قرأت مقالة الزميل / هيثم مناع ( خوفنا
على السودان والمحكمة وليس علي البشير )
وأود أن أناقش زميلي هيثم في هذه المقالة
فقد لاحظت : ـ أنه يرفض قرار المدعي
العام للمحكمة الجنائية الدولية وذلك
لسببين أولهما خوفه على السودان وثانيهما
علي المحكمة الجنائية الدولية كما عنون
مقاله .فنحن العرب جميعا نخاف علي السودان
ونخشى عليه من التمزيق الذي هو في رأي
الكثيرين صناعة نظام عمر البشير الذي قاد
السودان إلي حرب أهلية في الجنوب انتهت
إلي اتفاقية نيفاشا التي سوف تؤدي إلي
انفصال الجنوب وفقا لرؤية بعض المحللين ثم
أحداث دارفور و ما صاحبها من مذابح وجرائم
ضد الإنسانية أدت إلي نزوح أعداد تجاوز
المليون .السؤال الذي يطرح نفسه في رأيي
علينا بالنسبة لأمتنا العربية هل حال هذه
الأمة ودولها هو من صنع هؤلاء المستبدين
أم لا وما هو حجم مسئوليتهم عن التردي
الذي وصلت إليه الدول العربية .ديكتاتور
مثل البشير بالتأكيد مسئول مسئولية مباشرة
عن ما يحدث في السودان فأنا أعتقد أن
خوفنا علي السودان يدعونا إلي الوقوف ضد
هذا الديكتاتور وأمثاله الذين يتشبثون
بالسلطة حتي يصل الحال إلي ما وصل إليه في
العراق فالبشير لن يتخلى عن السلطة إلا
عندما يتمزق السودان إلي شمال وجنوب وشرق
.في رأيي أن السؤال المنطقي في هذا القرار
هل فعلا ارتكب البشير جرائم حرب وجرائم ضد
الإنسانية بطريقة مباشرة أم غير مباشرة في
دارفور أي هل هناك أدلة قوية علي ارتكابه
هذه الجرائم أم لا .طالما قام بارتكاب
الجريمة وكانت هناك أدلة قاطعة علي
ارتكابه لهذه الجريمة يجب أن يقدم إلي
المحاكمة فليس معني أن يقوم بوش أو شارون
أو أولمرت بجرائم حرب أو جرائم ضد
الإنسانية و لا يقدموا إلى المحاكمة أن
يتم إعفاء البشير من هذه المحاكمة
فالعدالة لا تري ويجب أن تطبق علي الجميع
دون تمييز ومن ثم يجب أن يعدل ميزان
العدالة المائل بتقديم بوش وشارون إلي
المحاكمة طالما ارتكبوا هذه الجرائم وهذه
الجزئية تجرنا إلي اختلاف الزميل هيثم
مناع مع طريقة إدارة أوكامبو المدعي العام
للمحكمة الجنائية الدولية ووصفه بالفاشل
أنا لا أختلف مع توصيف الزميل هيثم للمدعي
العام بالفشل . وأنه لم يضع استراتيجية
عمل و أنه قد غابت عنه المبادرات الخلاقة
والأصيلة عن منصب بأمس الحاجة لذلك .
فلنفترض جدلا أن أوكامبو مدعي عام فاشل هل
هذا يدفعنا إلي الدفاع عن البشير سؤال
يحتاج إلي إجابة من الزميل . إن أوكامبو
مدعي عام فاشل فعلا غض الطرف عن جرائم حرب
وجرائم ضد الإنسانية ويده قاصرة عن أن
تطول بوش و أولمرت .يجب أن ندافع عن
العدالة الدولية التي أصبحت حلم الجميع
.يجب أن نعمل علي محاسبة أوكامبو علي
تقصيره في عمله وعدم تقديمه مجرمي حرب إلي
المحاكمة علي الرغم من الأدلة القاطعة علي
ارتكابهم الجريمة . يجب أن نعمل علي تغيير
أوكامبو المقصر والذي قصر في عمله وتقاعس
عن تقديم مجرمي حرب إلي المحاكمة ولكن
عندما يحاول هذا المتقاعس تقديم ابن عمي
مجرم الحرب إلي المحاكمة يكون قد أخطأ
أوكامبو أخطأ في عدم تقديم بوش وأولمرت
لكنه لم يخطي في تقديم البشير للمحاكمة
فالسؤال المفصلي في رأيي هل فعلا ارتكب
الجرائم المنسوبة إليه أم لا وهل هناك
أدلة قاطعة علي ارتكابه هذه الجرائم لو
ارتكبها يجب أن يقبض عليه وأن يلاحق دوليا
لأننا عندما نطالب بالعدالة لأنفسنا (
العراق ، فلسطين ) يجب أن نطالب بها وبنفس
القوة في دارفور في أخر المقال عرج الزميل
هيثم إلي ضعف المعطيات التي استند إليها
أوكامبو في قراره إن هذا هو الذي يجب أن
يناقش هل المعطيات التي قدمها السيد
أوكامبو قوية وقاطعة الدلالة علي ارتكاب
البشير مثل هذه الجرائم أم أنه وفقا لما
ذكره الزميل قدم معطيات ضعيفة ، فلو قدم
معطيات ضعيفة هذا يؤكد أننا أمام مدعي عام
فاشل فعلا فشل في أن يقدم أدلة قوية
وقاطعة علي ما أسنده إلي البشير من جرائم
. فإذا كان أوكامبو مدعي عام فاشل وينظر
إلي العدالة الدولية بمكايلين حسب ما يوصف
به يجب أن نقدم إلي العالم الدلائل علي
ذلك وبالتهم التي يلقيها جزافا علي بريء
وهو ما يعزز طلب عزله وأعتقد أ، هناك
إجراءات لذلك زميلي هيثم أنا معك خائف علي
السودان وخائف علي المحكمة الجنائية
الدولية لكنني أختلف معك في بعض ما ذكرت
.
