أصدرت
محكمة العدل الدولية في الثاني و العشرين
من فبراير هذا العام حكمها القاضي بتبرئة
جمهورية صربيا من تهمة ارتكاب جريمة
الابادة الجماعية خلال حرب البوسنة و
الهرسك في التسعينات من القرن
المنصرم، لكنها اعتبرت أنها انتهكت قواعد
القانون الدولي لعدم تحركها بهدف تفادي
وقوع مجزرة سريبرينيتشا ، و التي و صفتها
بالابادة الجماعية . بيد أن المحكمة أقرت
بأن صربيا لم تتحرك بتاتا لتفادي وقوع
جريمة الابادة في سريبرينيتشا ومعاقبة
مرتكبيها . و بالرغم من ذلك فان المحكمة
اعتبرت أنه لا يمكن تحميل صربيا المسؤلية
المباشرة عن هذه الجريمة.
و كانت
جمهورية البوسنة قد رفعت قضية أمام
المحكمة الدولية تتهم فيها يوغوسلافيا
السابقة بارتكاب جرائم الابادة الجماعية ،
و مطالبة المحكمة باقرار مسؤلية دولة
يوغوسلافيا الاتحادية ، و باالتالي
الزامها بدفع التعويضات المناسبة حيال
ذلك.
ونظرا
لما صاحب هذا الحكم من ردود أفعال متباينة
, وتداعيات متفاوتة لدى الكثيرين , بين
مؤيد , ومعارض , ومستهجن , ....... الخ ,
وجدنا أن الامر يستحق منا وقفة لبيان
الحيثيات التى توافرت لدى المحكمة
الدولية , والتى أسست من خلالها حكمها
الأنف الذكر, ثم نعبقه برؤيتنا- القانونية
البحتة – لهذا القرار التاريخى الأول فى
مجال اقرار مسئولية الدول عن ارتكاب جرائم
الابادة الجماعية , وذلك من قبل محكمة
العدل الدولية .
مسئولية
دولة صربيا عن الاشتراك فى جريمة الابادة
الجماعية فى جمهورية البوسنة :
يكتسب
اقرار قواعد المسئولية الدولية عن ارتكاب
جريمة الابادة الجماعية أهمية خاصة في
ظل مجتمع دولي يصبوالى ارساء تلك القواعد
في اطار العلاقات الدولية، ازاء ما تقوم
به النظم المستبدة من ارتكاب مثل هذه
الجريمة الدولية الفظيعة ، والتي و صفت
بأنها جريمة الجرائم.(1)
فالدول
يجب أن تحترم قواعد القانون الدولي حتى
اذا كان عدم احترامها له لا يلحق ضررا
بالمصالح المحددة لدولة أخرى . (2)
و ترتكب
الدولة فعلا غير مشروع دوليا اذا كان
التصرف المتمثل في عمل أو امتناع عن عمل
ينسب الى الدولة، و يشكل اخلالا بالتزام
دولي على عاتق الدولة. (3)
و
في تطبيقنا للمبدأ القانوني المشار اليه ،
على ما قررته محكمة العدل الدولية بشأن
عدم اقرار المسئولية المباشرة لدولة صربيا
عن ارتكاب جريمة الابادة في مدينة
سريبرينيتشا، نشير الى أنه اذا كانت
الأفعال الايجابية تؤدي لاحداث النتيجة
الابادية و التي حددتها اتفاقية الأمم
المتحدة لمنع و العقاب على جريمة الابادة
الجماعية(1) فانه يمكن أن ترتكب الجريمة
أيضا عن طريق الامتناع المتعمد لمنع
ارتكابها ، و هذا ما أكده القاضي الدولي
أنطونيو كاسيس حين ذكر :"ان الفرد يمكن أن
يدان لاشتراكه في جريمة الابادة الجماعية
, وذلك لكونه لم يوقفها،بالرغم من
استطاعته أن يفعل ذلك، و لانتهاكه الواجب
الدولي الملقى عليه للتدخل لوقف الجريمة.
