“هيداك المرض”، لطالما ارتبط مرض السرطان بتلك العبارة لما يشيع من رعب يبثّه في نفوس المحيطين بالمريض، لدرجة جعلت الناس تتخوّف من “العدوى” حتى لمجرّد ذكر الاسم. وكان الوقت كفيلاً برفع الكلفة في ما بين المرض والناس نظراً لانتشاره بشكل كبير من جهة، ولوعي المجتمعات كافة على مخاطره وحيثياته من جهة أخرى.
في ذكرى اليوم العالمي لمرض السرطان 2016، ما الجديد الذي تقدّم به العلم وايّ بارقة امل زرعها الطب للحد من عدد ضحايا هذا المرض الخبيث؟
بين 2011 و 2015… نسب الضحايا ترتفع
أصدر “صندوق أبحاث السرطان في العالم” عام 2011 إحصائيات تفيد بأن المرض زاد بنسبة 20 بالمئة خلال السنوات العشر الماضية، وأضافت المنظمة البريطانية المعنية بأبحاث السرطان أن الفحوصات الطبية تظهر أن 12 مليون شخص جديد يصابون سنويا بالسرطان، أي أن المرض زاد بنسبة الخمس في أقل من عشر سنوات.
في الـ 2015، اشارت تقديرات “منظمة الصحة العالمية” إلى أن مرض السرطان يودي بحياة ما لا يقل عن 15 مليون إنسان كل سنة، أي أن شخصا واحدا يموت على الأرض بسبب السرطان كل ثانيتين. وترجّح التوقعات أن يتفاقم عدد ضحايا السرطان خلال السنوات المقبلة، ليفقد 19 مليون إنسان حياتهم سنة 2025، بسبب المرض الخبيث.
نسب ترتفع سنوياً وتشكّل مصدر قلق دائم للخبراء والاطباء والمرضى، وحتى الناس الذين يتمتعون بصحة جيدة، الامر الذي يدعو الى مزيد من الابحاث لمحاولة اكتشاف الاسباب والطرق الفعالة في القضاء عليه، ان لم يكن بالمستطاع الوقاية منه.
تاريخ المرض
هو مرض حيّر العلماء قديما وما يزال، فالسرطان يعتبر من الأمراض التى أصابت الإنسان منذ قديم الزمان، وقد كان المصريون القدماء أول من وصف هذا المرض في بردياتهم منذ آلاف السنين، كما وصفوا علاجه بالاستئصال الجراحي وكذلك الكي بالنار. وفى العصور القديمة اتصف المرض بالغموض الشديد وربطه الناس بالارواح الشريرة، ولكن حتى في تلك العصور لم تتوقف جهود العلماء عن كشف أسرار المرض ومحاولة علاجه بكافة الطرق، ففي القرن العاشر ميلادي نصح ابن سينا باستئصال الأورام، كما اكتشف وسائل للتخدير عن طريق الفم، ووصف أبو القاسم الظهراوى في الأندلس العديد من الطرق الجراحية لاستئصال الأورام، وقد كان الجراح البريطاني السير بيرسيفال بوت أول من اثبت في القرن الثامن عشر وجود علاقة بين عوامل البيئة والسرطان، إذ لاحظ انتشار سرطان الجلد بين العمال الذين يقومون بتنظيف المداخن، وذلك نتيجة التعرض للقطران.
كما شهد القرن التاسع عشر اكتشافات علمية هائلة ساعدت الإنسان على الانتصار في كفاحه المستمر مع مرض السرطان، فقد اكتشف العالم الألماني مولر (1838) أن السرطان يتكون من خلايا تتكاثر بصورة غير طبيعية، وبذلك أزاح الستار عن طبيعية هذا المرض، وقد أدى اكتشاف التخدير وطرق التعقيم الحديثة إلى تطور كبير في جراحة السرطان، الأمر الذي مكن الجراح الأميركي ويليام هالستيد (1891) من إجراء الاستئصال الجذري الكامل لسرطان الثدي، واثبت لأول مره أهمية ذلك في شفاء المرضى.
تعددت الاسباب… والنتيجة واحدة
توالت الابحاث والاكتشافات في القرن العشرين والحادي والعشرين، واشارت “منظمة الصحة العالمية” إلى أن 30 بالمئة من وفيات السرطان ترجع أسبابها إلى 5 عوامل هي: ارتفاع كتلة الجسم، عدم تناول الفواكه والخضراوات بشكل كاف، قلّة النشاط البدني، تعاطي التبغ وشرب الكحول. في حين أشارت تقديرات صندوق أبحاث السرطان إلى أن بالإمكان منع 2.8 مليون حالة سرطان مرتبطة بنظام التغذية وقلة التمارين الرياضية.
