من البذخ إلى التقشف:
عمد الملك سلمان، عندما تربع على العرش، إلى إنفاق "مكافئات" على العاملين والمتقاعدين بقيمة 32 مليار دولار لكي ينال شعبية، فيما زاد من الإنفاق على السلاح (رابع أو خامس أكبر إنفاق عالمي) ومن تصعيد الحرب، ليس ضد الصهاينة طبعا، وإنما ضد سوريا والعراق، بواسطة مساعدة المنظمات الإرهابية، وشن (بمساعدة ابنه الذي أصبح وزير حرب) حربا جوية باهظة التكاليف على اليمن، في ظرف سيء بالنسبة لاقتصاد السعودية حيث ارتفع حجم الأموال الخارجة منها لتبلغ نحو 8% من إجمالي الناتج المحلي سنويًا منذ 2011 فيما سحبت الحكومة معدل 12 مليار دولار شهريا من الإحتياطي النقدي بين آب 2014 (حيث بلغ 737 مليار دولارا) و أيار 2015 حيث انخفض إلى 672 مليار دولار*، كما انخفضت قيمة الأصول الأجنبية للبنك المركزي بمعدل سنوي قدره 120 مليار دولارا، بسبب سحب أموال منها (وهو ما لا يمكن أن يستمر سنوات)، وتتمثل الأصول الأجنبية في أوراق مالية أجنبية منخفضة المخاطر (وبعوائد منخفضة أيضا) مثل سندات الخزانة الأمريكية وودائع في مصارف في الخارج ومعظمها بالدولار الأمريكي... يتسم اقتصاد السعودية بالضعف وعدم التنوع، وتعتمد الميزانية على إيرادات النفط بنسبة 90% إضافة إلى السياحة الدينية (الحج والعمرة) التي تشكل ثاني مورد، ولم تنشئ العائلة الحاكمة أي صناعة لا تعتمد على النفط بعد خمسة عقود من تدفق أموال الريع النفطي ولا يمكن لأي دولة الإعتماد على النفط وحده (أو غيره من المعادن الخامة) لدفع الإقتصاد وإدامته، ويظهر ذلك بجلاء خلال فترات التراجع الحاد والمستمر في أسعار النفط الذي يؤدي إلى عجز مالي تغطيه الحكومة من خلال السحب من الاحتياطيات (التي هي أقل أهمية من احتياطيات الكويت والإمارات وقطر مقارنة بعدد السكان وبالناتج المحلي)، ولم يفكر حكام السعودية في أجيال المستقبل، كي يؤمنوا لهم حياة كريمة بعد نضوب النفط الذي سيحصل لا محالة بعد بضعة عقود، بل يتصرف آل سعود في هذه الإحتياطيات كريع أو وقف لهم، ولم يستثمروها في مشاريع مستقبلية منتجة (زراعية أو صناعية) تستبق نضوب النفط، مثلما فعلت دول أخرى كالنرويج ("الكافرة"؟) التي أنشأت صندوق ثروة سيادية بهدف إعادة تدوير أموال النفط، وقدر تقرير لجامعة "هارفارد" كتبه مسؤول سعودي سابق في "مؤسسة النقد السعودية" (البنك المركزي) أنه كان بإمكان السعودية توفير تريليون دولار إضافي بأصولها المالية، لو أحسنت إدارة استثمار وتدوير الإحتياطيات، التي ستنخفض إلى 200 مليار دولار أواخر سنة 2018 في حال استمرار النهج الحالي، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ عجز الموازنة 20% من الناتج المحلي الإجمالي، أو قرابة 140 مليار دولار هذا العام (2015)، ما قد يؤدي إلى ارتفاع حجم ووتيرة هروب رؤوس الأموال خارج البلاد، وما سيضطر آل سعود إلى خفض الإنفاق، كما حصل في منتصف الثمانينيات (عندما أغرقوا الأسواق بكميات إضافية من النفط، لإسقاط الإتحاد السوفياتي الذي يعتمد أيضا على إيرادات النفط ولو بشكل أقل من السعودية) وقد لا يكون ذلك كفيلا باستقرار الإقتصاد، ما سيضطر الدولة إلى تطبيق سياسات التقشف الصارم وإقرار ضريبة على الدخل وخفض أو إلغاء دعم الطاقة (البنزين والكهرباء)، وربما الكف عن رعاية الإرهاب وخفض نفقات الحروب