شكل القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2253، الذي انبثق عن وزراء المالية في الدول الأعضاء وتقدم به الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية، خطوة مهمة في سيرورة محاربة الإرهاب. فبعد انتشار هذه الظاهرة في عدد من الدول وخاصة سورية والعراق وما كان لها من دور كبير في تدمير هاتين الدولتين، استطاع مجلس الأمن وبالإجماع تحمل مسؤولياته لإصدار هذا القرار. قرار يعتبر من أكثر القرارات الصادرة عن مجلس الأمن فيما يخص الإرهاب وضوحا. لقد لعب الاتحاد الروسي دورا مهما في تحديد ماهية هذا القرار، بحيث لا يتم استغلاله من بعض الدول لمكاسب تخص هذه الدولة أو تلك، خاصة التي تتأثر بشكل مباشر بهذا الإرهاب أو الدول كاملة العضوية في مجلس الأمن. نتج هذا القرار عن دوافع كثيرة منها : أ- انتشار ظاهرة الإرهاب في أكثر من دولة عربية ودولية بعد أن كان محصورا فقط ببعضها. ب- عملية التهجير الكبرى للسكان والتي لم يشهد العالم مثيل لها منذ الحرب العالمية الثانية، وهي الناتجة عن تلك الظاهرة وما شكلته من ضغط كبير على كثير من الدول وخاصة الأوروبية منها واستخدام هذا الملف من قبل بعض الدول لمآرب سياسية. ت- الارتباط الوثيق بين الإرهاب وعملية غسل الأموال والتجارة الممنوعة وأهمها الاتجار بالبشر. ث- نهب الإرث الثقافي للدول التي ينتشر بها الإرهاب. ج- عملية تهجير بالقوة لبعض المكونات الاجتماعية الإثنية والدينية من مناطق سكنهم. كل ذلك دفع المجتمع الدولي للعمل على إيجاد صيغة واضحة لوقف تلك الظاهرة لما لها من تأثير على السلم والأمن العالميين وغيره. وهذا القرار يعتبر الخطوة الضرورية للعبور لتنفيذ تلك النقاط وترسيخ الأمن والسلام العالميين لما يحمله من التزامات دولية رغم فقدانه لآليات تنفيذ واضحة يمكن الارتكاز عليها. يدعو القرار 2253 إلى تجميد الأصول المالية والموارد الاقتصادية التي تعود إلى تنظيم داعش وتنظيم القاعدة ومن يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسسات وكيانات. كما يدعو الدول لتجريم المعاملات المالية المتصلة بالإرهاب، بما في ذلك جميع المعاملات مع الإرهابيين من أفراد وجماعات، وليس فقط تلك المرتبطة بأعمال إرهابية. والهدف تعطيل أفضل لأنشطة المقاتلين الإرهابيين الأجانب ووقف تهريب النفط والاتجار بالبشر والآثار. شمل القرار مجموعة من النقاط التي أوضحها الأمين العام للأمم المتحدة وهي : أولا، يجب علينا زيادة التعاون الدولي وتبادل المعلومات والخبرات، وخاصة في وقف التجارة غير المشروعة بالقطع الأثرية الثقافية. ثانيا، توسيع برامج الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب، التي تضم حاليا الفريق العامل المعني بتنفيذ مكافحة الإرهاب. ثالثا، العمل بشكل وثيق مع القطاعات الخاصة والخيرية لتحديد المعاملات مع المشتبه بهم والاستثمار في النظم التنظيمية ذات المصداقية والتي يمكن التحكم فيها لتجميد أموال الإرهابيين. رابعا، الانطلاق في مناقشات على المستوى الاستراتيجي داخل الأمم المتحدة بشأن خطورة التهديد، بما في ذلك على مصادر تمويل هذه الجماعات وتقديم تقرير حول استنتاجاتنا في غضون 45 