قراءة في الأدبيات الحقوقية لمناهضة التعذيب**- المصطفى صوليح                                                        

El Mostafa Soulaih

أشكركم ، أصدقائي الأطباء في مركز استقبال و توجيه  ضحايا التعذيب في المغرب ، على دعوتكم لي للمساهمة في ندوتكم هذه بالمداخلة التالية التي اقترحتم علي أن تكون تحت عنوان : " قراءة في الأدبيات الحقوقية لمناهضة التعذيب " ؛                         

أشكركم ، و دفعة واحدة أقول إني سأحاول تناول الموضوع بشكل تكون فيه القراءة المطلوبة تأسيسية،  و ذلك بدءا بتعريف التعذيب و أشكاله ، مرورا بإبراز صكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني التي تعالجه ، و توضيح جملة النقط التي ما فتئ خبراء عديد من الحكومات يعتمدونها في تبرير لجوء الأجهزة الأمنية إلى سلوك أشكال معينة من التعذيب بدعوى أنها غير محظورة ، وصولا إلى قياس مدى تلاؤم مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس الحكومة المغربية في يوم الثلاثاء 28 دجنبر 2004، و أطلقت عليه الصحافة تسمية " مشروع قانون حول تجريم التعذيب "، مع المعايير الدولية ذات الصلة ، و ذلك علما بأنه فيما أن هذا المشروع  قد تمت المصادقة عليه من قبل مجلس النواب فإنه ما يزال راقدا في دواليب مجلس المستشارين . و هكذا :

أولا ــ أهم صكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني المناهضة للتعذيب :  

ــ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، اعتمد و نشر على الملإ بقرار من الجمعية العامة 217 ألف ( د – 3 ) المؤرخ في 10 ديسمبر 1948  .

ــ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق           و الانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف ( د – 21 ) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة 49  .

ــ إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3452  (د-30) المؤرخ في 9 ديسمبر 1975.

ــ مبادئ آداب مهنة الطب المتصلة بدور الموظفين الصحيين، ولا سيما الأطباء، في حماية المسجونين والمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية ، اعتمدت ونشرت علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 37/194 المؤرخ في 18ديسمبر 1982.

ــ  اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 39/46 المؤرخ في 10 ديسمبر 1984، تاريخ بدء النفاذ: 26 يونيه 1987، وفقا لأحكام المادة 27 (1).

ــ البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب الذي دخل حيز النفاذ في 22 يونيو 2006، وهو آلية دولية جديدة لمنع التعذيب، تنص على وجوب تكوين لجنة فرعية بالأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بالإضافة إلى جهة زيارات وطنية مستقلة منوط بها القيام بزيارات لكافة مراكز الاعتقال في الدول. وعلى الدول التي صدقت على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب تكوين تلك الجهة الوطنية المستقلة المختصة بالزيارات خلال عام.

ــ إعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ، اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 47/133 المؤرخ في 18 ديسمبر 1992.

ــ البروتوكول الاختياري الملحق لاتّفاقيّة مناهضة التّعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة  لسنة 2002 .

ــ اتفاقيات حنيف الأربعة ، و بروتوكولاتها ، و منها الاتفاقية بشأن معاملة أسرى الحرب ، المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949، اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام من قبل المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية ضحايا الحروب، المعقود في جنيف من 21 نيسان/أبريل إلي 12 آب/أغسطس 1949، تاريخ بدء النفاذ: 21 تشرين الأول/أكتوبر 1950 وفقا لأحكام المادة 138،

ثانيا ــ في ما يخص تعريف التعذيب :  قد يتنوع تعريف التعذيب ، غير أن مرجعية هذا التنوع في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان و للقانون الإنساني ، ذات الصلة ، لا تعود إلى اختلاف حول الموضوع هو في حد ذاته ، و إنما إلى اختلاف السياق الذي وضع لأجله هذا الصك أو ذاك . و هو ما يمكن تتبعه كالتالي:

 فبناء على المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب ، إن التعذيب هو : "1 . أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.     
2. لا تخل هذه المادة بأي صك دولي أو تشريع وطني يتضمن أو يمكن أن يتضمن أحكاما ذات تطبيق أشمل ".

و بناء على المادة الأولى من إعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب و غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، إن التعذيب هو : " 1 . أي عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد، جسديا كان أو عقليا، يتم إلحاقه عمدا بشخص ما بفعل أحد الموظفين العموميين، أو بتحريض منه، لأغراض مثل الحصول من هذا الشخص أو من شخص آخر على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته علي عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، أو تخويفه أو تخويف أشخاص آخرين. ولا يشمل التعذيب الألم أو العناء الذي يكون ناشئا عن مجرد جزاءات مشروعة أو ملازما لها أو مترتبا عليها، في حدود تمشي ذلك مع "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء".
2. يمثل التعذيب شكلا متفاقما ومتعمدا من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".

