Arab Commission for Human Rights
5, rue Gambetta
92240-Malakoff- France
Tel 0033140921588 Fax 0033146541913
e. mail achr@noos.fr
International NGO in special Consultative Status with
the Economic and Social Council of the United Nations
العنف الطائفي في مصر: كلنا
مضطهدون - أيمن رفعت
2008-07-22
أولا: ما
سبب العنف الطائفي؟
من أهم أسس المنهج العلمي ألا تدرس
الظاهرة موضوع دراستك بمعزل عن سياقها
العام. وإذا أردنا دراسة العنف الطائفي في
مصر فيجب ألا نعزله عن بقية صور العنف في
المجتمع المصري، مثل العنف الأسري الذي
يبدأ مع أول مشكلة تسكت عنها الألسنة
لترتفع فوقها الأيدي، والعنف في المدارس
سواء
كان بين المعلم وطلابه أو بين الطلاب
أنفسهم، والعنف الذي يمارسه رجال الشرطة
بشكل
روتيني، والعنف الواضح حتي في قيادة
السيارات. وبذلك سنخرج بأول نتيجة، وهي:
إن
العنف أصبح ظاهرة عامة في المجتمع المصري
في السنوات الأخيرة، وهو ليس قاصرا علي
العلاقة بين الطوائف الدينية المختلفة.
ولذلك فإنني أعتقد أن سبب العنف الطائفي
في
مصر هو نفسه سبب الصور الأخري للعنف، فما
سبب العنف الطائفي في مصر؟ ثمة ثلاث
إجابات مختلفة لهذا السؤال:
1-
وجود جماعات وأفراد في كلتا الطائفتين
المسلمة
والمسيحية يبثون الكراهية للطائفة الأخري
بمختلف المنابر. ولكني أري أن هذا ليس
سببا للعنف الطائفي، وإنما أحد مظاهره.
والحقيقة أن هذا العنف متبادل رغم أن كل
طرف
يدعي أنه من طرف واحد، وإن قلَّت عدد
الاعتداءات المسيحية عن عدد الاعتداءات
المسلمة، فذلك لقلة نسبتهم في المجتمع عن
نسبة المسلمين، ولسبب آخر يُحسد عليه
المسيحيون، وهو أن الكنيسة القبطية
الأرثوذكسية هي المؤسسة الوحيدة في مصر
التي لا
يُعين رئيسها بقرار من أمن الدولة، لدرجة
أن السادات في قمة غطرسته وصدامه مع
البابا شنودة لم يستطع حبسه أو عزله،
بينما حبس الشيخ كشك والشيخ المحلاوي وقال
عنه
مقولته الشهيرة: (مرمي في السجن زي
الكلب). ولذلك فإن للبابا شنودة
استقلاليته،
ومرجعيته الموثوق بها من قِبَلِ مسيحيي
مصر، واحترامه من قِبل كل المسلمين
المصريين (ربما
يحترمونه أكثر من بعض أقباط المهجر الذين
يهاجمونه الآن)، لذلك فإن الكل كان
يتطلع إليه عندما تحدث مثل هذه الفتن،
والرجل دائما يدعو أبناء طائفته للصبر علي
المكاره، وعدم الانفعال حفاظا علي الوحدة
الوطنية (ولكنه للأسف كلما وقعت فتنة في
الفترة الأخيرة اعتزل الناس معتكفا
للعبادة في وادي النطرون)، بينما يفتقد
المسلمون
في مصر مرجعية دينية رسمية موثوق بها
طالما ظل شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية
ورئيس جامعة الأزهر مُعَيَّنين بقرار من
أمن الدولة.
2-
تقاعس الدولة وأجهزتها
الأمنية عن أداء دورها تجاه الاعتداءات
الطائفية علي الأقباط، سواء رجع ذلك إلي
عدم
الكفاءة أو إلي تواطؤ من عناصر داخل تلك
الأجهزة موالية للتيارات الفاشية بالمجتمع.
