انتخابات "الوطني" الإماراتي: استغراق في الشكلية وإخلال بالمعايير البرلمانية وخطوة على الطريق الصحيح  
 محمد الركن     

 

الانتخابات محطة في مسار طويل من الإصلاحات الموعودة
هل طرقت الديمقراطية الأبواب حقاً مع الإخلال بالمساواة بين المواطنين

الدراسات والتقارير - إمارات نيوز (خاص):
إن لم تكن الجولة الانتخابية التي تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة في مستوى يضعها على قدم المساواة مع تجارب انتخابية في دول خليجية أخرى؛ فإنّ ذلك لا ينزع الأهمية عن أول عملية انتخابية تشهدها الإمارات.
وقد كان واضحاً منذ مدّة أنّ "الخيار الديمقراطي" سيطرق أبواب الإمارات إن عاجلاً أو آجلاً، فيما تأتي انتخابات كانون الأول (ديسمبر) 2006 بمثابة محطة أولى على الطريق، وهي وإن لم تكن في مستوى الديمقراطيات العالمية أو حتى في منسوب بعض تجارب الخليج في هذا الشأن؛ فإنها قفزة للأمام بالنسبة للتجربة الإماراتية، تمثل تقدماً عمّا عرفته هذه البلاد في السابق، لكنها لن تكون وحدها كافية لما هو لاحق.
مع ذلك؛ فإنّ المجلس الوطني الاتحادي الجديد لن يكون برلماناً كما هو في النظم الديمقراطية، كما لن تفي الجولة الجارية بالحد الأدنى من المعايير المتعارف عليها في التجارب الديمقراطية والممارسات الانتخابية والأطر النيابية.
ورغم الإيجابيات التي يمكن التغني بها طويلاً؛ فإنّ العملية الانتخابية الحالية أخلّـت إخلالاً كبيراً بمبدأ المساواة بين المواطنين التي نص عليها الدستور الاماراتي، والتي تتضمّن منح كل المواطنين الحقوق نفسها وعدم التمييز بينهم، وهو ما سيتضح من خلال التناول المعمّق لهذه التجربة بأبعادها.

 

الخطوات الإجرائية الأولى
وتعود الخطوة الإجرائية الأولى في الانتخابات الإماراتية إلى قرار المجلس الأعلى للاتحاد، رقم (4/2006)، والذي بدأت الإمارات معه خطواتها القانونية والإدارية في شأن مجلسها الوطني الاتحادي.
وينص ذلك القرار على اجراء انتخابات في كل إمارة لاختيار نصف عدد المقاعد المخصصة لكل منها، على أن يكون ذلك من قبل مجموعات. وحسب القرار؛ يتم تعيين المجموعة من حاكم الإمارة ويطلق عليها مسمى "هيئة انتخابية"، ثم تقوم تلك المجموعات بانتخابات مغلقة فيما بينها لاختيار نصف عدد المقاعد المحدد للإمارة بحكم الدستور ويبقى تعيين النصف الآخر من قبل حاكم الإمارة مباشرة، والهيئة الانتخابية تتكون من عدد لا يقل عن مائة ضعف عدد المقاعد لكل إمارة.
وبناء على القرار السابق؛ جاءت الخطوة الإجرائية الثانية متمثلة بصدور قرار من رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، يحمل رقم (3/2006). ويقضي هذا القرار بإنشاء اللجنة الوطنية للانتخابات، وتحديد صلاحياتها، وهي اللجنة المكلفة من رئيس الدولة بالإشراف على عملية الانتخابات.
وعليه؛ فقد أصبح الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، رئيساً للجنة الانتخابات، التي تضم كلاً من عبد الرحمن العويس وزير الثقافة والشباب، ومحمد بن نخيره الظاهري وزير العدل، وحميد القطامي وزير الصحة، وأحمد الحميري أمين عام وزارة شؤون الرئاسة، وسيف الشعفار وكيل وزارة الداخلية، وخلفان الرومي، وفرج بن حموده، وطارق هلال لوتاه الأمين العام الوزارة، والدكتور سعيد الغفلي الأمين العام المساعد للوزارة.

