يصادف انعقاد المؤتمر القومي العربي فى مصر الثورة مرور ثلاثين شهراً منذ إندلاع إعصار الثورة فى تونس فى ديسمبر/كانون أول 2010، وهى فترة تحولات وتحديات عظيمة فى الوطن العربي وإن كانت قصيرة فى عمر الشعوب.
لقد طال الإعصار الذى إندلع من تونس قبل ثلاثين شهراً كل البلدان العربية بدرجات متفاوتة من العمق، نجح فى إزاحة نظم استبدادية وإطلاق مد تحرري وفتح مسارات للمستقبل وعزز مكتسبات للمجتمعات العربية لا يمكن النكوص عنها، واضطر كافة النظم العربية لفتح ملفات الإصلاح المجمدة منذ عقود لكنه فى الوقت نفسه أطلق تحديات جسيمة ليس أولها حمامات الدم التى نشهدها فى سوريا وليس آخرها التربص الاستعماري الذى يسعى إلى اغتنام صعوبات المرحلة الانتقالية التى تواجهها بلدان المنطقة لإعادتها إلى حظيرة التبعية وإعادة رسم خرائطها السياسية والاجتماعية.
وتسعى هذه الورقة إلى إجلاء طبيعة هذه التحولات ومدى تاثيرها على قضيتين مفصليتين فى مسار هذه الثورة هما لب التحدى ومناط الرجاء فى التحاق البلدان العربية بمواكب العصر وتبوأ المكانة التى تستحقها تحت الشمس وهما قضيتا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتنظر هذه الورقة إلى أن الديمقراطية وحقوق الإنسان باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، فلا سبيل إلى الإنتقال إلى الديمقراطية دون تعزيز احترام حقوق الإنسان. ولا سبيل إلى تعزيز حقوق الإنسان دون إطلاق الحريات الديمقراطية. ولا سبيل للديمقراطية وحقوق الإنسان دون تنمية يكون الإنسان محورها ومبتغاها.
وتستند هذه الورقة إلى جهد بحثي جماعي لفريق باحثى المنظمة العربية لحقوق الإنسان استغرق شهوراً وغاص فى التحولات الدستورية والقانونية والممارسات فى مجال حقوق الإنسان والحريات العامة ومسار الانتقال الديمقراطي عبر ما تم من انتخابات واستفتاءات وحوارات دعت إليها السلطة وحراك اجتماعي لم يهدأ له خاطر رغم مرور كل هذه الفترة، وذلك عبر خمسة عناوين رئيسية تتناول: قراءة فى التطور الدستوري والقانوني، وقراءة فى الحقوق الأساسية، واستعراض ممارسة الحريات العامة، والحق فى المشاركة وسؤال الانتقال إلى الديمقراطية، وأخيراً التحديات التنموية فى الوطن العربي.
أولاً: قراءة فى التطور الدستوري والقانوني.
1. التغييرات الدستورية.
رافق مشهد التغيير في الوطن العربي، إدخال تغييرات واسعة النطاق على البنية الدستورية والتشريعية. سواء في البلدان التي أخذ فيها الحراك الاجتماعي طابع الثورات والانتفاضات، أو تلك التي بادرت إلى إجراء إصلاحات لاستيعاب الحركة الاحتجاجية.
فعصفت الثورات والانتفاضات بالأطر الدستورية في خمس بلدان عربية هي تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بأشكال متنوعة، واستبدلتها بإعلانات دستورية أو دساتير جديدة. كما أدخلت بلدان عربية أخرى تعديلات على دساتيرها بدرجات مختلفة من العمق وهى المغرب والأردن والبحرين وسلطنة عمان، فضلاً عن الصومال الذي يمثل حالة خاصة. وشكلت الجزائر لجنة في سبيلها لتعديل الدستور، ولأول مرة منذ عقود رُفعت عن كاهل الدساتير العربية حالات الطوارئ التي كانت تحجب ضماناتها في ثلاث بلدان عربية.
وطالت التغييرات في البنية القانونية إصدار قوانين جديدة، أو تعديلات على قوانين قائمة، شملت قوانين مباشرة الحقوق السياسية وقوانين الانتخابات بمستوياتها المختلفة، وقوانين تنظيم الحريات العامة، كما أدخلت تعديلات على قوانين العقوبات.
وقد اتسمت معظم الوثائق الدستورية بما يلى:
جاءت معظم الوثائق الدستورية بعيدة كل البعد عن المبادئ الحديثة لوضع الدساتير حيث أُجرى بعضها في كنف السلطة من جانب لجان غير منتخبة حتى وإن ضمت كفاءات وخبرات مهنية رفيعة، ولم تعكس بالضرورة التنوع السياسي والفكري والاجتماعي على غرار ما حدث في الأردن والمغرب وسوريا. بل واكتفت إحدى البلدان بمصادقة الملك على الدستور دون إستفتاء شعبي عليه.
عززت معظم الوثائق الدستورية من مضمون حقوق الإنسان وحقوق المواطنة بالمقارنة مع الدساتير السابقة، وقيدت من السلطة المطلقة للحكومات في إعلان حالة الطوارئ واستمرارها، وعززت من دور المجالس النيابية ودورها في الرقابة والتشريع، كما عززت الرقابة على دستورية القوانين باستحداث محاكم دستورية جديدة.
لكن في المقابل حافظت الوثاق الدستورية الصادرة في النظم الملكية على مركزية الملك في النظام السياسي فهو يملك ويحكم ولا يُساءل، كما أنه يُعد مرجعية لكل سلطات الدولة، وحكما بينها ويُعين أو يرأس طائفة واسعة من المجالس والهيئات، وذاته مصونة.
وتعرض تشكيل اللجان التأسيسية لوضع الدساتير لمنازعات سياسية وقانونية على نحو ما حدث في مصر، حيث جرى التنازع على تفسير النص الخاص بتشكيل الجمعية التأسيسية في الإعلان الدستوري، إذ فسره البعض على أنه تفويض بالاختيار من جانب البرلمان فيما فسره البعض الآخر بأنه انتخاب للجمعية التأسيسية من خارج أعضاء البرلمان. وأدى فرض التفسير الأول في تشكيل الجمعية التأسيسية إلى استقطاب سياسي حاد وجدل حول تشكيلها تحول إلى نزاع قضائي تم بموجبه حل الجمعية التأسيسية الأولى. واختيار جمعية جديدة لم تحظ بدورها بتوافق وطني بل عمقت الانقسام الوطني حول الجمعية التأسيسية ومنتجها الدستوري.
وتكررت نفس الظاهرة في ليبيا بشكل آخر، فبعد أن حدد الإعلان الدستوري أن يقوم المؤتمر الوطني العام في أول اجتماع له باختيار هيئة تأسيسية لصياغة مشروع دستور، على أن يُعتمد من المؤتمر الوطني ويُطرح للاستفتاء العام. فقد تم بطريقة مفاجئة قبل انتخابات المؤتمر الوطني تعديل على الإعلان الدستوري، تضمن انتخاب الهيئة التأسيسية بطريق الانتخاب المباشر، على ألا يكون أعضاؤها من بين أعضاء المؤتمر الوطني العام. وقد انعكس ذلك على البرنامج الزمني لإصدار الدستور وأثار جدلاً شديداً داخل المؤتمر الوطني.
لم يجر فحص جدي للمشاكل الواردة في الدساتير القائمة والتي كانت تنعكس على التشريعات المنظمة للحقوق الأساسية والحريات العامة على وجه الخصوص مثل إحالة تنظيم هذه الحقوق والحريات إلى القوانين دون ضوابط كافية تحول دون مخالفتها للنص الدستوري، فبلغت مثل هذه الإحالات في بعض هذه التشريعات لنحو ثمانين تشريعاً على غرار ما جاء في الدستور المصري.
لم تحسم أي من الوثائق الدستورية الصادرة مكانة المواثيق الدولية والإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان بالنسبة للتشريعات الوطنية، وكذا لم تتضمن أية وثيقة دستورية قواعد القانون الدولي الإنساني.
ولم تحظ العدالة الاجتماعية، والتي كانت سبباً ومطلباً للحراك الاجتماعي بالأهمية الواجبة في الوثائق الدستورية.
مع بروز دور التيار السياسي الإسلامي في الحياة السياسية والاجتماعية وتصدره التشكيلات النيابية في تونس ومصر والمغرب وتعزيز حضوره في باقي البلدان العربية برزت قضية الشريعة الإسلامية ومكانتها الدستورية اتصالا بمضمونها أو بتطبيقها أو بتحديد هوية الدولة وقد عمقت صياغتها في الدستور المصري من الانقسام الوطني.
وأدى التسرع في إصدار الإعلانات الدستورية أو الدساتير دون إحكام صياغتها، أو التوصل إلى توافق وطني حولها، إلى إصدار تعديلات متكررة عليها على نحو ما حدث في الإعلان الدستوري الليبي، بل وبلغت المفارقة ذروتها في مصر بتبني رئيس الدولة والحكومة الدعوة لتعديلات دستورية للمواد الخلافية قبل إقرار الدستور نفسه.
وأثار العزل السياسي لرموز النظم السياسية السابقة جدلاً واسعاً حول دمجه في الوثائق الدستورية أو وضع قوانين مستقلة بشأنه في سياق إعداد الوثائق الدستورية حول مدة العزل السياسي والمشمولين بأحكامه.
وفي كل الأحوال فقد جاءت هذه الوثائق الدستورية دون طموحات وتطلعات المجتمعات العربية في تقرير مصيرها بنفسها وفي تكريس الحريات العامة على وجه الخصوص، وفى تهيئة سبل الانتقال إلى الديمقراطية.
2. تطور الإطار القانوني.
فى سياق القوانين المنظمة للحريات العامة استاثرت قوانين الانتخابات بأكبر قدر من التغيير بإصدار قوانين جديدة أو إدخال تعديلات على القوانين القائمة في تونس ومصر والجزائر والمغرب وليبيا وموريانيا والأردن وسوريا ولبنان والكويت والإمارات وقطر وسلطنة عمان أى فى أكثر من نصف البلدان العربية.
وقد اتسمت هذه القوانين الانتخابية بمايلى:
أحرزت معظم القوانين الانتخابية تقدما في تعزيز الحق في المشاركة عدا قانون الانتخابات في الأردن الذى جاء محبطا لتطلعات القوى السياسية بل ومناقضا لتوجهات لجنة الحوار الوطني، وأفضى إلى مقاطعة قوى سياسية للانتخابات. وكذلك التعديل الذى أدخل على قانون الانتخابات فى الكويت وأفضى بدوره إلى نفس النتيجة.
تباينت أنماط اللجان الانتخابية التى أنشئت للاشراف على الانتخابات بين نمط المفوضية العليا للانتخابات فى ليبيا، واللجان الوطنية العليا فى تونس والاردن والجزائر وسوريا ومصر والكويت وسلطنة عمان. كما تنوعت في نطاق اختصاصها فميزت في مصر بين لجان الاشراف على الانتخابات التشريعية والرئاسية، وشملت في سوريا اختصاص الانتخابات النتشريعية والادارية دون الرئاسية، واختصت في سلطنة عمان بانتخابات مجلس الشورى دون المجالس البلدية. كما تباينت في تشكليها بين التشكيل القضائى أو المتنوع.
جمعت معظم القوانين الانتخابية بين نظامى الانتخاب الفردى والقوائم.