التي ساهمت بشكل كبير في إشعالها وتمويلها... لا يمكن للسعودية (وباقي الدول المعتمدة على تصدير النفط) التعويل على ارتفاع الأسعار بشكل كبير، إذ طورت الشركات النفطية الأمريكية الكبرى تقنيات التنقيب عن النفط والغاز الصخريين وخفضت من تكاليف استخراجهما بنسبة 50% خلال سنة واحدة (كانت الدراسات والبحوث جاهزة منذ مدة) وتهدف إلى خفضها بنسبة 30% أخرى ليصبح النفط الصخري أرخص بكثير من النفط الأحفوري، ما مكن الولايات المتحدة من خفض سعر البرميل الخام عند البيع والتسليم حتى أخر شهر من 2020 إلى 62 دولار، فيما رفعت السعودية إنتاجها إلى 10,6 مليون برميل يوميا لإغراق السوق وإخراج المنافسين الصغار (في ظل ضعف الطلب من أوروبا والصين)، إضافة إلى إضعاف اقتصاد روسيا وبالتالي إضعاف موقفها في سوريا واليمن، بينما يتوقع تقرير صادر عن “بنك أوف أميركا”، ويتقاطع مع تحاليل صندوق النقد الدولي، دخول الإقتصاد السعودي مرحلة الأزمة خلال سنتين، وربما ينتهي الدور الوظيفي للسعودية كهراوة (عصا غليظة) بيد أمريكا بحلول نهاية العقد الحالي... وردت معظم المعلومات والبيانات المذكورة أعلاه في تقارير "غربية" ونشرت صحيفة “ديلي تيليغراف” البريطانية ملفا هاما عن الموضوع بتاريخ 06/08/2015 وإضافة إلى هذه البيانات تطالعنا الصحف السعودية أو الممولة سعوديا والصادرة في لندن، بأخبار لا يتوقف عندها معظم القراء، مثل التقرير الذي أصدره البنك المركزي (مؤسسة النقد) والذي يتوقع عجز موازنة 2015 بأكثر من 180 مليار ريال (قرابة خمسين مليار دولار)، أي ان انخفاض أسعار النفط بنسبة 50% منذ منتصف حزيران 2014 ادى إلى انخفاض إيرادات الدولة وأصبحت قيمة الإنفاق تتجاوز قيمة الإيرادات، ما اضطر البنك المركزي للمرة الثانية خلال سنة واحدة إلى سحب مبلغ 76 مليار دولار من الإحتياطي الذي كان يبلغ قرابة 740 مليار دولار، وهو مؤشر على عمق الأزمة وخطورتها...
فروقات طبقية مجحفة:
رغم الإنخفاض الحاد لأسعار النفط وانخفاض موارد الدولة، يتوقع تقرير لمؤسسة "ويلت إنسايت" (بريطانيا) ارتفاع عدد الأثرياء في السعودية بنسبة 27% خلال السنوات الخمسة المقبلة، بسبب خصخصة قطاعات أساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والتأمين التي استحوذ عليها هؤلاء الأثرياء، ومعظمهم من العائلة الحاكمة والمقربين منها، وقدرت مجلة "فوربس" ثروة الأمير "الوليد بن طلال" (الذي يفتخر بشراكته مع الصهاينة ويستثمر في تل أبيب) بنحو 27 مليار دولار، وارتفعت في ظل انخفاض أسعار النفط، بقيمة 2,2 مليار دولار خلال أقل من عام واحد، وهو يستثمر (من جملة استثماراته) في"تويتر" ومصرف "سيتي غروب" وقطاع العقارات والفنادق والإعلام (مع صدقه الصهيوني "ميردوخ")، ورغم تراجع ترتيب الرجل الثاني (من حيث الثروة) رجل الأعمال "محمد العمودي" في الترتيب العالمي فإن ثروته بلغت 10,9 مليار دولار، ورغم الحروب والاضطرابات في المنطقة وتراجع سوق الأسهم العالمية، وانخفاض سعر النفط، يتوقع ارتفاع عدد من يملكون الملايين في السعودية خلال السنوات المقبلة، رغم تباطؤ معدل الزيادة مقارنة بالفترة بين 2010 و 2015، وقد يبلغ عددهم نحو 55,3 ألف ثري، أو مليونير من أصل 24 مليون نسمة سنة 2020 وتتكون هذه الثروة من "الأصول الصافية"، باستثناء المسكن