولذا تم إهدار كرامة أسر كانت
مقتنعة بحظها وتصيبها وتعيش حياة الكفاف
والكفاية ببلدها.
ظهرت إلى جانب هذه القضايا
الشائكة حول القوانين والعادات قضايا أخرى
مصيرية كالسكن والتمدرس والتطبيب خصوصا أن
الوضع السوسيو-اقتصادي للأسر العاملة يغلب
عليه طابع الفقر والهشاشة حافظت بعض
الزوجات على علاقات الطاعة، مما جعل ظاهرة
العنف ضد المرأة يصيغها القانون الدول
الأوروبية بالإجرام، ويسهل على المرأة
الطلاق. فأضحت بعضهن تعيش وضعية قانونية
صعبة وظروف مزرية يغلب عليها طابع البحث
عن المنفعة، مما جعلهن يعشن التهميش
مرتين، لا أزواج ولا أبناء.
سعت بعض النساء المهاجرات على خلق
توازن وتقارب بين العالمين، وإيجاد قواسم
مشتركة بين عقليتين تتأرجحان بين الموطن
الأصل ومقر الاستقبال.
لكن على العموم عانت جل المهاجرات
من الاضطهاد والاستغلال وعدم الاستقرار
بها أنهن بدون مأوى ولا عمل قار، وشكلن
مجموعة مهمشة ومقصية، وهذا الإقصاء يرجع
للمسار الذي تفرضه عليهن الهجرة والجهود
التي تبذلنها في موطن الاستقبال بهدف
إدخال أكبر قدر من العملة الصعبة لأوطانهن
قد تصل إلى 75%
من أجرتهن الشهري، في حين لا يتجاوز
المبلغ الذي يبعث به المهاجر المغربي
لأسرته بالوطن الأصل 40
%
من أجرته[12].
فالمهاجرات هن مخلوقات مشروخات
ومصدعات من الداخل لأنهن لا تعشن لدواتهن،
ولكن لغيرهن من الأهل و الأقارب والأزواج
.
مرحلة الهجرة الفردية خلال
الثمانينات
تتميز المرحلة بهجرة النساء
منفردات. إذ أخذت النساء مبادرة الهجرة
بأنفسهن، يصطلح على نعث هؤلاء النسوة
بالمهاجرات الاقتصاديات، وقد هاجرت خلال
هذه المرحلة النساء العاملات إلى جانب
المتعلمات المتعهات، سافرن بحساباتهن
ولحساباتهن[13].
كان العامل الشخصي وراء هجرة
النساء العاملات، فمعظمهن عازبات ومطلقات
وأرامل[14].
مثلا في اسبانيا تمثل العازبات
62
%
من مجموع النساء النشيطات والمطلقات 7%
والأرامل 5%.هاجرن
طلبا لعيش أفضل. ولا حاجة لذكر بأن
العوامل الذاتية لا تنفي العامل
الاقتصادي، فهو السبب الرئيسي لكل هجرة
بنوعيها الذكوري والنسائي لأن المنفعة
القصوى إلى جانب الإخبار والإغراء وحب
المغامرة لعبوا دورا رائدا في حثهن على
الهجرة[15].
إذن، ضمت الهجرة الدولية نساء من
شرائح اجتماعية متنوعة، اشتغلت العاملات
في وطائف بسيطة بالبيوتات والمقاهي
...واستكملت بعض المتعلمات دراستهن
العليا. وقد استطاعت هذه الشريحة الأخيرة
من تحسين وضعها الاقتصادي مقارنة إلى ما
كانت عليه في الوطن الأصل: ولذلك فإنها لم
تتعرض لنفس المشاكل التي تعرضت لها
الرائدات أو غير المتعلمات...كانت مشاكلها
وقضاياها من نوع آخر. يمكن اعتبار التعليم
والشغل من أبرز المؤشرات لرصد مستوى صون
كرامة المرأة ومعرفة مدى اندماجها في
المجتمع الجديد، بل عمق مكانتها بوطنها.
مهما ذكرناه، فالنساء المهاجرات
خلال هذه المرحلة الثانية تتميزن عن
سابقتهن النساء المستكينات والتابعات
لأزواجهن بكونهن أضحين ذوات دخل مستقل،
وأصبحن يتصرفن بكل حرية في جدولهن اليومي.