خذ إصدار بعض القوانين مثلما حدث في مصر طابع العجلة والارتباك، كان أهم مظاهره، إدخال تعديلات على القوانين بعد إصدارها، وعدم اتساقها مع أحكام الدستور مما أدى إلى ابطال قانون انتخابات مجلس الشعب بعد الانتخابات، وحتى عندما تم اصدار الدستور الجديد، وإقرار مبدأ الرقابة القبلية على قوانين الانتخابات، جاء القانون الجديد الذى أقره مجلس الشوى مشوبا بعوار دستورى وتم استبداله بقانون آخر.
عززت معظم القوانين مشاركة النساء في الحياة السياسية باستثناء مصر التى استبعدت قوانينها الانتخابية تكريس حصة للنساء بعد طعن دستوري بعدم دستورية هذه الحصة التى كانت قد تقررت في العام 2009 بدعوى تعارضها مع مبدأ المساواة، وليبيا التى تخلى قانونها عن الحصة المخصصة للنساء والمحددة ب 10% من المقاعد.
ولم ينافس حجم التعديلات على قوانين الانتخابات إلاٌ القوانين المنظمة لحرية الرأي والتعبير وخاصة الحريات الاعلامية، حيث صدرت قوانين أو تعديلات لقوانين قائمة في تونس والعراق والجزائر والسعودية وليبيا والأردن وسوريا وقطر وسلطنة عمان ومصر والكويت والإمارات أى أكثر من نصف البلدان العربية أيضاً.
وقد اتسمت هذه القوانين بما يلى:
حمل معظمها واجهات براقة مثل إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر. بينما أبقى على هذه العقوبة فى القوانين الجزائية.
واستخدم معظمها عبارات فضافضة ومبهمة تسمح بالتأويل والتفسير بما يهدد الحريات الاعلامية ويضع الاعلامييين تحت طائلة القانون.
ومال معظمها للتشديد والتقييد بدلاً من الإباحة والإتاحة وأثار معظمها اعترضات واسعة النطاق بين الاعلاميين والصحفيين والمدونين، واضطرت أحدى الحكومات للتراجع عن المضى فى اقرار القانون على نحو ما حدث فى الكويت.
ولم يواكبها صدور قوانين إتاحة المعلومات الرسمية مما يضطر الاعلاميين والصحفيين بالرجوع إلى مصادر غير دقيقة يمكن أن تضعهم تحت طائلة القانون.
وشهد الحق في تنظيم الأحزاب إصدار قوانين جديدة وادخال تعديلات على قوانين قائمة، فى كل من تونس ومصر والجزائر وليبيا وسوريا والمغرب والأردن أى أكثر من ثلث البلدان العربية.
وقد اتسمت هذه القوانين بما يلى:
سهلت معظم هذه القوانين المنظمة تأسيس الأحزاب، إذ نصت على مُهل زمنية لرد الحكومة على طلب تأسيس الحزب، وما لم يرد من الحكومة اعتراض مسبب خلال المهلة المحددة، يُعد الحزب قائماً، وقد ترواحت هذه المدد الزمنية بين خمسة أيام فى أدناها كما ورد فى قانون الاحزاب الليبي و60 يوماً فى أقصاها كما ورد فى قانونى الاحزاب الجزائري والتونسي.
كفلت بعض القوانين مساهمة الدولة فى دعم تمويل الأحزاب من الميزانية العامة للدولة وفق شروط متنوعة مثلما ورد فى قانون الأحزاب في ليبيا وتونس.
وتباين النصاب الواجب للاعضاء المؤسسين للأحزاب بين 250 عضواً مؤسساً فى ليبيا وبين خمسة آلاف عضو فى مصر.
وبينما نص قانون الأحزاب في مصر على تشكيل لجنة للأحزاب تتفاعل مع مطالبت انفاذ قانون الأحزاب، فقد أعطى قانون الأحزاب الجزائري مهمة التفاعل مع الأحزاب إلى وزارة الداخلية.
كذلك أصدرت بعض البلدان العربية قوانين جديدة للجمعيات الاهلية أو طرحت مشروعات لقوانين جديدة، وهى تونس وليبيا والجزائر ومصر والبحرين.
وقد اتسمت هذه القوانين ومشروعات القوانين بالآتي:
تجاوب قانون الجمعيات فى تونس مع تطلعات الرأى العام حيث أزال كل القيود وسهل تكوين الجمعيات.
وتعرض قانون الجمعيات فى الجزائر لانتقادالت أهمها أنه يعطى صلاحيات أوسع لرفض منح الصفة القانونية للجمعيات الجديدة كما يتيح للسلطالت حل الجمعيات على أساس نصوص فضفاضة.
وأتاحت ليبيا تكوين الجمعيات استناداً إلى الإعلان الدستوري الصادر فى أغسطس/آب 2011 .
وجاء مشروع قانون الجمعيات فى البحرين الذى أقرته الحكومة فى أغسطس/آب 2012 دون مشاورة المنظمات غير الحكومية.
ولم يكن الحال أفضل من ذلك فى مصر فجميع المسودات التى طرحت فى مجل الشورى حفلت بالعديد من القيود وفرغت النص الدستورى الذى يكفل تكوين الجمعيات بالإخطار من مضمونه.
وأزاحت ثلاث بلدان عربية عن كاهلها حالة الطوارئ التى كانت تحجب الضمانات الدستورية والقانونية وتطلق يد السلطة التنفيذية بغير حساب وهى مصر والجزائر وسوريا بينما استمر تمديدها فى تونس وفرضها بشكل جزئي فى السودان.
لكن رافق إلغاء حالات الطوارئ فى الجزائر فى 24 فبراير/شباط 2012 تعديل قانون الاجراءات الجزائية بما يمنح القضاة صلاحية إحالة المشتبه في ارتكابهم جرائم ارهابية إلى "إقامات محمية" فى أمكن لا يفصح عنها لعدة أشهر فى كل مرة. كما اضطرت مصر لإعادة فرضها مرة أخرى فى مدن القناة فى مارس/آذار 2013. بينما لم يؤخذ إلغاء حالة الطوارئ فى سوريا على محمل الجدية فى السياق الذى صدر فيه.
وبالنسبة للقوانين المتصلة بالحق فى المحاكمات العادلة التى تمثل أهم ضمانة للحريات العامة وسيادة حكم القانون أقرت التعديلات الدستورية محاكم دستورية فى الأردن والمغرب كما أدخلت مصر تعديلات على قانون المحكمة الدستورية تسمح بالرقابة السابقة على قوانين الانتخابات. لكن لم يتم تعزيز استقلال القضاء إذ تأخر الاهتمام بقوانين السلطة القضائية وإصلاح قوانين الإجراءات الجنائية.
كما استمر اللجوء للمحاكم الاستثنائية وتحصين بعض أعمال وقرارات الحكومات من الرقابة القضائية بدعوى أعمال السيادة. فاستمرت المحاكم الاستثنائية بمسمياتها المختلفة فى كثير من البلدان العربية.
وصدرت قوانين للعزل السياسي في مصر وليبيا وأحدثت فى الأخيرة إرتباكاً سياسياً إذ لم تقتصر على العزل السياسي بل امتدت للعزل من الوظائف العامة وامتد نطاقها الزمني منذ بداية حكم العقيد القذافي فى العام 1969.
وتفردت اليمن بإصدار قانون للحصانة، أقره البرلمان اليمنى فى فبراير/شباط 2012 يحصن الرئيس السابق من المساءلة الجنائية. كما تفردت ليبيا باصدار قانون بشأن ارساء المصالحة الوطنية والعدالة الإنتقالية.
ثانياً: قراءة في ممارسة الحقوق الأساسية
سدد المجتمع العربي من دماء أبنائه ثمناً فادحاً من أجل التغيير لكن تراوحت أعداد القتلى والمصابين فى تونس ومصر واليمن وهى البلدان التي نجحت في الحفاظ على سلمية حركتها الاحتجاجية بين المئات من القتلى والآلاف من المصابين.
بينما قفزت أرقام الضحايا فى الدول التى انزلقت إلى النزاعات المسلحة إلى ما بين عشرات إلى مئات الآلاف من القتلى والمصابين، إذ بلغت فى ليبيا وفقاً للمصادر الرسمية 50 ألفا بينهم 20 ألفا لا يزال مصيرهم مجهولاً، كما بلغت فى سوريا أكثر من 70 ألف قتيل وفق أغلب التقديرات بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المصابين. ورغم أن هذه الأرقام قد تكون محملة بقدر من المبالغات أو محملة باعتبارات سياسية يظل القدر المتيقن منها جسيماً إلى الحد الذى لا يحتاج لأى مبالغة.
أما خارج الدول الخمس التي تحولت فيها الحركة الاحتجاجية إلى ثورات وانتفاضات فقد اقتصر انتهاك الحق في الحياة والسلامة البدنية فيها - مما له صلة بالاحتجاجات الاجتماعية - على آحاد أو عشرات الحالات كما هو الحال في معظم البلدان العربية.
إضافة إلى ذلك استمرت أعمال القتل في عدة بلدان عربية على خلفية أعمال الإرهاب ومكافحته ووقع أبرزها في العراق واليمن والسعودية والجزائر والصومال، كما استمر مشهد القتل على خلفية النزاعات الداخلية المسلحة في السودان والصومال والعراق. وبقيت جرائم قتل الفلسطينيين على أيدي سلطات الاحتلال والمستعمرين مأساة يومية متجددة.
وتكشف خلال يناير/كانون ثان 2013 أبعاد إحدى الجرائم الكبرى في انتهاك الحق في الحياة فى سياق تبادل الاتهامات حول مسئولية قتل مواطن أمريكي مسلم بالطائرات بدون طيار بقرار من أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وتداولت المصادر الأمريكية والدولية أرقاماً تتراوح ما بين (2562) و(4700) ضحية وتبنى السيناتور الأمريكي الجمهوري ليندسون جراهام الرقم الأخير. وتعود أهمية تصريحاته هذه إلى أنه من المدافعين الغيورين عن هذا النوع من العمليات العسكرية، ونُسب إليه تصريح يقول فيه "قتلنا 4700 منهم، وأحياناً نضرب أشخاصا أبرياء وهو ما أمقته، لكننا فى حالة حرب".
وقد تم استخدام هذه الطائرات إلى جانب باكستان وأفغاستان فى العراق واليمن والصومال وليبيا. كما واصلت الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية استخدامها خلال العام 2012، ونفذت ما يتراوح بين 25 و83 غارة من هذا النوع.
وفى كل الأحوال فلم يضاه غزارة هذه الدماء التي شهدتها المنطقة إلا جسامة الإفلات من العقاب. فمعظم المحاكمات التي أُجريت للمسئولين الأمنيين المتهمين بقتل المحتجين السلميين لم تفض إلى عقوبات بسبب نقص الأدلة وقصور التحقيقات. وعجزت القوانين القائمة عن ملاحقة آخرين، وتعذر ملاحقة آخرين فروا إلى الخارج وتحصن آخرون بترتيبات قانونية فى سياق ما سمى بالخروج الآمن.
وقد أفضى هذا الواقع إلى بروز مفهوم العدالة الانتقالية كمخرج لتجاوز هذا المأزق، فبادرت تونس إلى تأسيس وزارة تعنى بالعدالة الانتقالية، كما بادرت ليبيا بوضع قانون للعدالة الانتقالية. وأُعيد طرح هذا المدخل فى غيرهما من بلدان المنطق. بينما يسود جدل حول هذا المفهوم وتطبيقاته إذ اعتبره البعض نوع خاص من العدالة بينما هو العدالة فى المراحل الانتقالية. وتطلع البعض لمد نطاقه الزمنى ليتفاعل مع اجحافات مضت عليها عقود على نحو يفتح الباب لتصفية الحسابات السياسية. وركز النقاش على الجزء العقابي دون النظر لطابعه كمسار لكشف الحقائق التاريخية. وتم إغفال الجوانب الأخرى المتعددة لمفهوم العدالة الانتقالية.
