يعيش الإنسان المعاصر صدمة ثقافية اغترابية فرضتها أنساق من طفرات التغير الهائلة في مختلف جوانب الحياة ومكونات الوجود الاجتماعي والثقافي؛ وقد وصفت هذه التحولات الكبيرة في المجتمع الإنساني المعاصر تحت عناوين مثيرة وملفتة للنظر مثل: ” ما بعد العولمة، وما بعد الحداثة، وما بعد المعرفة”، وهي عناوين ترمي في جوهرها إلى وصف التقدم الهائل في مجال الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية. فالاختراعات التي أبدعها الإنسان في العقود الأخيرة من الزمن تفوق اليوم حدود التصور والتخيل، حيث تعيش الإنسانية عصرا متفجرا بالثورات العلمية الهائلة في كل المجالات: ثورة الميديا، وثورة الاتصال، وثورة الجينات، والثورة الرقمية، وثورة المعرفة، وغير ذلك كثير من الثورات التي تثير حالة الذهول البشري إزاء ما يتحقق من تقدم علمي أقل ما يوصف بأنه هائل وكبير ومخيف أيضا.
وقد ابتدع المفكرون مفهوم النهايات كصيغة جديدة للتعبير عن حالة الذهول والانصعاق أمام هذا المدّ الهائل من التحولات الاقتصادية الثقافية والطفرات العلمية التكنولوجية؛ فالساحة الفكرية تفيض بخطاب يتقطر برعب النهايات مثل: نهاية التاريخ، نهاية الأسرة، نهاية المدرسة، نهاية العلم، نهاية الحداثة، نهاية العولمة.
وإزاء هذه التموجات الهائلة، والتغيرات الفائقة في معاني الحياة ومعالمها، يجد المفكرون المعاصرون أنفسهم من جديد أمام تحديات كبيرة تتعلق بمصير الإنسان وغائيته الإنسانية في خضم هذا التحول الإنساني الذي أفقد الإنسان توازنه الأخلاقي، ومن جديد بدأ هؤلاء المفكرون يطرحون سؤال الاغتراب الإنساني، الذي كان قد شكل في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين محور اهتمام كبار المفكرين أمثال: روسو وماركس وأنجلز وماركوز وهيدجر وجان بول سارتر. ولا تختلف الأسئلة الاغترابية التي يطرحها مفكرو اليوم كثيرا عن مثيلاتها بالأمس، ومنها: أين هي الغايات الإنسانية والأخلاقية للتقدم المادي الهائل في طبيعة الحضارة الإنسانية القائمة؟ وأين هو مكان الإنسان في دائرة هذه التحولات الإنسانية الكبرى؟ وما ردود فعل الإنسان المعاصر الذي يجد نفسه في خضم هذه الصورة الجديدة للحضارة الإنسانية؟
لقد صدم فرويد بالأمس – كما هي صدمة المعاصرين اليوم – من الطبيعة الوحشية للحضارة الإنسانية، وتجلت صدمته هذه عندما وصف أوضاع عصره الاغترابية في النصف الأول للقرن الماضي بقوله: “نحن نعيش في زمان شديد الغرابة والتعقيد! حيث عقد التقدم تحالفا أبديا مع النزعة الهمجية والبربرية”([1])، وما أشبه وضعنا اليوم بالأوضاع التي أحاطت بعصر فرويد، فها هي معاول التقدم بآلياته الجديدة ومطارقه الضاربة تقوض الإنسان المعاصر وتسحقه وتضعه في دائرة التشيؤ والاغتراب مفرغةً إياه من أسمى معانيه الأخلاقية والإنسانية. فالتقدم الذي تحققه الإنسانية اليوم يهدف – وحاله كما هو في الأمس – إلى تحقيق الثراء والسيطرة والقوة والهيمنة، وفي هذه الدائرة السوداء من طغيان الغايات المادية يتحول الإنسان إلى وقود بشري يحترق في مواقد الرأسمالية المعاصرة أو الليبرالية الجديدة بعناصر قوتها وجبروتها وهيمنتها.
