لا يزال تقدم البلدان العربية في مسيرتها نحو مواءمة قوانينها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تضمن المساواة بين الجنسين والقضاء على التمييز ضد المرأة متفاوتًا ومتباينًا. كان هذا مضمون الاتفاق المنبثق عن الاجتماع الذي استضافته المملكة العربية السعودية وضم مسؤولين حكوميين؛ وخبراء في قضايا المساواة بين الجنسين؛ ونشطاء في المجتمع المدني؛ ومشرعين؛ وحقوقيين من أجل الإطلاق الافتراضي للمجموعة الجديدة من التقارير المعنية بعدالة النوع الاجتماعي والقانون التي تغطي 17 بلدًا عربيًا*. وتتناول التقارير القطرية لعام 2022 ستة مجالات تشريعية، منها الإطار العام للدولة؛ الأهلية القانونية والحياة العامة؛ والحماية من العنف الموجه ضد النساء والفتيات على الصعيدين العام والخاص؛ والعمل والمنافع الاقتصادية؛ والأحوال الشخصية والمسائل الأسرية؛ والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. مسترشدةً بالهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة بشأن المساواة بين الجنسين، زادت التقارير الجديدة عدد المؤشرات المستخدمة لتقييم حالة مواءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية في هذه المجالات الستة من 29 مؤشرًا استخدمت في المجموعة الأولى من التقارير الصادرة في عام 2018 إلى 74 مؤشرًا. ويرد موجز للمؤشرات الأربع والسبعين لجميع البلدان السبعة عشر في مصفوفة إقليمية واحدة تستخدم الترميز اللوني للإشارة إلى التغير في حالة القوانين وإعطاء لمحة عامة إقليمية مرئية عن التقدم المحرز والثغرات المتبقية. وتوفر المصفوفة الإقليمية والتقارير القطرية معًا أداة فعالة للبلدان تلقي الضوء على المجالات التي تقتضي الاهتمام للنهوض بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين وفقًا للمعايير الدولية وتيسر المشاورات الوطنية لسن إصلاحات في التشريعات الوطنية. تدابير إيجابية تظهر مجموعة التقارير مجتمعة أنه توجد في جميع أنحاء المنطقة تدابير إيجابية تواكب المعايير الدولية في مجال الأهلية القانونية. فاليوم، تتمتع المرأة بحقوق متساوية في جميع البلدان الـ 17 في ما يتعلق بالحق في الحصول على بطاقة هوية وطنية؛ وطلب جواز سفر؛ وإبرام العقود؛ وامتلاك الأصول وتسجيل الأعمال التجارية؛ وبدء الإجراءات القانونية في المسائل المدنية. وبالمثل في مجال العمل والمنافع الاقتصادية يحمي القانون حقوق المرأة في الحصول على أجر متساوٍ مع الرجل في 16 بلدا، كما أنه يكفل حماية حقها في الحصول على الأجر المتساوي عن العمل متساوي القيمة في تسعة بلدان. علاوة على ذلك، تتمتع المرأة حاليًا بالحماية بموجب القانون من التحرش الجنسي في مكان العمل في ثمانية بلدان، وهي البحرين ومصر والعراق والكويت ولبنان والمغرب والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ وإن كان لدى بلدين فقط، هما البحرين والمملكة العربية السعودية، أحكام تسمح بالدعاوى المدنية وسبل الانتصاف من التحرش الجنسي في مكان العمل. واعتمدت عشرة بلدان، هي مصر والعراق والأردن وفلسطين والمغرب والمملكة العربية السعودية والصومال والسودان وتونس والإمارات نظم الحصص المخصصة للمرأة في البرلمانات الوطنية (الكوتا) لتعزيز قدر أكبر من المشاركة للمرأة في الحياة السياسية، غير أن هناك أربعة بلدان فقط، وهي الصومال والسودان وتونس والإمارات، لديها كوتا تسمح بنسبة 30 في المائة على الأقل كنسبة المقاعد البرلمانية المخصصة للنساء. ولم تسن سوى تونس قانونًا يجرم صراحة العنف ضد المرأة في الانتخابات والنشاط السياسي. وسنت ثمانية بلدان، قوانين للحماية من العنف الأسري. فقد تبنت كل من الكويت والإمارات قوانين جديدة بشأن الحماية من العنف الأسري، بينما أدخل لبنان والأردن بعض الإصلاحات القانونية الإيجابية منذ عام 2018. وفي السودان، تم تمرير قانون جديد يجرّم تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية(الختان)، كما أجريت في مصر تعديلات على القوانين الحالية توفر حماية أكبر لضحايا تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. التحديات والثغرات والإشارات إلى ما يلزم اتخاذه من إجراءات تظهر التقارير أن الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية لا تزال تمثل تحدياً رئيسياً في المنطقة، نظرًا لكونها المجال الذي تم فيه إحراز أقل قدر من التقدم نحو الوفاء بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وذلك استنادًا إلى المؤشرات المختارة. وهذا يؤكد أهمية اتخاذ إجراءات لحماية واحترام وإعمال هذه المجموعة الهامة من الحقوق لتحقيق المساواة بين الجنسين. وتسلط تقارير عام 2022 الضوء أيضًا على الثغرات المشتركة التي تقتضي إجراءات قانونية. وتشير إلى أهمية اعتماد إحصاءات وبيانات مصنفة حسب الجنس، وهي إحصاءات وبيانات بالغة الأهمية لصنع السياسات القائمة على الأدلة. ولضمان