وفى مجال الحق في الحرية والأمان الشخصي فشلت بلدان المنطقة على اختلاف ظروفها في حماية هذا الحق. بل وتورطت في انتهاكات جسيمة له، إذ شهدت المنطقة احتجاز وسجن عشرات الآلاف من الأشخاص. وقد تم معظمها وفق قوانين الطوارئ أو ما يماثلها من قوانين استثنائية في الدول التي تأخذ بها، كما تم خارج قوانين الإجراءات الجنائية في باقي الدول. ولم تحل رياح التغيير التي أطاحت بمعظم "حالات" الطوارئ في الحد من انتهاك الحق في الحرية والأمان الشخصي، حيث رافق إلغاء حالات الطوارئ قوانين أخرى تؤدى نفس أغراضها على نحو ما سبقت الاشارة، وبقيت معظم القوانين الاستثنائية في البلدان الأخرى على حالها كمصدر تهديد لهذا الحق.
وأفرزت الثورات التي انزلقت إلى النزاعات المسلحة عدة ظاهرات خطيرة في تهديد الحق في الحرية والأمان الشخصي، إذ قفزت بأعداد المعتقلين والمختفين إلى أرقام غير مسبوقة مثل سوريا وليبا. كما كسرت مبدأ "احتكار الدولة للإكراه". بانتشار ميليشيات مسلحة تمارس سلطات الحجز والسجن خارج عهدة الدولة في سوريا وليبيا.
وفي سياق التغيير الاجتماعي الذي واكب تطور المشهد السياسي، بصعود التيار الإسلامي، استفحلت ظاهرات تهدد الحق في الحرية والأمان الشخصي، فبعد أن كانت هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في السعودية، نموذجاً فريداً وبائساً لانتهاك حرمة الحياة الخاصة للأفراد في المنطقة، فقد استشرت هذه الظاهرة فأفرزت التطورات في السودان جيل جديد من "رعاة الأخلاق" فيما أطلق عليها "لجان تزكية المجتمع" مستندة إلى إجراءات قانونية. وهدد الرئيس السوداني بإعادة محاكم النظام العام.
واستلهمت جماعات في بلدان أخرى هذه التجربة مثل مصر وتونس بتكوين ما يسمى "باللجان الشعبية" وحتى حكومة حماس المهمومة بكوارث اعتداءات قوات الاحتلال والحصار وجدت مكانا في أولوياتها لملاحقة شباب يتأنقون بطريقة رأتها غير لائقة، أو فتيات ترى أنهن غير محتشمات، وتنظر فى منع الاختلاط بين الجنسين في المدارس رغم النقص الفادح في المدارس ونقص المدرسين.
كذلك أفرزت الثورات التي انزلقت إلى النزاع المسلح ظاهرة خطيرة أخرى، وهي انتشار السلاح بين مختلف فئات المجتمع على نحو يهدد أمن هذه المجتمعات وأمانها، وقد رُفع هذا السلاح في وجه الدولة أحيانا للضغط من أجل تحقيق مطالب، واستخدم في اشتباكات عائلية وقبلية، بل وفى الزهو في مناسبات وطنية أفضت لسقوط قتلى.
وأمتد أثر هذه الظاهرة إلى البلدان المجاورة، بالتهريب لأغراض سياسية أو تجارية، وشملت الأسلحة المهربة أنواعاً مختلفة من الصواريخ، والأسلحة الثقيلة والذخائر، وأصبحت أحد الشواغل الأمنية الكئيبة في بلدان مثل مصر وتونس والسودان ولبنان وغيرها.
وبينما صدرت عشرات من قوانين العفو العام والخاص التي أفضت إلى إطلاق سراح سياسيين محتجزين بموجب قوانين الطوارئ أمضوا فترة عقوبتهم في تطور إيجابى يضع حداً لمظالم طال أمدها، فقد شمل ذلك المسار أيضا إطلاق سراح آلاف من الجنائيين الخطرين من معتادى الإجرام الذين يمثلون خطراً على أمن المجتمع بعد زوال سند احتجازهم. تضافر مع عن فرار آلاف السجناء الجنائيين خلال الثورة التونسية والمصرية مما شكل تحدياً خطيراً.
كما أدى ضعف الأجهزة الأمنية، وفقدان هيبتها وبطء قدرتها على التكيف مع الواقع الجديد، وانفجار المطالب المهنية والاجتماعية للفئات الدنيا منها، إلى ضعف قدرتها فى ملاحقة الخارجين على القانون، دفعت جماعات لنقل القانون لأياديها، وقامت بالقبض على "البلطجية" وقتلهم والتمثيل بجثتهم في عدة محافظات مصرية، وسعى البعض اللآخر باغتنام الفرصة لتشكيل لجان شعبية مسلحة بدعوى دعم الأمن.
وظلت الأعمال الإرهابية، ومكافحتها مصدراً متجدداً للانتهاك الجسيم للحق في الحرية والأمان الشخصي في المنطقة سواء من جانب الجماعات الإرهابية التي تمدد انتشارها جغرافياً في سياق الاضطرابات التي شهدتها المنطقة وتداعيتها السابق الإشارة إليها، أو استخدامها تكئة من جانب بعض الحكومات لتبرير تجاوزاتها حيال معارضيها.
وفى سياق الحق في المحاكمة العادلة: استمر تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية في معظم البلدان العربية، وتعرض نظام العدالة في كثير من البلدان العربية لامتحان عسير على صلة بموضوعات إصلاح القضاء، أو معاقبة أركان الأنظمة التي سقطت، أو في سياق إشرافه على الانتخابات وإدارتها، أو بسبب الصبغة السياسية لبعض أحكامه في موضوعات موضع انقسام في المجتمعات بعد الثورة، أو بسبب تصدى بعض المحاكم العليا لتقرير مدى دستورية بعض القوانين أو عدم دستوريتها، أو في الفصل في مدى مشروعية قرارات صادرة من جانب الحكومة أو البرلمان وما إذ كانت تدخل في نطاق أعمال السيادة أو تخرج عن نطاقها وتخضع لرقابة القضاء.
وفى سياق الظروف الاستثنائية التي تمر بها بعض البلدان العربية تأثرت العدالة جراء ما نال الأجهزة المعاونة للقضاء من اضطراب مثل الأجهزة الشرطية وغيرها من الجهات الأمنية المنوط بها جمع التحريات، وأجهزة الطب الشرعي، وأعوان القضاء الذين انخرطوا في الحراك الاجتماعي.
وأضاف إضعاف أجهزة الشرطة وارتباكها في ظل المتغيرات الجارية إلى صعوبة إضافية ليس فقط في إنفاذ أحكام القضاء بل وحتى في حماية القضاة والمحاكم والنيابات مما أثر على هيبة القضاء وزاد من البطء في البت في القضايا والدعاوى.
وضاعف من مأزق العدالة قصور التشريعات الموضوعية والإجرائية في البلدان العربية عن ملاحقة أنماط من الجرائم الخطيرة مثل جرائم الفساد والجرائم السياسية وجرائم الانتهاكات الممنهجة والجسيمة لحقوق الإنسان، وأدى هذا الواقع القانوني إلى ارتباك في معالجة الكثير من القضايا، وإخفاق في الملاحقة القضائية لأركان النظم السابقة، وأفضى إلى إفلات الكثير منهم من العقوبة كما أن محاولة تلافى هذه الثغرة في بعض البلدان العربية مثل مصر وليبيا عمقت الانقسامات السياسية داخل البلاد.
بينما استمر انتهاك الحق فى المحاكمة العادلة جراء استخدام المحاكم الاستثنائية أو محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وشهدت المنطقة خلال الفترة التى تغطيها هذه الدراسة عشرات من المحاكمات الجائرة التى لا تمت بصلة إلى معايير المحاكمة العادلة.
وظلت حقوق السجناء وغيرهم من المحتجزين: إحدى التحديات الكبرى التي تواجه بلدان المنطقة منذ اندلاع الحراك الاجتماعي، ففى السياق المضطرب الذي رافق الحراك الاجتماعي، واجهت البلدان العربية ظاهرات غير مسبوقة. كان من أبرزها ظاهرة الفرار الجماعي للسجناء والمحتجزين في كل من تونس ومصر، وما رافقها من سقوط عشرات إلى مئات من القتلى من السجناء والمحتجزين. وهى قضية لا تزال موضع التباس لدى الرأي العام، وما إذا كانت إجراء متعمداً من جانب أجهزة أمن النظم السابقة لإشاعة الاضطراب في مرافق الدولة، أم أنها تمت في سياق التمرد مع انهيار الأجهزة الأمنية، كما أنها موضع تحقيق في مصر.
ثمة ظاهرة أخرى غير مسبوقة أفرزتها التطورات في أوضاع السجناء وغيرهم من المحتجزين المصنفين خطرين من معتادى الإجرام، والذين تم إطلاق سراحهم في سياق إلغاء قوانين الطوارئ في بعض البلدان بانتهاء السند القانوني لاحتجازهم، وهو أمر أثار إشكالية قانونية مزدوجة، فمن ناحية كان يمثل امتثالاً لحكم القانون، ومن ناحية أخرى أفضى إلى تفشي الجريمة، وخاصة في ظل الضعف الذي اعترى الأجهزة الأمنية والقضائية.
كما استجدت ظاهرة أخرى غير مسبوقة، في البلدان التي انزلقت إلى النزاعات المسلحة على غرار ما حدث في ليبيا، بسيطرة ميلشيات محلية مسلحة على نسبة من السجون وإصرارهم على رفض سيطرة الحكومة المركزية عليها بل وإنشاء أماكن احتجاز جديدة في مناطق سيطرتهم، وهو أمر يخل على نحو مباشر بركيزه أساسية من ركائز مفهوم الدولة، وهو احتكار الإكراه، كما أنه عرض السجناء لانتهاك طائفة واسعة من حقوقهم القانونية.
كذلك رافق النزاع المسلح الذي واكب الحراك الاجتماعي في بعض البلدان العربية، استشراء ظاهرة المختفين قسرياً، فى ليبيا وسوريا قدرتها المصادر بالآلاف مما ضاعف من خطورة هذه الظاهرة التي عرفتها المنطقة عبر العديد من النزاعات المسلحة السابقة ولازالت تعانى من آثارها بلدان مثل لبنان والعراق والسودان والجزائر والصومال.
كما تفشت في سياق الأحداث استشراء ظاهرة التعذيب وأفضت إلى وفاة أعداد كبيرة من الأفراد، وقع أغلبها في سياق النزاعات المسلحة، لكن امتدت لمعظم البلدان العربية.
كذلك تفشت في سياق الأحداث ظاهرة تسليم اللاجئين السياسيين، دون مراعاة للإجراءات القانونية المرعية وبالمخالفة للمعايير الدولية، وكذلك بالمخالفة لأحكام قضائية صادرة في بعض هذه البلدان.
وبينما استمر الانتهاك الجسيم باحتجاز المشتبه في تورطهم في الأعمال الإرهابية في الولايات المتحدة من المواطنين العرب منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وتراجع الإدارة الأمريكية عن إغلاق هذا الملف بعد وعود من الرئيس الأمريكي، فقد كشفت المصادر الدولية عن أبعاد مزرية لانتهاك الحقوق القانونية للمشتبه فيهم في قضايا الإرهاب، وتورط ثلاثة عشر حكومة عربية في النقل غير القانوني لهؤلاء المشتبه فيهم، وتعذيبهم، وقبلت هذه الحكومات أن تكون بلدانها "سلة نفايات" لجرائم المخابرات الأمريكية فئ تعذيب وانتهاك حقوق هؤلاء المحتجزين.
