french

English

 

دليل المواقع

برامج وأنشطة

أخبار

الأرشيف

طلب مساعدة

عن اللجنة

الصفحة الرئيسية

Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913

e. mail achr@noos.fr

International NGO in special Consultative Status with the Economic and Social Council of the United Nations


هل خوفنا  (رد على ملاحظات) - هيثم مناع

2008-07-29

 

                                                                                 

عزيزي مصطفى الحسن

تحية طيبة وشوق وبعد

للأسف يحاسب المرء على ما لا يقول، ويستنتج الأشخاص ما يريدون دون تمحيص. أنا لم أرفض قرار المدعي العام كما تقول لسببين خوفي على السودان وخوفي على المحكمة. أنا خائف على المحكمة قبل قصة قرار المدعي العام. ولذلك كتبت قبل أشهر وفي قضية أخرى هي وجود أربع دول إفريقية فقط في قضايا أمام المحكمة (هل هي محكمة للسود؟). وكتبت قبل عام عن بطء الاجراءات وغياب استراتيجية عمل واضحة للمدعي العام وخوفه من تناول أي موضوع حساس أو يتعلق بدولة ذات نفوذ. وأخيرا كتبت مقالة بعنوان (إلا الخطف يا أكامبو) عندما صرح مكتب المدعي العام بوجود خطة لاختطاف هارون وهو في طريقه للحج لإحالته للمحكمة الجنائية الدولية. وأنت تعرف أنني أصدرت عملا جماعيا بعنوان "القانون الدولي وغياب المحاسبة" لتناول الإشكاليات التي تواجهنا كمدافعين عن الحقوق الإنسانية أمام مؤسسات العدالة الدولية. ولي دراسة تعتبر مرجعا حول إشكاليات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا.

إذن مشكلتي مع أكامبو قديمة، وجاءت قصة البشير لتزيد الطين بلة. خاصة وأن من أذاع قرار المدعي العام كان مساعد وزيرة خارجية أكثر الدول في العالم عداءا للمحكمة الجنائية الدولية (السيد سين ماكورماك). أي أن الإشارة التي أعطيت منذ البدء كانت سياسية وليست قضائية.

أما بالنسبة لخوفي على السودان، كتبت رأيي في البشير بعد عشرة أيام من انقلابه في مقالة نشرت في أثينا آنذاك. وخرجت ومازلت أخرج في كل مظاهرات المعارضة السودانية أمام السفارة السودانية في باريس. ولست بحاجة لورقة حسن سلوك نضالية حول ما قمت به لشجب انتهاكات حقوق الإنسان في السودان. أود الإشارة في هذه المناسبة إلى أن العديد ممن أراهم اليوم يحيون قرار أكامبو، لم يكونوا معنا في أية مناسبة تضامن مع شعب السودان. ومنذ أربع سنوات أسعى للذهاب لدارفور وترفض الحكومة. وأخيرا قبلت قبل 4 أشهر من قرار المدعي العام. لكنني في 16 من هذا الشهر أوقفت البعثة (كان من المفترض أن تكون في أول أغسطس) حتى لا نخضع لأي ضغط من أي طرف.

المشكلة يا زميلي مصطفى أن العديد من زملائي يتعاملون مع القانون الدولي كقرآن جديد. ومع المنظمات الدولية كمؤسسات كبيرة لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من خلفها. وكنت دائما ضد هذا التصور لأنه أوصلنا لعدم الفاعلية وغياب التأثير محليا واقليميا ودوليا في العديد من القضايا. حيث صرنا أسرى مبادرات دولية ليست بريئة وليست محايدة. ناهيك عن عزلتنا عن مجتمعاتنا التي ترفض بثقافتها الشعبية عدالة الست وعدالة الجارية.