وأنا في الحقيقة يدهشني أصحاب هذا الرأي
لأن الشرطة المصرية لا تؤدي أي دور إلا
حماية الحاكم فقط. وإذا قامت أية مشاجرة -
حتي بين أبناء الدين الواحد - فلن تتدخل
الشرطة عملا بمبدأ (أن هؤلاء صيع ويجب أن
نتركهم يُخَلِّصون علي بعض)، ثم تتدخل بعد
انتهاء المشاجرة للقبض علي من بقي حيا
وإحصاء الضحايا والخسائر، وهي لا تضطهد
الأقباط فقط بل كل المصريين، والأقباط جزء
من المصريين لذلك عليهم أن يتحملوا جزءا
من الاضطهاد عملا بمبدأ المساواة في
المواطنة.
ولكي أوضح ما أقصد سأروي موقفا
شخصيا تعرضت له. دخلت قسم شرطة سيدي جابر
بالإسكندرية لأبلغ عن سرقة سيارتي، وكنت
أظن أن القسم سينقلب رأسا علي عقب، فلقد
سرقت سيارة بأكملها في وضح النهار في
منطقة
من أرقي مناطق الإسكندرية، لكني فوجئت
بمدي التجاهل وسوء المعاملة، فقد كان علي
أن
أنتظر السيد ضابط المباحث حتي يعود من
جولاته علي التجمعات الانتخابية، وحتي
ينتهي -
بعد عودته - من اتصالاته بالسادة ضباط أمن
الدولة ليعطيهم التقارير عما شاهد. ولم
يقف الأمر عند حد طول الانتظار، بل أنه
عاملني كمتهم، فأخذ بطاقتي لمدة يوم كامل
وأجبرني علي الجلوس داخل سيارة البوكس
(كما يجلس المتهمون أو المخبرون) لكي
أطلعه
علي المكان الذي تركت فيه سيارتي قبل
سرقتها، ورفض أن أركب جواره أو أستوقف
تاكسيا.
وإلي الآن لا أعرف لماذا تمت معاملتي بهذا
الشكل علما أنني لست مسيحيا. ثم شاء
القدر أن أدخل نفس القسم مع شخص أمريكي
(مسيحي) للإبلاغ عن فقد جواز سفره، وفوجئت
بنفسي أجلس في مكتب مأمور القسم الذي
يسألنا بنفسه إن كنا نريد شايا أو قهوة،
كما
قام رئيس مباحث القسم بكتابة المحضر بنفسه.
3-
شعور المتدين بإهانة دينه.
ولاختبار صحة هذه الإجابة سأقارن بين
ثلاثة مواقف تعرض فيها المتدين لهذا
الشعور:
الموقف الأول في الولايات المتحدة
الأمريكية، خلال إحدي جولات باراك أوباما
المرشح للرئاسة الأمريكية عندما رفض
التقاط صورة له وخلفه بنات محجبات، وعلي
الفور
قامت قناة (سي إن إن) بعمل لقاءات متعددة
مع محللين سياسيين من مختلف الاتجاهات
السياسية والدينية، وكان واضحا شعور
المسلمين في أمريكا بإهانة دينهم، بل إن
بعضهم
هدد بالتراجع عن تأييد أوباما لأنه في حال
فوزه سيكون رئيسا لكل الأمريكان بمن فيهم
المسلمون. لكن الملاحظ أن أحدا لم يهدد
أوباما بالقتل، ولم تخرج مظاهرات تقذف
مندوبيه بالطوب. لماذا؟ لأن اعتراضهم وصل
لهدفه، بل أنه أجبر أوباما بعد ساعات
قليلة علي الاعتذار، وفي اليوم التالي حرص
علي التقاط صور له مع فتيات محجبات،
وانتهي الأمر.
الموقف الثاني في مصر ، عندما رأي
المسيحيون أن إسلام وفاء
قسطنطين حدث مدبر لإهانة دينهم، فتظاهروا
داخل كاتدرائية العباسية واعتدوا علي رجال
الشرطة عندما حاولوا منعهم من الخروج من
الكاتدرائية.
