لا تزال الآثار البيئية لعدوان تموز العام 2006 ظاهرة في كل مكان لا سيما في ملفي التلوث النفطي وحجم الردميات التي نجمت عن العدوان على الاحياء السكنية والبنية التحتية.
بالرغم من الدراسات الكثيرة للآثار البيئية للعدوان الاسرائيلي على لبنان في تلك الفترة، ولا سيما دراستي برنامج الامم المتحدة الانمائي وبرنامج الامم المتحدة للبيئة (اليونيب)، والتي تجاوزت كلفتهما، ولاسيما دراسة « اليونيب »، المليون دولار اميركي، الا انه من المؤكد ان الكثير من « الآثار »، كما في وبعد اي حرب، ستبقى خفية لا تقدر ويستحيل رصدها، ولا سيما تلك التي تترك مخلفات بعيدة المدى.
لعل اكبر الاضرار الظاهرة، تمثلت في تلوث البحر من جراء قصف اسرائيل لخزانات الفيول في محطة الجية واحتراق 45 الف طن طوال فترة العدوان وتسرب ما يقارب 15 ألف طن من الفيول الى البحر، وقد أحدثت البقعة النفطية تلوثا شديدا بشواطئ لبنان، وكان لها آثار خطيرة على الصحة البشرية والتنوع البيولوجي ومصائد الاسماك والسياحة، لم تقدر تماما. بالاضافة الى مشكلة الردميات الضخمة الناجمة عن الحرب لا سيما في منطقة الضاحية الجنوبية وبعض قرى الجنوب والبقاع... الا ان تأثيرات البيئية في القطاعات كافة كالزراعة والصناعة والطاقة، والتدهور والتلوث الذي حصل في المياه السطحية والجوفية والتربة والهواء والتنوع البيولوجي ... لم تأخذ حقها من الظهور.
صدر حتى الآن 8 قرارات دولية حملت اسرائيل المسؤولية عن الآثار الكبرى لعدوانها ولا سيما مسألة تلوث البحر، وطلبت الجمعية العامة للامم المتحدة منذ قراراها الأول في 20/12/2007، في البند الثالث، من « حكومة اسرائيل »، « ان تتحمل المسؤولية عن تقديم التعويض الفوري والكافي الى الحكومة اللبنانية عن تكاليف اصلاح الضرر البيئي الناجم عن التدمير، بما في ذلك اصلاح البيئة البحرية ». الا ان ذلك لم يحصل، وقد ضربت اسرائيل بعرض الحائط كل هذه القرارات وحجتها ان لبنان ليس لديه خطة لادارة التلوث النفطي، كما يقول احد الخبراء اللبنانيين ! ولا يزال ما يقارب 2500 م3 من المواد المخلوطة بالفيول التي جمعت اثناء تنظيف الشاطئ مخزنة في ما يقارب 70 مستوعبا ومحفوظة في منشآت النفط في الزهراني وطرابلس والجيه، لم يتم معالجتها بعد.
مؤخرا طلب لبنان، عبر وزارة البيئة، من الاتحاد الاوروبي اعداد دراسة لكيفية معالجة هذه الكميات المتبقية من آثار العدوان، وقد صدر التقرير منذ مدة، مقترحا فرز هذه الكمية لاحراق ما يمكن احراقه في افران شركات الترابة واسترداد الرمل والتراب اذا امكن، وطمر الباقي، مقدرا الكلفة بين مليون ومليوني دولار أميركي. وقد وافقت وزارة البيئة على التقرير وتنتظر من الاتحاد الأوروبي إجراء المناقصات للمعالجة، كما يقول مصدر مسؤول في الوزارة. اثر تسرّب النفط على إرث التنوع البيولوجي الحسّاس. وقد اكد الخبراء أنّ هذه الآثار ستلقي بثقلها لمدة طويلة على الطبيعة.