جربة الانتخابية الإماراتية في المعايير البرلمانية
ولا يمكن في نهاية المطاف إصدار حكم بشأن التجربة الانتخابية الإماراتية، بمعزل عن تناولها بمقاييس محددة تتعلق بالتجارب الديمقراطية والممارسات الانتخابية والأطر النيابية.
فإذا كان اتحاد الإمارات قد قام على وعد صريح في الدستور لأبناء الاتحاد بالوصول الى الحياة الدستورية الحرة الكريمة مع السير به قدماً نحو حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان؛ فإنّ ما نصّ عليه الدستور لا يتجسّد إلاّ من خلال تطبيق الحد الادنى من المعايير والمبادئ الاساسية التي تقوم عليها فكرة البرلمانات، والتي أظهرتها التجارب الإنسانية المتراكمة.
أحد هذه المعايير هو " حق الشعب في الانتخاب الحر لمن يمثله في البرلمان". فمن حيث المبدأ؛ إنّ للشعب الحق في اختيار من يمثله في البرلمان، ويُطلَق على من يتم اختياره توصيف "نائب"، أي أنه ينوب عن الشعب، ويتم اختياره بالتصويت الحرّ من الشعب وذلك عندما يحصل على أكثرية الأصوات عن طريق انتخابات نزيهة، فشرعية النائب تأتي من الشعب الذي انتخبه.
أما على صعيد الجولة الانتخابية الإماراتية؛ فإنّ اختيار عضو المجلس الوطني بصورة تعيين حاكم الإمارة لمجموعة تسمى "هيئة انتخابية"؛ لا يُعدّ انتخاباًَ حرّاًَ من قبل الشعب، لأنّ العضو لا يستمد شرعيته من شعب الإمارات، بل ممن قام بتعينه ابتداءً.

حق المشاركة في القرار
معيار ثانٍ ينبغي القياس بالنسبة إليه يتمثل في "حق المشاركة الشعبية في القرار". فمن المفروض أنّ البرلمان يمثل الشعب، ويقوم الشعب من خلال البرلمان بالمشاركة في اتخاذ القرارات، إلاّ أنّ واقع المجلس الوطني الاتحادي لا يعبِّر عن ذلك، والسبب هو أنّ المجلس ليست له صلاحيات للمشاركة الفعلية في اتخاذ القرار، فصلاحياته لا تعدو كونها استشارية غير ملزمة.
يعني ذلك بوضوح أنّ مبدأ "حق المشاركة الشعبية في القرار" لا ينطبق هنا وحتى بعد الانتخابات، فواقع الأمر هو أنّ عضو المجلس أشبه بموظف وليس شريكاً، فهو لا يملك حق الشراكة في القرار.
ويتمثل معيار آخر في أنّ " البرلمانات تمارس السلطة التشريعية". إذ يُفترض أنّ المجلس الوطني الاتحادي هو أحد السلطات الاتحادية وهي السلطة التشريعية، لكنّ المجلس بوضعه الحالي دوره استشاري فقط، حيث أنّ سلطات المجلس محدودة جداً، وذلك بنص الدستور الذي جاء فيه "وللمجلس الوطني الاتحادي أن يعبِّر عن توصياته ويحدِّد الموضوعات التي يناقشها، وإذا لم يقرّ مجلس الوزراء تلك التوصيات أخطر المجلس الوطني الاتحادي بأسباب ذلك".
ولا يخفى أنّ اختصاصات المجلس تنحصر بشكل رئيس في المناقشة، وتقديم اقتراحات لمجلس الوزراء والمجلس الأعلى، كما تُعتبر إجراءاته شكلية فقط وليس لها أي صفة إلزامية. ومن خلال دورات انعقاد المجلس الوطني؛ تتم مناقشة مختلف المواضيع التي تُعرَض عليه من قبل مجلس الوزراء، والواقع أنّ اختصاصات المجلس لم يطرأ عليها أي تغيير منذ إنشائه في بداية السبعينيات.
وعند النظر إلى الجانب التشريعي الذي يمارسه المجلس، فيما يتعلق بالقوانين؛ فإنّ مشاريع القوانين تُحال إليه من خلال الحكومة، وهو يملك حق مناقشتها وإبداء توصياته بشأنها، فالقرار النهائي يكون للمجلس الأعلى للاتحاد، فيما أنّ المجلس الوطني ليس له أن يبادر بطرح مشروع قانون.
وأما من الناحية المالية؛ فإنّ دستور دولة الإمارات قد نصّ على لزوم عرض مشروع الميزانية العامة للاتحاد والحسابات المالية على المجلس، لكنّ دوره ينحصر في إبداء الملاحظات والتوصيات.