الموقف الثالث في مصر
أيضا، عندما رأي المسلمون في المسرحية
التي عرضت داخل كنيسة مارجرجس بمحرم بك
بالإسكندرية إهانة لدينهم، فتجمعوا حول
الكنيسة واعتدوا عليها.
فلماذا يلجأ
المتدينون في مصر إلي العنف عند الشعور
بإهانة دينهم؟ هل السبب هو دينهم؟
لا
أعتقد أن الدين المسيحي هو السبب، فالمسيح
يقول في الإنجيل: من ضربك علي خدك الأيمن
فأدر له خدك الأيسر
.
ولا أعتقد كذلك أن الدين الإسلامي هو
السبب، لأن القرآن
لم يشرع القتال للمسلمين إلا إذا بدأهم به
العدو، بل وينهاهم عن أن يكونوا هم
البادئون بالاعتداء، وقاتلوا في سبيل الله
الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا
يحب المعتدين . ولو كان الدين سبب العنف،
فلماذا لم يلجأ إليه المسلمون في أمريكا
عند شعورهم بإهانة دينهم بينما يلجأ له
المسلمون والمسيحيون في مصر عند شعورهم
بنفس
الشعور؟
أعتقد لأنهم لا يجدون منافذ التعبير التي
تنقل صوتهم، وتفتح جراحهم
ليخرج منها الصديد عندما تفتح حوارا حرا
لمناقشة مثل هذه الإهانات، ولكن للأسف فإن
منافذ التعبير في مصر اقتصرت علي ثلاثة:
منافذ حكومية لا تتحدث إلا عن فخامة
الرئيس.
منافذ خاصة تنشغل بالصراع بين تامر حسني
وعمرو دياب.
منافذ طائفية
تساهم بشكل كبير في تغذية الفتنة الطائفية.
ولعل السبب الرئيسي في هذا الوضع هو
غياب الديمقراطية التي تقوم علي مؤسسات
المجتمع المدني، وتفسح المجال للجمعيات
الأهلية لتقوم بدورها في التعبير عن
الشارع، عندئذ يكون لكل طائفة من يمثلها
تمثيلا
حقيقا ويطالب بحقوقها ويعبر عن غضبها بشكل
سلمي فعال، وهذا هو سبب قوة الأحزاب
والمنظمات الأهلية في الغرب، أنها تمثل
قاعدة عريضة يحسب لها حساب. أما المصري
إذا
أهين فليس أمامه إلا أن يضرب رأسه في
الحائط ؛ فليس له عضو مجلس نيابي يمثله،
ولا
حزب يدافع عنه، ولا حتي رجل دين يثق في
مرجعيته. وبالتالي سوف يشعر بالغربة داخل
وطنه، ويفقد انتماءه الي البلد، ويوجه
انتماءه نحو جماعته الصغيرة (الدينية أو
القروية أو الكروية)
ويتعصب لها. وعندما يشعر بإهانة دينه لا
ينتظر رد فعل الازهر أو
دار الإفتاء. نستخلص من هذا كله أن السبب
الرئيسي للعنف الطائفي في مصر هو غياب
الديقراطية، وليس أدل علي ذلك من أن العنف
الطائفي لم يظهر في مصر قبل ثورة يوليو)
التي قضت علي الديمقراطية المصرية وأقامت
حكما
عسكريا ثم بوليسيا)
رغم أن المجتمع
المصري كان يضم ثلاث طوائف دينية مختلفة
(مسلمة ومسيحية ويهودية(.
ثانيا:
لماذا يزداد العنف الطائفي؟
إذا كان غياب الديمقراطية هو السبب
الرئيسي وراء
العنف الطائفي في مصر فلماذا لم يظهر هذا
العنف منذ قيام ثورة يوليو وظل مكتوما حتي
أواخر حكم السادات؟ لأن السبب الرئيسي لأي
ظاهرة يكون كفيلا بخلقها حتي تأتي مجموعة
عوامل مساعدة تهيأ لهذه الظاهرة أن تندلع.