ثالثاً: الحريات العامة.
انتزعت الشعوب العربية في سياق الحراك الاجتماعي مساحة غير مسبوقة من حرية الرأي والتعبير بكافة شُعبها، قضت على الاحتكار الرسمي للإعلام في بعض البلدان العربية، وعززت التعددية الإعلامية في أخرى، وكرست الإعلام الالكتروني كفاعل رئيسي على الساحة الإعلامية، فحّسنت من تدفق المعلومات ووسعت من خيارات الناس وقدرتهم على بلورة آرائهم حيال الشئون العامة.
لكن بقدر ما يبعثه هذا المشهد العام من تفاؤل، فإنه ينطوي على العديد من التحديات، فالانطلاقة التي حققتها حرية الرأي والتعبير، لا تزال غير محمية بسياج دستوري وقانوني يضمن لها الاستدامة، حيث جاءت القوانين المنظمة للحريات الإعلامية حمالة أوجه، ولم يرافقها تعديلات على قوانين العقوبات التي ظلت تكرس العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر.
وشاب الانطلاق الواسع لحرية الرأي والتعبير أعراض جانبيه جسيمة، ففي غياب قوانين تتيح الحق في الوصول للمعلومات، عانى الرأي العام من الخلط بين الشائعات والأخبار والمعلومات. وتعرض صحفيون وإعلاميون لمساءلات قانونية، وفى غياب مواثيق شرف فاعلة، ومساءلة مهنية قادرة انطلقت فضائيات ومدونات تحمل دعاوى طائفية ومذهبية بل وأحيانا عنصرية، وانغمست أخرى في الغيبيات والشعوذة.
وعانى الصحفيون، والإعلاميون، والمدونون جراء دورهم المشهود في واجهة الحراك الاجتماعي الذي تشهده المنطقة من ضغوط التغيير، وعدم قدرة النظم السياسية على التكيف مع الواقع الجديد، والانقسامات السياسية على خيارات المستقبل، فأصبحوا هدفاً رئيسياً في طاحونة القتل والاعتداءات البدنية لم تقع فقط من جانب النظم، بل ووقعت كذلك وبضراوة من جانب نشطاء سياسيين ومعارضين في الرأي.
وقُتل عشرات من الصحفيين والإعلاميين العرب، والأجانب من مراسلي الصحافة العالمية ووكالات الأنباء أثناء تغطيتهم للنزاعات المسلحة في ليبيا وسوريا وفلسطين والصومال. وقد قتل بعضهم على أيدي القوات الحكومية، وقتل البعض الآخر على أيدي المعارضة المسلحة. وجاءت بعض هذه الإعتداءات جراء الاشباكات لكن استهدف بعضها صحفيين وإعلاميين لصفتهم أو لشخوصهم.
كذلك تعرض العديد من الصحفيين والإعلاميين للقتل والاعتداءات البدنية خلال تغطيتهم لأحداث الاحتجاجات التي اندلعت في معظم البلدان العربية.
كذلك لم تتوقف الاعتداءات عند الصحفيين والإعلاميين، بل امتدت لمؤسساتهم الصحفية والإعلامية، فتم اقتحام العديد من هذه المؤسسات وتدمير معداتها من جانب جماعات معارضة لأدائها دون أن تجد حماية من سلطات الدولة.
وبادرت السلطات في معظم البلدان العربية بغلق فضائيات، أو التهديد بغلقها تحت دعاوى مخالفات قانونية، وأحالت عشرات من الصحفيين والإعلاميين إلى النيابيات بتهم متنوعة.
وأتاحت التكنولوجيا الحديثة أداة إضافية لدى حكومات لعرقلة الفضائيات وهي اختراق البث الإعلامي للفضائيات باستهداف الأقمار الصناعية بل وأصبح مألوفاً أن يحمل شريط الأخبار في قنوات مثل الجزيرة، والعربية وغيرها، إرشادات مستمرة موجهة إلى مشاهديها بالانتقال إلى مواقع مغايرة لمتابعتها.
وتعرضت مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، ومواقع الإعلام الإلكتروني لنصيب مماثل من القمع بالقوانين والممارسة على حد سواء، فجرى حجب العديد من المواقع تحت ذرائع مختلفة، كما جرى القبض على العديد من المدونين ومساءلتهم، وإحالتهم إلى المحاكم، ومعاقبتهم بأحكام قضائية.
وعلى غرار اختراق البث الإعلامي الفضائي، تعرض الإعلام الإلكتروني لظاهرة مماثلة وتولت مجموعات من "الهكرز" (القراصنة) اقتحام العديد من المواقع الإلكترونية جاء بعضها امتداداً للظاهرة العالمية المألوفة، ولكن بدا أن بعضها مقصود باستهداف مواقع معنية.
كان تغييب الحق فى التنظيم بأشكاله المختلفة الحزبية والنقابية والجمعوية إحدى الآليات الاستراتيجية التى استخدمتها معظم البلدان العربية لتكريس هيمنتها حتى يظل المواطنون أفراداً فى مواجهة السلطة. وقد أحدثت الثورات وغيرها من اشكال الحراك الاجتماعي فى البلدان العربية تاثيراً عميقاً على ممارسة الحق فى التنظيم الحزبى جاء بعضها على مستوي التشريعات مشجعاً على نحو ما سبق الاشارة إليه، ولكن جاء أهمها على مستوى الممارسة الواقعية فنشأت مئات من الأحزاب السياسية فى تونس ومصر وليبيا، واتاحت الجزائر تسجيل 23 حزباً بعد توقف منذ العام 1999، كما تشكلت عشرات من الإئتلافات الشبابية فى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.
وقد اعادت هذه الانطلاقة الزخم للحياة السياسية، إذ فتحت نقاشات حيوية حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن أيضاً اثارت تحديات وإشكاليات مهمة، كان من ابرزها تشظى العمل الحزبى، ونشوء الأحزاب السياسية ذات المرجعية الاسلامية.
وقد تشكلت معظم هذه الأحزاب الجديدة التي تعبر عن التيارات المدنية على عجل فى سياق الاستعداد لخوض الانتخابات، ونشأت فى سياق تنافسات واستقطابت حادة، فجاءت أقرب إلى الائتلافات الانتخابية منها إلى الاحزاب السياسية، فلم تقم تعبيراً عن مصالح اجتماعية واقتصادية، ولم يتسع الوقت لبعضها لاعداد برامج حزبية مفصلة، ولم تستطع أن تستقطب القدر الكافى من التأييد فى الانتخابات لعبور الحد الادنى للتمثيل النيابى.
بينما حمل تأسيس احزاب سياسية ذات مرجعيات إسلامية تحدياً من نوع آخر، فبينما كان من الطبيعي بل ومن الواجب أن تستعيد جماعات التيار السياسى الاسلامى حقها المحجوب فى المشاركة السياسية فقد جاءت محملة بصورة ذهنية نمطية سلبية فى سياق المواجهة مع الأنظمة السابقة، لم تسع إلى تصويبها وعمقتها التنافسات والاستقطابات. ومن ناحية أخرى خلطت هذه الأحزاب بين التنظيم الدعوى الذى اكسبها شعبية وبين العمل السياسي، كما خلطت بين دور الضحية الذى اثار التعاطف الشعبى معها وبين مقتضيات السلطة.
وقد اثارت هذه الاشكاليات استقطابات حادة وانقسامات داخل المجتمع مع التيارات المدنية، ومع المواطنين من غير المسلمين، وداخل التيار الاسلامى ذاته والذى تتفاوت رؤاه وتفسيراته حول العديد من القضايا الخلافية، وخاصة تجاه بعض المذاهب الاسلامية الأخرى، وغير المسلمين، وحقوق المرأة. فضلاً عن أن بعض فصائل هذا التيار كانت تمارس العمل السياسى لأول مرة فى تاريخها فتورطت فى تصادمات حادة مع القوى الاجتماعية.
وعلى مستوى ممارسة الحق فى التنظيم النقابى: فرضت القوى الاجتماعية بشقيها العمالى والمهنى مبدأ التعددية النقابية، ونشأت مئات من التنظيمات النقابية والعمالية والمهنية المستقلة، بل تجاوزت هذه الكيانات المجال التقليدى للعمل النقابى العمالى والمهنى إلى قطاعات لم تكن مالوفة من قبل مثل الشرطة وأئمة المساجد.
وأصبحت الاعتصامات والاضرابات والمفاوضة الجماعية شاناً يومياً فى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبالمثل أصبحت آلية التقاضى حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية شائعة بعد أن كانت قاصرة على التفاعل فى مجال الحقوق المدينة والسياسية.
لكن كما هو مألوف فى سياق التغييرات المفاجئة والعميقة، فاقت المطالب الاجتماعية والاقتصادية المكبوتة ووسائل اقتضائها قدرات الدول، واقترنت بعض مظاهر الاحتجاجات المشروعة بتجاوزات غير مشروعة مثل قطع الطرق والسكك الحديد، وأعمال عنف مثل اقتحام منشأت حكومية أو احتلال مساكن مخصصة لأشخاص آخرين، أو تجريف الرقعة الزراعية الخصبة بالبناء على الأراضى زراعية.
الحق في المشاركة وسؤال الانتقال إلى الديمقراطية.
بينما يمثل الحق في المشاركة في إدارة الشئون العامة أحد المرتكزات الجوهرية على طريق الانتقال إلى الديمقراطية في الظروف العادية، فإنه يكتسب أهمية خاصة في سياق المشهد المتغير على الساحة العربية، حيث كان تفريغه من مضمونه أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورات والانتفاضات وغيرها من أشكال الحراك الاجتماعي الذي شهدته المنطقة.
كما أنه يظل مؤشراً أساسياً على شرعية أنظمة الحكم الجديدة التي أتت بها هذه الثورات، وطوق النجاة لغيرها من النظم التي تسعى لاستيعاب تطلعات شعوبها وتفادي الاضطرابات. فضلاً عن دور هذا الحق في تكريس المواطنة، وتراكم الوعي السياسي والاجتماعي الذي افتقدته المنطقة لعقود طويلة.
وقد شهدت الساحة العربية أنماطا متعددة من الاختبارات الجدية في إعمال هذا الحق من خلال سلسلة الاستفتاءات والانتخابات بمستوياتها المختلفة، وانطلاق حوارات وطنية بين السلطات والمجتمعات في أكثر من نصف البلدان العربية.
وقد تم استخدام آلية الاستفتاء فى خمسة بلدان عربية فجرت عدة استفتاءات مصر والسودان والمغرب والجزائر واليمن، وقد جرت معظم هذه الاستفتاءات على صلة بإقرار إعلانات دستورية أو دساتير، بينما انفرد أحدها وهو الاستفتاء الذي أجرى في السودان بواحدة من أخطر الاستحقاقات الدستورية في تاريخ البلاد، وهو الاستفتاء على حق تقرير المصير المقرر في اتفاقية سلام الجنوب، والذي يخير أبناء الجنوب بين الوحدة أو الاستقلال.