اللجنة العربية لحقوق الإنسان أصدرت أول تقرير بالعربية عن المحكمة الجنائية الدولية أعده الدكتور محمد حافظ يعقوب. وقد نظمت في مجلس العموم البريطاني أول مناقشة نقدية حول سقف المحكمة، وضرورة استمرار النضال من أجل استقلالية أكبر لها عن السلطة التنفيذية الدولية (مجلس الأمن) في 1999. وذلك بدون تمويل من أحد. كما وانتسبنا للتحالف الدولي من أجل محكمة جنائية دولية بعد تأسيس اللجنة العربية بثلاثة أيام. لكننا لسنا مروجين للمحكمة بكل ما تفعل، ولسنا وكالة أنباء للدفاع غير المشروط عنها. وقد قلنا من اليوم الأول قبل عشر سنين أن المحكمة حل وسط يحتاج لانتساب أكبر قدر من الدول ولكفاءة القضاة ولبراعة المدعي العام من أجل موازنة ما أعطينا لمجلس الأمن من صلاحيات. ونحن نتابع ملفات عديدة أمامها، وتقدمنا باثنين حول العراق والعدوان على لبنان، ودعمنا ملفا حول الانتهاكات في الضفة الغربية.

نحن نعرف كيف يرتجف هذا "العنتر" أكامبو عندما يكون موضوع الحديث انتهاكات بريطانيا المصدقة على روما في العراق. مصداقية المحكمة تكون بوجود مدعي عام قوي في وجه مجلس أمن في عصر الحقبة الأحادية. وإلا فهي قضاء تعليمات على الصعيد الدولي، مثل المحكمة العسكرية في مصر أو محاكم أمن الدولة في سورية أو المحكمة الابتدائية في الرباط.

لا أريد التوقف كثيرا عند البشير، فأنا اعتقد بأن الحكم بجريمة ضد الإنسانية أو جريمة الحرب يعطيه السجن المؤبد ولا يحتاج لإبادة جماعية. النص جرى اضعافه بالمزاودة على المنظمات غير الحكومية بقصة الإبادة الجماعية، لتوجيه رسالة سياسية للسودان. واليوم قالها الرئيس الفرنسي بوضوح حين دعا الرئيس السوداني "للقيام بالجهود الضرورية وإعطاء الاشارات المطلوبة كي يُفهم المجتمع الدولي بأنه أدرك الرسالة التي وجهها له المدعي العام". نحن لسنا من السذاجة بأن ننتظر القبعات الزرق تنزل في مطار الخرطوم لاعتقال البشير. خاصة وأننا نستمع لطلب هذه القوات الحماية من الجيش السوداني في وقت جاءت فيه لحماية المدنيين اللاجئين.

الحرب في الجنوب عمرها خمسين عاما. وفي دارفور مجازر لا يمكن أن نقبل بغياب المحاسبة فيها. لكن ما يحدث ليس محاسبة ولا محاكمة. إنها مسرحية تبادل رسائل سياسية بتوظيف للمدعي العام للمحكمة الجنائية (كما وظفت قضية الحريري، ويمكن الآن غض النظر عنها ان احتاج الأمر). هذا الأسلوب الرخيص سيجعل العدالة الجنائية مكروهة في مجتمعاتنا. لأنه يحولها إلى وسيلة ضغط على الحكومات لاسترقاقها، لا لتحريرنا وتخليصنا منها ومن استبدادها.

كتبت مقالتي يوم الجمعة الماضية قبل اجتماع وزراء الخارجية العربية والاتحاد الإفريقي. وقلت بأن للرؤساء من يحميهم، وأنت ترى هذا الاستنفار لحماية البشير من الصين للسنغال. أصبح الرجل يمتلك شعبية كبيرة والمحكمة سمعتها في الحضيض. على الأقل، كان بإمكان أكامبو إعداد نص قوي وموثق يمكن الدفاع عنه. وليس تقديم نص سياسي قضائي، يستعمل اليوم للحاجة إليه، ويلقى به في سلة المهملات عندما يصبح البشير مطواعا في قضايا أخرى لعل آخرها دراويش دارفور.

بين الوقوف مع البشير عاطفيا واحترام قرار أكامبو لأنه يؤرق عيش حاكم مستبد عاطفيا أيضا، ثمة مساحة كبيرة للتأمل والتحليل تأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين الأمن والوحدة والعدالة في السودان، وعدم تحول المحكمة الجنائية الدولية لتؤام مشلول لمحكمة العدل الدولية.

مع خالص تحياتي

هيثم مناع

 

    

 

الصفحة الرئيسة

 

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي اللجنة العربية لحقوق الإنسان , إنما تعبر عن رأي أصحابها