ولعل من أهم عوامل اندلاع ظاهرة العنف
الطائفي في مصر ما يلي: ضعف الدولة
الحالية في مصر بسبب فقدانها لشرعيتها في
الداخل
وعجز قادتها الذين شاخوا فوق مقاعدهم
(إنهم عاجزون حتي عن ممارسة مزيد من
القمع) وتعرضهم لضغوط عالمية كبري، مما
جعلها تتحول من البقرة الضاحكة (كما كنا
نسمي
رأس هذه الدولة) إلي البقرة التي وقعت،
كما يقول المثل الشعبي (إذا وقعت البقرة
كثُرت سكاكينها ). فلقد وقعت دولتنا ورفع
كل منا سكينه علي رقبتها، لا ليقتلها بل
ليساومها علي مطالبه، وهي للأسف مطالب
طائفية أو فئوية. فمن هذه المطالب
الطائفية :
الأقباط: وأنا أتفهم بل وأتبني مطالبهم
بشأن تدريس التاريخ القبطي في المدارس
كجزء من تاريخ مصر، وأن نكف عن عادتنا في
تزوير التاريخ. بل إنني أعتقد أن هذا مطلب
وطني لا يخص الأقباط وحدهم. كما أفهم
مطالبهم الأخري بشأن حرية بناء الكنائس
وترميمها. لكن تزعجني حقا مطالب مايكل
منير الأمريكي من أصل مصري (ولا أقول
المصري
الحاصل علي الجنسية الأمريكية) بتخصيص
دوائر انتخابية لا يرشح فيها سوي الأقباط،
فهل هذه هي الديمقراطية؟ هل مصر مثل
أمريكا التي ما زالت حتي الآن مقسمة إلي
مناطق
للبيض وآخري للسود؟ هل مصر مثل أمريكا
التي لم تعط السود حق التصويت في
انتخاباتها
إلا في ستينيات القرن العشرين (ومع ذلك
نصفها بأنها أعرق ديمقراطيات العالم)؟
بالطبع لا لأن المجلس النيابي في مصر منذ
إنشائه أول مرة في ستينيات القرن التاسع
عشر كان يضم نوابا مسلمين وأقباطا. كما
أزعجني تصريحه بعد لقائه بجمال مبارك أنه
سيؤيد أي رئيس يخلف مبارك الأب إذا كان
سيعطي الأقباط حقوقهم كاملة، في إشارة إلي
صفقة بينه وبين مبارك الابن علي تأييده
ودعمه (خصوصا لدي الإدارة الأمريكية التي
يحتاجها جمال ليرث مصر) مقابل منح الأقباط
مزيدا من الحقوق.
كما أزعجني تأييد
الأقباط لقانون الإرهاب الذي تريد الحكومة
المصرية سنه بحجة أن أعرق الدول
الديمقراطية طبقته بعد أحداث الحادي عشر
من سبتمبر لحماية ديقراطيتها من
الإرهابيين، دون أن يسألوا أنفسهم: لماذا
ستطبقه مصر؟ (فأي قانون تحتاجه مصر وهي
محكومة منذ ما يزيد علي نصف قرن بقانون
الطوارئ؟) ولحماية ماذا إذا كانت مصر دولة
غير ديمقراطية؟ ولحماية من إذا كانت
الدولة لا تحمي إلا حاكمها؟ (لماذا يظن
الأقباط
أن هذا القانون سيحميهم رغم أن ضربات
الإرهاب أصابت المصريين كلهم ولم تقتصر
علي
الأقباط وحدهم، بل إن معظم ضحايا الهجمات
الإرهابية علي مصر كانوا مسلمين؟) وكيف
ستطبقه؟ (هل يثق المصريون في رجال الشرطة
الذين سيطبقون هذا القانون من أجل المزيد
من إحكام قبضتهم علي البلد؟). كما أزعجتني
مطالبة الأقباط للإعلام المصري بالشفافية
في نقل أخبار الفتنة الطائفية، ولم
يطالبوه بالشفافية في كل الأحوال. فلماذا
يتقوقع
الأقباط علي أنفسهم لهذه الدرجة ؟
النوبيون: وأنا وغيري كثيرون - بالفعل
أحترم
النوبيين وثقافتهم لا كمتحف بل كحياة
تُمارس وأخلاق تُسلك، ولكني دهشت عندما
رأيت
صديقي الأديب الرائع حجاج حسن أدول في
قناة العربية في برنامجها السياسي (نقطة
نظام) وليس في برنامجها الثقافي (روافد)،
والذي أدهشني أكثر أنني عرفته عن قرب
لفترة من الزمن في ندوات ومقاهي
الإسكندرية بل وفي بيته. ومع ذلك لم أسمع
منه من
قبل ما سمعته منه علي قناة العربية وما
أقرأه له علي الإنترنت الآن. فقد سمعته من
قبل يتحدث عن تضرر النوبيين من جراء
الأخطاء التي وقعت فيها الدولة أثناء
تهجيرهم
لبناء السد العالي علي أرض قراهم، وحرصه
علي جمع التراث النوبي خوفا من اندثاره.
