يبلغ عدد المدارس في السعودية نحو 35 ألف مدرسة بحسب الأرقام الرسمية، تُضاف إليها 20 مدرسة وأكاديمية سعودية تتوزع في بلدان عربية وآسيوية وغربية. تدرّس كلها مناهج تعليمية تضعها الرياض، وفي مقدمتها طبعاً المناهج الدينية التي يحرص آل سعود على اعتبارها من المقررات الأساسية المقدّسة في نظامهم التعليمي، لحرصهم على تكوين «بذرة الإيمان» في أجيالهم الناشئة. «بذور الإيمان» هذه التي بات كثيرون يعتقدون أنها أينعت انتحاريين ودماراً وقتلاً في منطقتنا، ألحّت علينا أن نسبر أغوار بعض من محتوى مقررات التعليم الديني في مملكة الوهابيين والاطلاع على غيض من فيض أفكارها وتعاليمها بعد الهجوم الإرهابي المسلح الأخير الذي استهدف حسينية في مدينة سيهات يوم الجمعة الماضي، وهو قد أتى بعد سلسلة عمليات انتحارية استهدفت مساجد في كل من عسير وقبلها الدمام والقديع والدالوة في المنطقة الشرقية في السعودية، برزت إلى السطح ــ ولا تزال ــ أصوات النخب والأكاديميين وشرائح واسعة من المواطنين السعوديين، الذين عزوا تصاعد الأعمال الإرهابية في بلدهم إلى الفكر القائم على التكفير وهدر دم كل من لا يؤمن بالمعتقد الوهابي في مملكة آل سعود. ضجت مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً «تويتر»، الذي ينشط فيه السعوديون، بتصريحات وآراء المشايخ الوهابيين المحرّضة على تكفير الآخر، واستحضرت التغريدات التي دعت إلى تكفير شريحة كبيرة من سكان السعودية وإخراجها من ملة الإسلام، لا لفعل اقترفوه سوى أنهم اختلفوا بالاعتقاد والمنهجية الفقهية مع الإرث العقدي الوهابي لنظام آل سعود. جزء من هذه الأصوات ألقى اللوم على خطب المشايخ في منابر الجمعة والمساجد التي ألقيت وتلقى على مسمع الكبير والصغير من مرتاديها، فأسهمت في خلق بيئة حاضنة لمفهوم تكفير الآخر، فيما اعتبر الجزء الأكبر من هذه الأصوات أن إصبع الاتهام الأول يجب أن يتجه إلى النظام عامة والقيّمين على مناهج التعليم الديني في المدارس والجامعات والكليات، التي وضعت كتباً ومقررات لكل المراحل الدراسية، تبدأ من المرحلة الابتدائية، وصولاً إلى مرحلة الدراسات العليا في الجامعات. وفي ظل غياب إحصائية رسمية دقيقة حول عدد السعوديين الذين نفذوا هجمات انتحارية في السعودية وباقي دول المنطقة والعالم (ما خلا إحصائية وزارة الداخلية العراقية التي قدرت عددهم بنحو 300 انتحاري سعودي بين 2007 و2013)، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى أن العدد الأكبر من منفذي عمليات تنظيمي «داعش» و«النصرة» الانتحارية في كل من سوريا والعراق هو من السعوديين، بحسب معظم مراكز رصد الهجمات الإرهابية حول العالم. مناهج التعليم الديني في مملكة آل سعود كانت حديث الصحافة والرأي العام الأميركي في النصف الثاني من عام 2007، بعد زيارة لوفد من المفوضية الأميركية لشؤون الأديان حول العالم (التي ترفع تقاريرها للكونغرس الأميركي) للسعودية واطّلاعه على المناهج التي تدرّس في المدارس والكليات السعودية. الوفد، بعد عودته إلى واشنطن، طالب سفارة السعوديين لديه بتزويده بنسخ من كتب «الحديث والتوحيد» التي تدرّس في «الأكاديمية الإسلامية السعودية» الكائنة في واشنطن، وبعد تمنّع الأكاديمية التي يرأس مجلس إدارتها السفير السعودي في واشنطن، قدمت المفوضية توصياتها بإغلاق الأكاديمية، إذا ما أصر السفير السعودي على تمنّعه. في مقابلة على قناة «العربية» قبل شهرين، أطلق عضو مجلس الشورى السعودي السابق خليل عبد الله الخليل، تصريحات أحرجت السلطات والمؤسسة الدينية الوهابية. قال الخليل إن 60% من الشباب السعوديين مستعدون للانضمام إلى «داعش»، وفور إدلائه بهذا التصريح اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالمواقف والآراء المندّدة التي دعت إلى محاكمة الخليل، وفي ما يخص موضوع المناهج والحاجة إلى تعديلها، كان فريق من الباحثين والأكاديميين السعوديين، على رأسهم المحامي الإصلاحي عبد العزيز القاسم عام 2011 قد أصدر كتاباً حمل عنوان «مناهج العلوم الشرعية في التعليم السعودي، استقراء، تحليل، تقويم»، تناول الأسس والقواعد التي تدعو إلى تعديل مناهج التعليم الديني وكيفية القيام بذلك. خلص الفريق في كتابهم إلى ضرورة انفتاح مناهج العلوم الشرعية على مرجعيات جديدة وتوسيع دائرة النظر واكتشاف مظاهر التنوع والثراء في الفكر الإسلامي لتجنب مخاطر التشدّد وأحادية الخطاب. ورأى الفريق أنّ المناهج بمضمون-ها الحالي غابت منها المفردات المحيلة على معاني -الاعتدال والوسطية والتسامح وقبول الآخر المخالف، وهو «غياب من شأنه أن ينمي في الطلاب مظاهر الانغلاق والتشدد، ويؤسس فيهم شعوراً بالكراهية والعداوة لكل من يخالفهم الرأي». لم يجرِ تبني توصيات القاسم وزملائه رغم الأصوات المرتفعة التي تنادي بالكفّ عن المكابرة وسياسة صمّ الآذان التي يتبعها آل سعود في مقاربتهم لموضوع مناهجهم التعليمية.
لا أمل في تغيير المناهج كان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، الذي أُطلق عليه لقب «رائد الإصلاح»، يتحدث دائماً عن الإصلاح وضرورته، لكن دون أن يلمس أي سعودي أو عربي ولو حتى خطوة صغيرة تُسهم في اقناع الناس بجدية هذه التصريحات. وهو وإن كان قد أوعز بإجراء مراجعة لتحديث المناهج سابقاً، فإنه أوكل المهمة إلى الجهة نفسها التي وضعت تلك المناهج وتشرف شخصياً على صونها وضمان عدم التعديل عليها.
المصدر/ الأخبار 19-10-2015
|
|