مشاركة أكبر للمرأة في السياسة، توفر التقارير أيضًا أسسًا للمطالبة باعتماد أكبر لحصص النساء في التمثيل السياسي وتعزيز أحكام الحصص الحالية والقوانين التي تجرم العنف ضد المرأة في السياسة / الانتخابات. وبالمثل، نظراً لأن نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في المنطقة هي الأدنى في العالم، تؤكد البيانات الواردة في التقارير على ضرورة إنهاء جميع القيود المفروضة على عمل المرأة في قوانين العمل؛ واعتماد قوانين محددة تضمن بيئة آمنة للنساء في مكان العمل؛ وتوسيع نطاق قوانين إجازة الأمومة لتتماشى مع الحد الأدنى للمعيار الدولي وهو 14 أسبوعًا، وضمان إجازة الأبوة مدفوعة الأجر. كذلك إذ تستمر أوجه عدم المساواة بين الجنسين داخل الأسرة وانتشار العنف القائم على الجنس في المنطقة، توفر التقارير بيانات لدعم الدعوة لإدخال إصلاحات في قوانين الأحوال الشخصية لمنح حقوق متساوية للرجال والنساء داخل الأسرة، وكذلك اعتماد تشريعات شاملة ضد العنف القائم على الجنس. ويصدر هذه التقارير كل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهيئة الأمم المتحدة المعنية بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (هيئة الأمم المتحدة للمرأة) بالتشاور مع أصحاب المصلحة الوطنيين والجهات المعنية. تصريحات لممثلي المنظمات الشريكة في إصدار التقارير الجديدة: رأت ليلى بكر، المديرة الإقليمية لمنطقة الدول العربية لدى صندوق الأمم المتحدة للسكان أنه “مع اقتراب موعد استعراض المؤتمر الدولي للسكان والتنمية + 30 للمنطقة العربية، يتعين علينا أن نقيّم التقدم المحرز نحو ضمان قدرة جميع النساء والفتيات على ممارسة استقلالهن الجسدي والمشاركة على قدم المساواة في صنع القرار، دون التعرض لأي شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي. وتعد تلك التقارير المعنية بالعدالة بين الجنسين والقانون أداة قيمة للمساهمة في تحقيق هدفنا المشترك المتمثل في إنهاء عدم المساواة بين الجنسين”. وقالت سارة بوول، نائبة المدير الإقليمي للدول العربية لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: أن التقارير تؤكد “التقدم المحرز في مشاركة المرأة في الحياة العامة في المنطقة لا يزال متفاوتا. ومن ثم، تعد الإصلاحات التشريعية والعمل على أرض الواقع أمران حيويان لبناء قيادة نسائية وممارسة المرأة لدورها القيادي، أياً كانت الخلفيات التي تنحدر منها أو القدرات التي تتمتع بها، وكذلك لإعلاء صوتها وتمكينها من المشاركة الكاملة بصفتها صانعة للقرار في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة “. “بات الإصلاح التشريعي الشامل الذي يراعي إزالة الفوارق بين الجنسين أمرًا ضروريًا لمعالجة الهوة المتفاقمة للتمييز وعدم المساواة التي تعاني منها هذه المنطقة. ولا تتيح هذه المبادرة مجالاً لإجراء حوار بين العديد من الجهات المعنية وأصحاب المصلحة فحسب، بل هي أيضاً بمثابة أداة لواضعي السياسات لمراجعة الأطر التشريعية بشكل بناء وتطوير الأولويات الوطنية التي تعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين مع تحقيق رؤيتهم للتنمية الشاملة والمستدامة”. واعتبرت يانيكا كوكلر، نائبة المدير الإقليمي للدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة للمرأة: “أن التقدم المحرز في تشريعات العمل المتعلقة بالنساء شوف يضمن بيئة عمل آمنة للمرأة، بجانب حرية التنقل، والتمتع بحياة تخلو من التمييز، حيث ستتمكن المرأة من الحصول على أجرها بشكل عادل ومنصف والوصول إلى المناصب القيادية. كما سيكون من شأن هذا التقدم تيسير الوصول إلى الفرص في القطاعات التي تضمن مكانة المرأة في مستقبل العمل في المنطقة العربية”. *يمكن الاطلاع على التقارير القطرية عن عدالة النوع الاجتماعي والقانون لعام 2022 التي تغطي 17 بلدًا عربيًا من خلال المواقع الشبكية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا وصندوق الأمم المتحدة للسكان وهيئة الأمم المتحدة للمرأة · يقدم خمسة عشر تقريرًا من البحرين ومصر والعراق والأردن ولبنان والمغرب وعمان وفلسطين وقطر والمملكة العربية السعودية والصومال والسودان وسوريا وتونس واليمن تحديثات لبيانات خط الأساس المدرجة في تقارير 2018، مع إضافة 45 مؤشرًا. · تقدم التقارير المقدمة حديثا من الكويت والإمارات العربية المتحدة بيانات لأول مرة تخص كلا البلدين. · لا تزال البيانات الخاصة بالجزائر وجيبوتي وليبيا قيد التجميع. · لم يتم تضمين جزر القمر وموريتانيا. حيث أن وكالات الأمم المتحدة الأربع الشريكة لا تُدرجها جميعًا ضمن تغطيتها الجغرافية الإقليمية. · لا تعكس تقارير عدالة النوع الاجتماعي والقانون لعام 2022النطاق الكامل للجهود التي تبذلها البلدان لتحقيق العدالة بين الجنسين، كما أنها لا تقيم درجة تنفيذ القوانين الحالية وتأثيرها.
المصدر: الحوار نيوز 13/02/2023
|
|