تلقت اللجنة العربية لحقوق الإنسان نبأ
الإنقلاب العسكري في موريتانيا بألم وقلق،
خاصة وأننا نتابع منذ ثلاث سنوات عن كثب
وعبر كوادرنا القيادية ما يحدث في هذا
البلد. لقد دعمنا ضمن إمكانياتنا
المجتمعين السياسي والمدني في واحد من
أصعب نماذج الانتقال في العالم العربي.
كما وأيدت اللجنة العربية لحقوق الإنسان
منذ اللحظة الأولى الإنقلاب العسكري على
دكتاتورية ولد الطايع داعمة فكرة الحقبة
الانتقالية ومطالبة باحترام صوت المجتمع
المدني أثناءها مع منح الحرية لكل
المعتقلين السياسيين والشرعية لكل
التيارات السياسية. بعد ذلك شاركت في
مراقبة الانتخابات ثم حرصت على تنظيم دورة
تدريب للمدافعين عن حقوق الإنسان وبناء
جسور ثقة وتعاون مع كل القوى الديمقراطية
والمدنية في موريتانيا. وهي تعد منذ أشهر
مشروعا لتدريب الكوادر الشابة على حقوق
الإنسان.
لقد تابعنا باهتمام بالغ الأزمة بين
السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي هي
قضية عادية في أنظمة الانتقال الديمقراطي.
الجميع يعرف أن بلدا مثل لبنان استمرت فيه
أزمة أشد خطورة أكثر من سنة دون أن يبرر
ذلك لأي طرف عسكري التدخل لحل البرلمان أو
الحكومة. كذلك نجد في الكويت أزمة مشابهة.
وإذ نحرص على إعطاء هذين المثلين من دول
عربية، كي لا يقول لنا قائل بأننا نتحدث
عن السويد أو بريطانيا.
غضاضة التجربة الموريتانية تجعل من الحرص
على أي مكسب تحقق، ضمانة أساسية للتمكن من
تعزيز الممارسات الديمقراطية. أما اللجوء
إلى المؤسسة العسكرية، وكأنها المحكمة
الدستورية العليا في البلاد، فهو يعتبر
تراجعا عن مكتسبات أساسية شاركت فيها هذه
المؤسسة عينها. لكن في حل توافقي أنقذ
المؤسسة من جرائم الفساد والعسف، مقابل
عودة مبدأ الانتخابات ودولة المؤسسات
ليقرر الشعب مصيره بنفسه. فالمؤسسة
العسكرية توجت نضالات الشعب الموريتاني
وعددا هاما من جنوده وضباطه ضد
الدكتاتورية بخروجها على الدكتاتور. الأمر
الذي قابلته القوى السياسية بمبدأ فتح
صفحة جديدة وعلاقة سليمة بين الدولة
والجيش.
لم نكن من السذاجة بحيث لا نرى حجم
المؤسستين العسكرية والأمنية في الحياة
العامة. لكننا أيضا راهنا ونراهن على
تعزيز دور القوى السياسية والمدنية
وديناميتها، بما يجعل المؤسسة العسكرية
تحترم دورها ومجتمعها وتكون جزءا من عملية
التغيير لا مصدر الخطر عليها.
إن ما حدث هذا الإسبوع يعني أن المؤسسة
العسكرية قد نصبت نفسها وصيا على الدولة
ومؤسساتها وعلى العملية الديمقراطية.
وأنها هنا لتلعب دور الحكم والحاكم كلما
تطلب الأمر. الأمر الذي يحول التجربة
الموريتانية من أنموذج إيجابي إلى أنموذج
سلبي.
من هنا تطالب اللجنة العربية لحقوق
الإنسان بإطلاق سراح الرئيس الموريتاني
الشرعي ورئيس الوزراء وكل المعتقلين
السياسيين والعودة للمؤسسات الدستورية.
كذلك فتح حوار ديمقراطي بين القوى الفاعلة
في البلاد حول وسائل الخروج من الأزمة
الحالية بالمجتمع وعبره، وليس بفرض
المواقف عبر الدبابة التي تحتل القصر
والإذاعة.
باريس 8/8/2008
|