وتقول المنظمة في هذا الصدد إن تعاطي التبغ أهم عوامل الأخطار المرتبطة بالسرطان، إذ يقف وراء 22 بالمئة من وفيات السرطان العالمية، و71 بالمئة من الوفيات الناجمة عن سرطان الرئة.
وتسجل 70 بالمئة من وفيات السرطان في بلدان نامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وفق ما كشفه تقرير المركز الدولي لأبحاث السرطان، سنة 2014.
العلاج الكيميائي قد يسبب تفاقم السرطان
في سياق الابحاث المتتالية، وفي ظل ارتفاع نسب العلاجات الكيميائية، تحدث موقع “روسيسكايا غازيتا” الروسي عن اكتشاف العلماء في نهاية العام 2015 ان العلاج الكيميائي قد يسبب تغيرات في الخلايا السرطانية وظهور نوع جديد من السرطان.
وقرر فريق علمي روسي من “جامعة تومسك” و”معهد البحوث السرطانية” في هذه المدينة، يضم خبراء في علوم الوراثة والبيولوجيا والأمراض السرطانية، معرفة سبب عدم قدرة العلاج الكيميائي على وقف نمو وتطور الأورام السرطانية في ربع حالات علاج سرطان الثدي.
وتابع هذا الفريق العلمي خلال فترة طويلة الحالة الصحية لـ 68 امرأة مريضة بسرطان الثدي المؤكد. وقد ركز العلماء اهتمامهم على معرفة التغيرات التي تحصل في الخلايا السرطانية خلال تعرضها للعلاج الكيميائي، فاتضح ان الخلايا السرطانية لـ 23 بالمئة من المريضات تحصل فيها تغيرات، واكتشفوا فيها أجزاء جديدة من الحمض النووي تضم نسختين أو ثلاث نسخ للجينات الواقعة في نهايات الكروموسومات، وان الخلايا السرطانية بقيت نشطة بعد العلاج الكيميائي، بل اصبحت أكثر عدوانية.
ولم يتمكن العلماء بعد من تحديد سبب هذه التغيرات، ولكن بحسب المعلومات التي حصلوا عليها اكتشفوا وجود انتشار خلايا سرطانية مكونة للدم لدى الـ 23 بالمئة من المريضات، فيما لم يلاحظ هذا الشيء لدى بقية المريضات خلال خمس سنوات.
وتقول مارينا ابراهيموفا من “جامعة تومسك” ان هذا اكتشافا استثنائيا، ونحن الآن نعمل على توسيع رقعة الخيارات، فإذا جرى كل شيء على ما يرام، فسوف نبتكر تكنولوجيا لإجراء تحليلات أكثر دقة للمريضة قبل خضوعها للعلاج الكيميائي، أي سيتضح من نتائج التحليل هل يمكن إخضاعها للعلاج الكيميائي أم لا، وينوي العلماء الاستمرار في هذه الدراسة لمعرفة اسباب تطور الخلايا السرطانية تحت تأثير العلاج الكيميائي
علاج غير كيميائي… بارقة امل
في هذا السياق، صدرت في الشهر الاول من العام 2016، دراسة بريطانية جديدة تناولت أسباب تطور الأورام، واعتبرت خطوة قد تحمل أملا جديدا لإيجاد بديل للعلاج الكيميائي لمرض السرطان.
وبدأ الباحثون إجراء تحليل الحمض النووي لأول المشاركين في الدراسة التي تحمل اسم “مئة ألف جينوم”، وعلم الجينوم هو أحد فروع علم الوراثة المتعلق بدراسة كامل المادة الوراثية داخل مختلف الكائنات الحية. وتشمل الدراسة الجديدة التي تجريها هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، فحص الحمض النووي لآلاف المرضى، للمساعدة في اكتشاف علاجات دقيقة وفهم تطور الأورام، وتهدف الدراسة إلى محاولة فهم التحولات التي تؤدي إلى المرض، وكذلك تحديد الأدوية المناسبة لاستهداف الأورام.
ويقول الدكتور جوليان بارويل، استشاري الجينات في مستشفى ليستر الجامعي إنه “يمكن اعتبار هذه الخطوة هي الأولى نحو نهاية العلاج الكيميائي، وأول خطوة نحو العلاج الجينومي، وإذا نجحت، فإنها ستسمح بالتعرف على طبيعة الأورام بشكل منفرد، والعلاجات المناسبة لكل حالة”.