مجلس .. بلا صلاحيات رقابية
وهناك معيار رابع ينبغي القياس بالنسبة إليه، ويتمثل في "الدور الرقابي للبرلمان على السلطة التنفيذية". فما ينبغي أن يكون؛ هو قيام البرلمانات بدور الرقابة الدستورية والقانونية على السلطة التنفيذية من جميع المسؤولين في كل ممارساتهم، ومحاسبتهم سياسياً على أعمالهم. ويُعتبر الجانب الرقابي من أهم الجوانب التي يُمارَس حقها من قبل الأنظمة البرلمانية، وتتم هذه الممارسة من قبل أعضاء المجالس البرلمانية بحرية وحق كامل مثل حق سحب الثقة وحق الاستجواب.
أما في حالة المجلس الوطني؛ فإنّ هذا من المستحيلات، إذ أنّ المجلس ليس له الحق في مراقبة المسؤولين وسحب الثقة منهم، وكل ما للمجلس هو حق الاستفسار، حيث نصّ الدستور على أن "يجيب رئيس الوزراء أو نائبه أو الوزير المختص على الأسئلة التي يوجهها إليهم أي عضو من أعضاء المجلس للاستفسار عن الأمور الداخلة في اختصاصهم، وذلك وفقاً للإجراءات المقرّرة في اللائحة الداخلية للمجلس".
وعليه؛ فإنّ الناحية الرقابية التي يحق للمجلس أن يمارسها؛ محدّدة من خلال حق طرح سؤال وطرح موضوع عام للمناقشة، ويخضع ذلك أيضاً لقيود يجب أن يلتزم أعضاء المجلس الوطني بها.
أحد المعايير الأخرى؛ هو " استيعاب التعددية السياسية في البرلمان"، وذلك من حيث حرية وشرعية تعدد وجهات النظر والتعبير عن مصالح الناس وهمومهم وأولويات قضايا مجتمعهم، وضمان إجراء انتخابات على مختلف المستويات ولكافة الهيئات، على أن تكون هذه الانتخابات عامة ونزيهة ودورية. ومن الواضح أنّ التجربة الإماراتية الحالية لا تعكس هذا المنحى.
وإذا ما قيست تجربة انتخابات المجلس الوطني الاتحادي بالمعايير البرلمانية الأخرى؛ فستبدو الفجوة أعظم اتساعاً، طالما أنّ ما سبق هو الحد الأدنى من المعايير التي يمكن الإشارة إليها. فهناك تجارب إنسانية تراعي مبادئ حقوق الإنسان وحرياته العامة، وفصل السلطات، والمساواة، واحترام مبادئ الدستور والقانون وسيادتها، والعدالة الاجتماعية، والتعددية الفكرية والسياسية والحزبية، واحترام حرية الرأي، والشفافية ومحاربة الفساد واستغلال السلطة وغيرها، كل ذلك وفق المواثيق والاعراف الدولية السائدة في العصر الحاضر.

بين إيجابيات التجربة وسلبياتها
وبنظرة فاحصة ومتوازنة؛ يمكن البحث عن أهم الإيجابيات والسلبيات التي تمثلها التجربة الحالية في الإمارات. فمن الناحية الإيجابية هي نوع من الحراك الاجتماعي، وتغيير في الأسلوب الذي يهدف إلى وجود نوع من الممارسة الانتخابية السياسية، وإيجاد حديث عام حولها، واهتمام نسبي خارجي بهذه التجربة.
كما أنّ هنالك وعداً بتطوير التجربة الانتخابية مستقبلاً، إذا وُضع في الاعتبار أنّ هذه مرحلة أولى ستتم دراسة سلبياتها وإيجابياتها من واقع نتائجها، وسيكون هناك على الأرجح اهتمام بتطوير لصلاحيات المجلس مستقبلاً.
أحد الأبعاد الإيجابية الأخرى يتمثل في مشاركة المرأة في الانتخابات لأول مرة، فهي تعد خطوة مميزة، وعلى الأخص أنها المرة الأولى التي يُتاح لها الدخول في عضوية المجلس الوطني، رغم أنها تقلدت الوزارة بشكل أسبق.
ومن الجوانب الأخرى التي تبرز في فضاء التجربة، أنّ الانتخابات تُعتبر مكسباً للبروز الاجتماعي لبعض الأفراد، وتحقيق علاقات عامة، وتدريب، وما يزيد من أهمية ذلك ما يصاحب هذا من حالة توعية عامة وإثارة الاهتمام بالشؤون العامة.