الرئيسي، في حين يعاني 60% من السعوديين من عجزهم على شراء مسكن، هذا بالنسبة للفئات المتوسطة التي تطمح إلى امتلاك مسكن (هناك أزمة سكن خانقة في السعودية)، ولا يصل راتب السعوديين في القطاع الخاص ثلاثة آلاف ريال أي أقل من 800 دولارا ل48 ساعة عمل، وهو راتب السعوديين وليس الأجانب الذين يبلغ معدل راتبهم في القطاع الخاص أقل من 500 دولار، وتبين دراسات عديدة ان الحد الأدنى الضروري للعيش في السعودية يتراوح بين ستة آلاف وثمانية آلاف ريال شهريا ( بين 1600 و 2134 دولارا) نظرا لغلاء المسكن وأسعار المواد الضرورية وغلاء العلاج والأدوية الخ، وبينما نمت ثروة الأثرياء بمعدل 29% خلال السنوات الخمسة الماضية، ويتوقع ارتفاعها بنسبة 27% خلال السنوات الخمسة القادمة، يعاني الشباب من البطالة والحرمان وخصوصا في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط... هذا عن السعوديين، أما عن العمال الأجانب فحدث ولا حرج، إذ تشتغل الخادمات أكثر من 18 ساعة يوميا، وعمال البناء أكثر من 12 ساعة، بدون يوم راحة أحيانا، إضافة إلى الإعتداءات والإهانات والتهديدات وحجز جوازات السفر (نظام الكفالة)، ويعسر وجود مجتمع أكثر عنصرية من المجتمع السعودي (ومجتمعات الخليج عموما)، بسبب حملات الحكومة المستمرة على الأجانب ووسائل الإعلام التي تحملهم مسؤولية كافة مشاكل المجتمع (المخدرات والخمر والدعارة) وتشن حملات إعلامية منظمة حول مبلغ تحويلاتهم الإجمالية (حوالي 100 مليون دولارا)، بينما هي في الواقع لا تتجاوز متوسط 120 دولارا شهريا للفرد، وتتهمهم السلطات بالغش والسرقة، وتفرض عليهم الحكومة والمجتمع رقابة شديدة... ويمنع "القانون" السعودي (لا يوجد دستور) تأسيس الأحزاب والنقابات والجمعيات، لذلك يجد العمال وخصوصا الأجانب أنفسهم بين كفي كماشة، ولا يمكنهم الدفاع عن أنفسهم أو المطالبة بتحسين رواتبهم وظروف عملهم، ومع ذلك فقد نفذ العمال المهاجرون إضرابات في كل من السعودية وقطر والإمارات والكويت، وعمدت السلطات، في كل مرة، إلى ترحيل من تحملهم مسؤولية التحريض على الإضراب...
الدور الوظيفي للسعودية:
صرح وزير الخارجية الأمريكي في قطر يوم الثالث من آب 2015 ان حكومته تعتزم بيع مزيد من الأسلحة إلى مشيخات الخليج، "الحريصة على سلامة أراضيها"، رغم سياسة التقشف وخفض الإنفاق وخفض دعم الطاقة، ورغم العدد المرتفع من القواعد العسكرية الأمريكية (في كافة دويلات مجلس التعاون الخليجي وفي العراق)، وذلك بعد اتفاق الولايات المتحدة مع إيران حول الملف النووي، إذ لا يتخوف مشايخ الخليج من العدو الصهيوني (الذي أعلنوا ولاءهم له) بل من إيران، وبذلك تكون الولايات المتحدة هي الرابح الأكبر من الإتفاق مع إيران الذي عزز خطوات التطبيع مع الصهاينة، ومصالح الصناعة العسكرية الأمريكية وتغلغل الجيش العدواني الأمريكي في المنطقة، بدعوة من حكوماتها وسيتكفل الجيش الأمريكي بتدريب جيوش النفط، لتقوم مقامه -بمساعدة المرتزقة والإرهابيين- في تخريب البلدان العربية (سوريا والعراق واليمن...) ورد الخبر الأصلي من وكالةرويترز 05/08/15