مصطفى الحسن طه
أسوان
29 / 7 / 2008
هل خوفنا (رد على ملاحظات)
عزيزي مصطفى الحسن
تحية طيبة وشوق وبعد
للأسف يحاسب المرء على ما لا يقول،
ويستنتج الأشخاص ما يريدون دون تمحيص. أنا
لم أرفض قرار المدعي العام كما تقول
لسببين خوفي على السودان وخوفي على
المحكمة. أنا خائف على المحكمة قبل قصة
قرار المدعي العام. ولذلك كتبت قبل أشهر
وفي قضية أخرى هي وجود أربع دول إفريقية
فقط في قضايا أمام المحكمة (هل هي محكمة
للسود؟). وكتبت قبل عام عن بطء الاجراءات
وغياب استراتيجية عمل واضحة للمدعي العام
وخوفه من تناول أي موضوع حساس أو يتعلق
بدولة ذات نفوذ. وأخيرا كتبت مقالة بعنوان
(إلا الخطف يا أكامبو) عندما صرح مكتب
المدعي العام بوجود خطة لاختطاف هارون وهو
في طريقه للحج لإحالته للمحكمة الجنائية
الدولية. وأنت تعرف أنني أصدرت عملا
جماعيا بعنوان "القانون الدولي وغياب
المحاسبة" لتناول الإشكاليات التي تواجهنا
كمدافعين عن الحقوق الإنسانية أمام مؤسسات
العدالة الدولية. ولي دراسة تعتبر مرجعا
حول إشكاليات المحكمة الجنائية الدولية
الخاصة برواندا.
إذن مشكلتي مع أكامبو قديمة، وجاءت قصة
البشير لتزيد الطين بلة. خاصة وأن من أذاع
قرار المدعي العام كان مساعد وزيرة خارجية
أكثر الدول في العالم عداءا للمحكمة
الجنائية الدولية (السيد سين ماكورماك).
أي أن الإشارة التي أعطيت منذ البدء كانت
سياسية وليست قضائية.
أما بالنسبة لخوفي على السودان، كتبت رأيي
في البشير بعد عشرة أيام من انقلابه في
مقالة نشرت في أثينا آنذاك. وخرجت ومازلت
أخرج في كل مظاهرات المعارضة السودانية
أمام السفارة السودانية في باريس. ولست
بحاجة لورقة حسن سلوك نضالية حول ما قمت
به لشجب انتهاكات حقوق الإنسان في
السودان. أود الإشارة في هذه المناسبة إلى
أن العديد ممن أراهم اليوم يحيون قرار
أكامبو، لم يكونوا معنا في أية مناسبة
تضامن مع شعب السودان. ومنذ أربع سنوات
أسعى للذهاب لدارفور وترفض الحكومة.
وأخيرا قبلت قبل 4 أشهر من قرار المدعي
العام. لكنني في 16 من هذا الشهر أوقفت
البعثة (كان من المفترض أن تكون في أول
أغسطس) حتى لا نخضع لأي ضغط من أي طرف.
المشكلة يا زميلي مصطفى أن العديد من
زملائي يتعاملون مع القانون الدولي كقرآن
جديد. ومع المنظمات الدولية كمؤسسات كبيرة
لا يأتيها الباطل من بين أيديها ولا من
خلفها. وكنت دائما ضد هذا التصور لأنه
أوصلنا لعدم الفاعلية وغياب التأثير محليا
واقليميا ودوليا في العديد من القضايا.
حيث صرنا أسرى مبادرات دولية ليست بريئة
وليست محايدة. ناهيك عن عزلتنا عن
مجتمعاتنا التي ترفض بثقافتها الشعبية
عدالة الست وعدالة الجارية.