بعيداً عن جوهر العمل البرلماني
ولكن بالمقابل؛ لا يمكن تورية الجوانب السلبية التي تتجسد في هذه التجربة. فالعملية الانتخابات الحالية شكلية، ولم تقترب من جوهر العمل البرلماني وفق المعايير ذات الصلة، وهي تعطي رسالة سياسية للشعب الاماراتي بأنه لا يوجد لدى أهل الحكم والسلطة إرادة سياسية للإصلاح والتغيير الدستوري الذي يعطي صلاحيات للشعب ويسعى لإشراكه في القرار. كما لا يصاحب التجربة تنازل عن الاستئثار بالصلاحيات والسلطات الكاملة، وهو ما يؤشِّر إلى أنّ الإصلاح الجاري هو شكليّ فقط، وأنّ على من يريد الاصلاح والتغيير الدستوري والسياسي من الشعب الإماراتي؛ أن ينتظر طريقاً طويلاً لأجل أن يحصل على شيء من المشاركة.
وعلاوة على ذلك؛ فإنّ العملية الانتخابية الحالية أخلّـت إخلالاً كبيراً بمبدأ المساواة بين المواطنين التي نص عليها الدستور الاماراتي، والتي تتضمّن منح كل المواطنين الحقوق نفسها وعدم التمييز بينهم، فبهذا لم يعد المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص.
إذ أثار الإعلان عن أسماء المرشحين للانتخابات تساؤلات وخلق حساسيات لم تُثِرها المجالس السابقة، وذلك من ناحية الأساس الذي بُني عليه اختيار أسماء وإغفال أسماء أخرى. ففى المجالس السابقة كانت المعايير المتبعة لتعيين الأعضاء لا تعني الناس، من باب أنّ "المساواة فى الظلم عدالة". أما حالياً فتم اختيار انتقائي لأعضاء الهيئة الانتخابية، وحُرم بقية المواطنين من العضوية وذلك دون أسباب موضوعية.

"شعب الإمارات المختار"
لقد بلْوَر ذلك واقعاً حافلاً بالمفارقات، فحق العضوية هو امتياز مقصور فقط على فئة يسميها بعضهم "شعب الإمارات المختار"، وهي لاتتعدى 6689 شخصاً، يمثلون ما يقل عن واحد في الألف من إجمالي المواطنين ( 0.08 في المائة)، بينما الباقون من شعب الامارات فأماكنهم محجوزة فى مقاعد المتفرجين، ونسبتهم تبلغ 99.92 في المائة، وذلك دون الكشف عن الأسباب التى أدت إلى إقصائهم.
ومن الأبعاد السلبية التي يمكن الإشارة إليها أيضاً؛ أنّ من بين الأسماء التي أُعلنت؛ أشخاص دون السن القانوني، وفي ظل عدم تحديد السن في القانون المتعلق بالانتخابات؛ يتم احتساب السن وفق القانون المدني وهو بلوغ سن الحادي والعشرين سنة شمسية، ولذا فإنّ دخول الانتخابات من قبل أشخاص دون السن القانوني؛ يُعدّ اخلالاً بالعملية الانتخابية، فضلا عن أنّ القوائم التي نُشرت بها عيوب كورود أسماء موتى وأسماء أشخاص مختلِّين عقلياً.
ويشار أيضاً إلى أنه لا جدوى في سياق التجربة الجارية، من البرامج الانتخابية والإعلان عنها، وقد تشمل وعد الآخرين بشيء، كتوفير السكن والخدمات وغيرها، لكون رأي المرشح لا يملك فيما يطرحه من رأي أي أثر إلزامي على القرارات منذ البداية.
ثم لا يخفى الأثر السلبي لاستبعاد أي دور للسلطة القضائية في إجراءات الانتخابات بشكل تام، وابقاء الأمر بيد السلطة التنفيذية. ولم ينص القانون على التظلم لدى الجهات القضائية، بل نص على التظلم من أي تجاوزات أمام اللجنة الوطنية للانتخابات، والتي يُعتبر قرارها نهائياً.
وفي الختام تعتبر التجربة الوليدة خطوة إيجابية تحسب للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ونائبه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء ، ولعل الفترة المقبلة ستشهد حراكا أكبر ومشاركة أوسع ستضاف إلى الإنجازات المباركة والمشهودة لمسيرة اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.