لكني لم أسمعه أبدا يتحدث عن اضطهاد مصري
ضد النوبيين، أو عن مقارنة الشتات النوبي
في محافظات مصر بالشتات الفلسطيني، أو عن
مطالبه التي من أهمها: عودة النوبيين إلي
موطنهم مثلما أعادت الدولة المصرية مهجري
قناة السويس إلي مدينتهم، أن تكون اللغة
النوبية لغة ثانية في مصر، محاكمة
المسؤولين الذين أجرموا بحق الشعب النوبي
أمام
محاكم دولية.
وأنا أود أن أذكره بأن أحدا في مصر لم
يعترض علي حكم السادات بسبب
لون بشرته الأسود، بينما أمريكا الآن
مقلوبة رأسا علي عقب لأن أحد المرشحين
لرئاستها أسود، وقد وصلته خطابات تهديد
بالقتل من جماعات البيض المتعصبين. وأسأله:
هل إذا حملتُ أمتعتي وتوجهت إلي منطقة
النوبة لأقيم فيها سيمنعني المسئولون في
مصر؟
وإذا كانت الإجابة بـ (لا) فلماذا ينتظر
النوبيون الدولة كي تعيدهم إلي أرضهم؟ أما
إذا كانت الإجابة بـ (نعم) فإنها ليست
مشكلة النوبيين وحدهم بل مشكلة كل
المصريين.
وكذلك
بالنسبة لتغيير أسماء القري النوبية إلي
أسماء نوبية فإنها قضية كل المصريين
الذين يجب أن يقفوا ضد تزوير التاريخ بكل
أشكاله. أما حديثه عن عدم وجود مذيعة أو
مذيع أسود في مصر فالرد واضح، أنه لا
يستطيع أي مصري مهما كان لونه أو دينه أو
مؤهلاته أن يعمل مذيعا في التليفزيون
الرسمي المصري بدون واسطة كبيرة جدا.
وأخيرا
أود أن أهمس في أذنه: أنا حزين جدا منذ
قرأت مقولتك عن اضطهاد مصر للنوبيين، حزين
لأنني بالفعل أحبك، رغم أنني مصري، ورغم
أن بشرتي ليست سمراء!
الإخوان: وكلنا
يعرف أنهم يساومون الدولة للإفراج عن
معتقليهم وإفساح المجال لهم في النقابات
والمجالس النيابية، وأخشي ما أخشاه أن
يكون المقابل سكوتهم عن توريث الوطن.
ولكني
أقول لهؤلاء: إذا نجحت مساوماتكم وورث آل
مبارك مصر فلن يغفر لكم التاريخ
!