إن حكام السعودية مسئولون بدرجة رئيسية على انخفاض سعر النفط الذي يشكل موردهم الرئيسي، ويكاد يكون الوحيد، ويبررون تعمد إغراق سوق النفط وعرض كميات كبيرة زائدة عن السقف الذي وافقوا عليه في اجتماعت منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وتزيد عن حاجة الزبائن (بلغ إنتاج السعودية 10,6 مليون برميل يوميا)، يعللون ذلك بضرورة المحافظة على حصتهم من السوق، وعرقلة إنتاج النفط الصخري، ولا يعلنون أهدافا أخرى منها محاولة تركيع روسيا بخصوص موقفها من سوريا (وهذا هدف أمريكي تنفذه السعودية) وعدم ترك مكان لنفط إيران بعد رفع الحظر... يتوقع جميع الخبراء استمرار انخفاض أسعار النفط لمدة طويلة وكتب بعضهم انه من العسير أن يصل إلى 100 دولارا للبرميل مستقبلا وان مرحلة النفط الأحفوري قد انتهت، وقد تنتهي معها السعودية الحالية، وسيحل محله النفط الصخري (والغاز الصخري كذلك)، فالولايات المتحدة خفضت من وارداتها من النفط العربي وكفت عن استيراد النفط الافريقي الخفيف (نيجيريا) وهي بصدد بيع نفطها إلى الخارج وبصدد إنهاء حظر تصديره الذي كان ساري المفعول منذ 1974 وتطرح نفطها للبيع والتسليم سنة 2020 بأسعار منخفضة جدا، بعدما طورت الشركات الأمريكية تقنيات استخراج النفط الصخري وخفض تكاليفه إلى النصف تقريبا، ما جعله منافسا جديا لنفط حلفائها كالسعودية ولنفط خصومها مثل فنزيلا وروسيا، وتزامنت هذه الوقائع ذات الصبغة الإقتصادية مع وقائع أخرى ذات صبغة استراتيجية وعسكرية وسياسية، أهمها: تخريب البلدان التي كانت تحاول انتهاج سياسة مستقلة ولو في بعض جوانبها مثل العراق وليبيا والجزائر وسوريا، وتكليف السعودية بالمهام القذرة في سوريا واليمن (كما كان الحال جزئيا في ليبيا) وربما في الجزائر لاحقا بعد قيام الجيش الأمريكي بالمهمة الرئيسية، تتكفل السعودية وأخواتها بإنهاء المهام القذرة المتبقية (الحرب بالوكالة)، ما يتيح للجيش الأمريكي الإكتفاء بالقصف الجوي والإغتيال عن بعد بواسطة الطائرات الآلية (درونز) وتخفيف تواجده في الوطن العربي والإتجاه شرقا نحو محاصرة الخصم القوي المتمثل في الصين، وهي استراتيجية أعلن عنها الرئيس باراك أوباما وبدأ في تنفيذها وتركيز قواعد ضخمة في استراليا وكوريا الجنوبية واليابان والفلبين وفيتنام لاحقا أنفقت السعودية، ولا زالت أموالا طائلة على صفقات سلاح -من الولايات المتحدة بشكل خاص وفرنسا بدرجة ثانية- لتنفيذ مهام مناهضة لمصالح الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بالخصوص، كما أنفقت أموالا طائلة (يمكن أن تقضي على الفقر في السعودية) في الخارج، على الإعلام والرشاوى وشراء الذمم ساهمت جميع هذه العوامل، إضافة إلى عوامل أخرى متعلقة بخصوصيات الإقتصاد الريعي (الذي يعتمد عما تهبه الطبيعة من مواد خام، دون إضافة قيمة لها بتصنيعها أو تحويلها) وبهيكلة الإقتصاد السعودي وتطور (أو حجز تطور) القوى العاملة واعتماد الإقتصاد على عمال مهاجرين من جنوب آسيا الخ
من مظاهر الإفلاس:
يواصل حكام السعودية تبذير أموال الشعب السعودي (والشعوب العربية) في البذخ والرحلات المكلفة، إذ بلغت تكاليف رحلة استجمام الملك في فرنسا والمغرب نصف مليار دولار (ما يزيد عن حاجة مخيم فلسطيني كبير لمدة سنة كاملة) وشراء العقارات في عواصم أوروبا وتكديس السلاح الذي يوجهونه نحو البلدان العربية، رغم انخفاض سعر النفط منذ أكثر من سنة بمعدل 50% أي انخفاض الإيرادات، وسبق أن عرفت السعودية مرحلة مشابهة سنة احتلال العراق (2003) عندما