الاسلاموفوبيا، مصطلح يرمز لمشاعر الرهاب والكراهية ضد المسلمين. لو عدنا للتاريخ سنجد من يؤرخ لظهور هذا المصطلح قبل 14 قرن، أي مع ظهور الإسلام والرغبة في التصدي لانتشاره. إلى أن عاد فيما بعد للتداول مع التحضير للحروب الصليبية في القرن الحادي عشر، حيث تم تصوير هذه الحرب كحرب نبيلة ومقدسة ضد المسلمين القساة والكفرة. أما حديثاً، فقد ربط الباحثون تفجر المشاعر المعادية للإسلام بحوادث محددة ومتفرقة من مثل حظر أوبك لتصدير النفط، انطلاق الثورة الإيرانية في 1979، حوادث أيلول 2001، كتاب آيات شيطانية، فيلم فتنة في هولندا، الرسوم المسيئة في النرويج والدنمرك، منع الحجاب في مدارس فرنسا، منع بناء المآذن في سويسرا، الفيلم المسيء للرسول في أميركا، الخ. بدا العداء للمسلمين سيان رغم اختلاف التجارب العلمانية المطبقة في هذه الدول. المهم في الأمر أن هذه الظاهرة التي ما زالت تتمدد مع الوقت، تبدو كمنظومة سياسية فكرية علمية إعلامية، ذات أبعاد تاريخية واجتماعية- ثقافية وسياسية كما نفسية، تخضع لصناعة ممنهجة من دعم أموال ومؤسسات، الهدف منها تشويه صورة الإسلام والمسلمين. ذلك بعدما جرى بداية هذا القرن استهداف الجمعيات الخيرية الإسلامية ومحاصرة عملها بحجة محاربة الإرهاب، إلى أن تطور شكل هذه الهجمة في السنوات الأخيرة، بمساهمة أجهزة مخابرات دولية، وتكفير مجموعة من معتنقي الإسلام المنحرفين مَن عداهم- بمن فيهم مسلمين، واستباحة أعراضهم وإباحة قتلهم وتدمير آثارهم وتاريخهم. أي أن صناعة الكراهية التي استهدفت المسلمين من طرف غير مسلمين، وأعطت تبريراً للشعور العدائي تجاههم بتحميلهم وزر ما يقترف من آثام بحقهم، باتت الآن أشرس وأعنف بما لا يقاس. ذلك عندما ترتكب فظاعات لا مثيل لها بأيدي مسلمين وتبرر بإسم الدين الحنيف، والتضحية بالحياة من أجل الحياة في الآخرة، والجهاد في سبيل الله، وكل ما من شأنه أن يغذي الأفكار المسبقة التي يمتلكها الكثيرون حول هذا الدين وأتباعه. الجزء الثاني من مداخلتي يقدم قراءة نفسية لتشكل الأفكار والهوية والعلاقة بالآخر، حيث أن هذا الجانب لا يأخذ عادة حقه في المعالجات التي تطالعنا حول هذه الإشكالية في حين أنه يتيح لنا فهم الظاهرة. يقول بوذا: أنا هو ما أفكر به. بمعنى أن معتقداتنا هي الفرضيات والوقائع التي نعتبرها صحيحة وإن لم نتحقق منها أو نختبرها. والمعتقدات، التي تتضمن الأفكار المسبقة والرؤى الخاطئة، تتشكل تدريجياً على مر السنوات كنتيجة لتربيتنا، للميول والأهواء والحاجات والقيم الدينية والأخلاقية والفلسفية وكل ما نعيشه من تجارب. بالتالي، عندما لا نضعها موضع الشك والتساؤل، يمكنها أن تصبح عبئاً علينا يؤثر على مجرى حياتنا، حينما تدخل في عملية التعاطي مع الآخر بالانغلاق عليه. فقبل التواصل مع هذا الآخر وبمجرد أن نبصره أو نراقبه، نخضع لعملية لاواعية من انتقاء العناصر التي نراها أو نغيبها في صورته التي انعكست في مرآة ذاتنا. الأبحاث تشير إلى احتمالية أن نبصر بعض الملامح الإيجابية أو السلبية في الآخر، بحيث نضفي عليه أخرى ليست موجودة فيه. كما يمكن أن لا نرى إلا بعضها ونهمل البعض الآخر، كونها عادية بالنسبة لنا أو لأننا غير متأكدين منها. وربما لأن فيها تعارضاً مع تصرفات