اما موضوع الردميات الناجمة عن الدمار الهائل في الابنية السكنية والذي قدر بما يقارب 4 ملايين متر مكعب، فقد تم سحب الحديد والالومينيوم وكل ما يمكن إعادة استعماله منها؟ وبقيت الكمية الاكبر مدفونة على شاطئ الاوزاعي وفي المناطق بالقرب من المدن التي تم تدمير قسم كبير منها. لكن ماذا عن الآثار الباقية غير القليلة.
ح . م .
تسبب القصف الإسرائيلي للبنان خلال 34 يوماً بتدمير البنى التحتية في لبنان تدميراً كبيراً. وقد تم تدمير ما يقارب 445 ألف متر مربّع من شبكات الطرقات، و92 جسراً ومعبراً، بالإضافة إلى تدمير أو إلحاق الضرر بما يقارب 130 ألف وحدة سكنية (بحسب إحصاءات الهيئة العليا للإغاثة) بالإضافة إلى شبكات تأمين المياه ومياه الصرف الصحي. وبالرغم من أنّ الاعتداءات طالت كافة أنواع البنى التحتية في مختلف أرجاء لبنان، الا ان المناطق التي تأثرت مباشرة بسبب القصف المكثف والتي أصابها الهدم بشكل كبير، فهي منطقة الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، بالإضافة إلى بلدات عيتا الشعب، والخيام، وبنت جبيل في جنوب لبنان والنبطية وبعلبك في البقاع. وقد قدر حجم الركام والردم الناجم عن التدمير بنحو ثلاثة إلى أربعة ملايين متر مكعب.
قطاع الطاقة
بالاضافة الى تسرب الفيول والردميات، طالت الاضرار الرئيسية قطاع الطاقة، بعد ان تم الاعتداء على محطات تخزين الوقود في معمل الكهرباء في الجية، وخزانات الكيروسين في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وشبكات النقل والتوزيع، ومحطات الوقود. وقد تضررت خزانات الوقود في المطار جرّاء ضربة مباشرة بتاريخ 13 تموز/يوليو 2006. وتقدّر كمية الكيروسين التي احترقت من صهاريج الوقود بـ 5 آلاف متر مكعّب. أما بالنسبة إلى شبكات النقل والتوزيع، فكانت مصادر الأضرار غير مباشرة في الجزء الأكبر منها، كون غالبية الأضرار التي تكبّدتها المحوّلات سبّبتها الشظايا. وقد تعرض ما يقارب 199 محوّلاً للضرر، و59 محوّلاً تم تدميرها نهائياً.
إلا ان احدا لم يلاحظ أيّ مبادرات لتقييم التلوّث في المناطق التي من المحتمل أن تكون قد تضرّرت.
وتحدث خبراء عن احتمال ان تحتوي تلك المحولات على مادة (بي سي بي) التي تنتج مادة الديوكسين المسرطنة عند احتراقها. مع العلم بانه في العام 1979 منع انتاج هذه المادة في العالم، وقد بدأت عمليات الاستغناء عنها في محولات الكهرباء في لبنان في وقت متأخر جدا، من دون الإعلان الصريح عنها !
وكانت مصادر متابعة ، خارج الدوائر الرسمية ودوائر الامم المتحدة، قد قدرت عدد المحولات الكهربائية المتضررة من الحرب بـ725 محطة، وان القديمة والخطرة تشكل 65% منها، وان 33% منها تحوي تلك المادة المسرطنة !
كذلك تعرّضت محطات وقود متعددة لضربات مباشرة من قوات الدفاع الإسرائيلية خلال الحرب. وتشير التقارير الرسمية إلى أنّ 22 محطة وقود تضرّرت خلال الحرب في محافظات الجنوب، والنبطية والبقاع. وقد أفيد عن وجود ما يقارب 360 ألف ليتر من البنزين و140 ألف ليتر من الديزل في صهاريج التخزين، ولكنها إما احترقت أو تسرّبت إلى طبقات المياه العليا، وربما الجوفية لاحقا.