وشهدت البلدان العربية انتخابات رئاسية، ونيابية وبلدية. فى الانتخابات الرئاسية فرغم تنصيب خمس من رؤساء الدول العربية من خلال صناديق الانتخابات، إلا أن معظم هذه الحالات تمت في الواقع على نحو يصعب وصفه بالانتخابات. فعدا إجراء انتخابات رئاسية تنافسية مباشرة في مصر وجيبوتي، جاءت انتخاب رئيس جمهورية تونس عبر انتخابات غير مباشرة من خلال توافق تحالف الأحزاب الثلاثة الرئيسية التي فازت في انتخابات المجلس التأسيسي وعُرض ترشيحه للتصويت في الجمعية التأسيسية وأيدته. وجاء انتخاب رئيس اليمن في سياق تطبيق المبادرة الخليجية حيث تقضي باختيار شخصية موضع توافق من جانب القوى السياسية، ويتم "انتخابه" من جانب الناخبين اليمنيين، فيما كان بمثابة استفتاء أكثر من اعتباره انتخاباً.
كذلك جرى انتخاب رئيس الصومال عبر انتخابات غير مباشرة ووفق خارطة طريق مشتركة بين القوى المحلية والمجتمع الدولي من أجل إنها المرحلة الانتقالية في الصومال، وتنافس فيها 22 مرشحاً، وأسفرت عن فوز غير متوقع لحسن شيخ محمود إذ حاز على 190 صوتاً مقابل 79 صوتاً لشيخ شريف شيخ أحمد. وقد تقبل المرشح الخاسر نتائج الانتخابات ووصفها بأنها كانت عادلة.
وعلى مستوى الانتخابات النيابية جرت انتخابات نيابية في نصف البلدان العربية، جاء بعضها في سياق الثورات والانتفاضات التي شهدتها المنطقة أو نتيجة لها، كما جاء بعضها في سياق الحراك الاجتماعي الذي شهدته معظم البلدان العربية أو نتيجة استحقاقات دستورية مقررة.
وقد أجريت هذه الانتخابات في كل من مصر والجزائر والمغرب وجيبوتي والصومال والكويت وسلطنة عمان والإمارات، والأردن وسوريا. واستهدفت ثلاث منها تشكيل مجالس تأسيسية لإعداد دساتير أنيط باثنان منها اختصاصات تشريعية لحين انتخاب البرلمان. وهي تونس وليبيا، بينما اختصت إحداها بإعداد الدستور فقط وأجريت بانتخابات غير مباشرة في مصر.
وتباينت البنية القانونية- السياسية لهذه الانتخابات إذ سبق معظمها تغييرات في قوانين مباشرة الحقوق السياسية، وقوانين الانتخابات وسّعت من نطاق هيئة الناخبين، وحتى في البلدان التي كانت تجرى انتخابات غير مباشرة مثل سلطنة عمان ودولة الإمارات، فقد انصرفت الأولى عن إجراء الانتخابات غير المباشرة، ووسعت الثانية من قاعدة المشاركين لانتخاب أعضاء المجلس الاتحادي.
كذلك سبق معظم هذه الانتخابات تعديلات على قوانين الأحزاب، أتاحت نشوء أحزاب جديدة، فوسعت أيضاً من قاعدة المشاركة الحزبية.
ونقلت معظم البلدان العربية التي شهدت انتخابات، الإشراف عليها من أيدي وزارت الداخلية إلى إشراف لجان انتخابية مستقلة، أوكل إليها مهمة الإشراف على الانتخابات، وتدقيق قوائم الناخبين، وقوائم المرشحين، ومراقبة مجريات الانتخاب ومدى اتساقها مع القوانين، والنظر في الطعون وإعلان نتائج الانتخابات.
وقد تفردت مصر والكويت بظاهرة خاصة، وهى إبطال مجلسين منتخبين في كل منهما، حيث أبطلت المحكمة الدستورية العليا في مصر مجلس الشعب بسبب عوار دستوري شاب قانون الانتخابات، كما تم إعادة انتخاب الجمعية التأسيسية للدستور بسبب عوار دستوري أيضاً. كذلك تم إبطال مجلس الأمة الكويتي الناتج عن انتخابات فبراير/شباط 2012، بناء على حكم من المحكمة العليا ببطلان إجراءات حل مجلس الأمة (2009) وإحيائه، ثم إجراء انتخابات أخرى في نوفمبر 2012 .
كما تفردت الانتخابات التشريعية التي أجريت في كل من سوريا والصومال بإجرائها في سياق نزاع مسلح، لكن بينما لم تؤخذ انتخابات سوريا بجدية في سياق الظروف التي أجريت فيها، فقد جاءت انتخابات الصومال على العكس من ذلك مدعومة من جانب المواطنين اللذين عاشوا ويلات الحرب لعقود، ومن جانب المجتمع الدولي الذي عانى من إفرازات هذه الحرب بانتشار القرصنة والإرهاب والمجاعات وغيرها.
وعزز السياق القانوني- السياسي من حقوق النساء في المشاركة السياسية، إذ أرست معظم القوانين الانتخابية حصصا للنساء (كوته) جاء أفضلها في تونس التي نصت قوانينها على مبدأ المناصفة وليس فقط الإنصاف، وإن حال نظام القوائم دون بلوغ هذا المطمح. لكن كان من المؤسف أن يفشل الإطار القانوني في النهوض بحقوق النساء في المشاركة السياسية في مصر، جراء حكم قضائي قضي بعدم دستورية تخصيص حصة للنساء، وكذا ليبيا التى تخلى قانونها الانتخابى عن نسبة 10% المخصصة للنساء.
وقد اتسمت مجريات العمليات الانتخابية بالسمات التالية:
أجريت معظم هذه الانتخابات في سياق اجتماعي - سياسي محتقن جراء الحراك الاجتماعي، وسبق معظمها دعوات للتأجيل أو المقاطعة، لكن اقتصرت المقاطعة الفعلية المؤثرة على الانتخابات النيابية في الأردن من جانب التيار السياسي الإسلامي اعتراضا على قانون الانتخابات، وكذلك في الكويت اتصالا بنفس السبب.
ورغم احتدام المنافسة بين القوى السياسية، والتي بلغت في بعض الأحيان حد الانقسام الوطني، فلم تشهد مجريات الانتخابات أعمال عنف واسعة النطاق تُعطل مسارها، أو تؤثر على حرية الناخبين باستثناءات محدودة.
شهدت معظم الانتخابات إقبالا غير مسبوق في حجم المشاركة وامتدت "طوابير" الناخبين في بعض الحالات لمئات الأمتار، وتحمل الناخبون بصبر ساعات طويلة من الانتظار للإدلاء بأصواتهم. كما تميزت المشاركة بحضور ملفت للنساء والشباب وكبار السن. على نحو لم يعبر فحسب عن احتدام المنافسة، وإنما، أيضا زيادة وعي المواطنين بممارسة حقوقهم السياسية، وشعورهم بأن أصواتهم يمكن أن تحدث أثراً.
تمثلت أبرز الانتقادات على مسار العمليات الانتخابية فى انتهاك قواعد الدعاية الانتخابية، وخرق فترة الصمت الانتخابي، واستخدام المال السياسي للتأثير على الناخبين، وبعض الارتباكات الإدارية في موعد فتح لجان الانتخابات أو إغلاقها، وتدخل بعض مسئولي اللجان لتوجيه الناخبين، كما ُوجهت انتقادات حول تفاعل نمط مسئولي اللجان مع السيدات المنتقبات، والأميين، وأحيانا بغياب التسهيلات للمعاقين. وفي معظم الحالات لم تكن حركة اللجان الانتخابية العليا سريعة وفعالة في مواجهة هذه الخروقات.
كذلك وقعت بعض الجرائم الانتخابية، وضُبطت حالات تزوير، كانت موضع طعون قضائية وأحالتها اللجان الانتخابية العليا للقضاء.
أجريت معظم العمليات الانتخابية في ظل مراقبة مندوبي المرشحين، ومتابعة محلية، ودولية، تفاوتت في مستواها وفعاليتها، ووجه معظمها انتقادات مهمة، لكن لا ترقي لدمغ الانتخابات بتزوير إرادة الناخبين.
شارك في معظم الانتخابات، لأول مرة، مواطني البلدان العربية المقيمين في الخارج وقد أثار ذلك في بعض الحالات إشكاليات قانونية على نحو ما جرى في مصر، حيث يقضى قانون الانتخابات بإجراء الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل، وهو ما كان متعذرا، وأثارت الإجراءات البديلة جدلا سياسيا وقانونيا.
اعترفت القوى السياسية التي شاركت في الانتخابات في معظم الحالات، بنتائج الانتخابات رغم أن بعضها وجه انتقادات ثقيلة لها، باستثناء الكويت حيث رفضت القوى المقاطعة نتائج الانتخابات وتعهدت بإسقاط البرلمان، وجيبوتي التي رفضت المعارضة فيها نتائج الانتخابات، وأطلقت مظاهرات احتجاجية تخللت أعمال عنف، وواجهتها السلطة بإجراءات قمعية شديدة واعتقالات.
وعلى مستوى الانتخابات البلدية أجرت خمس بلدان عربية انتخابات بلدية، أو ولائية، أو مجالس محافظين وهي السعودية وسلطنة عمان والعراق والجزائر وفلسطين. وقد اتسمت هذه الانتخابات بما يلي:
أجريت إحداها لأول مرة وهي الانتخابات البلدية لسلطنة عمان، وفق القانون الذي أصدره السلطان في 2011، وأشرفت وزارة الداخلية على الانتخابات، وتم استبعاد بعض المرشحين "لأسباب أمنية" ودون توضيح.
وجاءت أخرى، وهي الانتخابات البلدية في السعودية متأخرة عن موعدها المقرر في 2009، فيما جرى تفسيره بأنه كان يهدف إلى بحث إمكانية إشراك النساء في الانتخابات. لكنها تمت أيضاً بدون مشاركة النساء.
وجاءت أخرى، وهي الانتخابات البلدية في فلسطين متأخرة عن موعدها بأكثر من خمس سنوات تحت وطأة الانقسام الوطني، واقتصرت على الضفة الغربية دون قطاع غزة مما عمق الانقسام الوطني. وتبادلت السلطة الفلسطينية في رام الله والحكومة المقالة المسئولية عن إجراء هذه الانتخابات الجزئية.
وأجريت إحداها في العراق لانتخابات مجالس المحافظين وهى أول انتخابات تجرى بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق. وقد تمت في سياق احتقان طائفي عميق، واحتجاجات غير مسبوقة أفضت إلى إجرائها في 12 محافظة من ثمانية عشرة محافظة وسبقها ورافقها أعمال عنف خطيرة واغتيالات لبعض المرشحين.
وإلى جانب الاستفتاءات والانتخابات دعت حكومات إلى حوارات سياسية وطنية رسمية مع المجتمع. وينظر الباحث إلى هذه الحوارات كآلية للحق فى المشاركة، وقد شهدت عشرة بلدان هذا النمط من الحوارات وهي الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا، ومصر والبحرين واليمن، وسوريا والأردن وفلسطين أي نحو نصف البلدان العربية.
وقد تباينت هذه الحوارات تبايناً واسعاً في كل تجلياتها على الساحة العربية بدءاً من سياقاتها وآلية الدعوة إليها، ومروراً بتنظيمها ومدى موضوعيتها واستجابتها لتطلعات المجتمع وجدول أعمالها، ومدى جدية المناقشات خلالها، وانتهاء بنتائجها وجدية تنفيذها وآلية متابعة هذا التنفيذ. ولا يتسع هذا المقام لعرض الجوانب المختلفة لهذه الحوارات كما أن كثير منها مازال قيد الإجراء ومن ثم لا يمكن إصدار تقيم منصف لمدى ما حققته من قيمة مضافة فى العمل السياسي العام.
