- من السقوط في أفخاخ السلطة ، والواقع المر ...!
- إلى السقوط في أفخاخ الخارج ...!
( 1 )
توقفنا في الحديث السابق عند الآليات التي لجأت إليها السلطة في سورية لمواجهة تداعيات الربيع العربي ...، وسنحاول في حديث اليوم مقاربة الجواب على السؤال الثاني المتعلق بالآليات التي تعاملت بموجبها القوى المعارضة التقليدية ، أو ما تبقى منها مع تداعيات الربيع العربي ، أين نجحت ؟ ، وأين كان الفشل ؟ ، وما هي الفرص الضائعة ؟ ، وهل مازال لها من دور يمكن أن تلعبه ...؟ .
لكن لا بد بداية من الاعتراف بالتضحيات الجسيمة التي قدمتها المعارضة التقليدية في سورية على امتداد العقود المنصرمة ، كما لا يمكن فهم ما يجري حالياً في سورية والوطن العربي عموماً إلا في سياق التطور التاريخي ، فالثورات لا تنطلق من فراغ ، وإنما تظهر بعد عقود من التراكمات والتضحيات...، لكن لا بد من الاعتراف في الوقت ذاته أن تلك القوى المعارضة في سورية ، بخاصة ، خرجت من تلك التجربة المرة منهكة مهشمّة مشتة القوى تفتقد المأسسة التنظيمية ، تحولت إلى أشلاء مخترقة تبطش بها الأجهزة الأمنية لسبب ، ولغير سبب أحياناً ، بهدف فرض استمرار حالة الخوف والرعب الدائمة عليها .
( 2 )
وهكذا عندما بدأت رياح الربيع العربي تدق أبواب دمشق ارتبكت تلك المعارضة ، خاصة ، وأن الحراك الثوري انطلق من خارج أطرها التقليدية ، ومن خارج تنظيراتها الإيديولوجية ، ولم يكن بالإمكان إلا ماكان في غياب إمكانية أن تكون القوى المعارضة التقليدية حاملاً موضوعياً لمشروع التغيير ، وبالتالي فأن انطلاق الثورة من خارج الأطر التقليدية للمعارضة لا يعيب الثورة والثوار ، كما لا يعيب المعارضات المقموعة والمهمّشة .
ولقد كان بالإمكان تلافي هذا الخلل مع بداية آذار – مارس - 2011 بمبادرة من قوى المعارضة التقليدية للنهوض من كبوتها عبر تكوين مظلة سياسية لضبط مسار الثورة وتحصينها من العبث ، والالتحام الميداني بالشباب لتنظيم الفعل الثوري ، وعدم الانجرار إلى ردود الأفعال ، وفي ذات الوقت كان يمكن لتلك المعارضات أن تغتنم الفرصة التاريخية التي أتاحتها ثورة الشباب لمباشرة عملية مراجعة وإعادة تقييم ، والخروج من قواقع العمل السري وما فرضه من مفاهيم وأساليب بفعل عوامل القمع المديد ، ومن ثم المباشرة بترميم مؤسساتها المدمرة ، وأن تعيد تأهيلها لاستنباط نبض الثورة بالتلاحم معها ، وأن ترتفع في الأداء لمقاربة أداء الثوار الشباب العفويين ، فتخضع لمعايير الثورة وتغادر الفردية والشخصانية المدمرة ، لا أن تحاول العبث بالثورة بإخضاعها لمعاييرها وتنظيراتها البالية التي كانت السبب في هزيمتها على امتداد عقود مضت ، مما أدى إلى تهميش دورها ، فكان لا بد أن تنطلق الثورة من خارج أطرها التنظيمية ، ومفاهيمها الإيديولوجية .
لكن ، وللأسف الشديد ، سلكت تلك المعارضات التقليدية على مختلف توجهاتها الطريق المعاكس للثورة منذ اللحظة الأولى ، وتحولت من حل إلى مشكلة .
( 3 )
لقد تعددت مواقف المعارضين في سورية من تداعيات الربيع العربي ، والقلة القليلة منهم قرأت ما يجري قراءة موضوعية ، فلم يبصر ، ولم يتبصّر المعارضون المخضرمون أن الشباب العربي فتحوا ثغرة في الجدار المسدود منذ عقود ، وأن على المعارضين السياسيين من الوطنيين رسم الرؤى السياسية للثورة وتحديد المسار ... فاتجهت الغالبية العظمى من أولئك المعارضين للتعامل مع الحدث كل حسب رؤيته :
- منهم من كان قد استكان وبات مستلب الإرادة وسلم أن قوى الهيمنة الخارجية وامتداداتها السلطوية تمتلك إمكانيات فوق إلهية ، وبالتالي فأن ما يجري من صنعها وما تريده ستقول له : كن ، فيكون ، وما يجري ليس إلا قبس من تلك الإرادة التي لا راد لها ، وبالتالي اكتفوا بالفرجة والانتظار .
- ومنهم من اعتبر أن ما يجري ليس أكثر من حراك شباب طائش دفعه اليأس إلى المغامرة ، وبالتالي قد تكون فرصة لاحتواء حركتهم ، والمساومة مع السلطات أو الغير لتحقيق بعض المكاسب .
- ومنهم من استنكر متسائلاً : من هؤلاء ؟ وإلى أين ؟ ثم إذا كانت كل تلك المعارضات وتضحياتها وتنظيماتها السرية وغير السرية وإيديولوجياتها الثورية وكوادرها المناضلة قد انهزمت وعجزت عن التغيير ؟ ، فهل سينجح شباب غير مسيس وبلا تجارب ثورية وبلا تنظيم في مواجهة أجهزة عاتية مدربة قامعة ؟ .