الصناعة والزراعة
تضرّر ما يقارب 31 منشأة صناعية في جنوب لبنان والبقاع وضواحي بيروت. وقد تعرضت للتدمير الجزئي أو الكلّي. إلا أنّه وبعد المعاينة الدقيقة (والزيارات الميدانية التي قامت بها الشركة الملتزمة دراسة برنامج الامم المتحدة الانمائي )، لوحظ ان هناك 9 منشآت صناعية قد تعرّضت لأضرار كثيفة. وهذه المنشآت الصناعية هي : معمل أنسجة الأرز (البقاع)، معمل غبريس للمنظفات (الجنوب)، شركة صفيّ الدين للبلاستيك (الجنوب)، معمل لامارتين (البقاع)، معمل ماليبان للزجاج (البقاع)، شركة ليبان لي (البقاع)، منشأة التخزين الصناعي ترانسميتد (جبل لبنان)، معمل الأنسجة الرقيقة (الجنوب) والشركة اللبنانية لصناعة الكرتون (جبل لبنان).
وقد تركت هذه عمليات تدمير المصانع هذه وحتراقها وتلويث الهواء وتسرب قسم من محتوياتها وتلويث التربة والمياه الجوفية.
تكبد القطاع الزراعي والثروة الحرجية والمياه العذبة وقطاع صيد الأسماك والمستودعات الزراعية ومزارع تربية الحيوانات الداجنة ...خسائر كبيرة.
وقد قدّرت وزارة الزارعة أن ما يقارب 1800 هكتار من الغابات والمساحات الحرجية الأخرى قد تعرّضت لأضرار مباشرة بفعل الحرائق، أو غير مباشرة خلال وبعد الحرب في محافظتي الجنوب وجبل لبنان. وتمثل هذه القيمة ما يقارب 5 في المائة من الغابات والمساحات الحرجية قبل الحرب في المناطق المنكوبة. كما أصيبت مواقع الصيد في المياه العذبة في نهر العاصي بشكل خاص، ما يقارب 305 أطنان من الأسماك ، التي تركت لتتحلّل في مياه النهر.
كذلك تأثر صيد الأسماك البحرية مباشرة من خلال تدمير البنى التحتية خلال قصف المرافئ وتلوّثها بالنفط ( تضرر أكثر من 300 قارب إضافة إلى مئات الكيلومترات من شبكات الصيد). كذلك دمّر عدد من المستودعات الزراعية خلال الحرب، ما قد أدّى ويؤدّي إلى تسرّب مبيدات الحشرات والأسمدة الزراعية في الطبيعة. وقدّ قدّرت منظمة التغذية والزراعة ( الفاو) عدد جيف الحيوانات التي نفقت بأكثر من 3050 رأس ماشية تنتج الحليب، و1250 ثوراً، و15 ألف رأس من الماعز والخراف، و18 ألف قفير نحل وأكثر من 600 ألف آلة لتفقيس الدجاج. وكل هذه الكميات الضخمة تم رميها أو تعرضت للاحتراق في الطبيعة.
قطاع البناء
بالاضافة الى مشكلة الردميات التي تحدثنا عليها، تنسحب الآثار السلبية على مراحل أخرى من عملية اعادة البناء، التي تتطلب المزيد من الضغط على الطبيعة لاستخراج الرمال والحصى وصناعة موادّ البناء، وورش البناء ونسبة تشغيل الأبنية وصيانتها.
تستهلك ورش البناء غالباً جزءاً كبيراً من الموارد الطبيعية على غرار المياه والطاقة والمنتجات المعدنية. وبذلك تم تقدير الحاجة إلى إعادة إعمار 60 ألف وحدة سكنية، إلى ما يقارب 3,5 ملايين طنّ من الرمل والحصى (أي ضعفي ما دعت الحاجة إليه قبل الحرب)، و1,3 ملايين طنّ من الإسمنت وما يقارب 22 مليون متر مكعّب من المياه. وقد نشطت محافر الرمل والمقالع والكسارات المحلية لتلبية هذه الحاجات الجديدة مخلفة آثاراً اثارا سلبية اضافية من تدمير المساحات الخضراء.