وفي خضم هذه الصولة والجولة للتغير الإنساني بثوراته وطفراته ونهائياته ومناحي قوته وجبروته يطرح السؤال الثقافي نفسه بقوة: أين هي الثقافة الإنسانية وما دورها في خضم عصر مسكون بالتغير ومسحور بالثوير؟ أي دور تمارسه هذه الثقافة في المحافظة على صورة الإنسان الغائية؟ وأين هو مكان الإنسان في الثقافة المعاصرة؟ وإلى أي حدّ يعيش في دائرة التشيؤ والاستلاب الثقافي؟ تلك هي الأسئلة التي تحاول مقالتنا هذه مقاربتها والإجابة عنها.
في مفهوم الاغتراب:
يعد مفهوم الاغتراب Aliénation من أكثر المفاهيم الإنسانية استخداماً وشيوعاً في مجال العلوم الإنسانية، ومن أكثرها قدرة على وصف مظاهر البؤس الإنساني والقهر الاجتماعي عبر علاقة الإنسان بالطبيعة والمجتمع، وهو فوق ذلك يشكل مدخلا منهجيا مميزا تعتمده العلوم الإنسانية في تحليل الظواهر الاستلابية في واقع الحياة الاجتماعية([2]). وإذا كان مفهوم الاغتراب يُعتمد كأداة تحليل منهجية في دراسة القهر الذي تفرضه الأوضاع الاجتماعية القائمة على الإنسان، فإنه في الوقت نفسه يشكل منطلقا منهجيا لدراسة الأوضاع السيكولوجية الاغترابية للفرد في سياق تفاعله مع معطيات وجوده الاجتماعي، وهو وفقا لهذا التصور يأخذ بأهمية التفاعل الجدلي بين الاجتماعي والنفسي في دراسة ظواهر الضياع والاستلاب عند الإنسان المعاصر.
وإذا كانت نظرية ماركس الاغترابية تشكل منطلق التحليل الكلاسيكي في ميدان الضياع والاستلاب والاغتراب فإن الأبحاث السوسيولوجية والسيكولوجية الجديدة حول المفهوم ذاته لا تقل أهمية وخطورة. لقد ألحّ كارل ماركس وأكد أهمية الجوانب الاقتصادية في مفهوم الاغتراب، وأدى هذا التأكيد في غالب الأحيان إلى إغفال وتهميش الجوانب السيكولوجية والإنسانية لهذا المفهوم([3]). ولكن الأبحاث في مجال علم النفس حول مفهوم الاغتراب استدركت ما فات الماركسية إذ عملت وبصورة مستمرة على تحقيق التوازن وإعادة الاعتبار إلى الجوانب السيكولوجية للمفهوم في دائرة التوازن والتناغم من المعطيات السوسيولوجية والسيكولوجية. وفي ظل التطورات الفكرية الجديدة فإن التيارات الفكرية الحديثة تعمل باستمرار على تحقيق المصالحة والتوازن بين مفهوم الاغتراب الماركسي ومفهوم الاغتراب في التحليل النفسي؛ فالإنتاج الإنساني لا يقف عند حدود الاقتصاد فحسب بل يرمز إلى الفعالية الإنسانية برمتها، ويجسد في الوقت ذاته قدرة الإنسان نفسه على توليد المعطيات المادية والنفسية لوجوده.
فالإنسان كما يقول هنري ليفيبفر Henri Lefebvre: “يؤثر في الطبيعة ويتأثر بها وهو عندما يغيرها يتغير معها في الآن الواحد، وبالتالي فإن العلاقة النشطة بين الإنسان والطبيعة لا تنطوي على خفايا وأسرار لأن هذه العلاقة تتم عبر العمل بصورة مركزية، فالإنسان يستطيع عبر العمل أن يتجاوز حدود الحياة العفوية المباشرة في الطبيعة، فهو ينتج ويبدع أشياء متعددة، وهذه الأشياء تلبي حاجاته، ولكنها في الوقت نفسه تولد حاجات جديدة دون انقطاع، وهي في الوقت نفسه تعمل على تعديل الحاجات القائمة، وفي مجرى تحقيق الإنسان لذاته في عالم الأشياء، فإن هذا الحضور الذاتي لا يعني ضياعا للإنسان واستلابا له، بل يرمز إلى نمائه وازدهاره “([4]).
يرى ماركس الاغتراب بوصفه العملية التي يتحول فيها الإنسان إلى حالة تشيؤ حيث يُسْتَعبَد ويصبح بقوة عمله سلعة تباع في الأسواق. فالعمل برأي ماركس هو الذي يطور الإنسان، وهو الذي يزج به أيضا في أكفان العبودية وزنزانات القهر. وبعبارة أخرى العمل يخلق الإنسان ويطوره ولكنه يمتص في الوقت نفسه كل قواه ويستعبده ([5]).