و حين لا يتصرف الفرد هكذا، فانه يساهم في
خلق الظروف التي تجعل الجريمة تحدث".(2)
اسناد
جرائم جيش صرب البوسنة الى دولة صربيا:
بالنظر
الى الأحداث التي و قعت فيها الانتهاكات
الجسيمة لقواعد و مبادئ و أعراف القانون
الدولي الانساني في جمهورية البوسنة و
الهرسك يمكن اعتبار قوات جيش صرب البوسنة و
المليشيات العسكرية و شبه العسكرية التي
ارتكبت جريمة الابادة في مدينة
سريبرينيتشا أنها جماعة مسلحة تحارب ضد
القوات المسلحة الحكومية البوسنية، ويترتب
على ذلك امكانية سلوك الجماعة الى دولة
يوغوسلافيا السابقة باعتبار أن قوات صرب
البوسنة عميل بحكم الواقع لدولة أجنبية هي
دولة يوغوسلافيا السابقة في هذه الحالة
(3)
حيث يشير
مشروع مواد مسئولية الدول في المادةرقم 8
الى أن:"يعتبر سلوك شخص ما أو مجموعة من
الأشخاص عملا من أعمال الدولة بوجب
القانون الدولي اذا عمل هذا الشخص أو هذه
المجموعة في الواقع بناء على تعليمات من
تلك الدولة أو تحت اشرافها عند تنفيذ هذا
العمل".
و قد سبق
لهيئة استئناف المحكمة الجنائية الدولية
ليوغوسلافيا السابقة أن قررت انه:" عندما
تكون المسئولية عن منظمة عسكرية محل شك،
فان السيطرة الكلية التي تمارسها دولة
أجنبية على تلك المنظمة تكون كافية لوضع
مسئولية الأفعال التي ترتكبها تلك المنظمة
على كاهل تلك الدولة الأجنبية – في هذه
الحالة يوغوسلافيا السابقة - و بالتالي
يصبح القانون الدولي الانساني منطبقا ، و
استطردت المحكمة فأشارت الى أن الجرائم
التي ارتكبها المتهم الصربي تاديتش ، و
التي كانت السبب في اقرار مسئوليته
الجنائية الدولية الفردية من جانب محكمة
يوغوسلافيا السابقة، هي جرائم نتجت عن
أفعال ارتكبت لا يمكن اعتبارها من الناحية
القانونية الا أفعال دولة أخرى، و تحديدا
جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية السابقة"
(4) لقد أثبت دفاع جمهورية البوسنة و
الهرسك لعدالة محكمة العدل الدولية الأدلة
الجازمة، والتي تؤكد دعم الرئيس الصربي
السابق ميلوسوفيتش المالي و اللوجيستي
لقوات صرب البوسنة ، و تمثلت تلك الدلائل
في شهادات العديد من الضحايا الناجين من
مذبحة سريبرينيتشا، وشهادة الجنرال
البريطاني ريتشارد دامات ، و الذي عمل ضمن
قوات حفظ السلام في جمهورية البوسنة و
الهرسك آنذاك، اضافة الى العديد من الآدلة
الأخرى المعضدة و سنوجز أهم هذه الأدلة
الثبوتية فيما يلي:
أولا:
الدعم المالي و اللوجيستي و العسكري من
قبل صربيا لجيش صرب البوسنة أثناء الحرب
البوسنية في الفترة ما بين عامي : 1992م
الى 1995م، و هي الفترة التي تخللتها
الأحداث الابادية الشهيرة.
ثانيا:
ان الجيش اليوغوسلافي الشعبي كان مسيطرا
على جيش صؤب البوسنة ، و كان يتم تجنيد و
تدريب و ترقية العديد من ضباط صرب
البوسنة في الجيش اليوغوسلافي الشعبي.
ثالثا:
الأوامر العملياتية الصادرة من
"ميلوسوفيتش" الى و حدات و عناصر وزارة
الداخلية اليوغوسلافية بالاشتراك في
القتال الدائر في مدينة سريبرينيتشا و
التي حدثت فيها الابادة الجماعية .
رابعا:
تسجيلات و قرارات مجلس الدفاع الأعلى
ليوغوسلافيا السابقة، و هو أعلى مجلس
لاتخاذ القرارات في هذه الدولة ، و أيضا
مضابط
اجتماعات برلمان صرب البوسنة ، و تصريحات
رئيسه " كرازنيك" ، و التي أفصحت عن خطة
الابادة الجماعية لجميع العرقيات و
الطوائف السكانية في جمهورية البوسنة من
غير الصرب.