ومع ذلك امتهنت بعض الجامعيات مهنا لا
تتوافق مع مستوياتهن التعليمية، ولا
تتناسب مع تكوينهن، إذ اشتغلن في البيوت
والمقاهي والملاهي الليلية والخدمات
الصحية...وما إلى ذلك. نجد
%65
من النشيطات المغربيات يشتغلن بهذا القطاع
الثالث. وفي إسبانيا تصل النسبة إلى[16]%67
وحصل نفس الأمر بالنسبة لمن انتقلن لبلدان
الاستقبال كسائحات أو بزواج أبيض أو زواج
بالأجنبي، فرغم كونهن متعلمات إلا أن
دخولهن بتأشيرة السياحة أو استكمال
الدراسة وما إلى ذلك من الوسائل التي
اعتمدناها. بقاؤهن اضطرهن إلى قبول العمل
في أشغال غير مرتبة كخادمات في البيوت
التي تحتل المرتبة الأولى ضمن المهن التي
تمتهنها النساء المهاجرات، وتصنفن إلى
خادمات بيوت داخليات وأخريات خارجيات.
فالنساء من الصنف الأول تفتقدن للتغطية
الصحية والضمان الاجتماعي وأبسط حقوق
الإنسان خصوصا إذا كانت المشغلات متسلطات.
في حين أن الخارجيات يمكنهن الاستفادة من
التكوين ودروس تعلم لغة البلد المستضيف أو
دروس تقويتها، وأيضا يمكنها الانضواء في
إطار جمعيات حظهن أفضل من غيرهن.
أما النساء اللواتي التحقن
بأزواجهن في إطار التجمع العائلي خلال
مرحلة الثمانينات، فمنهن من قبلن ظروف عيش
الزوج بمساكن هامشية، ومنهن من رفضن ذلك
فتعرضن للطلاق ووجدن أنفسهن في وضع غير
قانوني، من غير رخصة الإقامة أو عقد
الإيجار ، فالتجأن للعمل بقطاعات لا يعترف
فيها بتقاعد العاملين والعاملات ولا
بعجزهن. وقد تصل يومية المهاجرة العاملة
بالبيوتات والمقاهي إلى 16 ساعة عوض 8
ساعات كما هو متداول، وقد تعملن في أعمال
مضنية وخطيرة وبأجور متدنية، هي نفس أجور
النساء العاملات في نفس القطاعات
بإسبانيا، ولا تتجاوز 26%
من الأجورالتي تحصل عليها العاملات
البلجيكيات، وهذا حيف خاص بالجنس والإثنية[17].
مرحلة التنوع من نهاية القرن
الماضي إلى اليوم
اتخذت الهجرات خلال هذه المرحلة
مسارات متعددة، فلم تعد متوسطية بل كونية،
ولذا نصطلح على تسميتها بالتنوع، بل نتحدث
عن عولمة الهجرة.
لقد شهدت هذه المرحلة إلى جانب
استمرار الأنواع السابقة ظهور أشكال أخرى
للهجرة النسائية غير معهودة من قبل، ومنها
الهجرات المؤقتة أو الموسمية بعقود عمل
والهجرة النسائية السرية أو" ثقافة
الحريك" وهي أشكال ناجمة عن ترسانة من
القوانين والاتفاقيات التي شرعت في
تطبيقها الدول الأروبية، وشددت من
الهجرات. نذكر من ذلك اتفاقيات شنكن
الموقعة في 20 يونيو 1990. ومعاهدة
ماستريخت لسنة 1991 التي بدأت تعمد إلى
الكوطة. هاته السياسات التي اتسمت بنهاية
تحولها في 2 أكتوبر 1997 بأمستردام. إذ
نتج عن ذلك تطبيق المساطير بدل المرونة
وذلك لصالح الوحدة الأروبية عوض دعم دول
الجنوب التي ساهمت في بناء أوروبا خلال
محنتها.
اعتبرت الدول الأروبية الهجرات
تهدد الهوية ببلد الاستقبال وبذلك دفعت
المهاجرات لتتأقلم مع الوضع الجديد خصوصا
أن الهجرة خلال هذه المرحلة تتميز
بالكثافة والتشبيب والتأنيث[18].
سطرت بالمغرب عدة قوانين كان لها
آثارها الإيجابي على المرأة عامة
والمهاجرة بشكل خاص من ذلك مشروع خطة
إدماج المرأة في التنمية وتعديل مدونة
الأحوال الشخصية وأخيرا قانون التجنيس
وأحدث مراكز للبحث متخصصة في الهجرة وحث
على تعميق وتنشيط البحث العلمي في هذا
الموضوع، بل تم خلق مجلس للهجرة. ولكن
الأثر بالنسبة لبعض النساء سطحي، لأنه كما
أجمع على قوله المتخصصون في هذا الشأن
نحتاج إلى تغيير العقليات أكثر منه إلى
نصوص قانونية وتشريعات[19].
