التعذيب
وضروب المعاملة القاسية....بقلم عدنان
الصباح
التعذيب وأنواع المعاملة القاسية هي قيام صاحب
السلطة أياً كان أباً أو مدرساً أو زوجاً أو مالكاً أو حاكماً بمعاملة مرؤوسيه
أياً كانوا معاملة لا تحترم آدميتهم أو حقهم في الحياة والصحة وبالتالي يتم
إخضاعهم جسدياً أو نفسياً لظروف غير إنسانية وايا كانت انواع امتهان آدمية الانسان
وتجلياتها ومهما كانت المبررات التي يمكن تقديمها دفاعا عن مصالح ممارسيها فهي
منافية لكافة الاعراف والمواثيق والعهد الدولية الى جانب القيم والمعتقدات
البدائية لبني البشر ومما لاشك فية ان الاديان جميعا قد ركزت على آدمية الانسان.
الإبداع في التعذيب والقسوة:
لو سألك شخص ما عن هبه إيجابية تقدمها لشخص آخر
لوجدت الأمر محدوداً في هبه مالية أو عينية أو وظيفة أو كلمة طيبة، ولكنك لن تجد
أبعد من ذلك، لكن لو سألك شخص ما عن معاملة سيئة تقوم بها تجاه شخص آخر لبدأ
الإبداع الذي لا ينتهي. فمن الاختطاف إلى أنواع السجن إلى التعذيب البدائي إلى
التعذيب بالأدوات الحديثة والكهرباء إلى الاغتصاب الوحشي. ومن
المعروف أن أكثر المعرضين للضعف هم الأطفال والنساء وسوف أقوم بالتركيز عليهم لأن
العنف الموجه ضد البالغين معروف جيداً لدى العامة.
عدم الاعتراف بالآخر مصدر القسوة:
إن الديمقراطية تعني احترام الآخر وسيادة الحوار
وبالتالي الابتعاد عن العنف في التعاطي مع الآخرين لكن غياب الديمقراطية كما هو
الحال في الوطن العربي وبلدان العالم الثالث بسبب من سيادة الرؤيا احادية الجانب
أو الشعور بامتلاك الحقيقة المطلقة وبالتالي انعدام الاعتراف بالآخر، إن ذلك يقود
أولئك الذين يعتقدون بأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة من الآباء تجاه أبنائهم أو
الرجاء تجاه النساء أو أصحاب الأعمال تجاه الأجيرين أو الحكام تجاه مواطنيهم،
يعتقدون بان كل من يخالف رأيهم هو عاق وفاسد وشيطاني أو مجرم وخائن وخارج عن الصف
وبالتالي فإنه من الضروري ايقافه بكل السبل مهما كانت بشاعتها بما في ذلك التخلص
منه جسدياً.
التعذيب في القانون الدولي:
تنص المادة الأولى في اتفاقية مناهضة التعذيب
على أنه "لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بتعبير التعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو
عذاب شديد جسدياً كام أم عقلياً يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص أو
من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه أنه
ارتكبه،هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه،هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل
هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه
...".
وتقدم لجنة الدول
الأمريكية لمنع التعذيب والمعاقبة عليه تعريفاً أوسع بحيث يعطي شمولية أكثر فهو
"استخدام أساليب ضد شخص ما بهدف مسح شخصية الضحية أو إضعاف قدراته الجسدية
والعقلية حتى لو لم تسبب ألماً جسدياً أو مرضاً عقلياً".
اما قانون روما الأساسي للحماية الجنائية
الدولية المعتمد عام 1998 فإنه يعرف التعذيب على نحو "إلحاق ألم مبرح أو
معاناة سواء كان جسدياً أو عقلياً بشخص محتجز أو واقع تحت السيطرة".
كما أن المادة الخامسة من الاعلان العالمي لحقوق
الإنسان تشير بوضوح إلى أنه "لا يجوز اخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو
العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أوالمهنية" وهناك نصوص شبيهة أيضاً في العهد
الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتشير المادة السابعة من العهد المذكور
مثلاً إلى عدم جواز اعتماد أية أقوال أو شهادات أو اعترافات أخذت بالقوة "إنه
من المهم حتى يقع العدول عن الانتهاكات أن يمنع القانون اللجوء اليها أثناء
اجراءات التقاضي إلى استعمال أو الاستشهاد بالأقوال أو الاعترافات المنتزعة عن
طريق التعذيب أو أي معاملة أخرى محظورة".