استمر استقرار سعر النفط المنخفض وانخفض معه دخل الفرد لقرابة عشر سنوات، في حين ارتفع عدد السكان وارتفعت حاجاتهم ومتطلبات الحياة لديهم، ومع ذلك فقد أنفقوا على الحرب الأمريكية في العراق وفي افغانستان، وطالب صندوق النقد الدولي والبنك العالمي آنذاك حكام السعودية بتنفيذ "إصلاح هيكلي"، إذا رغبوا في البقاء في الحكم وتفادي ثورة قد تعصف بحكمهم، ولكنهم لم يفعلوا، خوفا من ردود فعل فقراء الشعب، وورد في تقارير المؤسسات المالية الدولية ان الخطر على نظام الحكم لن يكون من الخارج، بل من الداخل، بسبب الفساد والتبذير وسوء ادارة الموارد، ما قد يؤدي إلى عدم القدرة على تمويل الموازنة المتضخمة، بل عجز الموازنة خلال سنوات قليلة... لكن ارتفعت أسعار النفط فيما بعد، وعادت معه "حليمة إلى عادتها القديمة"، أي توزيع جزء من الريع النفطي بهدف تخدير المجتمع بموافقته ورضاه، إلى ان تغير الظرف وحلت الأزمة من جديد (وهي عملية دورية، تعود كل عشر سنوات تقريبا، كمعدل) وتظافرت عوامل عدة ساهمت في انخفاض سعر النفط، شاركت فيها السعودية (إغراق السوق بفائض الإنتاج الزائد عن الطلب) لتمويل الإنفاق على البذخ والسلاح وشراء الذمم، كما ساهمت الولايات المتحدة باستخراج النفط الصخري بكميات وافرة بتكاليف انخفضت بنسبة النصف خلال مدة قصيرة، إضافة إلى ضعف الطلب العالمي بسبب التباطؤ (الصين) أو الركود (أوروبا) أو وفرة النفط الصخري (أمريكا الشمالية) وغير ذلك من العوامل الأخرى التي قد تكون ثانوية وغير أساسية... تباطأ نمو اقتصاد السعودية وانخفض خلال فترة قصيرة من 10% سنة 2011 إلى 3,5% سنة 2014، ولكنها لا زالت مصنفة من قبل البنك العالمي ضمن الدول ذات الدخل المرتفع، بناتج محلي إجمالي قدره 746,2 مليار دولار سنة 2014، وفي حال استمرار المستوى الحالي للأسعار، ستعاني السعودية من عجزٍ يفوق 140 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعادل كامل موازنتها لسنة 2009، وفي حال انخفاض سعر البرميل واستقراره تحت 50 دولار واضطرار الحكومة إلى السحب باستمرار من احتياط "مؤسسة النقد" (المصرف المركزي) الذي انخفض حاليا إلى 630 مليار دولار، فإن الأزمة ستحل بعد سنوات قليلة، وقد بدأ هذا "السيناريو" إذ تباطأ النمو وانخفضت قيمة الأسهم في سوق المال، أما الحكومة فقد سحبت 60 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، لتعويض انخفاض الموارد المتأتية من النفط، وتعتزم طرح سندات دينٍ عام، للمرة الأولى منذ 2006، ونذكر بأن طرح السندات يعني رهن الممتلكات العمومية لمدة معينة مقابل سيولة نقدية آنية، وفي حال عدم قدرة الدولة على السداد خلال الفترة المحددة، تصبح الممتلكات (موضوع الرهن) ملكا للدائنين، وتعتبر السندات الأداة الأقل تكلفة للحصول على ديون تتمثل في السيولة الضرورية لتمويل مشاريع الحكومات (والشركات أيضا) وتغطية ديونها، ويقبل عليها المستثمرون لأنها توفر ربحا جيدا مقابل مخاطر محدودة،... وفي الظرف الحالي، يتوقع خبراء الإقتصاد استمرار أسعار النفط المتدنية لفترة طويلة، ما قد يضطر أفراد الأسرة الحاكمة (حوالي خمسة آلاف شخص) إلى خفض نفقاتهم أيضا، لتبرير خفض دعم الكهرباء والماء المُحلى (50 مليار دولار سنويًا) وإقرار ضريبة على الدخل وخفض الإنفاق الإجتماعي الخ