أما انطلاقا من المادة الثانية من " اتفاقية الدول الأمريكية لمنع و معاقبة التعذيب " ، فإن التعذيب، بالإضافة إلى ما جاء في التعريفين أعلاه ، يفهم  "  على أنه فعل يرتكب عمداً لإنزال الألم البدني أو العقلي أو المعاناة بأي شخص لأغراض التحقيق الجنائي كوسيلة للتخويف أو كعقوبة شخصية أو كإجراء وقائي أو لأي غرض آخر، ويفهم التعذيب كذلك على أنه استخدام الوسائل التي يقصد بها طمس شخصية الضحية، أو إضعاف قدراته البدنية أو العقلية حتى و إن لم تسبب الألم البدني أو العقلي .  
ولا يشمل مفهوم التعذيب الألم البدني أو العقلي أو المعاناة التي تلازم أو تكون من آثار الإجراءات القانونية بشرط ألا تشمل ارتكاب أعمال أو استعمال وسائل مشار إليها في هذه المادة ".

ويعتمد القانون الدولي الإنساني تعريفاً مختلفاً بعض الشيء عن هذه التعريفات من حيث عدم اقتضائه اشتراك شخص يتصرف بصفته الرسمية كشرط لتعريف العمل الذي يُقْصد منه إلحاق ألم أو عذاب شديد بأنه تعذيب. وتستخدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر المصطلح الواسع "المعاملة السيئة" لكي يشمل التعذيب وغيره من أساليب الانتهاك التي يحظرها القانون الدولي, بما في ذلك المعاملة اللاإنسانية والقاسية والمهينة والإساءات المهدرة للكرامة الإنسانية والإكراه البدني أو المعنوي.

و هناك سعي حثيث من أجل الارتقاء بمفهوم التعذيب ليأخذ في عين الاعتبار ، من حيث أنواع الضحايا و الأماكن التي يمارس فيها التعذيب على هؤلاء الضحايا ، كلا من الأحداث و المراكز التي يتم احتجازهم فيها و الشارع العام و المدرسة و داخل الأسرة .

و يدخل في دائرة التعذيب كل من الأفعال و التصرفات المحظورة ، بموجب القانون الدولي ، مثل التالية: 

أ ــ التعذيب البدني ، كــ : الضرب بمختلف أشكاله و الأدوات التي تستعمل فيه   التعريض لضوء مبهر أو لضوضاء صارخة أو الإجبار على تناول عقاقير معينة ، الحرمان لفترات طويلة من النوم ، الحرمان لفترات طويلة من الطعام أو من الخدمات الصحية الكافية أو من المساعدة الطبية ، الأحكام القضائية التي تنطوي على عقوبات بدنية ، الاغتصاب داخل الحجز و الاعتداءات الجنسية ،،،

ب ــ التعذيب النفسي أو العقلي كــ : الإخضاع للعزلة التامة ، احتجاز السجين في ظل أوضاع تجعله دائما غير قادر على معرفة المكان الذي يحتجز فيه و لا الوقت الذي يمضيه ، التهديد بقتل الأقارب أو بتعذيبهم ، الإهمال التام ، التعريض لعمليات الإعدام الوهمية ، إخفاء الأقارب ،،،،،

ثالثا ــ حول الفارق القانوني بين التعذيب و غيره من ضروب المعاملة السيئة الأخرى :  

بحسب ليكسيك اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، يتمثّل الفارق القانوني بين التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في مدى شدة ما يتم إلحاقه من ألم أو عذاب. وإضافة إلى ذلك،يقتضي التعذيب توافر غرض محدّد وراء العمل ، كالحصول على معلومات مثلا .

وبحسب نفس الليكسيك يمكن شرح المصطلحات المختلفة المستخدمة للإشارة إلى مختلف أشكال المعاملة السيئة أو إلحاق الألم على النحو التالي:

·التعذيب: توافر غرض محدّد إضافة إلى الإلحاق القصدي لعذاب أو ألم شديد؛

·المعاملة القاسية أو اللاإنسانية: من دون توافر غرض محدّد, إلحاق قدر كبير من العذاب أو الألم؛

·الإساءات المهدرة للكرامة الإنسانية: من دون توافر غرض محدّد، إلحاق قدر كبير من الإذلال أو الإهانة.
وقد تكون أساليب المعاملة السيئة بدنية و/أو نفسية في طبيعتها، وقد تترتب على كل من الأسلوبين آثار بدنية ونفسية.

