انتهاك للحقوق وخرق للضمانات الأساسية للسجين
نداء عاجل للإلتزام بالمعاهدات الدولية ودعم مُحاكمة عادلة في القضية المعروفة بـ (خلية العبدلي) والمُقيّدة برقم 51/2015 أمن دولة وملاحظات على الحكم القضائي الصادر بتاريخ 12/1/2016 - الكويت
إثر مراقبة قضائية قامت بها رئيسة اللّجنة العربية لحقوق الإنسان- باريس، وبتمثيل لمُنظمات حقوقيّة عربية، لجلسة مُحاكمة في القضية المُقيّدة برقم 51/2015 أمن دولة- الكويت، وعقب صدور الحكم القضائي بتاريخ 12/01/2016 وقراءته بتمعّن، نتوجه بهذا النداء للإعلام ولجمعيات حقوق الإنسان العربية والدولية ولمؤسسات الأمم المتحدة المعنية بالشأن، توخياً لوقف انتهاكات السلطات الأمنية لحقوق السجناء ولردع المُخالفات للأصول المرعية في المُحاكمات القضائية العادلة، في دولة الكويت.
بعد قراءة متأنية لنص الحكم المشار إليه أعلاه (ضد 26 متهماً، ثلاثة منهم حوكموا غيابياً) والمُكوَّن من 186 صفحة، تتقدم اللّجنة العربية لحقوق الإنسان والمُنظمات الحقوقية المُوقعة على هذا النداء بالملاحظات التالية :
1- مع اكتمال عناصر القضية وبحسب ما توفر لدينا من مُعطيات، نعبّر عن قلقنا لانزلاق الحكم لما يخرج عن النطاق الحقوقي والقانوني، وذلك بالنظر لعدد من المُستندات الجدية والتقارير بالغة الحساسية التي تؤكد تعرُّض متهمين للتعذيب (للاعتراف بالتهم التي وجهت لهم والتي تم نفيها من طرفهم، من بينها التخابر مع إيران وحزب الله والإعداد لهجمات ضد الدولة). تتضمن هذه المستندات تقرير الطب الشرعي رقم 21 ت لسنة 2015 م في القضية رقم 51/2015 أمن الدولة - الكويت وزارة الداخلية - الإدارة العامة للأدلّة الجنائية المُوقع بتاريخ 20/9/2015 من خمسة أطباء، وتقرير الطب الشرعي رقم 365ع/2015 لذات القضية والصادر من ذات الجهة المذكورة والموقع بتاريخ 24/8/2015 من طبيبَين، والتقرير رقم 370ع/2015 المُحرر بمعرفة الطبيب الشرعي الدكتور سيف الدين عبد الرحمن والصادر من ذات الجهة المذكورة بتاريخ 30/8/2015. جميع هذه التقارير التي أرفقت بالقضية، بينت بوضوح وجود إصابات ظاهرة على بعض المُتهمين وأكدت تعرض المَوقوفين في القضية للتعذيب أثناء توقيفهم. الأمر الذي شددت عليه أقوال المُتهمين أمام مجلس القضاء خلال جلسات المحاكمة، كما أيَّدته هيئة الدفاع للمُحامين.
2- تقتضي الكرامة المتأصلة في الإنسان أخذ السلطات التنفيذية والقضائية المعنية بعين الاعتبار للأدلّة الجادة بتعرّض موقوفين للتعذيب أو العقوبة القاسية أو المعاملة اللاّ إنسانية أو الحاطّة بالكرامة. ما عدا ذلك يُعَدْ تجاهلاً لاتفاقية مناهضة التعذيب (التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام إليها في القرار 39/46 المُؤرّخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1984 والتي انضمَّت إليها دولة الكويت).الحكم الذي صدر في 12/01/2016 لم يأخذ بعين الاعتبار التقارير الطبية السالفة الذكر وما ثبت رسمياً بخصوص إحالة بعض المُعتقلين للمُستشفى العسكري أثناء التحرّي معهم، دون إرفاق ملفهم الطبّي لفحصه من قِبَل مجلس القضاء. كما لم يولي الحكم المذكور اهتماماً لطلب المُحامين الإطلاع على تسجيل أل CCTV لبيان تعرُّض المُعتقلين للتعذيب وغيره من ضروب المُعاملة الحاطة بالكرامة أو العقوبة القاسية أو أللّا إنسانية أو المهينة.وعليه: تُعرب المُنظمات الموقعة على هذا النداء عن بالغ قلقها إزاء هذه التجاوزات الجسيمة وتجاهل الحقائق الواردة، بما يمس بحقوق المتهمين ويُسيء لسُمعة القضاء الكويتي ولدولة الكويت، العضو في مجلس حقوق الإنسان.3- إن الحكم الصادر قد تجاوز قواعد المحاكمات العادلة، كما في حالات عديدة سابقة، بفعل غياب المُحامين عن كافة إجراءات التحقيق.- لذا تدعو المُنظمات الحقوقية الموقّعة على هذا النداء السلطة التشريعية في دولة الكويت إلى تشريع قانون يُلزم السلطات التنفيذية بعدم التحقيق مع أيّ متهم أو التحرّي معه إلاّ بحضور محام عنه.- وتُشدّد على ضرورة الالتزام بالأصول والضوابط القانونية والدستورية إبان التحقيق في التُهَم الجزائية والفصل فيها بما يتوافق مع المعمول به دولياً. في القضية المذكورة منع المحامون من حضور التحقيق مع موكليهم، كما في حالة الأستاذ زهير عبد الهادي المحميد، الذي كان قد أوكل محامين له منذ عام 1986 بموجب وكالة رسمية. لكنهم مُنِعوا من حضور التحقيقات بحُجَج واهية، من مثل بلوغ منتصف الليّل وأنه من غير الممكن حسب زعم المُحقّق توفير مُحامي في هذا الوقت. وقد دعّم اتجاهنا هذا أن المتهم المذكور تمت تبرئته من التهم التي نسبت له والتي تصل عقوبتها للإعدام شنقاً.