- ومنهم من رأى في هذا الحراك فرصة لعله يستدعي تدخلاً خارجياً يساعد في التخلص من هذا النظام .
- ومنهم من رأى في هذا الحراك فرصة لعله يستدعي تغييراً في سلوك النظام فيتنازل عن نسبة ولو ضئيلة من التفرد في السلطة ، وبالتالي يحجزون مكاناً يساومون عليه .
- ومنهم من حاول فرض مشروعه الخاص ليلتهم الكعكة في نهاية المطاف .
- ومنهم من تعامل مع المسألة من باب التكسّب غير المشروع .
- ومنهم من راهن على ما يجري لكن دون أن يكلف نفسه تحمل تبعاته فقرر الجلوس في مقاعد الانتظار للتحرك في الوقت الذي يراه مناسباً .
- أما الذين قرروا الالتحاق بالثورة ، فقد كان عليهم الانشقاق عن مؤسساتهم الحزبية العاجزة المرتبكة ، وهؤلاء قدموا تضحيات هائلة لكن التحاقهم بالحراك الثوري كأفراد أفقدهم المقدرة على التحكم في تحديد مسار الحراك ، وبالتالي كان عليهم الخضوع لخط سير المجموعات التي التحقوا بها ، باختصار شديد خرج الحراك الثوري من إطار السياسة خاصة بعد أن تحول إلى حراك مسلح فباتت مطالبه ومتطلباته الميدانية فوق كل اعتبار .
( 4 )
المهم في الأمر أن المعارضة التقليدية بمختلف توجهاتها لم تجد لها مكاناً في ميادين الثورة ، كما أن الثورة لم تجد في صفوف المعارضة التقليدية من يمثلها ، وبالتالي حصل الافتراق من الأيام الأولى ، هكذا كان على الشباب أن يقلعّوا شوكهم بأيديهم ، وهكذا كان على المعارضة أن تتجاوز مرحلة مخاض طويلة للخروج من مأزقها ، وهكذا تفرقت صفوف المعارضين التقليديين بين لاهثين وراء تدخل خارجي لا يملكون إليه سبيلاً ، وبين لاهثين وراء موقف مغاير من السلطة تجنح فيه إلى تغيير جذري باتجاه الحل لا يملكون إليه سبيلاً أيضاً، فباتت المعارضة بأطيافها جميعاً وكأنها تجري وراء أوهام لا تملك أي تأثير فعلي على ارض الواقع ، وقد زاد الطين بلة تدخل الخارج الغربي وامتداده العربي والإقليمي ، وكذلك تدخل الخارج الشرقي وامتداده العربي والإقليمي في شؤون المعارضة والنظام معاً فباتت سورية أرضاً ، وشعباً وكأنها ملعب تتصارع فيه ، وعليه قوى لا حصر لها في هذا العالم .
( 5 )
لقد كانت الخريطة السياسية للمعارضة في سورية عشية يوم 15/3/2011 على الشكل التالي : 1 - تجمع وطني ديمقراطي يضم قوى وأحزاب يسارية التوجه عموماً ، 2 – إعلان دمشق ويضم قوى وأحزاب وشخصيات متعددة التوجهات ، والتجمعين متداخلين وبالأصل كان التجمع الوطني الديمقراطي كله في إعلان دمشق قبل الانشقاق ، 3 – تجمعات محدودة العدد ، 4- تجمعات ذات طابع ديني على شكل حلقات حول بعض شيوخ الجوامع الذين اتخذوا لأنفسهم مسافة عن شيوخ السلطة ذلك انه لا يمكن الحديث عن تنظيم فعلي لحركة الأخوان المسلمين خاصة بعد ثمانينات القرن المنصرم ومفاعيل القانون /49/الذي يقضي بالإعدام ، 5 – شخصيات وطنية مستقلة أفرزتها الأحزاب السياسية خارجها أو هي اختارت لنفسها الانشقاق عن أحزابها ، وهي الكتلة الكبيرة ذلك أن أي سبر حقيقي للناصريين أو الشيوعيين أو القوميين العرب ، أو الأخوان المسلمين ، أو القوميين السوريين ، أو الليبراليين ، أو حتى البعثيين ... سيظهر أن أغلب كوادر تلك القوى وجماهيرها خارج الأطر التنظيمية التي تحمل تلك الأسماء .
ثم كان لكل تلك التكوينات إمتدادات في المغتربات حيث غادر البعض البلاد طوعاً ، والبعض الآخر غادرها هرباً من ملاحقة الأجهزة ، يضاف إلى ذلك جيل من الأبناء ولد في الاغتراب لا يعرف الوطن لكنه مشبع بحكايا المآسي والدموع والدماء خاصة تلك الأسر التي غادرت بعد أحداث ثمانينات القرن الماضي الدموية .
هكذا بدأت إرهاصات ثورة شبابية من خارج تلك التكوينات المعارضة والمحبطة ، لكنها عوضاً من أن تعمل على لملمة جراحها ، وأخذ مكانها في الإمساك بالدفة للإبحار إلى بر الأمان ارتبكت وتعارضت إراداتها وفشلت جميع المحاولات للم شملها فتفرقت بها المسارات وتصادمت ، ثم تفاقمت أزمتها بمغادرة العديد من رموزها للخارج طلباً لللأمان ، أو طلباً لإعلان المواقف بحرية بعيداً عن بطش الأجهزة ، فتفاقم الفراغ السياسي في الداخل وفشلت المعارضات المهاجرة والمقيمة في حمل الهوية الوطنية للثورة ، مما أدى إلى الكثير من المآسي ، فكيف انعكس ذلك كله على الثوار ...؟ ، وكيف أدى إلى إطالة أمد الصراع ...؟ .
دمشق – حبيب عيسى
Email:habeb.issa@gmail.com
|