خامساً: التحديات التنموية فى الوطن العربي.
اتخذت الدول العربية عدداً من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية للتجاوب مع تطلعات الحركة الاحتجاجية أو احتوائها. ويثور التساؤل عن مدى تحقيقها للتقدم ووفائها بتطلعات المجتمعات العربية للتغيير.
وتسعى هذه الورقة لتقييم هذه الإجراءات ليس فقط من خلال طبيعتها ولكن أيضاً في سياق تاثيرها على التنمية إنطلاقاً من المفهوم الذى تتبناه هذه الورقة بالترابط بين التنمية والديمقراطية، فبغير ديمقراطية يستحيل انجاز تنمية حقيقية يكون الإنسان محورها وغايتها، وبدون تنمية حقيقية تظل الديمقراطية مجرد شعار خاو من المضمون.
1. مبادرات الإصلاح:
شهدت البلدان العربية عشرات من الاجراءات تتعلق برفع الحد الأدنى من الأجور، امتد بعضها بوضع حد أعلى للأجور كذلك، وتثبيت مئات الآلاف من العاملين بعقود عمل مؤقتة، والتعهد بخلق وظائف جديدة تراوحت بين آلاف ومئات الآلاف، ومد مظلة الحماية الاجتماعية للعديد من الفئات الهشة بزيادة معاشات الضمان الاجتماعى، والمعاشات التقاعدية وامتد بعضها لتقرير إعانة بطالة.
كما شملت خفض الرسوم على بعض السلع الأساسية والمحروقات لتثبيت أسعارها، أو زيادة الدعم المخصص إلى هذه السلع، وتخصيص صناديق لإقراض الشباب. وتخصيص موارد لمشاريع التنمية فى أقاليم أو محافظات لمعالجة مظاهر الخلل فى توزيع برامج التنمية أو إنصاف بعض الفئات الهشة.
كما اختص بعضها بالسعى لتحسين بعض الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمياه والصرف الصحى والنقل وبرامج الإسكان الاجتماعي.
وتفردت السعودية بحكم مواردها بتخصيص موارد ضخمة تغطى كل الجوانب السابقة.
ورغم أهمية كل هذه الإجراءات التى تحققت، وما أتاحته من دعم أفراد أو جماعات إلا أنها تظل فى أفضل الحالات مسكنات وإصلاحات جزئية. فلم تطرح أى اجراءات اقتصادية طويلة المدى أو تتعامل مع جوهر المشكلات التى تسببت فى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التى أفرزت الثورات والاحتجاجات الاجتماعية.
فلم تدعو أى الحكومات العربية إلى حوار مع مجتمعاتها حول المسار الاقتصادي والاجتماعي على نحو ما فعلت فى المجال السياسي، لإشراكها فى بلورة رؤية تنموية متوافق عليها وهو ألف باء التنمية، وواصلت جميعها نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية السابقة التى تقوم على الإستناد إلى الاحتكام للسوق كمصدر للخيارات الاقتصادية التى أدت إلى المأزق الذى تواجهه، ولم تتعلم درس الأزمة الاقتصادية والماالية العالمية فى مراجعة السياسات الاقتصادية واعتمدت سياسة "السير كالمعتاد".
2. نموذج للتنمية منتهى الصلاحية
خلصت دراسات متخصصة مهمة إلى أن هناك شواهد تطبيقية توضح أن الدول العربية قد حققت نموا جيدا خلال الفترة ما بين 1965- 1995، وقد أوضح البنك الدولي أن مرد ذلك يكمن في طبيعة العقود الاجتماعية التي نظمت العلاقة بين الأنظمة الحاكمة وشعوبها، والتي تميزت بعدد من الملامح التنموية كان من أبرزها "تغليب اعتبارات العدالة" وإعادة توزيع الثروة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. واعترف البنك الدولي بأن الفترة من 1965 – 1995 التي أعقبت تأسيس هذه العقود الاجتماعية قد شهدت معدلات متميزة وغير مسبوقة في النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.. كما حققت تلك العقود الاجتماعية انخفاضات في مستويات الفقر، وعدم التساوي في توزيع الدخل. وإن كان البنك الدولي لاحظ أن العقود الاجتماعية التي حققت هذه الإنجازات قد بدأت تعاني من الإجهاد خلال النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي مما ترتب عليه أزمات اقتصادية كبيرة حدت بمعظم حكومات المنطقة إلى تبني برامج الإصلاح الهيكلي.
وقد ركزت برامج الإصلاح الهيكلي على عملية تحقيق كفاءة استغلال الموارد؛ ومن ثم تحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة بغض النظر عما يحدث في مجال توزيع الدخل وباستخدام معلومات حديثة كعينة من الدول العربية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى 2005 أوضحت الدراسات أن النمو الذي شهدته دول العينة لم يكن منصفا للفقراء، واستخلصت من هذه النتيجة سؤالا استراتيجيا حول ما إذا كان ينبغي على الدول العربية إعادة النظر في طبيعة السياسات التنموية التي طبقتها في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها.
3. فساد يلتهم ثمار النمو والتنمية
تجمع أدبيات التنمية، ومكافحة الفساد على الآثار الفادحة للفساد على النمو الاقتصادي والاستثمار وكذا جودة البنى التحتية والخدمات العامة، وتركيز الثروات الناتجة عن الفساد دون توظيفها في القطاعات الضرورية مثل التعليم والصحة أو توفير فرص العمل. وزيادة الأسعار، إذ ينقل رجال الأعمال عبء الرشى التي يدفعونها إلى المستهلك.
وتثبت أدبيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي علاقة تبادلية بين الفساد والفقر، إذ يزيد الفساد من جراء الفقر من خلال إعاقته للنمو الاقتصادي الذي يؤثر بدوره على مستويات الفقر من ناحية، كما يؤثر الفساد على الفقر عن طريق التأثير على عوامل الحكم الرشيد من خلال إضعاف المؤسسات السياسية ومشاركة المواطنين، وتخفيض جودة الخدمات والبنى التحتية الحكومية، مما يؤثر بدوره على مستويات الفقر.
وتحفل المصادر الدولية بتقديرات متفاوتة عن تكلفة الفساد في الوطن العربي وتقدره بعض المصادر برقم يتراوح ما بين 300 إلى 400 مليار دولار سنوياً. كما تقدر الأموال المهربة من مصر وتونس وليبيا بنحو 300 إلى 400 مليار دولار. وتقدر الأموال المهربة نتيجة الفساد من مصر وحدها بثلاثة أضعاف قيمة الموازنة. ويقدر المؤتمر الوطني الليبي أن هناك 60 مليار دولار لا يعرف أحد أين هي.
ولا تقاس خطورة الفساد بالارقام فحسب إذ أن أخطر ما ينتج عن ممارسات الفساد والإفساد هو ذلك الخلل الكبير الذي يصب أخلاقيات العمل وقيم المجتمع. وسيادة حالة ذهنية لدى الأفراد والجماعات تبرر الفساد، وتجد له من الذرائع ما يسوغ استمراره واتساع نطاق مفعوله في الحياة اليومية فتاخذ الرشوة والعمولة تدريجياً مقومات نظام حوافز جديد لا يجاريه نظام آخر. ويتقبل المجتمع نفسياً فكرة التفريط التدريجي في معايير أداء الواجب الوظيفي والمهني والرقابي. ويفقد القانون هيبته في المجتمع.
ولا يكاد يخلو بلد عربي من آليات رقابية أو قانونية لمكافحة الفساد، فجميع البلدان العربية تجرم العديد من مظاهر الفساد، وتؤسس أجهزة رقابية للمراقبة المالية والإدارية، بل ويصل عدد هذه الأجهزة في بلد مثل مصر عشرة أجهزة تعمل بشكل مباشر في الرقابة المالية والإدارية ومثلها تعمل بشكل غير مباشر لتحقيق نفس الغاية، وهو ما بررت به مصر عدم رغبتها في إضافة الآلية النابعة عن الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وقصرتها على لجنة داخلية تابعة لوزارة التنمية الإدارية، مع إضافة عنصرين من خارج الجهاز الحكومي.
كذلك بادرت معظم البلدان العربية بالانخراط في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وبسرعة غير مألوفة بخلاف سلوكها حيال غيرها من الاتفاقيات الدولية الأخرى، ولم يتخلف عن الانضمام للاتفاقية سوى السعودية والسودان وسوريا الذين وقعوا ولم يصادقوا، وسلطانة عمان والصومال اللتين عزفتا عن الانضمام إلى الاتفاقية.
كما بادرت الدول العربية لإقرار اتفاقية عربية لمكافحة الفساد في إطار جامعة الدول العربية، تم التوقع عليها من جانب وزراء الداخلية، والعدل العرب في 21 ديسمبر 2010 من جانب جميع الدول العربية باستثناء الصومال.
وخلاصة القول أن البلدان العربية لديها التزامات قانونية دولية نابعة عن انضمامها طواعية للاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وأخرى عربية وضعتها بنفسها وهي الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد. كما أن لديها مؤسسات معنية بمكافحة الفساد : حكومية وغير حكومية. ولديها قوانين جزائية وإجرائية حتى وإن كانت تحتاج لتعزيز. وأثبتت البلدان العربية في عدد من القضايا قدرتها على كشف ممارسات فساد ومعاقبة مرتكبيه.
لكن المفارقة هنا أن كل هذه المنظومة لم تفلح في الحد من الفساد، بل على العكس من ذلك فإن أغلب البلدان العربية تراجعت على مؤشر مدركات الفساد الذي تجريه منظمة الشفافية الدولية.
تتفق هذه الدراسة مع معظم العوامل التي تناولها أدبيات مكافحة الفساد مثل نقص الديمقراطية، والمشاركة، وسيادة القانون والمساءلة، وكذا نقص فعالية أداء الحكومة وجودة التشريعات. لكن تختلف هذه الدراسة مع ما يثار حول غياب الإرادة السياسية في مكافحة الفساد. فالاستخلاص الرئيسي الذي تصل إليه هذه الدراسة هو أن هناك إرادة سياسية لحماية الفساد وليس مكافحته يظهر ذلك في الطابع الممنهج للفساد الذي تكشف بسقوط بعض النظم العربية. وتشابه آلياته ومواقع المنخرطين فيه .
في هذا السياق يمكن تفسير الكثير من جوانب هذه المفارقة، فبعضها مثل الإقبال السريع على الانضمام لاتفاقية مكافحة الفساد، أو وضع اتفاقية للغرض ذاته، كان يقع في باب العلاقات العامة الدولية أكثر مما يسعى لمكافحة الفساد كما أنه تستجيب لبعض جوانب القلق الدولي مثل غسيل الأموال، أو تهيئة بيئة مواتية للاستثمار.
أما ملاحقة بعض رموز الفساد فكان يقع في باب تأديب بعض المتورطين في الفساد الذين يتمردون على شروط المسئولين من النخب الفاسدة، أو التضحية ببعض رموزه ككباش فداء لضمان استمراره. وبعضها مثل بناء المؤسسات، تم تصميمه على نحو شكلي ووفق ضوابط تعيق أكثر مما توفر قدرات حقيقية لمكافحة الفساد.
4. تحدى إقامة العدالة الاجتماعية
لا يخلو بلد عربى من برامج لإقامة قدر أو أخر من العدالة الاجتماعية مثل نظم التأمينات والمعاشات التقاعدية، أو الحماية الاجتماعية من خلال الدعم العينى أو النقدي، أو إتاحة السلع والخدمات العامة مثل التعليم الذى تلتزم البلدان العربية بأتاحته مجانياً والزامياً في مرحلة التعليم الاساسي، أو الرعاية الصحية والعلاج المجاني لغير القادرين، أو السعي لتوفير فرص العمل، أو توفير برامج للإسكان الاقتصادى لمحدودي الدخل.