يقول أريك فروم إن الاغتراب ” نمط من التجربة يعيش فيها الإنسان غريبا عن نفسه، حيث يفقد دوره بوصفه غاية إنسانية للعالم “([6]). فالإنسان وفقا لفروم يبدع أوثانا يسجد لها وأصناما يعبدها، وهنا يكمن جوهر الاغتراب. ففي عملية الاغتراب، كما يرى إريك فروم، يتنازل المرء عن نفسه إزاء استسلامه لقيم المجتمع السائدة خاصة في المجتمع الصناعي الحديث، يقول في كتابه الخوف من الحرية: ” إن الفرد يكف عن أن يصبح نفسه عندما يعتنق نوعا من الشخصية المقدم له من جانب النماذج الحضارية ولهذا فإنه يصبح تماما شأن الآخرين وكما يتوقعون منه أن يكون([7]). وهذا يتطابق إلى حدّ كبير مع رؤية جون هولت في وصفه لأكثر مفاهيم اغتراب الوعي خبثا وأكثرها خطورة بقوله ” إن قلة من العبيد تفكر في الحرية، أما جمهرتهم فكل يباهي بأن سيده هو الأفضل والأقوى والأغنى “([8]).
فالإنسان كينونة جوهرها الروح والعقل، وكل ما من شأنه أن يمس هذه الأبعاد الأساسية لجوهر الشخصية يدفع الشخصية إلى حالة اغتراب واستلاب. فالاغتراب هو الوضعية التي ينال فيها القهر والتسلط والعبودية من جوهر الإنسان، وهو الحالة التي تتعرض فيها إرادة الإنسان أو عقله أو نفسه للاغتصاب والاعتداء والتشويه. وبالتالي فإن أدوات الاغتراب هي مختلف أدوات القهر، وكل ما من شأنه أن يعيق نمو الشخصية الإنسانية وازدهارها وتفتحها. وتتبدى مظاهر الاغتراب في أشكال أحاسيس مفرطة بالدونية، واللامبالاة، والقهر، والضعف، والقصور والسلبية، والانهزامية([9]).
الثقافة بوصفها أنسنة وتجاوز.
الثقافة كما يعرفها كانط ” مجموعة من الغايات الكبرى التي يمكن للإنسان تحقيقها بصورة حرة وتلقائية، انطلاقا من طبيعته العقلانية، وبهذا تكون الثقافة في نظر كنت أعلى ما يمكن للطبيعة أن ترقى إليه“([10]). ويتضح أن هذا التصور الكانطي للثقافة يبرز الثقافة بوصفها حرية إنسانية وعقلنة وسموا أخلاقيا.
وتأسيسا على هذا التصور الكانطي للثقافة يمكننا القول بأن تطور ثقافة الإنسان يرتبط جوهريا بتقدم الجانب العقلي والوجداني في مجال تكيف الإنسان وسيطرته على الكون. وعلى هذا النحو تكاون الثقافة بمعناها الإنساني الغائي جهد إنساني لعقلنة الكون وأنسنته، والأنسنة تعني هنا قدرة الإنسان على استحضار جانبه الإنساني من عقل وعاطفة ووجدان وحس في مسار تفاعله وتكيفه في الوجود. ووفقا لهذا التصور فإن تطور الثقافة – بل تطور الإنسان نفسه بوصفه منتجا للثقافة- ارتبط بتقدم العقلي والوجداني على المادي والحسي والحيواني في الإنسان. فالإنسان بعد أن عقلن الطبيعة عقلن ذاته أيضا، وحاول أن يرتقي بها دائما من صورتها الحيوانية الصرفة إلى صورة إنسانية عاقلة. وهذا يعني أن تقدم الثقافة كان رمزا لعملية انتقال الإنسان من عالم الضرورة إلى عالم الحرية ومن الخضوع للحتمية الطبيعة إلى مجال الحتمية الاجتماعية أو بعبارة اخرى من اقتصاد البطن إلى اقتصاد العقل والنفس.
وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول بأن الثقافة تعني حضور الإنساني في الطبيعة، وانتقاله من عالم الضرورة والحتمية إلى عالم العقلنة والسيادة، إنها بالأحرى عملية وضع الإنسان في مركز الكون بعد أن كان يدور في الهامش والأطراف؛ وهذا يعني أن تقدم الثقافة يتحدد بتقدم العقل والحرية والمعرفة الإنسانية. والإنسان كما يرى كانط ” ميال بطبيعته إلى الحرية، بحيث أنه عندما يفقدها يكون مستعدا لأن يضحي بكل شيء من أجلها” ([11]).ووفقا لهذا التصور الكانطي فإن التقدم الحضاري للإنسان يجب أن يقترن بتقدم حضور الإنسان ذاته في مجال الحياة والطبيعة والمجتمع، وذلك هو جوهر مفهومنا للثقافة التي تعني حضورا ذكيا ووجدانيا للإنسان في الطبيعة وفي الكون. ولذا فإن كانط يعلن مؤكدا هذه الحقيقة الغائية للإنسان
وتأسيسا على هذه الرؤية الكانطية للحرية يمكن القول إن قيمة أية ثقافة تكمن في مدى حضور الإنساني فيها وتقدمه أو في مدى قدرته على صون حرية الإنسان وكرامته. وفي أهمية هذه الحرية الإنسانية يقول الأديب والفيلسوف الهندي طاغور في بداية القرن المنصرم “إن الحضارة المادية ستخسر كل شيء إذا فقدت روحها، وأن البشرية ستصبح مهددة بالفناء في ظل جسد بلا روح، وعندما تصبح الحضارة بلا قلب فإنها ستفقد أهم مقومات الحياة ([12]).
إن تغييب الجانب الذاتي الحر في الإنسان (عقله وحريته ووجدانه) يدفع بالإنسان إلى دائرة الاغتراب والتشيؤ، وعلى خلاف ذلك كلما تقدم الجانب الحر الذاتي في الإنسان تقدمت الثقافة وازدهر الإنسان. إن ” كل تقدم تشهده الحضارة هو خطوة على درب الحرية”([13])، وهذا يعني أن التقدم يجب أن يكون غائيا يناشد حرية الإنسان ويرفعها إلى مقام الغاية، ومن هنا فإن الثقافة الحقة هي نوع من العقلنة التي تتجاوز حدود العلم والمعرفة الموضعية إلى تخوم الذات الإنسانية بما تمتلك عليه من مشاعر وقيم وجمال؛ وبالتالي فإن غياب أو تغييب العناصر الذاتية في الثقافة يؤدي إلى حالة من حالات تشيؤ الإنسان واغترابه واستلابه. ومن أجل مزيد من التوضيح المنهجي نقول بأن الثقافة في جوهرها عملية نهوض بالجوانب الإنسانية في الإنسان، وأن الثقافة التي ترهن كرامة الإنسان وحريته ثقافة مضادة معادية للإنسان تضع الإنسان في دائرة العبودية والقهر. ولم يغب هذا التحدي الكبير عن شبكات التساؤل النقدي في البلدان الغربية حيث عملت المجتمعات الغربية على مواجهة هذه المشكلة وتحليل معطياتها. وقد توجب على المجتمعات الغربية في حقيقة الأمر أن تحدد موقفها من ثقافة الاستهلاك ومن طغيان التقنية الحديثة السريعة ووضعية التغير واغتراب الإنسان “في عصر الآلة التي تحول البشر إلى أشياء([14]).” وكان الإحساس السائد في أوربا هو أن الأزمة الحقيقية للثقافة هي التحدي الذي يواجه به العلم المخصص روح الإنسان وخياله وملكاته الإبداعية ([15]).
فالثقافة ليست عقلا مجردا أو مجرد معرفة علمية فائقة بل هي طريقة في الحياة والوجود، إنها منهج للعيش والنظر والتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه الإنسان جماعة كان أم مجتمعا. وبعبارة أخرى الثقافة هي ما أبدعه الإنسان عقليا وفكريا وذهنيا في مجال تفاعله مع الكون، وتكمن دلالتها الجوهرية في عملية الارتقاء الإنساني نحو أساليب عقلانية في التكيف والسيطرة على المجال الحيوي لوجوده حيث يتخذ الإنسان من ملكة التفكير والتأمل والنظر منهجا في تكيفه مع الكون وتفاعله مع الوجود([16]).