رابعا ــ واجبات الدول بمقتضى اتفاقية مناهضة التعذيب :  إن اتفاقية مناهضة التعذيب تلزم الدول الأطراف فيها و تأمرها بـ : تحريم التعذيب في التشريعات الوطنية ؛ عدم التذرع " بأية أوامر عليا " أو " بأية ظروف استثنائية " كمبرر لأعمال التعذيب ؛ ملاحقة مرتكب التعذيب  و محاكمته ؛ إمكانية إجراء تحقيق دولي ؛ اتخاذ التدابير التشريعية و الإدارية و القضائية و غيرها من التدابير الفعالة لمنع ارتكاب التعذيب ؛ منح أوسع مساعدة قضائية ممكنة في أي إجراء جنائي يتعلق بأعمال التعذيب ؛ ضمان حق ضحايا أعمال التعذيب في الانتصاف و الحصول على تعويض عادل و كاف ؛ عدم طرد أو تسليم أشخاص قد يتعرضون إلى التعذيب في دولة أخرى ؛     القيام بإعداد و تنفيذ برامج تعليمية و إعلامية و تدريبية تتعلق بحظر التعذيب .

خامسا ــ مجريات النقاش الدائر حول الحد المزعوم بين ما هو مباح و ما هو محظور في التعذيب :  رغم أن اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب توفر تعريفا للتعذيب يحظى بالإجماع ،           و رغم أن مختلف الصكوك الأممية و الدولية الأخرى ذات الصلة بما فيها صكوك القانون الدولي الإنساني تحظر التعذيب و غيره من أشكال المعاملة السيئة و ذلك في جميع الأوقات و مهما كان مصدر الأوامر الصادرة في شأن إعماله ، فإن هناك من يجادل في الأمر وفق أربعة نقط توردها اللجنة الدولية للصليب الأحمر كالتالي :

النقطة الأولى :  إن الذين يؤيدون اللجوء إلى أشكال معينة من المعاملة السيئة يشككون بانتظام في تعريف التعذيب ويضيقون معناه ويحصرونه في إنزال أذى بدني قاسٍ. ويقولون أو يلمِّحون إلى أن أي شيء دون هذا المستوى من التعريف المحدود مسموح به وقانوني. إلا أن المعايير المتعارف عليها دولياً هي أكثر صرامة عندما يتعلق الأمر بتعريف ما هو إنساني وما هو قانوني وما ليس. فالقانون الدولي (ومعظم التشريعات الوطنية) تحظر السلوك المتعدد الأشكال والاعتداء على كرامة الفرد. كما تحظر العنف الذي يهدد الحياة والصحة والسلامة، وأي شكل من الاعتداء غير المحتشم وكل عمل وحشي أو معاملة لا إنسانية أو قاسية أو مهينة أو حاطة للكرامة أو عقوبة؛ والإكراه البدني أو الأخلاقي أو التخويف والتشويه أو أي شكل من أشكال العقاب الجسدي.

النقطة الثانية :  المدافعون عن سوء المعاملة يضعون لائحة بالأساليب المباحة لاستبعاد الأخرى. بيد أن مجرد وضع لائحة بما هو مباح وما هو غير مباح لا يكفي لإثبات وقوع سوء المعاملة. ويجب تقييم الأساليب المتبعة في ضوء الأحوال التي تستخدم فيها ككل. وتختلف آثار سوء المعاملة باختلاف الصحة العقلية والقوة البدنية والخلفية الثقافية والسن والنوع الجنسي للضحية والبيئة التي تمارس فيها سوء المعاملة. وهناك أيضاً عناصر أخرى مهمة مثل طول مدة سوء المعاملة أو التوحيد بين الأساليب المتبعة. وفي بعض الحالات قد يرقى مجرد فعل واحد إلى حالة من التعذيب. أما في الحالات الأخرى فقد تكون سوء المعاملة ناتجة عن عدد من الأساليب المتبعة مع مرور الزمن والتي قد تبدو غير مؤذية، إذا نظرنا إلى كل واحدة منها على انفراد أو خارج السياق.

النقطة الثالثة :  غالباً ما يُقلَّلُ من أهمية المعاناة المرتبة عن سوء المعاملة. فقد تكون آثار التعذيب وأشكال سوء المعاملة الأخرى نفسية صرفة أو بدنية ونفسية معاً. وفي رأي الخبراء أن الألم المبرح النفسي الناجم عن سوء المعاملة غالباً ما يفوق الألم البدني وزناً. كما أن الآثار النفسية الناتجة عن مشاهدة أحد أفراد العائلة وهو يخضع للتعذيب أو يتحمل أشكالاً من سوء المعاملة الجنسية، من شأنها أن تسبب صدمة تعادل صدمة التشويه أو أسوأ.