أما المطالب الفئوية التي ظهرت فجأة منذ
سقوط عصا سليمان من يد الدولة
المصرية، فإنها مطالب تتعجب كيف سكت الشعب
عنها لمدة تزيد علي نصف قرن. فمعظمها
مطالب بخصوص أوضاع غير طبيعية رسختها ثورة
يوليو، مثل : مطالب القضاة باستقلال
السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
مطالب أساتذة الجامعة بانتخاب عمداء
الكليات ورؤساء الجامعات ومجلس إدارة
ناديهم، وإنهاء دورالأمن في الجامعة.
مطالب الصحافيين بإطلاق حرية إصدار الصحف،
وإلغاء القوانين التي تبيح حبس
الصحفي في جرائم النشر، وتطبيق قوانين
الخصخصة علي وسائل الإعلام الحكومية
لإلغاء
دور الدولة في الإعلام.
مطالب عمال شركات العام بتحسين رواتبهم
وعلاواتهم بما
يوازي حالة التضخم في الاقتصاد المصري.
مطالب سكان المناطق العشوائية بحقهم في
شرب مياه غير ملوثة فيما أطلق عليه
مظاهرات العطش.
لعلها الوحيدة حركة كفاية
التي لها مطالب عامة لمصر كلها، ومن
اللافت للنظر أن أول منسق عام لها كان
قبطيا(جورج إسحاق) استطاع أن يخرج من
شرنقته ليتحدث باسم مصر كلها، فالتف
المصريون حوله
بجميع طوائفهم وتياراتهم.
ولعل هذه المطالب الفئوية قد تتحد يوما
ما، لتشكل
مطالب عامة تحاول أن توقف انحدار مصر إلي
الحضيض في الوقت الذي يتقدم فيه غيرنا.
وليس أدل علي أن ضعف الدول هو من أهم
العوامل المساعدة علي اندلاع العنف
الطائفي من تتبع هذه الحقب التاريخية
:
الحقبة الناصرية: لم يظهر فيها عنف طائفي
بسبب قوة الدولة وقيامها بمشروع وطني وحّد
كل طوائف الشعب حوله.
الحقبة
الساداتية: لم يظهر العنف الطائفي إلا في
النصف الثاني من هذه الحقبة، بعد انتهاء
مشروع التحرير الوطني، وبدء ترهل الدولة.
الحقبة المباركية: بدأت بمحاولة خلق
مشروع وطني، فتخبطت بين محاربة الفساد
والإفراج عن المعتقلين السياسيين وإعادة
مصر
إلي حظيرة العرب وسد ديون مصر، ولكن بعد
فشل كل هذه المشاريع لعدم جدية الدولة
فيها، لم تفلح أية ديكورات أو مساحيق في
إخفاء عجز الدولة، ولذلك عاد العنف
الطائفي
يطل بوجهه القبيح.
أطفال الشوارع المشردون: نعم، إنني أعتقد
إن العامل الثاني
من عوامل اندلاع العنف الطائفي في مصر هم
أطفال الشوارع المشردون، وهذا ليس هروبا
من الأسباب الحقيقية. فالكل يعرف أنهم
قنبلة موقوتة في مصر، وأن خروجهم من
شرنقتهم
سيمثل كارثة تحرق اليابس والأخضر. وأنا
مقتنع أنهم قد بدأوا الخروج، فمن الذي شهر
السيوف ورفع السنج وقطع الطرق وألقي
البنزين علي النار المشتعلة في محرم بك
عام 2005
والعصافرة عام 2006 والمحلة 2008 (رغم أن
أحداث المحلة ليست طائفية)؟ يجمع كل
شهود العيان أنهم رجال غرباء لم يرهم أحد
من قبل في هذه المناطق، وأن (شكلهم وحش).
إنهم يخرجون كيأجوج مأجوج بين فترة وأخري
لينتقموا من هذا المجتمع الذي تجاهلهم،
وليحكموا الشارع لساعات، ثم يعودون إلي
مخابئهم، ولكنهم يتحينون الفرصة المناسبة
كلما وقعت مظاهرات أو اعتصامات أو
اعتراضات أو اعتداءات أو مشاحنات ليستتروا
بها.
والويل لنا جميعا من خروجهم الكبير.