ثقافة الضياع والاغتراب:
لا يستطيع المفهوم الكانطي الذي انتهجناه للثقافة الإنسانية بوصفها ثقافة غائية أن يصمد في عصر العولمة أو في زمن الميديا والاتصال وهيمنة الصورة. فللعولمة ثقافتها الاستهلاكية المحضة، حيث يفرض السوق ثقافة أداتية تايلورية (نسبة إلى تايلور (TYLOR Edward Burnett) 1832-1917)([17])، والثقافة الأداتية ترمز إلى نوع من التكيف الآني الاستهلاكي المرتبط بالرغبات والميول أو بأي صيغة من صيغ الحياة يعتمدها الإنسان أداتيا في عملية استمراره وتواصله. ووفقا لهذا التصور يتوجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مفهوم الثقافة الاستهلاكية أو ثقافة السوق أو ثقافة العولمة وهي تسميات متعددة لثقافة أداتية نزوية تنتزع الإنسان كأداة وتسلبه الدلالة الغائية. وما لا شك فيه أن هذه الثقافة الاستهلاكية السوقية (نسبة على السوق) تتعارض وتتناقض مع مفهوم الثقافة الغائية بدلالاتها الأخلاقية أي الثقافة بوصفها أنسنة وعقلنه واستحضار وجداني للجانب الذاتي في الإنسان.
فالأنسنة أو الجانب الإنساني في الثقافة يمثل معيارنا في التصنيف والتحليل في اتجاه الكشف عن موقع الإنسان بين طرفي الأنسنة والتشيؤ بوصفهما مفهومين متناقضين بالدلالة والمعنى. فالأنسنة تعني استحضار الجانب الذاتي والعقلاني والوجداني في الإنسان، بينما وعلى النقيض من ذلك تماما يدل مفهوم “التشيؤ” كمرادف لمفهوم الاغتراب على تغييب الجانب الإنساني الذاتي للإنسان حيث يتحول الإنسان وفقا لهذا المفهوم إلى كيان خامد هامد فاقد الإرادة والمعنى والدلالة، أي عندما يتحول إلى مجرد كيان مادي أي إلى مجرد “شيء” يخضع لقوانين الأشياء.
بين الأنسنة والاغتراب.
وهنا يجب علينا أن نعلن أننا إزاء مفهومين للثقافة ومنهجين للحياة، فهناك ثقافة الأنسنة أو الثقافة الغائية وفقا لمفهوم كانط، وهناك ثقافة العولمة أي ثقافة الاستهلاك والتسويق وهي ثقافة اغترابية بالضرورة، لأنها ثقافة يتم فيها تغييب الجوانب الوجدانية الإنسانية في الإنسان واستحضار الجانب النزوي حيث تجعل من الإنسان نفسه مادة وشيئا مُستهلكاً ومستَهلكاً في دورة النزوة للتسويق الرأسمالي المدمر. وبعبارة أخرى نحن أمام مفهومين للثقافة أحدهما يؤنسن، والثاني يشييء، أي يجعل الإنسان مجرد شيء يخضع لقوانين العرض والطلب، أحدهما يعلي من الإنسان شأنا غائيا بينما يدفعه الآخر إلى دائرة التشيؤ والاستهلاك. أحدهما يخاطب العقل والروح والقلب والضمير والوجدان والآخر يخاطب ثقافة النزوة واللذة والسرعة والومضة. الأول يخاطب العقل والروح والقيم والحاسة الخلقية، أما الثاني فيخاطب الرغبة والميل واللذة والشهوة والسكينة والاستسلام والمخادعة.
وما لا شك فيه أن هذين النمطين من الثقافة يعيشان جنبا إلى جنب مع فارق كبير يتمثل في زحف كبير لثقافة التشيؤ وانحسار أكبر في ثقافة الأنسنة والعقلنة. ففي عصر العولمة يجري النظر إلى أي شيء على أنه ثقافة، مثل: ثقافة البوب، والروك، وأقراص الليزر، وأشرطة الفيديو، وبرامج التلفزيون، وعمليات التجميل، وتناول المخدرات، والعنف والجنس، كل هذا يُثمن ويقدر على أنه ثقافة، وتلك هي العناوين الكبرى لمفهوم الثقافة في دلالته المعاصرة السائدة.