النقطة الرابعة :  إن أولئك الذين يؤيدون ممارسة التعذيب في حدود غالباً ما يستغلون دواعي قلق الناس إزاء الأمن لتبرير سوء المعاملة أثناء الاستجواب لدرء خطر محتمل، إلا أن الكثير من الخبراء يشككون في قيمة المعلومات المنزوعة تحت التعذيب أو سوء المعاملة. علاوة على هذا فالإهانة الناجمة عن ذلك والغيظ الذي يشعر به أفراد ومجتمعات بأكملها من شأنهما أن يؤديان إلى تصعيد في العنف. من الناحية التاريخية وفي كل مرة أُبِيح التعذيب أدى ذلك إلى خلق بيئة أكثر تساهلاً ضَعُف معها حظره. فإذا أردنا تفادي هذا المنعطف الخطير من المطلوب التقيُّد بحظر شامل وثابت.

أخيرا ، إن الموقف الحقوقي و الإنساني واضح ، فهو يرفض تماماً اللجوء إلى التعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة أياً كان. والحظر المنصوص عليه في القانون الدولي مطلق ولا يسمح بأية استثناءات من أي نوع. كما أن ميزات احترام كرامة الإنسان تفوق وزناً بكثير أي مبرر للتعذيب.

سادسا ــ مدى تلاؤم مشروع القانون المتعلق بتغيير و تتميم مدونة القانون الجنائي المغربي المعنون بـ : " الفرع الثالث - شطط الموظفين في استعمال سلطتهم إزاء الأفراد و ممارسة التعذيب " مع المعايير الدولية المناهضة للتعذيب :  دفعة واحدة ، يمكن القول إن المشرع المغربي لم يلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان و للقانون الإنساني حين انكبابه على صياغة مشروع القانون إياه الذي أطلقت عليه الصحافة في حينه ، دون صواب ، اسم " مشروع قانون حول تجريم التعذيب " . فأين توجد هي هذه المعايير الدولية التي لم يتم الالتزام بها ؟ إنها توجد في  المواد 3، 5 ، 7 ، 9 ، 11 ، 19 و 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و المادتين 7    و 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ، و المادة 3 من إعلان الأمم المتحدة الخاص بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، و المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب ، و المبدإ 6 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن ، و القاعدة 31 من مجموعة القواعد الدنيا لمعاملة السجناء الصادرة عن الأمم المتحدة ،    و المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل ، و المادة 67 من مجموعة قواعد الأمم المتحدة الخاصة بحماية الأحداث المحرومين من حريتهم، و المادة 2 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ، و المادة 10   و الفقرة 2 من المادة 16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية جميع حقوق العمال المهاجرين        و أفراد أسرهم ،و البند الرابع ( ح ) من المادة 3 من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة ، و المادة 5 من المدونة الأممية لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين ، و المبدإ 2 من مجموعة مبادئ آداب مهنة الطب المتصلة بدور الموظفين الصحيين  و لاسيما الأطباء في حماية المسجونين و المحتجزين من التعذيب    و غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة ، و هو المبدأ الذي ينص على أنه : " يمثل مخالفة جسيمة لآداب مهنة الطب، وجريمة بموجب الصكوك الدولية المنطبقة، أن يقوم الموظفون الصحيون، ولا سيما الأطباء، بطريقة إيجابية أو سلبية، بأعمال تشكل مشاركة في التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو تواطؤا أو تحريضا على هذه الأعمال أو محاولات لارتكابها " و بعبارة أخرى إن هذه المعايير موجودة في صلب التزامات الدولة المغربية و حكوماتها المتعاقبة على تدبير شأنها العام .