هل هي نهاية الدور السعودي في الوطن العربي؟
منذ تأسيس "الدولة" واستيلاء عائلة آل سعود على الجزيرة العربية، لعبت السعودية دورا رجعيا خالصا، غير مشوب بموقف تقدمي واحد، باستثناء موقف الملك فيصل بخصوص ما سمي باستخدام "سلاح النفط"، ولكن لأغراض أخرى، لا علاقة لها بمعاداة الصهيونية والامبريالية، وتظهر الوثائق البريطانية والأمريكية ان عبد العزيز آل سعود (رب العائلة والقائد المؤسس) كان منافسا للورد "بلفور" في باب التبرع بما لا يملك لمن لا يستحق، إذ دعا إلى التبرع بفلسطين "لهؤلاء اليهود المساكين"، وتتالت المواقف (والأفعال) المشينة على مر تاريخ السعودية القصير (نقصد الدولة التي سماها آل سعود باسمهم وليس "شبه الجزيرة العربية" التاريخية)، خصوصا بعد صعود أسعار النفط وبعد تحول السعودية من صحراء قاحلة لا غير، تحتوي على "واد غير ذي زرع"، إلى صحراء قاحلة تنتج نفطا يستفيد منه الأعداء، وأفكارا رجعية تصدرها مع منفذيها إلى كافة البلدان العربية والإسلامية وتستقبل أراضيها "المقدسة" قواعد عسكرية أمريكية ضخمة، ومنذ انهيار الإتحاد السوفياتي وتغيير موازين القوى في العالم، نفذت السعودية مخططات الإمبريالية الأمريكية الهادفة إلى فرض الصوت الواحد والقطب الواحد، وكان الخطوة الأولى التي دشنت هذه المرحلة الجديدة هي العدوان الأمريكي (والعالمي، بما في ذلك العربي) على العراق بفرض العقوبات والحظر (منذ آذار/مارس 1990، أي قبل غزو الكويت في آب/أغسطس 1990) ثم خلال الحرب المدمرة بداية من 1991 والمتواصلة إلى غاية اليوم بمساندة نشيطة للجامعة "العربية" التي بدأت تهيمن عليها السعودية، ولآول مرة في تاريخها تطلب الجامعة العربية من الإمبريالية احتلال بلد عربي وتشارك الجيوش العربية في الإحتلال، ودشنت هذه الحرب حقبة جديدة بقيادة السعودية (وقطر الوهابية جزء من هذه السياسة رغم بعض الإختلافات الثانوية) سمتها الرئيسية تخريب بلدان عربية بواسطة دول عربية أخرى وأموال عربية وجيوش عربية، وبخصوص فلسطين، بدأت هذه المرحلة الجديدة (الحقبة السعودية) ب"محادثات مدريد" مع بداية الإعتداء العسكري الأمريكي على العراق وانتهت ب"اتفاق أوسلو" الذي تنازلت بموجبه قيادة منظمة "التحرير" الفلسطينية عن "الثوابت" وعن قضايا الشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته (الإحتلال الأول سنة 1948 والإحتلال الثاني 1967 واللاجئين في الشتات)، وكانت قيادة المنظمة قد بدأت هذه التنازلات منذ 1974 ويتزامن هذا التاريخ مع نهاية "حرب اكتوبر 1973" وبداية إعلان تنازلات الحكومة المصرية... لكن السعودية ذهبت بعيدا في مجال التنازلات حيث قدمت "مبادرات" عديدة باسم ملوكها، تبلورت سنة 2002 لتطالب الصهاينة بقبول الإعتراف الجماعي العربي (نقصد الحكومي وليس الشعبي) بكيانهم غير الشرعي، مقابل بعض التنازلات الطفيفة في الضفة الغربية، ولكن القيادات الصهيونية لها مبادئ ثابتة لا تحيد عنها، تتمثل في الإحتلال والإبتزاز المستمر، ورفضت هذه التنازلات، لأنها تفعل ما تريد دون الحاجة إلى اتفاقيات مع الحكومات العربية، التي تزيد من حجم التنازلات بعد كل رفض صهيوني، ولا تضع نقطة المقاومة أو الصمود في جدول أعمالها... في الخليج، تدخلت السعودية عسكريا في البحرين واستولت على نفطها، ولها مشاكل مع قطر رغم