خامسا:
شريط الفيديو الشهير الذي شاهده العالم
بأسره العام الماضي 2006 م ، و الذي يظهر
ستة جنود من وحدات الشرطة الخاصة
اليوغوسلافية و هي تقوم باعدام العديد من
الرجال و الأطفال و أيديهم مكبلة
بالأصفاد من الخلف، و بعد ذلك أطلق الجنود
النار على رؤوسهم من الخلف، و هذا يعد
دليلأ دامغأ على تواجد و اشتراك القوات
المسلحة و الشرطة اليوغوسلافية في مسرح
الجريمة في مدينة سريبرينيتشا.
سادسا:
اقرار مجلس الوزراء الصربي في بيان رسمي
بالذنب ، و ذلك جراء ما وقع في مدينة
سريبرينيتشا بعد عرض شريط الفيديو المشار
اليه.
سابعا: الاتفاق
الخبيث الذي دبر بليل ما بين المحكمة
الجنائية الدولية ليوغوسلافيا و بين حكومة
صربيا ، حيث تسلم بمقتضاه حكومة صربيا
الوثائق الدالة على اشتراك الجيش و الشرطة
اليوغوسلافية في مسرح الجريمة في مدينة
سريبرينيتشا , شريطة ألا تستخدم هذه
الادلة ضد صربيا , وذلك فى الدعوة
المرفوعة من جمهورية البوسنة والهرسك أمام
محكمة العدل الدولية . (1) هذا وقد حرم
بالتأكيد فريق دفاع جمهورية البوسنة من
الادلة الدامغة المباشرة , والتى كانت
محكمة العدل الدولية قد تطلبتها فى القضية
المذكورة , وذلك لاقرار مساهمة صربيا فى
ارتكاب جريمة الابادة الجماعية فى
جمهورية البوسنة والهرسك .
رفض
المحكمة اقرار مسئولية صربيا عن ارتكاب
جريمة الابادة الجماعية فى البوسنة :
رفضت
محكمة العدل الدولية الطلب البوسنى باقرار
مسئولية دولة صربيا عن الاشتراك فى جريمة
الابادة الجماعية فى مدينة سريبرينيتشا ,
على الرغم مما قررته المحكمة الجنائية
الدولية ليوغوسلافيا السابقة وأيضا محكمة
العدل الدولية من وصف هذه الجريمة بانها
جريمة ابادة جماعية . فقد قررت المحكمة
بأنه لاقرار مسئولية الدولة عن الانتهاكات
المرتكبة من قبل اشخاص أو مجموعات ليست من
أجهزتها , يجب أن يكون هؤلاء الاشخاص
والمجموعات يعملون فى الواقع بناء على
تعليمات تلك الدولة , أو تحت اشرافها , أو
سيطرتها ,(2) وأشارت المحكمة الى أن كيان
صرب البوسنة وجيش صرب البوسنة ليسا أجهزة
من حيث القانون تابعة لدولة يوغوسلافيا
الاتحادية السابقة ,وأضافت المحكمة انه مع
قناعة المحكمة التى لا تحتمل أى شك , أن
يوغوسلافيا الاتحادية السابقة كانت تمول
وتساعد كيان صرب البوسنة بالمال والعتاد ,
وحتى بدفع رواتب بعض ضباط جيش صرب البوسنة
, الا أن المحكمة لا تعتبر ذلك كله يمثل
تبعية كيان وجيش البوسنة لدولة يوغوسلافيا
الاتحادية .
كما قررت
المحمكة أيضا أن الجانب البوسنى لم يقدم
للمحكمة دليلا دامغا لا يدع مجالا للشك ,
يثبت بجلاء وجود تعليمات مباشرة من دولة
يوغوسلافيا الاتحادية الى الكيان الصربى
فى البوسنة وجيشه بارتكاب جريمة الابادة
فى مدينة سريبرينيتشا .