أخرى. أو لأنها تتطابق مع مواصفات في ذواتنا، أو تتنافر معها. كذلك نعلم كم يؤثر الانطباع الأول الذي نكونه عن الشخص الذي نتعرف به قبل أن نتحدث إليه. الأمر الذي قد يمنعنا من تغيير وجهة نظرنا بعد أن نتواصل معه. فنختصر غنى شخصيته من خلال بعض المواصفات البسيطة التي تسهّل تصنيفه والتحدث عنه أو معه. بالتالي هناك انتظارية نحوه قد تجعلنا نرى فيه ما هو غير موجود أو ما نبحث عنه، بفعل إسقاط قناعاتنا وقيمنا عليه. قد يذهب الأمر لحد يتملك الخوف فعلاً بعض الشرائح الاجتماعية، بحيث لا يعود من السهل مواجهتها أو محاججتها. فالقضية أعمق من مستوى المخاطبة العقلانية والمنطقية، كونها تكمن في اللاوعي ومكنونات النفس التي تعود للطفولة والتربية ولتجارب شخصية سلبية تركت تأثيراتها العميقة. إذن، لتسهيل التعاطي مع الآخر، مرجعيتنا في ذلك هي ما نعرف وبما قد لا يكون بعلاقة بما هو ماثل أمامنا وبغنى العناصر التي تكونه. كذلك نلجأ لتعميم ما تعرفنا عليه على كل من نعتقد أنه مشابه له، كما توقع ما يمكن أن يفعله وتحميله مسؤولية فعلته. والمرء الذي يعتريه القلق، يلجأ للاتكاء على الجماعة التي تتميز بقيمة ايجابية عالية والتي يعتبرها جزءا من النحن، كي يشعر بمساندتها وبالتالي بقوته وبالثقة بما يفعله وبقيمة النتيجة التي توصل لها. وكلما شعر المرء بأن موقعه السيادي مهدد، كلما ضاعف من حدة الاختلاف. بما يمنحه الشعور بالإطمئنان لعدم تهديد الآخر له. أما الأحكام المسبقة والكليشهات المستعملة ضد الآخر، قد تصبح نوعاً من الفوبيا التي يتوجب الاحتراز منها. وأحياناً كثيرة يفترض مناهضتها بشكل فاعل، كونها قد تخرج عن القوانين المتعارف عليها للتعبير عن نفسها. إنها أشد خطراً عندما تظهر عند أشخاص موجودين في موقع مسؤولية، وعندما تغدو الايديولوجيات أو مصالح الشعوب وما شاكل هي ما يبرر أفعالهم. أحياناً ما تقودهم لانتهاكات جسيمة بحق الغير. بما يفترض تقديمهم للمحاكمة، كون انعدام المحاسبة يعزز الشعور بتضخم الأنا وإمكانية الخروج عن القوانين الناظمة والأعراف المتداولة. عبر هذه الآليات يمكن أن يصبح الإسلام مادة استعمال من طرف مجموعات ضغط تعطي للمتطرفين الغطاء الذهني والأخلاقي. خاصة عندما تخصص موازنات كبيرة لشراء أهل القلم وتوفير منابر إعلامية موجهة، لبث معلومات مضللة وترويج الأكاذيب والتهريج بعيداً عن الحقائق.. أما عندما نزرع الفوضى في الخارج ونشيع الخوف منها في الداخل، ونحوّله لنوع من الهوس الجماعي، يمكننا حينها أن نحكم الناس بيد حديدية ونسنّ التشريعات باسم محاربتها. فالخوف من طبيعة البشر، يسهم بإطلاق آليات غريزة البقاء، وتضخيم حجم العواطف على حساب العقل والمنطق. خاصة عندما يُعمد لربط استقرار الداخل بالحرب على الخارج، وعلى الآخر الذي ينتمي لهذا الخارج والذي يهدد الهوية. فهل أفضل من اللجوء لهذه الآليات لتطويع البشر لمآرب المتحكمين بمصائرهم وحشدهم وراء سياساتهم؟ أوليست هي الطريقة الأنسب لتعزيز دولة الأمن بدلاً من دولة القانون، واستبدال قوة القانون بقانون القوة وتبرير استباحة حقوق الشعوب ووضع اليد على مقدراتها وإخضاعها لمشيئة الأقوى؟ مداخلة في ورشة عمل معهد الفكر الاستراتيجي حول الاسلاموفوبيا، أنقرة 29-30 نيسان/أبريل 2015
|
|