التقارب العقائدي، لأن العائلة الحاكمة في قطر هي وهابية أيضا، ومارست الإبتزاز و"البلطجة" على الكويت منذ خمسين سنة ولا زالت تحاول الإستئثار بالنفط على الحدود في الحقول المشتركة (كما فعلت مع البحرين) وحولت البحرين والإمارات (في نظر السعوديين) إلى مواخير يشبعون فيها رغباتهم وشهواتهم الممنوعة، خلال العطل القصيرة، قبل العودة إلى المساجد لأداء الصلاة الإجبارية في السعودية والتظاهر بالورع والتقوى، على الطريقة الحنبلية، كما تمارس حكومة آل سعود سياسة اللصوصية والغطرسة والتهور في بلاد الحجاز وضد كافة الجيران (البحرين والكويت واليمن والعراق)، لكن خطر الإرهاب الذي رعته ومولته ضد كافة خصومها العرب (من مصر عبد الناصر إلى سوريا الحالية) وغير العرب (الإتحاد السوفياتي وروسيا الحالية) وتمويل التيارات الدينية الأكثر رجعية من افغانستان إلى الصين وروسيا وافريقيا، قد ينقلب ضدها إذ بدأت عمليات التفجير والإغتيال تطال أراضيها
خاتمة: هذه أهم ميزات "الحقبة السعودية" في الوطن العربي، وهي من أحلك الفترات في تاريخنا المعاصر، حيث غابت مظاهر المقاومة وردود الفعل في الشارع العربي، على عمليات القصف والقتل والحرق وانتهاك المقدسات (الأقصى)، فهل يتغير الوضع عند إعلان إفلاس السعودية؟ (ولو بعد مدة)... قد تكف السعودية أذاها وتقلع عن الإعتداء على الشعوب والبلدان العربية بسلاح وتوجيه أمريكي، لكن المسألة الرئيسية تكمن في غياب البديل أو البدائل للسعودية، ولا نرى حاليا بديلا تقدميا واضحا، كي يقوم على أنقاض ماخربته السعودية (ومن يقف وراءها طبعا) لكي تستفيد منه جماهير الشعب، بعماله وفقرائه وأجرائه، ويزداد الإحساس بغياب البديل خصوصا بعد السطو على انتفاضات الجماهير في تونس ومصر واليمن وما خلفته من شهداء ومعوقين، وبعد تحويل ليبيا وسوريا إلى مركز عالمي لأبشع أنواع التطرف والإرهاب الرأسمالي والإمبريالي، باسم الدين... نشأت في السعودية حركة نقابية، قبل عقود وقبل طفرة النفط وقبل هجرة ملايين العمال الآسيويين إليها، وانطلق احتجاج وتمرد عمال النفط السعوديون على المشرفين الأمريكيين في حقول النفط خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ولا زال يوجد بعض الكادحين والفلاحين ويوجد فقراء لم يستفيدوا من الريع النفطي، خصوصا في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، لكن، وبشكل عام، حرص حكام السعودية على بناء مجتمع يحتقر العمل المنتج والعمل اليدوي بشكل خاص، مجتمع استهلاكي لا ينتج ما يستهلكه، وقد تؤدي الأزمة الحالية إلى تغيير (بطيء) في تركيبة المجتمع السعودي وفي العقيدة السائدة (في الإيديولوجيا، أو البنية الفوقية)، لكن انهيار النظام السعودي هو مكسب في حد ذاته، من شأنه أن يكف الأذى على الشعوب العربية، بدء من الجيران
الدولار يعادل 3,75 ريال سعودي
* وجب التعامل بحذر مع كافة الأرقام الصادرة عن المؤسسات الرسمية السعودية، لأنها عادة ما تتناقض وتتضارب مع بيانات أخرى صادرة عن مؤسسات رسمية أيضا، وسيجد القارئ بعض الأرقام التي لا تتناسب مع ما سبقها أو ما لحقها، ومع ذلك فقد أوردنا هذه البيانات والأرقام لتكون للقارئ فكرة تقريبية عن الوضع الإقتصادي والمالي للسعودية
12/08/2015
http://alhorrriato.blogspot.fr/2015/08/blog-post_61.html
|
|