وقد أكدت
المحكمة أيضا أنه لا يوجد دليل يظهر ان
جيش صربيا شارك فى المذابح التى وقعت فى
مدينة سريبرينيتشا , ولم يكن ثمة دور
للقيادة السياسية الصربية فى التحضير أو
التخطيط أو فى تنفيذ الجريمة . وسلمت
المحكمة بأن جيش صربيا شارك مع جيش صرب
البوسنة فى العمليات العسكرية التى وقعت
فى البوسنة والهرسك فى الاعوام التى سبقت
احداث سريبرينيتشا أما بالنسبة لاشتراك
المليشيات ووحدات الشرطة الخاصة التابعة
لوزارة الداخلية الصربية والمسماة
بالعقارب السوداء , فقد أشارت المحكمة الى
أنها لم تتوصل الى أنه أثناء أحداث
سريبرينيتشا كانت هذه الوحدات من بين
الأجهزة التابعة قانونا لدولة صربيا .
وجدير
بالذكر أن محكمة العدل الدولية كانت قد
برأت صربيا من المسئولية عن الاشتراك فى
جريمة الابادة الجماعية التى ارتكبتها
قوات ووحدات من جيش ومليشيات صرب البوسنة
فى مدينة سريبرينيتشا , وذلك بأغلبية 11
صوت من بينهم رئيسة المحكمة القاضية (
هيجنز ) ضد 4 أصوات .
وقد أسست المحكمة حكمها
المشار اليه بناء على جملة أمور جعلت
المحكمة تقر بعدم مسئولية صربيا عن
الاشتراك فى جريمة الابادة الجماعية (
الفقرات 331 – 415 ) , وتعللت الى أن
المحكمة لم يقدم اليها أيه أدلة جازمة من
قبل المدعى ( جمهورية البوسنة ) تثبت بما
لا يدع أدنى مجال للشك أن قرار التصفية
الجسدية للرجال البالغين من السكان
المسلمين فى سريبرينيتشا كانت بلجراد على
علم به وقت اتخاذه .
أيضا قررت المحكمة أنها
لم تتوصل الى حقيقة أن المدعى عليه (
جمهورية صربيا ) حين كانت تقدم الدعم أو
المساعدة لجيش صرب البوسنة , وهم فى هذه
الحالة مرتكبو الجريمة , كانت صربيا تتصرف
بعلم وبادراك , أو كان من المفترض أن تدرك
, القصد الخاص لارتكاب جريمة الابادة
الجماعية , وذلك من قبل الفاعل الأصلى وهم
صرب البوسنة .
كما أكدت
المحكمة أيضا ( الفقرات 428- 438 ) أن
صربيا لم تكن لتعلم أو تتوقع أن احتلال
جيش صرب البوسنة
للجيب الامن ( مدينة سريبرينيتشا )
يمكن أن يفضى الى ارتكاب جريمة الابادة من
قبل صرب البوسنة و بالنسبة لاقرار و ندم
مجلس الوزراء الصربي بخصوص الأحداث التي و
قعت في سريبرينيتشا ، فقداعتبرت المحكمة
أن ذلك لا يعدو كونه بيانا سيسيا صدر عن
مجلس الوزراء، لا يمكن تكييفه وو صفه على
أنه اقرار بالمسؤلية الدولية لدولة صربيا
نتيجة الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في
جمهورية البوسنة و الهرسك ، وتحديدا مدينة
سريبرينيتشا ، و بالتالي فذلك البيان – و
فقا لقضاء المحكمة- لا يستوجب التعويض
المالي تجاه صربيا، وذلك لصالح الضحايا
البوسنيين. و تبعا لكل ماتقدم ، لم تقر
المحكمة بمسئولية دولة صربيا عن الاشتراك
في جريمة الابادة الجماعية في جمهورية
البوسنة و الهرسك، حيث أن دفاع جمهورية
البوسنة و الهرسك – و فقا لقضاء المحكمة
–لم يستطع أن يولد يقينا جازما لدى
المحكمة بأنه كانت هناك علاقة قوامها
السيطرة و الاشراف من جانب صربيا ، و
التنفيذ من جانب صرب البوسنة، و ذلك
باعتبارهم تابعين مرؤوسين للدولة المدعى
عليها بالاشتراك في جريمة الابادة
الجماعية و هي دولة صربيا في هذه الحالة!!
