توصف دول مجلس التعاون الخليجي بأنها دول ريعية، أي أن المصدر الرئيسي لدخل الدولة هو من ريع ثروة طبيعية وهي هنا النفطوالغاز، وتقوم الدولة بدورها بالتحكم في توزيع هذا الدخل من خلال عدة قنوات، حيث يتزاوج النفوذ في الدولة مع تملك الثروة، كما تشكل صناعة النفط القاطرة التي تقود الاقتصاد الوطني. لكن وصف الدولة الخليجية بأنها دولة ريعية غير كاف وقد يكون مضللا، فالنرويج مثلا دولة ريعية لكنها دولة إنتاجية ودولة الرعاية الاجتماعية الناجحة. هناك جوانب أخرى مهمة في الدولة الريعية الخليجية وهنا ما يلي:
الدولة الغنائمية هي الدولة التي تعتبر البلاد وثرواتها وما في باطنها وما عليها غنائم النخب الحاكمة، وذلك يتمثل في عدم الفصل ما بين ملكية الدولة وملكية الأسر الحاكمة واستيلائهم على غالبية أراضي الدولة والتصرف في ميزانية الدولة والمال العام. والملكية العامة. وترؤس مجالس إدارة الشركات العامة والمختلطة من قبل أفراد من النخب الحاكمة. دور النخبه الحاكمة: 1- النخب الحاكمة الخليجية ممتدة لمئات السنين (Dynasties)، ويبلغ أعداد بعضها الآلاف وأفراد النخب الحاكمة يمثلون نخبة أصحاب الأعمال والملاك العقاريين ويسيطرون على أجهزة الدولة بدءا بمجلس الوزراء ومجلس الأمن الوطني حتى المراتب المتوسطة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية. 2- يسيطر أفراد النخب الحاكمة على أهم المنظمات الأهلية مثل المؤسسات والجمعيات الأندية الرياضية والثقافيه والاجتماعية والتخصصية. 3- يمتلك أو يسيطر أفراد من النخب الحاكمة على وسائط الإعلام مثل المحطات الفضائية والصحف. 4- إن أفراد النخب الحاكمة مع استثناءات قليلة هم فوق المساءلة المالية والمدنية و الجنائية، وعادة ما تحال القضايا المتورط فيها أفراد من النخب الحاكمة إلى دواوين خاصه، وتحل خارج نطاق القضاء والنيابة العامة والشرطة.
2.الدولة الخليجية هي دولة أبوية حيث يروج للرأي العام بأن الملك أو السلطان أو الأمير بأنه أبو الشعب وولي الأمر الذي يتوجب طاعته من قبل الرعية، وهو الذي يمنح مكرماته لرعاياه ويسبغ عليه صفات خارقة، وكذلك الأمر لقيادات النخبه الحاكمة المقربين. الدولة الخليجية هي دولة تسلطية أيضا، قد تكون الدولة في السابق ليست بحاجة إلى القمع والتسلط، ويكفيها وسائل الإغراء والحرمان، لكنه ومع تطور المجتمع وإفرازه لقوى متنورة وواعية وتنظيمية لنفسه وتشكل قوى سياسية ومجتمعية معارضة فإنها تلجأ للقمع والاعتماد على الأجهزة الأمنية والمخابراتية.
3.مفهوم المواطنة إن مفهوم المواطنة هو مفهوم حديث في دول مجلس التعاون الخليجية، ويظل مفهوم المواطنة مفهوماً محل تجاذب كما يظل حتى الآن مفهوما نظريا بعيدا جدا عن التجسد على صعيد الواقع والممارسة. باستثناء المملكة العربية السعودية، التي تشكلت من خلال عملية ضم وإلحاق وفتح لمؤسس المملكة، فإن باقي الدول الخليجية كانت محميات بريطانية. حتى الستينات حيث انتقلت الى وضعية الاستقلال من خلال عملية سلم واستلم. وظلت دول الاستقلال تحمل الكثير من ملامح وبنية ما قبل الاستقلال. حتى الاستقلال فقد كان السكان يصنفون كفئتين أجانب ورعايا وهو ما يهمنا هنا. ومفهوم الرعية يفترض الخضوع والولاء للراعي، وهو هنا الحاكم والأسرة الحاكمة. بالطبع ليس هناك نصوص عقدية واضحة توضح العلاقة بين الراعي والرعية وحقوق وسلطة كلا منهما، فجميع هذه الكيانات لم تمتلك دساتير قبل الاستقلال لكننا نستطيع تشخيص هذه العلاقة من خلال الممارسة والقائمة على أن الراعي يمنح الرعية ما يراه والتي تصور أنها مكارم وليست حقوقاً واستحقاقاً، وذلك محصور بالمجال المعيشي والوظيفي مقابل الولاء المطلق للراعي. أما الحقوق السياسية والمدنية فهي مستبعدة، حيث اعتبرت جميع الحركات المطالبة بالإصلاحات السياسية والمشاركة السياسية كالحركات الإصلاحية في الكويت والبحرين و ودبي في 1938 والحركات الوطنية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات بأنها حركات تمرد جرى قمعها، ومعاقبة قياداتها وكوادرها ومحاكمتهم وسجنهم ونفيهم.