الديمقراطية والعدالة ضمانا حماية الانسان:
إن البشرية جمعاء وفي مقدمتها مجتمعات الوطن
العربي وبلدان العالم الثالث تقف أمام تحدى حقيقي في سبيل السعي لإقامة مجتمع مدني
قائم على أسس من الديمقراطية والعدالة الانسانية والاجتماعية بضمانات القوانين
والدساتير الإنسانية العصرية.
تحلم البشرية والمسلمون منهم في المقدمة بذلك
الفجر الإنساني العظيم الذي سينزل فيه عيسى ابن مريم أو يسوع المسيح إلى الأرض
لإقامة العدل , والحلم عادة يأتي بسبب الحاجة، فالبشرية بحاجة ماسة إلى سيادة
العدل وحين يصاب المرء بالعجز عن تحقيق أهدافه يلجأ مضطراً إلى الحلم لكن الحقيقة
دائماً هي الأساس وحتى في البعد الديني للموضوع فالإسلام مثلاً يحض على الشروع في
العمل الجدي المباشر "اعقل وتوكل" الخليفة عمر بن الخطاب ضرب الرجل
المستكين الزاهد في المسجد وصرخ به "لقد أمت علينا ديننا" فكان ذلك دعوة
للخروج إلى الشارع والعمل وهو الذي قال "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم
أمهاتهم أحراراً" والجميع يعرف
الوصية الشهيرة للخليفة أو بكر الصديق لجيشه "لا تقطعو شجرة .. لا تقتلوا
شيخاً ...".
كما أن الإسلام قد حرم وأد البنات وحض على
التخلص من العبودية ويسوع المسيح عاش حياته من أجل تخليص أتباعه من الرق والعبودية
وغم تعرضه وأتباعه لشتى صنوف القهر والتعذيب إلا أنه صاحب القول الشهير "من
ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر" وهو أيضاً من قال "من كان منكم
بلا خطيئة فليرمها بحجر" وهو يقصد أن أحداً لا يملك الحقيقة أو الحق المطلق.
من المعروف أن العقوبات الجسدية في الإسلام قد
وضعت لها شروطاً خاصة جداً تصل إلى حد التعجيز فعقوبة الزنا اشترط لها أربع شهود
عدول وشروط تعجيزية أخرى، وعقوبة السرقة لم تشمل أبداً السرقة من أجل القوت أو
الحاجة الشخصية الماسة.
مأساة الإفلات من العقاب:
لم يتمكن أحد من تقديم هتلر أو موسوليني أو
هولاكو او مناحيم بيغن أو الحجاج وغرهم
وغيرهم إلى المحاكم، إن أرواح أولئك الذين قتلوا أو اختفت آثارهم منذ زمن بعيد
وحتى الآن لأسباب الاختلاف بالرأي هي التي ينبغي لها أن تقود شعوب العالم للعمل
سوياً من أجل ايجاد آليات مناسبة لمحاكمة أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية
أينما كانت ولعل في وجود المحكمة الجنائية الدولية بارقة أمل بشأن ذلك لأن ذلك سوف
يساهم في ردع من يملكون القدرة اليوم على ممارسة جرائم التعذيب وانتهاك حقوق
وحريات البشر رغم كل المحاولات الامريكية لتقزيم دور هذه المحكمة الا ان مجرد
وجوده يبشر بامل ما نحو توجه جديد للاسرة الدولية.
وحدة العالم في وجه الإجرام:
من المفيد أن يتحد العالم في وجه أولئك الذين
يعتقدون أن بإمكانهم ارتكاب جرائمهم حتى النهاية دون مسائلة، ولعل التجارب الشهيرة
التي شهدها العالم في المطالبة بمحاكمة بينوشيه أو المحاكم التي رفعت ضد أرئيل
شارون , ومع ذلك فإن خشية البشرية من سيطرة الأقوياء لها ما يبررها فلقد تمكنت
الولايات المتحدة مثلاً من استثناء جيشها من المحاكمة أمام المحكمة الجنائية
الدولية بقرار دولي وهذا يعتبر وصمة عار في جبين المجتمع الدولي قاطبة.