تعقيبنا الخاص على حكم
محكمة العدل الدولية في جريمة الابادة
الجماعية: بادئ ذي بدء نود أن نقرر و بحق
أننا لا نشك في مصداقية المحكمة و عدالتها
و نزاهتها بشكل عام ، حيث أن المحكمة هي
الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة الأمم
المتحدة، و يمثل قضاتها قمة النظم و
المدارس القانونية و الفقهية في العالم
بأسره و نقرر في ذات السياق ، أن هذه
القضية هي أول قضية تعرض على عدالة
المحكمة للنظر في اتهام دولة بارتكاب
جريمة الابادة الجماعية، و ذلك منذ
صدوراتفاقية الأمم المتحدة للابادة
الجماعية عام 1948م. بيد أن المحكمة
الموقرة ، في قناعتنا الشخصية ، لم تعر
الاهتمام المتوقع لقضايا قانونية محددة
راسخة ، و أدلة واضحة جازمة حاسمة ، قدمها
فريق الدفاع عن جمهورية البوسنة و الهرسك،
و كان من المؤكد أن يغير اعتبار هذه
الأدلة قضاء المحكمة في القضية اذا كانت
المحكمة قد أولتها الاهتمام الواجب، بقدر
ما أولت اهتمامها في المقابل، لعقيدة
مسبقة استبقتها المحكمة منذ اللحظةالأولى
لدراسة القضية، و هي استحالة اسناد
مسئولية دولة صربيا عن جريمة الابادة
الجماعية التي وقعت في مدينة سريبرينيتشا،
ونرى أن ذلك الحكم لم يقم تأسيسا على أسس
قانونية بل سياسية في المقام الأول لذا
سنقوم بتفنيد أهم المسائل القانونية
المرتبطة بالقضية وبحكم المحكمة :
1
– أمرت المحكمة الدولية جمهورية
يوغوسلافيا الاتحادية السابقة فى 13
سبتمبر 1993 م بأن تتخذ كافة الاجراءات
التى فى وسعها من أجل التأكد أن كل
التنظيمات والأفراد , الذين يمكن أن يكون
لها نفوذ وتأثير عليهم , لم يرتكبوا أية
أعمال من أعمال الابادة الجماعية فى
جمهورية البوسنة والهرسك (1) , ثم عادت
المحكمة واكدت ذلك الأمر فى 11 يوليه عام
1996 م .(2)
2
– جعلت المحكمة مهمة الفريق البوسنى , فى
كشف ألادلة اليقينية – التى أكدت المحكمة
أنه لا غناء عنها لاقرار مسئولية صربيا -
مستحيلة , حيث لم تحاول المحكمة استجلاء
الحقائق الثابتة وألادلة الدامغة
والمستندات الوافية , والمتوافرة فى حوزة
محكمة يوغوسلافيا السابقة , والتى تدلل
يقينأ على اشتراك صربيا وجيشها وشرطتها
وبأوامر مباشرة صريحة من ملوسوفيتش فى
جريمة الابادة فى مدينة سريبرينيتشا
.