يوما. أما المجال الخامس والحساس، اتخاذ تدابير خاصة بضمان عدم الإضرار بالمهاجرين أو اللاجئين أو بمجتمعاتهم. ربما يكون القرار 2253 من أكثر القرارات الدولية وضوحا في محاربة الإرهاب، إلا أنه ينقصه آليات التنفيذ والتطبيق الملزمة للدول في تنفيذ هذا القرار، كما أنه لم يضع قواعد واضحة للمحاسبة وللعقوبات الواجبة على الدول التي تتملص من تنفيذ هذا القرار. من غير ذلك سيكون إضافة لا معنى له، لأنه لا يملك الإرادة والمراقبة العملية لتنفيذه كما حصل مع القرارات السابقة رقم 2170 و2178 و2199 . كما أن هذا القرار كان ينقصه الوضوح حول المنظمات والأفراد والمؤسسات والكيانات التي ترتبط بتنظيمي داعش والقاعدة. مما يدفع بعض الدول لتفسيره حسب مصالحها وأهوائها في تصنيف هذه المنظمة أو تلك، أو يصبح سيفا مسلطا ضد بعض الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات. إضافة لذلك، يمكن وصف القرار أنه كمن يريد قتل الذباب وترك الأوساخ المنتشرة التي يتربى وينمو عليها. فظاهرة الإرهاب ليست مختصرة فقط في التوظيف والأدوات والإمكانيات المادية المتوفرة لدى المنظمات الإرهابية عن طريق السلب والنهب للتراث الثقافي وعملية توظيف بعض الدول وضخ الأموال والسلاح والأمور اللوجستية لتلك المنظمات، بل تتعداها إلى موضوع الحاضنة التي تقوم بعملية التكاثر. مكونات تلك الحاضنة هي : 1- الإيديولوجية التي يتحصن بها الإرهابيين " داعش والقاعدة "، القائمة على تغييب الوعي والارتهان إلى الفكر القائم على إلغاء الأخر وسحقه عبر منظومة متكاملة ومتماسكة تجعل من هؤلاء الأفراد مادة طيعة لتلك الإيديولوجية على أسس مقدسة. وهذا الأمر لا يتوقف على أيديولوجية داعش والقاعدة فقط، بل يشمل كافة الأيديولوجيات والأفكار الأصولية والدينية، وهي المنتشرة في كافة الأديان بحيث بعض الدول تتخذها أساسا للحكم وسن القوانين. 2- عدم معالجة الهوة الكبرى بين الشمال والجنوب على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، مما أدى لإفقار الجنوب وانتشار كافة الظواهر السلبية المحفزة لظاهرة الإرهاب. 3- الاستبداد والظلم المستشري في أغلب الدول المنتجة لظاهرة الإرهاب دون تقديم أي عون لتلك الشعوب من خلال الضغط على تلك الدول للخروج من هذا المأزق وتقديم حلول فعلية لهذه الشعوب. 4- عدم قدرة المجتمع الدولي على إحلال السلام العادل لكثير من المشاكل العالمية، وعلى رأسها الاحتلال الذي يعتبر مولدا كبيرا لتلك الظاهرة ولاسيما الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. 5- عدم وجود ضوابط وقوانين ناظمة لكثير من القنوات الإعلامية التي تقوم بعملية تجييش غريزية ضد الآخر المختلف، وخاصة في الدول التي تنتشر فيها ظاهرة الإرهاب. 6- وأولا وأخيرا، عدم تعريف الإرهاب بشكل واضح ودقيق على المستوى الدولي. يجب أن تتركز المعالجة الفعلية على الحاضنة المولدة لتلك الظاهرة. فليس بالقرارات وحدها يمكن القضاء عليها وهي التي تشكل تهديدا للبشرية جمعاء. *ناصر الغزالي- رئيس مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، ورئيس تحرير مجلة "مقاربات" التي تصدر عنه. خاص لـ"روسيا ما وراء العناوين"
|
|