قبل شهر من لقاء ميركل واوباما كان جي زايانغ . وكانت صفقة العصر لانها وزن ثقيل في توازنات العصر .
كانت اوروبا تفتخر دائما بميزة ستراتيجية : تسبح في السياسة الدولية وذراع في الاطلسي واخرى في المتوسط .هكذا اراد لها شارل ديغول – ومعه انصار الاستقلالية - ان تشكل ثقلا وازنا بين العمالقة. اوروبا لم تعد ديغولية منذ يسارها الميتراني ويمينها الساركوزي ، رغم نداءات من يوافقون جان بيير شفينمان : ارتمت في ذيل التنورة الاميركية وكرّست ذلك الالحاق منذ عام 1991 وحتى قرار ساركوزي بالعودة الى الاطلسي وقرار هولاند بقيادة الربيع العربي عبر برنار هنري ليفي.اليوم فلاديمير بوتين تلقف الرسالة عينها : نحن نسبح وذراع في الغرب واخرى في الشرق ، انه قدر الجغرافيا.واذا ما هدد احد باقفال النافذة الغربية ، نفتح الشرقية وهي اسطع شمسا.
بين الرسالتين متغير مركزي: الاميركي لملم ذيل تنورته الاطلسية منذ عام 2009 وقرر الاتجاه الى فردها فوق المحيطين الهادي و الهندي حيث " اولويات الدفاع للقرن الواحد والعشرين " وفق تعبير التوجيه الستراتيجي الذي اصدره اوباما عام 2012 لوزارة الدفاع الاميركية بعد مشاركته في قمة دول جنوب شرق اسيا ( اسيان ) في مدينة بالي الاندونيسية. هناك تقع المواجهة مع الصين وروسيا ولا فاصل الا الماء لاتعكرّه في الشرق الا هاييتي . بينما تحكمه في الجنوب جزر استراليا والفيلبين واندونيسيا وماليزيا وسيريلانكا وفي مقابلها على اليابسة تايلند وكمبوديا وبرمانيا والبنغال والهند وصولا الى باكستان وايران. هذا القوس هو قوس الصراع بثرواته وموقعه وخلافاته الحدودية. هو الخط الذي تخطط بكين لنشر اسطولها البحري عليه فيما اطلقت عليه اسم " عقد اللؤلؤ " وهو ما تسعى اواشنطن بكل ثقلها لعرقلته، بعدة وسائل منها الاضطرابات الامنية في الدول المذكورة وليس انقلاب كمبوديا باخرها. وعليه فثمة مصلحة مباشرة لروسيا في دعم المشروع الصيني هناك واستكماله جغرافيا بدعم عودتها هي الى بحر عمان وخليج العرب والمتوسط.
الصين بحاجة الى تطوير مصادر تموينها من الغاز هي التي استوردت في العام الفائت 53 مليار متر مكعب اي بزيادة 25 % عن العام الفائت . وبشكل خاص التوجه نحو مصادر لا تقع تحت السيطرة الاميركية، خاصة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. وبما ان العقد الجديد ينص على 35 مليار متر مكعب ، فان الحاجة الاخرى تنخفض الى 18 مليار فحسب. خاصة وان تنامي الحاجة الصينية قد اخذ بعين الاعتبار في نص الصفقة الثلاثينية. كذلك فان روسيا بحاجة الى سوق شرقي للنفط يترجم تهديد ميدفيديف قبل اسبوعين: " اذا حصل الاسوأ في اوكرانيا نرسل الغاز الى الشرق". ( طبيعي انه لم يصرح بذلك الا بعد علمه بنضوج الصفقة مع الصين وقرار بوتين بتوقيعها باي ثمن حتى ولو في الرابعة صباحا )
الصين ايضا بحاجة الى تسريع النمو في مناطق الشمال المحاذية لروسيا والبعيدة عن موقع الصراع: المحيطين( الهادي والهندي) وهي مناطق صناعية، تفتقر الى مصادر الطاقة وعليه تعتمد على الفحم الحجري ذي الاثار الكارثية على البيئة. كما ان بكين بحاجة الى تطوير البنى التحتية في مجال الانابيب وغيرها . وهذا ما خصصت له الاتفاقية المذكورةمبلغ 50 مليار دولار . منها 25 مليار دولار تقدمها بكين بشكل فوري لتطوير شبكة الانابيب الواقعة على المنطقة الحدودية بين الدولتين الجارتين ومد خطوط انابيب بطول 2500 كيلومتر لضخ الغاز الطبيعي من حقلين في سيبيريا إلى المناطق الصناعية الواقعة في شمال الصين،مما سيؤدي الى تنمية المنطقتين السيبيرية والصينية.وربطهما بشكل طويل المدى.
وكما ان الصين بحاجة الى الدعم الروسي في المواجهة في الشرق والجنوب فان روسيا بحاجة اكبر الى الدعم الصيني في المواجهة مع الغرب عبر اوكرانيا . حيث يتهددها اكثر من خطر ليس اخطرها العقوبات السياسية، فالاقتصاد اهم ، وبوتين من جيل لم ينس ان الاتحاد السوفييتي انهار اقتصاديا لا سياسيا. وفي الاقتصاد توقع بحصول كساد اقتصادي في ظل نسبة نمو مقدّر بـ 0.2 في المئة خلال العام الحالي، وتخوف من بلوغ حجم الاموال النازحة هذا العام رقم 150 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي اي ما يعادل ثلاثة اضعاف مثيلتها في العام الفائت. مما سيعقد دورها في الاسواق الدولية وقدرتها على استكمال البنى التحتية اللازمة لمونديال2018. صحيح ان الصفقة لن تلغ هذه المخاطر ، خاصة وان قيمتها لا تتجاوز ربع الصادرات الروسية الى اوروبا ، الا انها ستضع في بوتين سلاحا قويا خلال اجتماعه باوباما وميركل في حزيران المقبل. خاصة وان عض الاصابع متبادل بينه وبين الاوروبيين الذين ينقسمون حول العلاقة مع روسيا بناءا على تقدير مصالح ستراتيجية واقتصادي، فالمانيا التي يصلها السيل الشمالي مباشرة والنمسا التي يصلها السيل الجنوبي بعد عبوره اليونان وايطاليا وهنغاريا ، ليسوا كالاخرين في حساب المصالح. في اطار يفهم منه مثلا سبب رفع فرنسا الصوت في مجلس الامن حول سوريا غداة ابرام صفقة بكين. .
انها الحرب الباردة الجديدة ترسم ملامح جديدة للعصر عبر اقامة توازنات جديدة وساحات صراع جديدة
|