كما توفر البلدان العربية النفطية أنماطاً من الرفاه الاجتماعي لمواطنيها تفوق ما قد توفره بعض الدول المتقدمة في تلبية السلع والخدمات العامة.
بيد أن هذه الصورة البراقة، التى تشغل عادة معظم التقارير الوطنية المقدمة إلى المؤسسات الدولية لا تصمد عند أول اختبار قياسا بالمعايير الدولية، فخلف هذه المواجهة تكمن أوضاع مزرية لطابع العدالة الاجتماعية المتوافرة في الواقع العربى، يستوى في ذلك البلدان الفقيرة والغنية، ولم يكن مصادفة وأن يكون أحد أسباب الحراك الاجتماعي الذى تشهده المنطقة هو غياب العدالة الاجتماعية، وأن يكون أيضا أهم مطالبه.
فمبدأ المساواة وعدم التمييز، وتكافؤ الفرص الذى يمثل حجر الأساس في العدالة الاجتماعية، يعد بحق الفريضة الغائبة في البلدان العربية. تتعدد أنماطه وذرائعه لكنه يظل متجذراً في كل البلدان العربية، بدءاً من التمييز ضد المرأة التى تشكل نصف المجتمع العربي، ويمتد إلى التمييز على أساس الدين والمذهب والمعتقد، والتمييز الإثنى، وكذا التمييز على أساس الأصل الاجتماعي.
ويؤثر التمييز بأنماطه المختلفة على تكافؤ الفرص في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدى في بعض الحالات الحادة إلى اندلاع نزاعات مسلحة أثرت على وحدة التراب الوطني على نحو ما حدث في النموذج السودانى بانفصال الجنوب، أو تهديد وحدة التراب الوطنى على غرار تزايد المطالب الانفصالية في جنوب اليمن.
وباختبار المعيار الخاص بالتوزيع العادل للموارد والأعباء ، الذى يعتبر أحد المعايير الأساسية لقياس العدالة الاجتماعية من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية، وتوزيع الدخل داخل المجتمع، تظهر أنماط من التبانيات بين الدول الفقيرة والغنية لا يمكن جمعها في إطار تحليلى جامع.
فرغم ما توفره البلدان الفقيرة والمتوسطة من تبريرات بشأن قيود الموارد الاقتصادية على المستوى المتدني للأجور، تظهر المقارنة بين أدنى الأجور وأعلاها في بلد مثل مصر تفاوتاً يفوق التفاوت فى الدول الرأسمالية. ولا يمكن تبريره اجتماعياً تحت أى إدعاء، كما كانت الدولة تتبنى سياسة ضريبة موحده للفئات التى تربح عشرات، إن لم يكن مئات الملايين سنوياً، وأولئك الذين يريحون أقل الأرباح.
ورغم وفاء البلدان العربية الفقيرة بالتزاماتها بتوفير الخدمات التعليمية مجانياً وألزامياً في مرحلة التعليم الأساسي، بل ويمدها بعضها إلى مستوى التعليم الجامعي، تعانى الخدمة التعليمية الحكومية في البلدان العربية من تدن مطرد مقابل إفساح المجال للمدارس الخاصة، ونزوعها المطرد لإحلال القطاع الخاص محل التعليم الحكومى.
أما البلدان الغنية فتشهد أنماطاً مختلفة من اختلالات هيكل العدالة الاجتماعية، إذ تفرض قوانين العمل في هذه البلدان تفرض أنماطاً من القيود على العاملين من الوافدين والاجانب غير مبررة، أبرزها نظام الكفيل الصارم، الذى يرهن ارادة العاملين للكفلاء.
كما شرعت منذ أكثر من عقد في التخفف من توفير السلع والخدمات العامة التى كانت تتيحها للعاملين بحرمانهم من التعليم المجاني، والرعاية الصحية المجانية، فرغم أن عديمي الجنسية البدون يقيمون في بلدان الخليج وبشكل متصل ولأجيال متعاقبة، فإن حكومات بلدان الخليج ترفض باصرار منحهم جنسيتها وقد تفاقمت هذه الظاهرة باستخدام نزع الجنسية عن فئات من المواطنين على أساس سياسي أو أيديولوجي.
وباختبار مبدأ توفير العدالة بين الأجيال، وهو أحد المبادئ التى ترسخت فى قياس العدالة الاجتماعية، تُظهر المقارنة اختلالات عميقة في تطبيقها في البلدان العربية، كما تظهر تبايناً في نمط هذه الاختلالات، ففي البلدان الفقيرة والمتوسطة، تورط العديد من البلدان العربية في الاستدانة الواسعة التى سيقع عبؤها على الأجيال القادمة، كما فرطت معظمها فى مبدأ الاستدامة البيئية.
ورغم تنبه بعض البلدان الغنية لمبدأ توفير العدالة بين الأجيال، وأسست إحداها صندوقا للأجيال القادمة، فقد أفرطت جميعها فى استخراج البترول، وهو مصدر ناضب، ولم يهئ معظمها اقتصادها للتفاعل مع مرحلة ما بعد البترول رغم أن معظمها يحقق فوائض مالية وفيرة تتيح له ذلك.
5. اثر النزاعات المسلحة الداخلية والاحتلالات الأجنبية على التنمية:
لا يمكن الحديث عن التنمية فى ظل النزاعات المسلحة الداخلية وخلال العقود الأخيرة تنقلت النزاعات المسلحة الداخلية بين عدة بلدان عربية وأفضت لنتائج كارثية على النمو الاقتصادي والتنمية. وتعانى حالياً أربعة بلدان عربية من هذه النزاعات كما تعاني فلسطين من استمرار الاحتلال الإستيطاني الإحلالي العنصري.
وتشهد خمسة بلدان عربية أثاراً فادحة جراء النزاع الداخلي أو الاحتلال الاجنبي إذ تشهد سوريا تخريباً شاملاً للبنية التحتية. ونقصاً فادحاً فى الموارد المالية جراء توقف صادرات النفط، وهروب الإستثمارات ونقص الضرائب. وترتب على هذه الأوضاع ارتفاع مستوى البطالة إلى مستويات غير مسبوقة وانخفاض الناتج المحلى الاجمالى إلى نحو قدره تقرير اقتصادي صادر عن الأمم المتحدة عام 2012 بنسبة 29.1% .
ويعانى العراق من تشوهات اقتصادية واجتماعية خطيرة من جراء سياسات الاحتلال، ولم تسعف عوائد تصدير النفط التى تصل إلى مائة مليار دولار سنوياً فى معالجة النقص الفادح فى الخدمات الرئيسية فى امدادات الكهرباء المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي والنظافة، وتتفاقم فيه التباينات فيه بين المناطق فى الخدمات ويتم تهميش فئات واسعة النطاق من المجتمع ويعانى من زيادة البطالة والانفاق الأمنى ولم تتجسد الوعود التى قطعتها الحكومة لاحتواء الحركة الاحتجاجية وتخصيص موارد لتحسين الخدمات.
وترجع المصادر هذه الأوضاع المتردية إلى الفساد الذى يعم البلاد ويضعها فى أدنى مواقع مؤشرات الشفافية بين بلدان العالم، وكذا شغل المناصب التنفيذية المهمة على أساس الولاء الطائفي والحزبي وليس الكفاءة، ونقص انتاجية العمال. وقد أدى هذا الواقع المتردى إلى احتجاجات اجتماعية واسعة النطاق بدأت مع بدايات العام 2011 على نحو ما سبقت الإشارة وأخذت فى الاشهر الأخيرة من عام 2012 مظاهر أكثر حدة وعنفاً شملت عدة محافظات واستمرت لبضعة أشهر وطرحت فيها إلى جانب المطالب الاحتجاجية مطالبة "المواطنين السنة" الكف عن تهميشهم ووجدت تعاطفاً من بعض فئات "المواطنين الشيعة".
ورغم نجاح السودان فى اقرار اتفاقية سلام الشامل فى الجنوب منذ العام 2005 فقد أدى اختيار الجنوبيين للانفصال دون الانتهاء من بعض القضايا الجوهرية المعلقة، إلى نزاعات مسلحة بين الطرفين، كما اندلعت نزاعات مسلحة أخرى فى الولايات الحدودية مع جنوب السودان، بينما استمر نزاع دارفور رغم اتفاقيات الدوحة. وقد حرم انفصال جنوب السودان، الشمال من 75% من انتاج النفط، الذى يُمثل حوالي 40% من الإيرادات العامة ومصدر العملات الصعبة الذي تتعمد عليه الحكومة في استيراد احتياجات البلاد. فضلاً عن تزايد معدلات الهجرة والنزوح داخل السودان وخارجه. ويقدر صندوق النقد الدولى أن معدل النمو الاقتصادى فى السودان انخفض بحوالى 11% فى العام 2012 وسيبلغ صفر فى عام 2013.
واستمرت الحرب الأهلية في الصومال للعام الثالث والعشرين على التوالي عنصراً أساسياً فى ظل غياب الدولة وغياب التنمية موجة من الجفاف أفضت لكوارث ووفاة عدد كبير من المواطنين الذين عجزوا عن نيل أقل الأساسيات وتشرد داخلى ونزوح خارجي واسع النطاق واستمرار أنشطة القرصنة البحرية التي اتخذت من السواحل الصومالية منطلقاً لها، ومسرحاً لجذب جماعات القاعدة. ورغم الإصلاحات السياسية المدعومة من جانب المجتمع الدولي والاتحاد الافريقي فى بناء خارصة طريق وضعت حدا للمرحلة الانتقالية ونجحت في تأسيس مجلس تمثيلي ووضع دستور جديد وانتخاب رئيس جديد وتحجيم جماعة الشباب التى أعلنت انتماءها لتنظيم القاعدة فقد استمرت الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التى يعاني منها المواطنين جراء الصعوبات الأمنية وانعدام البنية التحتية.
ورغم أنه من غير المتوقع في بلد يعاني من احتلال عنصري استيطاني احلالي على نحو ما تعاني منه الأراضى الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 فقد شهدت هذه الأراضى تطورات غير مسبوقة بالتراكم وتحت وطأة الاحتلال والحصار والإنقسام الوطني.فبالتراكم بلغ عدد المستوطنات فى الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية 250 مستوطنة تضم 520 ألف من المستعمرين (200 ألف فى القدس الشرقية، و320 ألف فى أنحاء الضفة الغربية). وزادت الحكومة الإسرائيلية القائمة مخصصات الاستيطان بنسبة 38% عام 2011 مقارنة بالعام 2010. وضاعفتها فى العام 2012. وطرحت مشروعات استيطانية جديدة فى منطقة E1 تعزل القدس نهائيا عن الضفة الغربية وتهدف هذه السياسات لوضع نهاية فعلية لدولة فلسطينية قابلة للحياة. ناهيك عن تقويض قدرة الشعب الفلسطيني على تقرير مصيره والسيطرة على موارده الاقتصادية.
وواصلت إسرائيل حصارها الإجرامي الذي فرضته على قطاع غزة منذ يونيو/حزيران 2007، ويقوض هذا الحصار قدرة الفلسطينيين على العمل وحقهم فى الانتقال وقد تضاعفت آثاره بالإعتداءات الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة في ديسمبر/كانون أول 2008 (عملية الرصاص المصبوب) ونوفمبر/تشرين ثان 2012 (عملية عامود الدخان) واللتان أديتا إلى جانب قتل وإصابة ألاف من الفلسطينيين إلى تدمير كثيف للمساكن والبنية التحتية بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمصانع.