3 – كيف
تقرر المحكمة أنه قد ثبت لديها اشتراك
صربيا ودعمها لصرب البوسنة على مدار ثلاث
سنوات من عام 1992 – 1995 م أثناء الحرب
البوسنية , ثم تأتى لتصف مذبحة واحدة من
بين كل هذه المذابح وهى مذبحة مدينة
سريبرينيتشا بأنها جريمة ابادة جماعية ,
وتقرر انه لم يثبت للمحكمة تورط صربيا فى
هذه الجريمة وذلك لكون الجريمة ابادة
جماعية بما يستتبعها من آثار قانونية
وسياسية وأخلاقية واجتماعية هى كارثية
بالنسبة لدولة صربيا , وكأن المحكمة قد
ارادت من البداية أن تطفئ شمس الحقيقة وهى
ماثلة أمامها ؟
4 – مع
تسليمنا بأن المحكمة تختص فى هذه القضية
باقرار المسئولية الدولية للدول لا
الافراد , وأن اسناد المسئولية الجنائية
للأفراد متروك للقضاء الجنائى الدولى ,
وهو فى هذه الحالة ( المحكمة الجنائية
الدولية ليوغوسلافيا السابقة ) , والتى
كانت قد قررت المسئولية الجنائية الدولية
الفردية" لرادوفان كرازادايتش " الزعيم
السياسى والرئيس السابق لجمهورية صرب
البوسنة , والجنرال" راتكو ميلابيتش"
القائد العسكرى لجيش صرب البوسنة , وذلك
لارتكابهم جرائم دولية جسيمة فى جمهورية
البوسنة والهرسك , فان السياق السياسى
العام , والدعاية التحريضية البغيضة ضد
البوسنيين قبل وأثناء الحرب البوسنية من
جانب الصرب , فضلا عن كل الأحداث
والانتهاكات التى تمت على أرض الواقع ,
وهروب المتهمين الرئيسيين : " كرازاديتش
و"ميلاديتش" الى بلجرا د وامتناع الاخيرة
عن القبض عليهم وتسليمهم للمثول أمام
العدالة , كل هذه ليست الا براهين دامغة
تؤكد مسئولية الدولة الصربية عن الأجهزة
غير الوطنية , سواء كانت سياسية أو عسكرية
, فى صرب البوسنة , والأفعال والجرائم
التى ارتكبتها هذه الاجهزة , والتى تستوجب
اقرار المسئولية الدولية المدنية
التعويضية لدولة صربيا عما وقع فى مدينة
سريبرينيتشا من جريمة ابادة جماعية .
5 –
لماذا لم تعر عدالة المحكمة اهتماما واجبا
بمسألة قانونية فى غاية الأهمية والخطورة
, وهى امتناع صربيا عن القبض على المجرمين
من شرطتها الخاصة , والذين شاركوا فى
جريمة الابادة الجماعية التى وقعت فى
مدينة سريبرينيتشا , حيث لم تبدأ فى
محاكمتهم الا منذ أشهر قليلة , وظل هؤلاء
الجناة أحرارا منعمين مكرمين من دولتهم
صربيا بل ان منهم من تمت ترقيته مكافأة
على ارتكابه هذه الفعلة النكراء .
هل هذا
يعنى – كما تزعم المحكمة – أن صربيا لم
تكن على علم كامل بما حدث , وأنها أيضا لم
تصدر الأوامر بارتكاب هذه الجرائم ؟ اننى
أجزم أن تلك المسألة لم تكن الا مجرد
اهمال متعمد , وانكار للعدالة , واجحافا
مستنكرا بحقوق الضحايا غير مبرر ولا مقبول
من هذه الهيئة القضائية الدولية القائمة
على اقرار قانون المجتمع الدولى وانفاذ
عدالة الارادة العالمية .
6 – لقد
ذهبت القاضية ( هينجز ) رئيسة المحكمة ذات
المذهب الذى اعتنقته لجنة القانون الدولى
, بشان مشروع مواد مسئولية الدول(1) و
وذلك حين قررت سابقا " أن مسئولية الدولة
حين تنكل فى الوفاء بالالتزام بقواعد
القانون الدولى لحقوق الانسان , أو
القانون الدولىالانسانى , توصف بأنها
مسئولية مدنية , تأسيسا على وجوب قيام
الدولة بالوفاء بالجبر لضحايا الجريمة
الدولية
7 – لقد
أقر القضاء الهولندى فى عام 2006 م
بمسئولية وزارة الدفاع الهولندية عن عدم
الوفاء بالتزاماتها الدولية بحماية
البوسنيين المدنيين الابرياء العزل فى
مدينة سريبرينيتشا , حيث كانت المدينة
احدى المدن الامنة والخاضعة لحماية القوة
الهولندية المشاركة ضمن قوة الحماية للأمم
المتحدة فى يوغوسلافيا السابقة(3) , ولقد
أقر القضاء الهولندى هذه المسئولية على
الرغم من علمه وقناعته بضعف هذه القوة
عددا وعدة أمام جحافل جيوش الجريمة من صرب
البوسنة ويوغوسلافيا . وهذا الحكم يعد
اقرارا صريحا ومباشرا بمسؤلية وزارة
الدفاع الهولندية وهى أحد الأجهزة
الحكومية للدولة .