وفي ظل هذا التصور الجديد لمفهوم الثقافة، أصبح من الصعب جدا إعادة الاعتبار إلى المفهوم التقليدي لمفهوم الإنسان المثقف أو الثقافة الحقيقية، حيث كان الإنسان المثقف عنوانا لنموذج عقلاني وجداني معياري ويمثل إطارا مرجعيا للتفكير التقليدي، وهو الإنسان المثقف الذي كان قد تشكل في سياق تفاعله مع الآثار الفنية والفكرية النموذجية العليا للروح الإنسانية، فتكاثفت في تشكله المعاني الإنسانية الرفيعة والخلاقة الدالة على الطابع الإنساني.
ففي مراحل ما قبل العولمة، كان على المرء أن يحظى بنصيب كبير من الثقافة الفلسفية، وأن يمتلك قدرا لا يستهان به من التربية الفنية والأدبية، وأن يحظى بمعارف أساسية حول الدين والحق والخير والجمال، وأن يكون منفتحا على ثقافة الآخرين وأعمالهم الفكرية والفنية، كي يستحق لقب الإنسان المثقف. ومن الواضح اليوم في عالمنا المعاصر بأن هذه الصورة للإنسان المثقف أصبحت صورة نخبوية بامتياز تنطبق على عدد قليل جدا من الناس في المجتمع.
وبالمقارنة مابين صورة الإنسان المثقف في العصور السابقة، هل يمكننا القول بأن الإنسان المثقف نادر وقليل الحضور في حياتنا المعاصرة؟ ألا يجب علينا في حقيقة الأمر أن نعيد النظر في مفهوم الإنسان المثقف بالمقارنة مع صورته المعاصرة؟ وهل يجب علينا أن نشعر بالقلق لاختفاء النموذج التقليدي لمفهوم الإنسان المثقف؟ أو هل يتوجب علينا أن نشعر بالقلق لتراجع مفهوم الثقافة ذاته بدلالاته الإنسانية؟ هل يجب علينا أن نعتقد بأن عالم ما بعد الحداثة قد أصبح عالما من غير ثقافة حقيقية أو عالم يعاني من الأمية الثقافية؟ والسؤال الجامع الممكن من هو الإنسان المثقف؟
ترمز ثقافة التجاوز عند كانط وطاغور إلى رمزية تخاطب العقل والوجدان معا في الإنسان، وهي سعي في الصعود إلى إشباع الملكات العليا في الإنسان: الجمال الحق الخير الواجب التفاني العقلنة اللذات العقلية والروحية. أما ثقافة التشيؤ فهي هذه التي تخاطب الميول البدائية الأولى في الإنسان: الجنس الجوع العطش العنف العدوان التنافس المتعة اللذة. وتتمثل هذه القيم المادية التي تدفع الإنسان إلى جحيم التشيؤ في ثقافة العولمة التي تميت في الإنسان نوازعه العليا وتحيي فيه النوازع اللذوية الدنيا.
يتمثل جوهر العولمة ثقافيا في عملية اغتصاب ثقافي ينال من كرامة الإنسان ويستهدف إنسانيته، وتتمثل هذه الثقافة في أنساق متنوعة من الفعاليات المنظمة الساعية إلى تشكيل الإنسان على منوال القيم والمعايير التي تحكم اتجاهات الحياة ومطالب السوق الرأسمالية الجديدة. إنها تهدف إلى بناء الروح الاستهلاكية عند الإنسان وتنميطه في طرازات ذوقية قيمية تحددها مطالب السوق الرأسمالية الجديدة. ووفقا لهذه المنهجية يصف أحد المفكرين العرب ثقافة العولمة بأنها” فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات، تعبير عن انسحاق الإنسان أمام سطوة الآلة والتقدم العلمي وتمركز رأس المال وانعدام القيم الإنسانية والأخلاقية وسيادة منطق الربح والفردية والبقاء للأقوى من خلال تجارة السوق والمعلوماتية والاستلاب الثقافي للشعوب والدول والقوميات”([18]).
يميز حنا أرنت Arendt Hannah (1906-1975) في كتابه شرط الإنسان الحداثي([19]) La condition de l’homme moderne بين عالمين حيث يعرض ما بين الأعمال الفنية التي تنتسب إلى عالم غير زمني للثقافة وبين الاستهلاك في عالم ما بعد الحداثة. فعالم ما بعد الحداثة يمثل نهاية الثقافة السامية وهيمنة الاستهلاك بوصفه ثقافة حيث يتم قياس الثقافة بمعيار الاستهلاك.