بالاضافة الى ذلك، نتج عن إعادة الإعمار ، تزايد معدّل تركّز الجزئيات في جوار مواقع البناء. وقد أشار التقييم الأولي لدراسة برنامج الامم المتحدة الانمائي إلى ارتفاع تركّز هذه المواد بنسبة 14 في المئة ليبلغ 400 في المئة (أي 5 أضعاف)، استناداً إلى نسب مرجعية في مواقع إعادة بناء على غرار الضاحية.
كذلك زادت تكاليف معالجة نفايات التدمير والتخلّص منها والتي نتجت عن منطقة الضاحية وعن محافظات جنوب لبنان والنبطية والبقاع. وقد تراوحت التكاليف التقديرية لمعالجة النفايات والتخلّص منها في بيروت إلى 3،5 ملايين دولار فيما بلغت في الجنوب والنبطية والبقاع 8 ملايين دولار.
آثار أخرى
بين أهمّ الآثار البيئية البعيدة المدى ايضا تلك التي طالت موارد المياه العذبة. فالأضرار لحقت بالمياه السطحية بسبب تهدّم الجسور، كما تلوّثت المياه الجوفية بفعل تسرّب البيفينيل المتعدّد التكلور، PCBs البنزين والديزل من محطّات الوقود المتضررة، وتلوّث المياه السطحية والجوفية في منشأة ترانسميد ومنشآت التخزين الخاصة بالشركة اللبنانية في الشويفات، وتدهور نوعية المياه السطحية في نهر العاصي. ويرتبط تأثير التلوث في المياه الجوفية في المواقع الصناعية المتضررة في البقاع بمستوى التلوّث في هذه المواقع.
وترتبط التأثيرات في التربة ارتباطاً وثيقاً بالتأثيرات على المياه. وذلك كون التربة تشكل قناة للمتلقيات المائية. وأخطر التأثيرات على التربة والأرض هو التأثير على المساحات الرملية والصخرية الساحلية التي تعرّضت لضرر كبير بسبب تسرّب النفط كما ذكرنا أعلاه.
وقد تأثر التنوّع البيولوجي على نحو مباشر وغير مباشر بالحرب. فقد تضرّرت المناطق المحمية والنظم الايكولوجية الهشة. كما تأثرت النظم الايكولوجية في المياه السطحية بدمار البنى التحتية لا سيما تحت الجسور المهدّمة أو بفعل تحلّل جيف الحيوانات في نهر العاصي. وقد أدّى استخدام الجيش الإسرائيلي الآليات الثقيلة (أي الدبّابات وجرّافات التسوية) لفتح الطرقات خلال الاجتياح إلى إلحاق الضرر بالنظم الايكولوجية وبالحيوانات وتجزئتها بالإضافة إلى محو المساكن الهامشية على جوانب الطرقات. وفي البحر، عانى الحوض المتوسطي كثيراً خلال الحرب وبعد نهايتها. وبصورة عامة، كان البحر من الأكثر تأثرا بموارد التلوّث داخل الأرضي اللبنانية بسبب الحرب.
كما تعرّضت الموارد الايكولوجية للمزيد من الضغوط بسبب التخلّص العشوائي لنفايات الدمار، وذلك نتيجة المسارعة إلى بذل جهود إعادة الإعمار واستصلاح الأراضي الساحلية والمناطق البرية والأودية والهضاب وجوانب الطرقات. إلى ذلك تطرح الممارسات على غرار رمي نفايات الدمار في الأوزاعي بالقرب من الخطّ الساحلي تهديدات جسيمة وخطيرة على التنوّع البيولوجي والمساكن البحرية، لا سيما بتنامي خطر انهيار جزء من كتلة النفايات في البحر.
المصدر: الثورة 15/07/2014
|