اشكال العنف والمعاملة القاسية:
هناك أشكال عديدة للعنف والمعاملة القاسية
ومنها:
العنف داخل الأسرة من الأب والأم للأبناء ومن
الذكور للإناث.
العنف داخل المؤسسة التعليمية من المدرسين
للطلبة.
العنف في العمل من أرباب العمل ضد المأجورين.
العنف العنصري سوء كان
بسبب العرق أو اللون أو الدين.
العنف السياسي من الحكم ضد المواطنين أو المعارضة.
معاملة الأطفال:
إن المعاملة القاسية للأطفال هي واحدة من أسوأ
مظاهر العصر الحديث ومهما تطورت البشرية فإنها ستظل موسومة بالعار ما دام هناك طفل
واحد على وجه الأرض بتلقى معاملة قاسية مهما كانت المبررات والظروف والأسباب.
من هو الطفل:
تتفق معظم قوانين
العالم على أن جميع من هو دون سن الثامنة عشرة يعتبروا أطفالاً ويعاملوا بناءً على
ذلك وبهذا فإنه:
لا يجوز تقديمهم للمحاكمة أو قبول
شهاداتهم أو إيداعهم السجن العادي، ويعاملوا معاملة خاصة في حال اعترافهم أو
ارتكابهم جنحة أو جناية.
لا يجوز استخدامهم أو إجبارهم
على العمل مهما كان طبيعة العمل ونوعه.
معظم قوانين العالم تلزم ذويهم بإرسالهم إلى
المدارس وتعاقب الوالدين في حال الامتناع.
لا يجوز تعريضهم للمعاملة القاسية الجسيدة أو
الإيذاء النفسي.
تركز معظم قوانين العالم على تحريم زج الأطفال
بالصراعات العسكرية والاقتتال بين الجماعات والدول.
ملخص أهم بنود
اتفاقية حقوق الطفل:
المادة 12: الحق في التعبير وأخذ رأيه بالحسبان
فيما يتعلق بشخصه.
المادة 13-14: حق
اكتساب المعرفة والحق في حرية الفكر والوجدان والدين مع إرشاد مناسب.
ويمكن تلخيص كامل الاتفاقية بحقو قالعيش والنماء
والحماية والمشاركة، وتلزم المادة 42 الدول بتعريف الأطفال باتفاقية حقوق الطفل
ورغم أن الاتفاقية تعتبر الاسرة البيئة الطبيعية لتربية الطفل إلا أنها تلزم
الدولة بحماية الأطفال من إساءة المعاملة والإهمال والاستقلال من أي مصدر كان بما
في ذلك ذويهم.
معاملة المرأة:
إن أي حديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان دون أي
يشمل ذلك الحق المساوي للمراة، يبقى ناقصاً لدرجة خطيرة، فالمرأة هي وباختصار شديد
نصف المجتمع وأي مجموعة بشرية تضطهد نصفها تبقى خارجة عن الحد الأدنى للديمقراطية
وحقوق الإنسان وبالتالي فإن معاملة المرأة على قدم المساواة مع الرجل وبما يضمن
تمايزها ما يضمن تمايز الرجل هو المؤشر الرئيسي على اتجاه المجتمع نحو الديمقراطية
واحترام حقوق الإنسان فلا يجوز أن نطالب إمرأة مضطهدة مقموعة مستضعفة أن تربي
رجالاً ونساءً أسوياء وقادرين على صناعة المستقبل.
أهم حقوق المرأة:
عدم التفرقة في
المعاملة بين الإناث والذكور في كافة مراحل عمرهم.
حق الإناث بالتعليم.
حق الإناث بالعمل والحصول على أجر مساوي للرجل
علىنفس العمل.
ملخص بنود الاتفاقية العالمية للقضاء على أشكال
التمييز ضد المرأة:
التمييز ضد المرأة يعني أي تفرقة أو استعباد أو تمييز يتم على أساس الجنس.
دور الدولة في
القضاء على التمييز ضد المرأة يمكن أن يبدأ بترسيخ مبدأ المساواة بين الرجل
والمرأة في تشريعاتها (قانون الأحوال الشخصية).
