درس
موريتانيا
الديمقراطي:
وداعاً لبرلمان "النعم"
خالد
الحروب
على
صدر يومية
"الأخبار"
التي تلقفتها
لحظة وصولي
مطار
نواكشوط،
يقول عنوان
عريض:
"موريتانيا:.. وداعاً لـ"البرلمان
الذي ما قال
لا قط", ملفات
ساخنة في
انتظار البرلمان
الجديد. في
اليوم التالي,
الأحد 3
ديسمبر, سوف تتم
الدورة
الثانية من
الانتخابات
البرلمانية. من المطار وحتى
الوصول إلى
أية نقطة في
نواكشوط, ومن
ورائها
الولايات
الموريتانية بأسرها,
تعيش بلاد شنقيط
عرساً
ديمقراطياً
حقيقياً. منذ
تأسس البلاد
في أوائل الستينيات
وحتى الآن
وموريتانيا
تنتقل من حكم
عسكري لآخر,
وتعاني من
وعود بتحقيق التنمية
والتقدم إلى
وعود أخرى غير
منجزة. اليوم
هي في طريقها
للتخلص من ذلك
الحكم, وإلى
الأبد, كما
يأمل ويتمنى
أغلب
الموريتانيين.
ويأتي هذا الخلاص
السياسي, للمفارقة
الكبيرة, على
يد العسكريين
أنفسهم. لقد
انقلبوا على
حكم عسكري,
اعتاد الظهور
بثياب مدنية,
وألزموا
أنفسهم
بإعادة الحكم
إلى المدنيين
عبر انتخابات
حرة ونزيهة,
وهذا ما
فعلوه. الناس
في الشارع
فخورون
ومرتاحون.
المراقبون
الدوليون إن
من الاتحاد
الأوروبي أو
الجامعة
العربية أو
سواهما يؤكدون
على نزاهة
الانتخابات. ما زال
الدور الثاني
لم ينتهِ, لكن
نتائج الدور الأول
لم يطعن فيها
أحد, وأكد على نزاهتها
الجميع. أما النخبة
السياسية
والثقافية،
فثمة ما يُضاف
إلى مشاعر
الفخر والارتياح.
هناك أمل كبير
وتخوف وتقدير
دقيق
للتحديات
القادمة. نجاح
التجربة الجديدة
معناه, وبأكثر
من شكل, نجاح
موريتانيا
الحديثة.
وصديقي عبدالله
ولد محمدي يرتشف
الأتاي
(الشاي)
الموريتاني،
ويقول إنه
ينحاز لأمل الناس
وارتياحهم
لتنفيس الاحتقان,
ويرى أن
الأمور تسير
في الاتجاه الصحيح.
"نحن
بكل تواضع
نعتقد أن ما فعلناه
هو ما كان يجب
أن نفعله منذ
فترة طويلة. لقد
أضعنا وقتاً
طويلاً في
العقود الماضية
وموريتانيا
والشعب
الموريتاني
يستحقان
حكماً
ديمقراطياً
يقود البلاد للتنمية
والإصلاح والرفاه",
هذا ما يقوله
وزير
الخارجية
الموريتاني
أحمد ولد سيد أحمد. علقت
على حديثه
المتواضع بأن
ما يحدث في
موريتانيا من
انتقال سلمي
للسلطة من العسكر
للمدنيين
وعبر
انتخابات
نزيهة ووفق توافق
وطني عريض, هو
درس مهم وعميق
في المنطقة
العربية,
ولموريتانيا
والموريتانيين
أن يعتزوا به
وهم يقدمونه
لأشقائهم العرب.
قلت له إن
كثيرين من عرب
المشرق ممن
دمرت وعود
العسكريين
والانقلابيين
دولهم ومجتمعاتهم
يبحثون عن
نموذج يتم به
الانتقال إلى
حكم مدني من
دون إراقة
الدماء. وإن النجاح
الموريتاني
يقدم ذلك
الأمل. غير أن
وزير
الخارجية
الذي قد يكون
في طريقه لمغادرة
منصبه بعد
إجراء الجولة
الثانية من الانتخابات
وتشكيل حكومة
جديدة في ضوء التحالفات
الحزبية
والبرلمانية
الجديدة, واصل
تواضعه
المهذب وقال
إننا لا نزعم بأننا نقدم
درساً لأحد,
بل نحن نفعل
ما فعله أشقاء
من قبلنا,
وهناك
انتخابات ديمقراطية
بهذه الدرجة
أو تلك نظمت
في بلدان عربية
كثيرة. الانتخابات
والحكم الديمقراطي
السياسي هو
الأمر
الطبيعي, ونحن
نفعل ما هو
طبيعي.