الانكباب على التثاقف التشريعي
الذي يحتم على المهاجرة لأن تتأقلم وتندمج
باعتماد قوانين وتشريعات وعادات دول
الاستقبال لأنها الأفضل، تتناسى تلك
الدول، أن أول خرق لحقوق الإنسان هو
التعامل السطحي مع قضايا وعدم الاعتراف
بالاختلاف وحرمان المهاجرة من تتبع قوانين
بلدها، والتمسك بهويتها وثقافتها مع ضرورة
التعايش في وطن الاستقبال دون استيلاب أو
مغالاة.
هكذا، فصدور قانون 43/2000 الذي
ينص على احترام وعدم التمييز بين
المهاجرين القانونيين والمواطنين الأصليين
الذي دخل حيز التنفيذ بدءا من 19 يوليوز
2003. لم بجعل المهاجرات تتمتعن بحقوقهن
كاملة فلا يمكنهن أن يكن ناخبات أو
منتخبات إلا في بعض الدول الأوروبية. ولا
تسمح لهن قوانين تلك الدول الانخراط في
عدة أسلاك من الوظيفة أو تشكيل هيآت
حقوقية أو نقابية أو تشكيل جمعيات فاعلة،
لا تستثنى إلا القلة ومعظم عناصرها ذوات
تعليم عال وينحدرن من مرحلة الرائدات. أي
أنهن ازددن ببلد الاستقبال. هؤلاء فقط
اكتسبن وضعية خاصة وسط محيطهن العائلي
والاجتماعي الأصلي وبوطنهن الثاني بما
أنهن اكتسبن جنسيات بلدان الاستقبال.
لذا لا التعليم ولا الشغل مكن
النساء من الاندماج داخل مجتمع الاستقبال،
لأن الهجرة بكل أصنافها لا زالت تعتبر
مشكلة وليست ظاهرة طبيعية بالرغم مما
حققته المهاجرات على جميع الأصعدة وعلى
رأسها المجال الاقتصادي لأن العائدات
المالية للمهاجرات هامة، خصوصا خلال نهاية
القرن الماضي وبداية هذا القرن.
وبذلك على الدول المصدرة للهجرة
أن تضمن حقوق المهاجرات فوق ترابها
وتحميهن من التمييز والعنف. كما أنه يلزم
لدول الاستقبال أن تضمن العيش الكريم
للنساء المهاجرات باعتبارهن فاعلات
أساسيات في التنمية. يجب أن تكون حقوقهن
كاملة وغير مجزأة مثل حقوق الرجل في
المسكن والعمل والكرامة. يلزم أن تعمل
الدول الأوروبية على خلق وعي إنساني واع
بالتعايش والتباين الثقافي أكثر من إيجاد
ترسانة من القوانين والمساطير قد يفضي
استعمالها إلى عكس النتيجة المتوخاة.
صحيح أن جهل لغة الآخر وعدم
التوفر على مستوى ثقافي هام لا يساعد على
الاندماج والتأقلم مع الآخر. وبذلك
فالمهاجرات اللواتي امتلكن ناصية اللغة
وحصلن على مستوى ثقافي عال نسجن علاقات
واسعة مع السكان الأصليين بعكس الأمهات
اللواتي انتقلن إلى دول المهجر في إطار
التجمع العائلي وجدت صعوبة في الاندماج
والتواصل.
ولذا فالمرأة المهاجرة تلعب دور
حلقة الوصل بين ثقافة بلدان الانطلاق
وبلدان الوصول. ولاشك أن تأهيلها سيصون
كرامتها وسيساعدها على الاندماج والقبول
بالاختلاف والعمل على تعميم ثقافة الآخر.
ولاشك أن المجتمع المدني له محله في هذا
الباب. وستبقى الترسانة القانونية مكونا
أساسيا في الاندماج في انتظار وعي جماعي
يطبق ويعمم فكرة الاندماج لا كمبدإ
للاحتواء الثقافي بل مجالا للتعايش عبر
التمازج الثقافي خصوصا أن المرحلة الثالثة
من الهجرة النسائية التي تتميز بالتنوع
وشيوع ثقافة " الحريك"، تتسم كذلك
بالمقاربة الأمنية مجسدة فيما سمي "بقانون
الهجرة" الذي بدل أن يسهل مسألة دخول
المهاجرين ويعمل على تسوية وضعيتهم صدر في
21 يونيو 2008 قانون يعمل على طرد عدد من
هم في وضعية غير قانونية وفي هذا زيادة
في التعنث. وكما هو معلوم يعد قانون
الهجرة أول قانون يخترق بنود حقوق الانسان
لأنه يحد من حركاته ومن رخص الشغل
والإقامة التي تتحقق معها إنسانيته
وكرامته أينما حل وارتحل.