و دفعة واحدة ، يمكن القول إن هذا المشرع بدل أن ينشئ نصا قانونيا يحرم ، يمنع و يجرم بالمطلق و بصريح اللفظة  كلا من التعذيب و غيره من أشكاله الأخرى      و يزجر عليه، استلهم تأويل خبراء الحكومات غير الديمقراطية المجادل ، كما هو مبين من خلال المفصل الخامس من هذه المداخلة ، في الحظر المطلق للتعذيب و غيره من أشكال سوء المعاملة فأخرج نصا ملتبسا / معيبا بشكل يجعله يقصد أشياء أخرى غير تلك التي يدعيها . و يتجلى هذا الالتباس في أن النص إياه :

ــ لا يوضح ما يعنيه بالمفاهيم و المصطلحات الواردة فيه و خاصة منها مصطلح " موظف عمومي "،

ــ يحرص على الوضوح حين ينص في الفصل 3-231 على تشديد العقوبة كلما ارتكب التعذيب              " ضد قاض أو عون من أعوان القوة العمومية أو موظف أثناء ممارسته لمهامه أو بمناسبة ممارسته لها ( ... ) " ، فهل حقا يمكن أن يتعرض السادة ضباط الشرطة القضائية و أعوانهم أثناء مزاولتهم لمهامهم في المخافر و غيرها من أماكن التحقيق و الاستنطاق للتعذيب من قبل المحتجزين لديهم ؟ أو ليس الغرض من هذا البند من الفصل المذكور هو ، بالضبط ، تحصين هذه الفئة من الموظفين المنفذين للقوانين ضد تلبسهم بجرائم التعذيب و تحويلها ، في حالة صعوبة إنكارها ، إلى مجرد أخطاء واكبت عملية دفاعهم عن أنفسهم إزاء إرهابيين مفترضين ؟ ثم أ لن يحول هذا البند كل فصول القانون المعني إلى مجرد نمر من ورق ؟

ــ لا يعاقب " الموظف العمومي " و لا يشدد في العقوبة ضده لكونه ارتكب إحدى جرائم التعذيب هي في حد ذاتها ، بل يربط ذلك بأن تكون ظاهرة " الوضعية الصعبة " أو " الحمل بادية " على الضحية أو معروفة لدى هذا الموظف ، و بأن يؤدي التعذيب إياه إلى عاهة دائمة أو إلى وفاة ، و ذلك كما هو منصوص عليه في الفصول من 4 – 231 إلى 6 – 231 من النص إياه . و بعبارة أخرى ، إن المشروع المسمى ب " قانون تجريم التعذيب " لا يحرم هذه الجريمة أو يمنعها أو يحظرها ، فهذه العبارات لا ترد ، البتة في متنه ، لا هي في لفظيتها و لا في صيغ أخرى مرادفة لها .

ــ لا يجرم قيام أي موظف عمومي من الموظفين الذين يعنيهم بمحاولة التعذيب ، و لا يجرم عدم الإبلاغ بممارسة هذا الموظف للتعذيب أو بمحاولة ممارسته له ، و كذا لا يجرم عدم التدخل للحد منه أو لتوقيفه.

ــ لا يزجر على حيازة الموظفين العموميين أدوات التعذيب و استعمالها أو التهديد بها ، بل يكتفي بالتنصيص في فصله 8 – 231 على أنه إذا حكمت المحكمة بمؤاخذة الجاني يكون عليها " أن تأمر:  - بمصادرة الأشياء و الأدوات المستعملة في ارتكاب التعذيب ؛ "، و هو ما يعني أن حيازة أدوات مثل السياط الجلدية و الفولاذية         و أسلاك الصدم الكهربائي و محولات قوة التيار الكهربائي و طاولات التعليق و الحبال و غيرها الكثير و المتنوع و المتعدد الأشكال و درجات الإيذاء ، و إظهارها، ستبقى مشروعة ما لم تتم مؤاخذة مستعملها من قبل محكمة ، و ذلك علما بأن هذا المستعمل يمكنه في كل الحالات أن يدعي ، بناء على فرضية أنه هو أيضا معرض للخضوع للتعذيب كما يزعم الفصل 3 – 231 من المشروع المذكور في الفقرة السابقة ، أنها موجودة لأغراض أخرى في مقدمتها الدفاع عن النفس ، و ذلك رغم أنه من الحملة القانونيين للسلاح .

  **   نص المداخلة التي ألقيت بدعوة من "  مركز استقبال و توجيه ضحايا التعذيب بالمغرب " يوم السبت 24 ماي 2006 بمقر الحزب الاشتراكي الموحد – الدار البيضاء ، و ذلك في إطار اليوم التضامني الذي نظمه هذا المركز بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب  ( 26 يونيه 2006 )  تحت شعار : " لنعمل جميعا من أجل مناهضة التعذيب "

*المصطفى صوليح El Mostafa Soulaih 

كاتب ، باحث ، و مؤطر في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة .

من كوادر اللجنة العربية لحقوق الإنسان – باريس .

صدر له ، عن أوراب و اللجنة العربية لحقوق الإنسان و الأهالي ،كتاب تحت عنوان : " نقد التجربة المغربية في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " 2005