من لحظة
الوصول إلى
مطار
نواكشوط،
وحتى مقابلة
وزير الخارجية
ثم رئيس
الوزراء من
بعده،
والمناخ الذي
يستقبل
القادمين إلى
عاصمة
الصحراء هذه
هو الارتياح
العميق عند
الموريتانيين لما يقومون به. هنا
تجربة شبه
فريدة غير
مسبوقة في
العالم
العربي إلا في
حالة سوار الذهب
ومجلسه
العسكري الذي
وعد بتسليم
السلطة
للمدنيين في
السودان بعد
ترتيب الأمور خلال عام،
وأوفى بذلك في
حقبة
الثمانينيات.
هنا في
موريتانيا
تجربة مشابهة, ولكن لها
خصوصيات
إضافية. فالانقلاب
العسكري الذي
أطاح بحالة
التكلس
السياسي الطويلة
التي سادت
فترة حكم
الرئيس
السابق، تعهد
القائمون
عليه
للموريتانيين بمغادرة
السلطة في
أسرع وقت وبعد
تنظيم انتخابات
حرة, تنهي حكم
الحزب الواحد
وتطلق قدرات
وطاقات
الشرائح
السياسية
والاجتماعية
الموريتانية
المختلفة. الوعد
العسكري تحقق،
وكان قد بدا
أنه قيد
التحقق خلال
الشهور التي
تلت مباشرة
الوعد
والالتزام الذي ألزم
العسكريون
أنفسهم به.
الشارع
الموريتاني
ربما بكافة
شرائحه
استقبل الانقلاب
العسكري
الأبيض
بالترحاب, فقد
كانت السنوات
الماضية، قد
أدخلت البلاد
في مآزق
سياسية
واقتصادية
ومحلية عديدة.
الآن
موريتانيا
تقف على عتبة
مرحلة جديدة: العيش في
حياة
ديمقراطية
تعمل على
تنشيط الحلول
السياسية
والاقتصادية
للوضع الموريتاني
الذي صار
لازماً أن
يتقدم إلى الأمام.
فموريتانيا
هي إحدى الفرص
العربية المهدورة
لجهة
امتلاكها
موارد وطاقات
مادية وبشرية
غير مستغلة.
فالمساحة الشاسعة الغنية
بالثروات
المعدنية,
والإطلالة
البحرية
الواسعة على
الأطلسي
بشاطئه الغني بالثروة
السمكية,
والموقع
الاستراتيجي
في الغرب
الأفريقي على
خاصرة
الالتقاء
العربي الأفريقي,
وسوى ذلك كثير
يؤهل البلد
للاندراج في سيرورة
تقدم صارت لا
مناص منها. يُسهل ذلك
اكتشاف النفط
مؤخراً
والآمال
العريضة التي
أصبحت تبنى
على ما قد
يأتي به هذا المصدر
من خيرات
للبلد.
وربما
جاز القول,
وجاز التفاؤل
أيضاً, بأن توافق الانفتاح
السياسي مع
بدايات
استثمار
الثروة
النفطية في
البلد هو إحدى
الفرص
الكبيرة التي
تتوفر الآن في
الفضاء
الموريتاني. فأن تتم
إدارة وتشغيل
الاستثمار
النفطي على يد حكومات
منتخبة
شعبياً وتخضع
للرقابة البرلمانية
اللصيقة هو
أحد الظروف
الواعدة والمقيدة
للفساد أو سوء
استخدام
الثروة والسلطة
معاً. وهذا
يفرض على
الموريتانيين تحدياً كبيراً
مفاده هو أن
إجراء
الانتخابات
والانتقال
إلى حكم مدني
بطريقة سلسة وتبعث على
الفخر هو أول
المشوار وليس
آخره. فالتحدي
الحقيقي هو ما
بعد
الانتخابات, ويتمثل في
تشكيل إدارة
سياسية
حكومية تواجه التحديات
الكبيرة التي
تواجه
موريتانيا خاصة على
صعيد تكريس
الخيار السياسي
الديمقراطي
أولاً,
والنهوض
الاقتصادي
بالبلاد واستقطاب
استثمارات
عربية
وأجنبية.
محبو
موريتانيا
وعشاق ناسها
وصحرائها
يأملون أن
تنجح التجربة
الموريتانية
الديمقراطية, وتقدم
لصحراء العرب
السياسية
نموذجاً مزهراً
في الحياة
السياسية
الحرة
والمتسامحة
والمعتمدة
على التداول
السلمي
للسلطة. ليس
هناك من أحد
يقلل من قدر
التحديات, بل
وحتى مخاوف
النكوص إلى
الوراء. لكن
يبقى أن
كثيراً من
الرهانات
معلقة بهذا
البلد العربي
الذي عانى
كثيراً من
تهميش وإهمال عرب المشرق
له, وأحياناً
عجرفتهم عليه,
رغم حب شعبه
وولههم
بالشرق وناسه
وما يأتي منه.
اليوم
موريتانيا
تقف على عتبة
تاريخ تصدير
نموذج جديد
لعرب المشرق
والمغرب أيضاً
الذين أنهكهم
الحكم
العسكري,
ونأمل أن ينجح
تصنيع
النموذج وأن
يصير قابلاً للتقليد
والتصدير