ولا تقع مسئولية الحصار واستمراره طوال هذه السنوات على عاتق إسرائيل وحدها، بل تمتد هذه المسئولية إلى كل الدول التي آزرت هذا الحصار أو تماشت معه، أو سكتت عليه، وفي مقدمتها النظم العربية التي يتورط بعضها في تعزيز هذا الحصار مثل السلطة الوطنية الفلسطينية ومصر (مبارك) أو بالسكوت عنه اكتفاء ببيانات الشجب والإدانة مثل باقي الدول العربية. كما تقع مسئوليته على الرباعية الدولية التي تُكسب الشروط الإسرائيلية طابعاً دولياً وتضم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية والأمم المتحدة.
6. تحدي التكامل التنموي العربي
بينما يظل التكامل التنموى العربي طوق النجاة لمعظم البلدان العربية من التبعية الاقتصادية ومعالجة الإشكاليات البنيوية للاقتصاد، ورغم ما تذخر به جامعة الدول العربية من وثائق هامة ودراسات رصينة واتفاقيات ارتكازية وقرارات واضحة لإطلاق تعاون مثمر في مجال التنمية والتكامل الاقتصادي، إلا أن الواقع يناقض ما تقضي به هذه الوثائق، عدا ذلك التعاون على مستويات عربية محدودة جغرافياً ونوعياً، ويفتقد للتنوع المنشود في ضرب النماذج الحية لمقومات التكامل والتعاون التنموي.
وقد جاء إطلاق مسار القمة التنموية العربية الدورية في العام 2009 بالتعاون بين الجامعة العربية ولجنة الأمم المتحدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجنوب غربي آسيا باعثاً على التفاؤل، وخاصة في ضوء ما تناولته القمة من قضايا في دورتها الأولى.
ويقوم مسار القمة التنموية العربية على مبدأ أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي الطريق الصحيح لإرساء التكامل العربي والتضامن والعمل العربي المشترك، كضمان أساسي لنهضة الأمة ولأمنها القومي ومستقبل أجيالها، وتبنت القمة منذ البداية أفكاراً حول عدد من المشروعات التكاملية الكبرى ذات العناوين البراقة والتي تعكس إيقاعاً ملموساً على السمع مثل: مشروع الربط الكهربائي العربي، ومخطط الربط البري بالسكك الحديدية، والبرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي، والسعي نحو إقامة الاتحاد الجمركي العربي 2015 لبلوغ السوق العربية المشتركة 2020، فضلاً عن إنشاء صندوق لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة في الوطن العربي، وما أضيف لها من مشروعات لاحقة في دورتي شرم الشيخ 2011 والرياض 2013 من مشروعات للربط البحري وربط شبكات الانترنت العربية، وتبني مبادرة البنك الدولي لدعم مشروعات البنية الأساسية والاستثمار في التنمية البشرية وتعزيز قدرات الصناعات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة العربية، علاوة على تعزيز جهود تنفيذ الأهداف التنموية للألفية والإعداد للمساهمة العربية في وضع الإطار الدولي ما بعد 2015، والحديث عن المشاريع العربية لدعم الشعب الفلسطيني وصمود القدس والمقدسيين، والإشارة إلى عقد للتعليم وعقد للتوظيف والتشغيل وتعزيز الدعم للمؤسسات المالية العربية والاتفاقيات الخاصة بالمستثمرين.
غير أن المتابع لمسار القمة في دوراتها الثلاث لا يسهُل عليه العثور على الطحين الناتج عن الكثير من العناوين، فلا تزال الكثير من القضايا عند مرحلة التأسيس منذ الدورة الأولى في الكويت 2009، سواء بكونها لا تزال في حدود الدراسة، أو استراتيجية في حدود النوايا، أو اتفاقية قيد الإعداد، أو قانون نموذجي قيد المراجعة، أو الدعوة لتوفير دعم مالي إضافي لمؤسسة مالية قائمة بالفعل، أو بتخصيص بعض الموارد المطلوبة لتفعيل صندوق لا يزال قيد الإنشاء، أو بتأطير جهود لطالما جرت داخل الوطن العربي وخارجه مثل البرنامج الطارئ للأمن الغذائي.
ويثير الدهشة أن وثائق الدورات تتحدث عن الرضا أو بالأحرى الترحيب بالتقدم المحرز في تحقيق الأهداف، وهو التقدم الذي يقيسه المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالجامعة العربية بمستوى التقدم في الأوراق دون الواقع.
وبينما أفسح مسار القمة مجالاً لمنتديات للمجتمع المدني والقطاع الخاص في سياق دورات القمة، قبل أن يضيف إليها منتدى للشباب، لكن تم ذلك في سياق الاستمرار في الخلل البنيوي عبر النظر للمجتمع المدني باعتباره فضاء تابع لحكومات البلدان، وليس تعبيراً عن شعوبها، والمحاولة في حصر دوره في الإطار الإنساني الإغاثي أو الاجتماعي الخيري، أو في إطار تحميله أعباء غير ممكنة في سد الخدمات الأساسية الواجبة على الحكومات في سياق الانصياع لأجندات المؤسسات المالية الدولية وانسحاب الدولة من وظائفها الاجتماعية الأساسية.
وبالرغم من أن قمة شرم الشيخ 2011 قد عايشت العاصفة الشعبية التي بدأت في تونس وحاولت الانتباه إلى بعض الأصوات المتعالية أنذلك، فإن قمة الرياض (يناير/كانون ثان 2013) جاءت بعد عامين شهدت فيهما المنطقة العربية تغيرات اجتماعية وسياسية وتحولات كبرى، كان لها عظيم الأثر على السياسات الاقتصادية الاجتماعية، ولها بعض الآثر على التوجهات في خطط التنمية، لكنها لا تزال لا تفي بالحاجة لمعالجة ما تجلى من إختلالات في السياسات الاجتماعية والاقتصادية نتج عنها زيادات قاسية في معدلات الفقر والفقر المدقع، وارتفاع معدلات البطالة الأسوأ عالمياً وخاصة بين الشباب، وتدني مريع في مستويات الخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى التغافل عن الالتزام بحقوق المرأة وتفشي السياسات والتشريعات المناهضة لها، وإقصاء وتهميش لعدد من الفئات الاجتماعية الأساسية كالأشخاص ذوي الإعاقة والمنتمين لإثنيات دينية أو مذهبية أو عرقية، فضلاً عن تفشي التمييز على أسس طبقية، والفجوات بين المناطق الحضرية وبين المناطق الريفية والبدوية ومناطق الأطراف.
الخلاصة:
ويبقى سؤال الانتقال إلى الديمقراطية، فهل حققت إزاحة الأنظمة فى بعض البلدان العربية وتأسيس أطر دستورية وقانونية جديدة، وما ترتب على انتخابات من نتائج وما أنتجته من قوى وتوازنات، الإنتقال إلى الديمقراطية؟
للوهلة الأولى قد تبدوا الإجابة بالنفي، فالسمة السائدة فى البلدان التى شهدت ثورات هى تنازع الشرعيات ولم تترسخ بعد شرعية صندوق الانتخابات وتنازعها الشرعية الثورية بدرجات متفاوتة بين تونس ومصر واليمن، وبدرجة حادة فى ليبيا على نحو يهدد العملية السياسية.
وكذلك استمرار الانقسام الاجتماعي حول العديد من القضايا الجوهرية ذات الصلة، بدءاً بالصراع على الهوية، إلى نمط التعامل مع النظم السابقة وقياداتها وتركتها الاقتصادية والاجتماعية وصولاً إلى الخلافات حول خيارات المستقبل فى نموذج التنمية، والسياسات الاجتماعية، والعلاقات الدولية.
وكذلك قصور مفهوم الديمقراطية لدى العديد من القوى السياسية الصاعدة التى تراه يتمثل فى إجراء انتخابات نيابية دورية، ومؤسسات تمثيلية، وتغفل ما يستند إليه المفهوم من منظومة قيمية تقر بحقوق الأقلية السياسية، والفصل بين السلطات، وسيادة القانون، واستقلال السلطة القضائية، وتفعيل حقوق المواطنة لكل فئات المجتمع دون تمييز.
أما فى البلدان التى بادرت بإجراء اصلاحات سياسية واقتصادية لاحتواء الحركة الاحتجاجية، فقد جاءت هذه الإصلاحات حذرة وبعضها عزز الواقع أكثر مما أفسح الطريق إلى المستقبل.
وأفرزت صناديق الانتخابات فيها إما قوى تعزز الاستمرار على نحو ما شهدته الجزائر، أو قوى تعزز الواقع على نحو ما أفرزته انتخابات الأردن والكويت بتقدم القوى القبلية وتراجع القوى السياسية، وهى نتائج لم تأت معزولة عن تصميم النظم الانتخابية وتقسيم الدوائر الانتخابية.
بينما ظلت هناك بلدان لا ترى من مفهوم الإصلاح سوى الإغداق المالي، ولا يزال بعضها ينازع فى مشاركة المجتمع على مستوى مجالس بلدية نصفها بالتعيين وفاقدة للصلاحيات.
ومع الاعتراف بتاثير كل هذه العوامل فى عرقلة الانتقال إلى الديمقراطية إلا انه يقابلها من ناحية أخرى تطورات ترسم صورة مختلفة للواقع. وإذا كانت الحرية تنتزع ولا تمنح كما نعتقد جميعاً، فقد انتزعت المجتمعات العربية حريتها ولم تبخل بالتضحيات وأصبح إعادتها إلى "بيت الطاعة" ضرباً من المستحيل.
كذلك فقد عززت المجتمعات العربية مكتسبات لا يمكن النكوص عنها:
أولها؛ القضاء على مشروع توريث السلطة، بعد أن كانت بعض النظم قد حولت مجتمعاتها ومقاديرها إلى متاع يورث.
وثانيها؛ أنها وضعت نهاية لتقديس السلطة، فبعد ان كانت تلميذة فى مدرسة ابتدائية تفصل لكتابة موضوع تعبير ينطوى على شعار ناقد للسطلة، أصبحت قصور الحكم موئلاً للتظاهرات والاحتجاجات والمطالب. وأصبحت هناك مطالب متصاعدة لتطوير النظم الملكية إلى ملكيات دستورية، كما تضاءل حجم المسكوت عنه من مساءل الحكم وقداسة المؤسسات العسكرية والأمنية.
وثالثها؛ ظهور فاعلين جدد بخلاف القوى التقليدية فى مقدمتهم الرأى العام، والإعلام الجديد، والنقابات المستقلة، وأشكال التنظيمات الشبابية العابرة للتنظيمات الحزبية والأيدلوجية، والحركات المطلبية.
ورابعها؛ زيادة الوعى العام وانخراط كل فئات المجتمع بكل مستوياتها فى النقاش العام. ظهر ذلك فى الاصطفاف أمام صناديق الانتخابات والاستفتاءات فى طوابير تمتد لساعات، والإنغماس فى تقييم المرشحين والسياسات العامة وتأثيرها على معيشتهم، والنقاش حول القضايا الدستورية التى كانت حكراً على مناقشات الصفوة، رغم أن واضعى الدساتير لم يسعوا إلى هذه النتيجة.
وتمثل هذه العوامل ركائز الانتقال إلى الديمقراطية وتمهد لإرساءها، خاصة
المصدر: مجلة الوعي العربي، حزيران 2013
|