وقد لا يستفيد كل المرضى من الدراسة، لكن فهم تحولات الحمض النووي سيسمح بتطوير “علاجات دقيقة” تستهدف نقاط الضعف في الورم، كما يهدف المشروع إلى الكشف عن أسباب تطور الورم، وينقسم المشروع إلى قسمين، أحدهما للسرطان، والآخر للأمراض النادرة
مستحضر طبي مضاد لسرطان الثدي
في السياق نفسه، نشر موقع ” كوماندير.كوم” في بداية شهر كانون الثاني (يناير) من العام 2016 بشرى سارة لمرضى سرطان الثدي، مفاده ابتكار علماء جامعة بنسلفانيا الأميركية دواء مضادا لمختلف انواع الأمراض السرطانية اطلقوا عليه اسم “Palbociclib”.
وقد اختبر الأطباء والعلماء الدواء المستحضر الجديد وكانت نتائجه ممتازة في علاج سرطان الثدي، وأكدوا بأن هذا الدواء يمكن استخدامه في علاج الأورام السرطانية مع منظومة الغدد الصماء والعلاج الكيميائي، مع انه في الأساس ذو فعالية عالية لوحده. كما ان نتائج اختباره في علاج انواع معقدة من السرطان مثل سرطان الغدد اللمفاوية والأورام المسخية الخبيثة كانت جيدة، مما يعطي المصابين بهذه الأمراض الأمل في الشفاء منها. وتبين ان هذا المستحضر يؤثر بصورة مباشرة في قدرة الخلايا السرطانية على التكاثر والانتشار، لأنه يكبح نشاط انزيم CDK4 وانزيم CDK6 اللذين يحفزان انشطار الخلايا.
وخلصت الدراسة الى ان المستحضر لا يشكل خطورة على الصحة إذا اخذت منه جرعة واحدة في اليوم، ولكن له تأثيرا سلبيا واحدا، حيث يقلص عدد الكريات البيضاء في الدم التي تساعد في مقاومة العدوى
أعراض مبكرة
في المقابل، اكتشف الخبراء انه على الرغم من أن الأطباء يقولون أن الأورام السرطانية تكون عادة من دون أي أعراض، فمن المممكن تشخيص اعراض الإصابة بالسرطان في وقت مبكر ان لم يخضع الشخص لفحوصات دورية.
وتحدث خبراء جمعية الأمراض السرطانية الأميركية عن اربعة أعراض في المرحلة المبكرة من المرض، وعندما يكتشف أي منها يجب مراجعة الأخصائي فورا ودون تأجيل.
قبل كل شيء، نبهوا حسب موقع “ميديكفوروم. رو” الى عدد المرات التي يشعر فيها الانسان بالتعب، مع ان هذا في الوقت الحاضر يعتبر من ميزات العصر، ولكن إذا شعر الإنسان بالنعاس بصورة دائمة رغم عدم وجود أي سبب يجب اخذ الموضوع بنظر الاعتبار، فيقول الخبراء ان الشعور بالتعب والنعاس بصورة دائمة قد يكون ناتجاً عن الإصابة بسرطان القولون أو المعدة أو الدم.
كما يجب الانتباه الى فقدان الوزن من دون سبب واضح، لأن الإنسان لا يمكن ان يفقد الوزن إذا لم يتبع حميات غذائية معينة أو يمارس نشاطاً بدنياً متزايد الشدة، أي قد يكون فقدان الوزن من علامات الإصابة بسرطان المعدة، أو البنكرياس أو المريء أو الرئتين.
كما أن ارتفاع درجة حرارة الجسم لمدة طويلة (37.6-38.2 درجة مئوية)، قد يكون من علامات الإصابة بالسرطان، فارتفاع درجة حرارة الجسم إضافة الى انه ينتج عن الإصابة بالأمراض المعدية، قد يكون أيضا بسبب الإصابة بسرطان الدم أو سرطان الغدد اللمفاوية.
وإن تنوع الأمراض السرطانية مثل سرطان الحنجرة والمريء واللسان، يمكن تشخيصه بآلام الحنجرة وبحة الصوت المستمرة، وصعوبة بلع لقمة الغذاء، وبالجروح التي لا تندمل خلال فترة طويلة في الشفتين.
بين الابحاث الجديدة والتطورات الطبية المحتملة، ومع ارتباط دراسة كيفية تكاثر هذا المرض لدى الحيوان والانسان وامكانية الاستفادة من دمج النتائج، هل يمكن لـ “هيداك المرض” ان يصبح فعلاً من “هيداك الزمن”، ويتحوّل من مرض قاتل وصامت الى “أزمة صحية عابرة”؟
المصدر: greenarea.me/05/02/2015
|