اللجنة العربية لحقوق الإنسان أصدرت أول
تقرير بالعربية عن المحكمة الجنائية
الدولية أعده الدكتور محمد حافظ يعقوب.
وقد نظمت في مجلس العموم البريطاني أول
مناقشة نقدية حول سقف المحكمة، وضرورة
استمرار النضال من أجل استقلالية أكبر لها
عن السلطة التنفيذية الدولية (مجلس الأمن)
في 1999. وذلك بدون تمويل من أحد. كما
وانتسبنا للتحالف الدولي من أجل محكمة
جنائية دولية بعد تأسيس اللجنة العربية
بثلاثة أيام. لكننا لسنا مروجين للمحكمة
بكل ما تفعل، ولسنا وكالة أنباء للدفاع
غير المشروط عنها. وقد قلنا من اليوم
الأول قبل عشر سنين أن المحكمة حل وسط
يحتاج لانتساب أكبر قدر من الدول ولكفاءة
القضاة ولبراعة المدعي العام من أجل
موازنة ما أعطينا لمجلس الأمن من صلاحيات.
ونحن نتابع ملفات عديدة أمامها، وتقدمنا
باثنين حول العراق والعدوان على لبنان،
ودعمنا ملفا حول الانتهاكات في الضفة
الغربية.
نحن نعرف كيف يرتجف هذا "العنتر" أكامبو
عندما يكون موضوع الحديث انتهاكات
بريطانيا المصدقة على روما في العراق.
مصداقية المحكمة تكون بوجود مدعي عام قوي
في وجه مجلس أمن في عصر الحقبة الأحادية.
وإلا فهي قضاء تعليمات على الصعيد الدولي،
مثل المحكمة العسكرية في مصر أو محاكم أمن
الدولة في سورية أو المحكمة الابتدائية في
الرباط.
لا أريد التوقف كثيرا عند البشير، فأنا
اعتقد بأن الحكم بجريمة ضد الإنسانية أو
جريمة الحرب يعطيه السجن المؤبد ولا يحتاج
لإبادة جماعية. النص جرى اضعافه بالمزاودة
على المنظمات غير الحكومية بقصة الإبادة
الجماعية، لتوجيه رسالة سياسية للسودان.
واليوم قالها الرئيس الفرنسي بوضوح حين
دعا الرئيس السوداني "للقيام بالجهود
الضرورية وإعطاء الاشارات المطلوبة كي
يُفهم المجتمع الدولي بأنه أدرك الرسالة
التي وجهها له المدعي العام". نحن لسنا من
السذاجة بأن ننتظر القبعات الزرق تنزل في
مطار الخرطوم لاعتقال البشير. خاصة وأننا
نستمع لطلب هذه القوات الحماية من الجيش
السوداني في وقت جاءت فيه لحماية المدنيين
اللاجئين.
الحرب في الجنوب عمرها خمسين عاما. وفي
دارفور مجازر لا يمكن أن نقبل بغياب
المحاسبة فيها. لكن ما يحدث ليس محاسبة
ولا محاكمة. إنها مسرحية تبادل رسائل
سياسية بتوظيف للمدعي العام للمحكمة
الجنائية (كما وظفت قضية الحريري، ويمكن
الآن غض النظر عنها ان احتاج الأمر). هذا
الأسلوب الرخيص سيجعل العدالة الجنائية
مكروهة في مجتمعاتنا. لأنه يحولها إلى
وسيلة ضغط على الحكومات لاسترقاقها، لا
لتحريرنا وتخليصنا منها ومن استبدادها.
كتبت مقالتي يوم الجمعة الماضية قبل
اجتماع وزراء الخارجية العربية والاتحاد
الإفريقي. وقلت بأن للرؤساء من يحميهم،
وأنت ترى هذا الاستنفار لحماية البشير من
الصين للسنغال. أصبح الرجل يمتلك شعبية
كبيرة والمحكمة سمعتها في الحضيض. على
الأقل، كان بإمكان أكامبو إعداد نص قوي
وموثق يمكن الدفاع عنه. وليس تقديم نص
سياسي قضائي، يستعمل اليوم للحاجة إليه،
ويلقى به في سلة المهملات عندما يصبح
البشير مطواعا في قضايا أخرى لعل آخرها
دراويش دارفور.
بين الوقوف مع البشير عاطفيا واحترام قرار
أكامبو لأنه يؤرق عيش حاكم مستبد عاطفيا
أيضا، ثمة مساحة كبيرة للتأمل والتحليل
تأخذ بعين الاعتبار العلاقة بين الأمن
والوحدة والعدالة في السودان، وعدم تحول
المحكمة الجنائية الدولية لتؤام مشلول
لمحكمة العدل الدولية.
مع خالص تحياتي
هيثم مناع
|