4.مفهوم المواطنة في عهد الاستقلال ومع نيل الاستقلالات طرحت قضية المواطنة نفسها بقوة وكذلك الأمر بالنسبة للجنسية. ورغم صدور قوانين الجنسية قبل الاستقلال إلا أن الجنسية لا تعني تلقائيا حقوق المواطنة. بالطبع فقد ظل مفهوم الرعية هو الطاغي حتى اليوم ويمكننا مناقشة المواطنة على عدة مستويات وهي المستوى المفاهيمي، والمستوى الحقوقي، ومستوى الحقوق المتحققة في الواقع وهي:
أولاً: على مستوى المفاهيم. هذا المستوى غامض ومتفاوت من شخص إلى شخص وتلقى قناعة واسعة أيضا، هو أن المواطنة تعني الجنسية وما يترتب عليها من امتيازات وحقوق، التي يقدمها الحاكم كهبات ومكارم وما تقدمها الدولة، مثل الوظيفة الحكومية والأرض والسكن، وخدمات تعليمية وصحية وغيرها مجانا. وعدم دفع أية ضرائب. وتقديم هذه الامتيازات من حصول الدولة على مداخيل متأتية من النفط، ويقوم بإعادة توزيعها بطريقة تعكس المصالح ومراكز القوى. ثانياً: على المستوى الحقوقي: يتحدد المفهوم الحقوقي للمواطنة في الدستور والقوانين المنظمة للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ودور المواطن في مؤسسات الدولة، خصوصا التشريعية والرقابية. بالنسبة للدول الخليجية فإن ثلاث دول وهي الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة لها دساتير قائمة، أفضلها الكويت، وبالنسبة لقطر فإن هناك مشروع دستور استفتي عليه الشعب بالموافقة ولكن لم يصدق عليه الأمير حتى الآن منذ 5 سنوات. أما السعودية فلديها النظم الأساسية أما عمان فإن لديها نظاماً أساسياً يتعلق بصلاحيات وعلاقات السلطات ببعضها البعض. في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى المواطنين: 1- المواطنون سواسية أمام القانون. 2- للمواطنين حق مخاطبة السلطات فرادى. 3- حق المواطنين في العمل والتعليم والتطبب والرعاية الصحية. 4- من حق المواطنين الترشح والانتخاب والاستفتاء. 5- من حق المواطن تقلد الوظائف العامة. 6- من حق المواطن التملك. 7- حق ممارسة بعض الحريات كالحق في التجمع والتظاهر السلمي 8- وتشكيل الجمعيات وممارسة الشعائر الدينية. وهناك إشارات إلى الشعب كمجموع للمواطنين الشعب مصدر السلطات جميعاً كما في دستور مملكه البحرين. لكن وفي جميع هذه الدساتير والأنظمة هناك تغييب للمواطن ودوره الحقيقي. 1- ليس هناك من تأكيد على أن المواطنين هم مصدر الشرعية للحكم. 2- ليس هناك من تأكيد على حق المواطنين في تغيير حكومتهم وأنظمتهم وتشريعاتهم بوسائل ديمقراطية. 3- ليس هناك تأكيد على حق المواطنين في كثير من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أضحت معتمده عالميا وتنص عليها المواثيق العالمية لحقوق الإنسان. 4- عدم النص على حقوق متساوية بين الرجل والمرأة ويتمثل ذلك في عدم حق المرأه في الانتخاب والترشح للمجالس النيابية والبلدية حتى وقت قريب في جميع بلدان المجلس ولا زالت كذلك في السعودية وعدم اكتساب أبناء المواطنة جنسية الأم، وفي تقلد المناصب السيادية والقضائية في الدولة. ثالثاً: المواطنة في الواقع الفعلي في الواقع الفعلي فإن صفة مواطن هي صفة افتراضية غير متجسدة في الواقع، بل المتجسد هو الرعية من خلال سياسة الامتيازات التي تتمتع بها النخب الحاكمة في السلطة والثروة وعدم المساءلة، فقد بني نظام تراتبي، يتم بموجبه وضع المواطنين في تراتبية من حيث السلطة والثروة والحقوق، على شكل هرم على قمة النخب الحاكمة، ثم حلفائها من العائلات