تطور المرأة وتقدمها في الميادين المختلفة يضمن
لها القدرة على ممارسة حقوقها كإنسان.
اتخذا الدول اجراءات خاصة لتحقيق المساواة
الفعلية بين الرجل والمرأة بما فيها تدابير لحماية الأمومة (الفصل من العمل بسبب
الحمل أو الولادة أو الزواج أحياناً).
القضاء على العادات
والممارسات القائمة على تفوق أحد الجنسين على الآخر وذلك من خلال تعديل الأنماط
الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة.
العمل على مكافحة الاتجار بالنساء واستغلالهن
للدعارة وذلك بكل وسيلة ممكنة بما فيها التشريعات
والقوانين.
حق المرأة في
المشاركة في الحياة السياسية والعامة للبلد يكفل لها حقها في التصويت والانتخاب
والمشاركة في تحديد سياسة الحكومة وشغل الوظائف العامة والحكومية.
تتكفل الدولة بإعطاء المرأة ودون تمييز الفرصة
لتمثيل حكومتها على المستوى الدولي.
تتساوى المرأة مع الرجل في اكتساب جنسيتها والاحتفاظ بها أو
تغييرها إذا شاءت.
تتساوى المرأة والرجل في موضوع التعليم.
"الالتحاق بالدراسة، نفس المناهج لكلا الجنسين،
الحق بالمنح الدراسية".
للمرأة الحق بالعمل
كإنسان، كما لها الحق في مشاركة الرجل بنفس فرص التوظيف وحرية اختيار المهنة.
ضمان حصول المرأة على خدمات الرعاية الصحية وخصوصاً تنظيم الأسرة.
إعطاء المرأة الحق في الاستحقاقات الأسرية
والحصول على القروض المصرفية والاشتراك في الأنشطة الترويحية.
المرأة الريفية هي عمود الأساس في دعم أسرتها
ومجتمعها اقتصادياً مما يحتم العلم على تحقيق مساواتها مع الرجل لتمكينها من
المشاركة في التنمية الريفية والاستفادة منها.
المرأة والرجل متساويان أمام القانون، مما يؤهل
المرأة قانونياً لإدارة شؤونها.
حق المرأة وعدم
التمييز ضدها في أمور الزواج والعلاقات الأسرية تعني بالضرورة أن تتساوى المرأة مع
الرجل في الحق في عقد الزواج وحرية اختيار الزوج.
حقوق المواطنة الديمقراطية:
الحقوق المدنية: لكل
مواطن الحق في المساواة حسب القانون دون تمييز وحقه في حريته الشخصية بكل أشكالها
ما لم تتعارض مع حرية الآخرين "تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية غيرك".
الحقوق السياسية:
لكل مواطن الحق الكامل بالمشاركة في صيانة
الحياة السياسية في بلده، بما في ذلك اختيار ممثله أو الترشيح للمناصب العامة
والحكومية أو تشكيل الأحزاب والهيئات والتجمعات بما في ذلك حق التظاهر والاجتماع
والتعبير عن الرأي.
الحقوق الإجتماعية:
لكل مواطن الحق في المشاركة بالحياة الاجتماعية
والثقافية والاستفادة من كل فرص الرفاه الاجتماعي وتوفير فرص العمل له.
الحقوق الطبيعية:
يمكن تلخيص الحقوق الطبيعية بكلمة واحدة، الحياة
حق وحمايتها واجب وبالتالي فإن الاعتداء عليها بأي شكل
كان جريمة.
خاتمة
ان
توحيد الجهود ومن قبل الجميع وفي المقدمة منظمات المجتمع المدني والعمل على دفع
حكومات الدول للمشاركة في ذلك هو وحده الضمانه الاكيدة لتحقيق ما يقترب من العدالة
على وجه الارض وهذا يعني اتخاذ الاجراءات الكفيلة بردع كل اولئك الذين يتعاملون
باي شكل من اشكال الدونية مع غيرهم , وفي سبيل تحقيق ذلك فان من الضروري ايجاد
السبل الكفيلة بعزل هؤلاء عن الاسرة الدولية والمجتمع الانساني وايقاع العقوبات
الرادعة بحقهم .