فكيف
تبرئ المحكمة وتعفى دولة صربيا من مسئولية
الاشتراك فى الجريمة , بالرغم من اقرار
المحكمة ذاتها فى الفقرة 422 من الحكم
بقولها ( حين كانت هذه السلطات " تعلم
بوضوح " بأن جريمة الابادة قى سريبرينيتشا
على وشك الحدوث ولم تقم بالتدخل لمنع
الجريمة ) ؟ وهل أرادت المحكمة أيضا من
الدولة البوسنية أن ترجع على دولة هولندا
بالتعويض بدلا من دولة صربيا , والتى أقرت
المحكمة فى
مواضع
مختلفة من الحكم بمسئوليتها عن ارتكاب
العديد من الجرائم الدولية , منذ اندلاع
النزاع المسلح فى البوسنة منذ عام 1992 م
؟
ثم
نتساءل : هل غفلت المحكمة أن جريمة
الابادة الجماعية التى أقرت حصولها فى
مدينة سريبرينيتشا قد أستمرت لمدة أسبوع
كامل , ورافقته الافعال الاجرامية , كما
أستخدمت العديد من وسائل القتل لارتكاب
الجريمة , تحت اعين ومباركة بل ومشاركة
صربيا , وهو ما أفصح عنه شريط الفيديو
الشهير السابق الاشارة اليه ؟
ان
ذلك التغافل المتعمد على ما يبدو , لهذه
الادلة اليقينية البارزة كالشمس فى كبد
السماء التى تجزم باشتراك صربيا فى جريمة
الابادة الجماعية , ليؤكد بما لا يدع أى
مجال للشك أو الريبة بأن المحكمة فد بيتت
النية , ونحت منحا أستباقيا كرسته لتبنى
عقيدة معينة , وهى نفى اشتراك جمهورية
صربيا فى جريمة الابادة الجماعية.
* خبير
القانون الدولى الانسانى , والمستشار
القانونى السابق لقوات حفظ السلام المصرية
فى جمهورية البوسنة والهرسك .
(1) د.
أيمن سلامة، المسؤلية الدولية عن ارتكاب
جريمة الابادة الجماعية ، دار العلوم
للنشر ، القاهرة ، 2006 م ، ص
(2) تقرير
لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها
الخمسين ، 27 يوليو الى 14 أغسطس 1998 م ،
فقرة 283 ، النسخة العربية.
(3)
المادة الثانية من مشاريع المواد المتعلقة
بمسؤلية الدول عن الأفعال غير المشروعة
دوليا, الصادرة عام 2001 م عن لجنة
القانون الدولى
(1)
المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة
لمنع و العقاب على جريمة الابادة الجماعية
الصادرة في 9 ديسمبر 1948م.
(2)
http;//Srebrenica - Genocide
.Blogspot.com/2007/02/ICJ-Ruling -
Bosnia v Serbia – dangerous.html.
(3)
ماركو ساسولي: مسئولية الدولة عن انتهاكات
القانون الدولي الانساني،المجلة الدولية
للصليب الحمر،مختارات من أعداد2002 م، ص
204.
(4)
ماركو ساسولي ، الملرجع السابق ، ص 242.
(1)
www.
Bosnia.org / uk / news / news
.
(2) م8 من
مشاريع المواد المتعلقة بمسئولية الدول عن
الأفعال الغير مشروعة دوليا .
(1)
A/CN.4 / L . 602/ Rev. 1&2,9 Aug. 2001
(2)
Roslyn Higgins, Problems and Process :
International Law and How We Use It..
1994, P. 162.
(3) علق
الأمين العام السابق للأمم المتحدة على
هذا بقوله ( ان شبح سيريبرينيتشا سيظل
يطارد المنظمة الدولية الى الأبد)
(1)
I.C.J (
Bosnia .v. Yugoslavia ( Order of 13 Sept
. 1993 )
(2)
I.C.J(
Bosnia .v. Yugoslavia ( Preliminary
Objections )
Judgment of 11 July 1996
18/03/2007 |