المتحالفة وفئة التجار، ثم باقي المواطنين. وعلى أساس هذا التراتب يتم تسنم المناصب في الدولة، والحصول على الامتيازات منها، والموقع الاقتصادي والاجتماعي. أما المشكلة الثانية فهي أن الولاء للحكم والحاكمين هو المعيار على الاختلاف وتجلي المواطنة، وليس الولاء للوطن، ويتجلى ذلك بشكل خاص في الأزمات التي عصفت بالكيانات الخليجية. المشكلة الأخرى هنا هي قضية التجنيس والمجنس وتتباين المشكلة من بلد لآخر، وأخطرها ما يجري في البحرين ثم مشكلة البدون في الكويت. بلدان الخليج قليلة السكان ومع النمو الشامل بفعل النفط، تدفق على الخليج مهاجرون من المحيط العربي والاقليمي. بحيث أضحى المواطنون أقلية في بلدانهم. مشكلة التجنيس هو أنها لا تخضع لقواعد واضحة لما يخدم البلد وتطوره، لكنها تخضع لاعتبارات عديدة ومنها الولاء، والانتماء للأجهزة العسكرية والأمنية والانتماء القبلي واعتبارات أخرى. الغالبية من هؤلاء اندمجت في المجتمع، لكن المشكلة تكمن في استخدام الأنظمة للمجنسين كفئة يتم استخدامها ومضمونة الولاء في دعم الحكومة في خلافاتها مع المطالبين بالحقوق أو التغيير.
5.الربيع العربي والمواطنة تأثرت بلدان الخليج كغيرها بالربيع العربي بدرجات متفاوتة وبتعييرات مختلفة. أبرزها إنتفاضة 14 فبراير في البحرين و 17 فبراير في عمان وبعض المظاهرات في المنطقة الشرقية من السعودية وتحركات للنخب المثقفة والوطنية في كل من الكويت والامارات. طرحت المواطنة وحقوق المواطن نفسها بقوة في الحركات الاحتجاجية التي شهدتها بلدان الخليج وجوهر المشكلة هو أن الحركة الاحتجاجية تطرح حق المواطنين في المشاركة السياسية وما يتفرع عنها من حقوق سياسية ومدنية واقتصادية وقضية (مواطنون لا رعايا)، وقضية اصلاحات عميقة في الدولة والمجتمع، وهو ما لا يبدو أن الأنظمة الخليجية مستعده لتقبله او انها مقدمة عليه قريبا. بل ان هذه الثورات العربية والانتفاضات والاحتجاجات أثارت مخاوف شديدة لدى الأنظمة الخليجية ، بحيث أن هناك ردة فعل قوية باتجاه تشديد القمع ومصادرة الحريات وتجنيد قوات عربية واجنبية وتوسعه مجلس التعاون لكي يضم الأردن والمغرب لمواجهة الوضع الداخلي، والاحتجاجات المتزايدة وعملية تجنيس واسع محتمل.
6.الاستنتاجات بعد العاصفة التي هبت على الخليج، فإن دول مجلس التعاون انخرطت في تحالف لاحتواء الربيع العربي محليا وعربيا. فعلى النطاق المحلي نلحظ مزيداً من القمع ومصادرة الحريات مع تقديم رشاوى مادية للمواطنين كبديل عن الحقوق السياسية. وعلى النطاق العربي فهي تعمل على احتواء التحول الثوري في تونس ومصر وتوجيه الوضع الليبي لصالحها على أمل افشال هذا التغيير الثوري، وعودة الأمور إلى سابق عهدها . لكن الربيع حفر تأثيره عميقاً في الشعوب العربية بما فيها الخليجية، ولن تنجح هذه الأنظمة بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. ففي البحرين والكويت تتجدد الحركة الاحتجاجية السلمية، وتتمسك قوى المعارضة والقوى الشبابية بالمطالب الرئيسية التي طرحتها خلال الحركه الأحتجاجية الواسعة. وفي السعودية والامارات وعمان تستمر المطالب عبر شبكات التواصل الاجتماعي في طرح ذات المطالب . وهناك اصرار على إصلاحات دستورية عميقة في دول مجلس التعاون. والسؤال هنا هل الأنظمة الخليجية راغبة في تسوية تاريخها؟ لا أعتقد ذلك فلدينا نخب حاكمة ممتدة وحكم مديد يتوسع بشهوتها للسلطة والثروة، وليس التنازل عن جزء منها للشعب.
|
|