4- تندد منظماتنا بأعمال التخريب والمصادرة غير المبررة للأغراض من طرف السلطات، بغير إذن شرعي، خلال التفتيش في أغراض ومنازل الموقوفين. والأصل أن تصدر مذكرات تخوّل تفتيشاً معقولاً لأسباب مُرجّحة تحت القَسَم أو الإقرار، وتتضمَّن بالأخص وصف المكان المطلوب تفتيشه والأشخاص المنوي توقيفهم أو الأشياء المطلوب مصادرتها. وبالإطلاع على تقرير الخبراء الرسمي الصادر من وزارة العدل ورقمه خ هـ/1848/2015 بتاريخ 26/11/2015 والمؤيّد بحكم قضائي صادر بتاريخ 11/1/2016 في الدعوى رقم 874/2015 مستعجل / 20 ، يتضح إثبات حالة مسكن مُعتقل - الذي حوى على بيانات تخريب وتكسير وتدمير منزل يعود للمعتقل زهير عبد الهادي المحميد.كما نستغرب تبرير الحكم المُشار إليه لتلك الانتهاكات بمُبرِّرات غير معقولة وتتنافى مع أبسط حقوق الإنسان والقوانين المعتمدة، ونعتبره إخلالاً جسيماً بقواعد تضمن إنصاف الفرد والدولة والمجتمع، ونؤكد أن المُحاكمة المذكورة لا تُلبّي معايير الإجراءات القانونية الصحيحة والمأمولة من القضاء.
5- تستنكر منظماتنا احتواء الحكم على آراء سياسية وعقائدية وخاصة، من خارج أوراق القضية، دون دلائل جادة وملموسة ويقينية ودون الاستناد لمبادئ تطبيق الإجراءات القانونية الصحيحة المُنصفة التي نصّت عليها القوانين المعمول بها، خاصة في صفحات الحكم أرقام 124 و 125 و 144 و146.كما تستهجن توسَّعه في الارتكاز لمعلومات تاريخية تتناقض مع الوقائع والأحداث والتواريخ، من مثل التدرّب في مدينة "عيتا الشعب" التي هي منطقة في جنوب لبنان كانت واقعة تحت الاحتلال الصهيوني إبّان ذلك الوقت، بما يستحيل معه أن تستقيم الواقعة بصورتها وتصوُّرها وتوقيتها.
6- تنبه المنظمات الموقعّة على هذا النداء لوجود شهود نفي في القضية المذكورة أعلاه لم يتطرَّق لهم الحكم قبولاً أو رفضاً وأغفلهم بشكل مُطلق، مقابل استدلاله بشهود إثبات، وذلك رغم جسامة الجرائم وغلاظة العقوبات التي تصل لحكم الإعدام لدى بعضهم. الأمر الذي يُثير تساؤلات حول سبب عدم مراعاة الحكم لمُجريات العدالة الطبيعية بالتطرّق لأدلّة النفي المادية، ويدعو للتشكيك بعدالة المحاكمة.7- لقد أفاد المعتقلون بنسب أقوال لهم لم يُفيدوا بها أمام التحقيقات. الأمر الذي يترتّب عليه عدم جواز اعتماد تلك الاعترافات التي استمرّت من دون حضور مُحامٍ، في حين أنه على سلطة الاتهام إثبات أن المُعتقلين تخلّوا عن معرفة عن حقهم بالاستعانة بمحامٍ وفق القواعد المعمول بها دولياً. وحيث عاملهم الحكم بالنقيض، تُشير مُنظماتنا إلى ضرورة إدخال تحسينات على حق المُتهم بالاستعانة بمحاميه، وإعطاء رجال التحقيق والشرطة توجيهات أشمل حول كيفية تنفيذ مسؤولياتهم خلال التحقيقات، وتمكين الموقوفين من كافّة حقوقهم على أفضل وجه، مع احترام قواعد الحقوق الأساسية للمتهمين.إن تِكرار مثل هذه الممارسات، يفرض على السلطة التشريعية الاستعجال بوضع القواعد النموذجية الدنيا لمُعاملة الموقوفين ومجموعة المبادئ المُتعلّقة بحماية الأشخاص الذين يتعرّضون لكل أشكال الاحتجاز أو السجن. كذلك يلزم تشريع مبادئ توجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة والتحقيق في التعامل مع المُتهمين بما يُحقّق عدالة أشمل وأفضل.
وإذ تشير المنظمات الموقعّة على هذا النداء وبإلْحاح لأهمية تضمّن المُحاكمة قواعد وشروط المُحاكمات العادلة والضمانات الأساسية للمُتهمين ومراعاة حقوقهم في كافة درجات التقاضي، كما مُناهضة التعذيب بكافة أشكاله والتحقيق في جميع الحقائق والدلائل التي تُشير للمُعاملة المهينة والقاسية والاحتجاز القسري، تدعو لتمكين المتهمين من كافة حقوقهم الأساسية المنصوص عليها محلياً ودولياً، ومنها قرينة البراءة،وهي تُعرب عن تطلّعها لسعي السلطات الكويتية الحثيث للالتزام بكافة القواعد الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والمُحاكمات العادلة،كما وتطالب بإعادة النظر بالأحكام المشار إليها، توخياً لإنصاف المتهمين والسير قدماً نحو بناء دولة القانون والمؤسسات والعدالة والإنصاف.
المحررة: د. فيوليت داغر باريس 02/02/2016
الموقعون:
|
|