وأريد أن أختم مداخلتي بالقول
أن مسار هجرة المرأة المغربية ومسألة
اندماجها تكتسي أهمية بالغة مع مرور
الزمن، لذا يجب الانكباب عليها بالدراسة
والبحث الميداني لإعطائها حقها من
الاهتمام ولوضع ظاهرة الهجرة النسائية في
إطارها العام، يجب أن نقارب الأسباب
الداخلية الداتية المتعلقة بدولة الأصل
والخارجية المتعلقة ببلد الاستقبال.
ومن المفيد أن نذكر أن الحكومة
المغربية وضعت في يونيو 2008 برنامجا
وطنيا للجالية المغربية المقيمة بالخارج
نظرا لما تعرفه هذه الأخيرة من تحولات
كبيرة من الناحية التركيبية والنوعية وما
تنتظره من التغير ونعني بذلك التعليم
والصحة، كما أن الحكومة الاسبانية بدأت
بتنفيذ القانون الأوروبي لترحيل المهاجرين
المغاربة مقابل استفادتهم من تعويض عن
البطالة قدره 10000 أورو، ويبقى هذا نوع
من التحفيز على العودة الطوعية. كيف يعقل
أن المهاجر القاضي سنتين بالمهجر بصفة
قانونية يضغط عليها الرجوع إلى البلد يعد
أن اندمجت بمجتمع الاستقبال وتأقلمت مع
الحياة الجديدة بصعوبة، هناك هدر لحقوق
الإنسان وكرامته، أليس كذلك؟.
الببليوغرافية:
1-
إحصائيات مؤسسة الحسن
II
للجالية المغربية المقيمة بالخارج.2004.
عبدالإلاه بلمليح وحميد عرايشي
ومحمد استيتو، مساهمات في التعريف بالهجرة
المغاربية عبر التاريخ، نماذج من الهجرة
نحو أروربا، المصباحية 4،2000، ص ص 45-
57.
تقرير التنمية البشرية 2005،
النساء وديناميات التنمية، يناير 2006،
ص.58.
- كنزة الغالي، نساؤنا
المهاجرات في اسبانيا، منشورات الزمن. رقم
42 ص.71. السنة 2005.
المجلة المغربية للقانون والسياسة
والاقتصاد، عدد خاص، " الندوة الدولية
الأولى حول"المرأة والهجرة"، 1976.
- فاطمة مسدالي: المرأة
المغربية والهجرة، مقال من 12 صفحة حول
خصوصيات الهجرة ومراحل الهجرة النسائية
التي عقبت الهجرة الدولية.
منشورات جمعية نشر المعلومة
القانونية والقضائية، سلسلة الندوات
والأيام الدراسية: "إشكالية الهجرة على
ضوء القانون رقم02.03 المتعلق " بد خول
وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية
وبالهجرة غير الشرعية"، العدد 1، 2004،
الطبعة الثانية ، نوفمبر 2005.
صالح منير، من الفقيه بن صالح إلى
ميلانو، الهجرة الدولية المغربية إلى
إيطاليا، د.د.ع، جامعة محمد الخامس، كلية
الآداب، الرباط 1995- 1996.
ندوة أكاديمية المملكة المغربية "
الاحتمائية الاقتصادية وسياسة
الهجرة"،1993.
2
1- BAROUDI A., Maroc,
impérialisme et émigration, ed. Le
sycomore, 1978
2- BEN ATTO M., Les retraités de
la migration internationale, acteurs
économiques ou élites locales, Al
Mesbahia, Service sciences humaines,
volume n° 5, 2001, pp. 93-119.
3- BONNET J. et BOSSARD R.,
Aspects géographiques de l'immigration
marocaine en Europe, Revue de Géographie
du Maroc, n° 23-24, 1973.
4- DAIDE A., La migration
internationale dans la province de
Tiznit, Réflexions sur les causes, Al
Mesbahia, série sciences humaines,
volume n°1, 1995, pp. 25-30.
5- FAYREN J.G. et ABELLANA. L.
De la corriente emigratoria hacia Espana
a la alternative de desarrollo en El Rif
Marroqui, Al Mesbahia, Série sciences
humaines, volume 5, 2001, pp. 121-199.
من المعهد الجامعي للبحث العلمي-
الرباط
مداخلة بمناسبة المنتدى المتوسطي
الدولي الثاني لجمعيات المجتمع المدني/
فاس: 4- 5-6 يوليو 2008
|