وفي عصرنا هذا أصبحت القيمة العليا هي القيمة الاقتصادية بامتياز، فقيمة الأشياء، وقيمة الأشخاص تحسب اليوم بمعايير الاستهلاك وبالقدرة على الاستهلاك. وبالتالي فإن لذة الاستهلاك هي معيار سعادتنا المعاصرة. ونحن اليوم لا نزهو، كهؤلاء الرجال ما بعد الحرب، بعملنا وثقافتنا، ولسنا من هؤلاء الذين تبهرهم الأيديولوجيات السياسية وتسحرهم العقائد الفكرية، كما هو حال الأجيال المثقفة في الستينات، ولم نعد هؤلاء الذين تسحرهم شعارات الثورة والتقدم. نحن لا نريد تغيير العالم، بل نريد أن نحقق الفوائد ونستفيد. لقد تحولنا إلى أطفال المتعة الصناعية، إننا نعيش في عصر الدعاية والإعلان، والإعلان هو اليوم آخر معاقلنا حيث يتم تشكيلنا منذ نعومة أظفارنا تحت مطارقه وتأثيراته. وما تعلمنا إياه الإعلانات هو أن الحياة تعني الاستفادة والربح وتأكيد الذات. فالحياة أصبحت كالحركة في داخل صالات التلفزيون وقاعاته الفاخرة، وفي الكليب فيديو حيث كل شيء يكون على ما يرام، أو حيث كل شيء يمضي سريعا وخاطفا، حيث تكون الصورة سريعة جميلة براقة خاطفة وفي المكان الذي يلهو فيه الناس ويستمتعون. لقد تمّ تعميدنا في مياه النزعة إلى اللذة وغمسنا في ماء الحياة القائمة على الربح والاستهلاك والإثارة. إن هاجس الحياة اليوم هو اللهو واللذة والمتعة وقد أصبحت هذه معايير نموذجية لنمط الحياة الثقافية المعاصرة. وعنا يتساءل عبد الخالق عبد الله حول الهوية التي تعد بها العولمة معلنا بأنه إنها هوية استهلاكية مسطحة لا عمق فيها ولا معنى. إنها ثقافة السلعة والتسويق والربح، إنها توحد شباب العالم على قيم الاستهلاك واللذة، إنها ثقافة الأزياء، والمأكولات، و”البيتزا”، والمياه الغازية، والأفلام الإباحية، وأغاني “مادونا”، و”مايكل جاكسون”، وملابس الجينز، وماركات “كلفن كلاين”، و”بينيتون”، و”التيتانك”، وحرب النجوم”([20]).
لقد “أصبح المشروع الثقافي الغربي رهين الإمبراطوريات السمعية والبصرية وسجين إرادتها؛واستطاعت هذه الإمبراطوريات بما تمتلك عليه من نفوذ وقوة وسلطة، أن تأسر البشر وتسحرهم عبر ” تكنولوجيا الإثارة والتشويق ” وأن تعمل بصورة مستمرة متواترة على وأد حاسة النقد لدى المتلقي الذي يجد نفسه في نهاية المطاف مروضا على قبول جميع القيم الاستهلاكية لثقافة العولمة دون اعتراض عقلي أو ممانعة نفسية “([21]). هذا التأثير الترويضي على خطورته يتضاءل أمام المخاطر التي تتمثل في قدرة هذه التكنولوجيا على محاصرة البشر في واقع افتراضي لا صلة له بالحياة أو مع الحياة. وبالتالي فإن هذا الواقع الافتراضي يضعنا أمام كابوس إنساني “يتحول فيه الإنسان إلى رأس تنمو منه مجموعة من الأطراف الضامرة، ويتغذى ويتحرك بواسطة الآلة، هذا إذا ما كان لا يزال بحاجة للحركة، إذ من الممكن أن يكون الواقع كله قد آل إلى افتراضي، كما يتصور فيلم الخيال العلمي ماتريكس (المصفوفة)([22]).
في العشرينات من القرن العشرين كانت ثقافة المتعة والاستهلاك ثقافة خاصة بفئة من أبناء الطبقة الاجتماعية الثرية في أمريكا، ولكنها اليوم تحولت إلى طابع ثقافي عام في مختلف مستويات الحياة الثقافية الجارية في مختلف المجتمعات المعاصرة. فما بعد الحداثة يمثل اليوم إمبراطورية القيم الأداتية، حيث تأخذ الأشياء قيمتها وفقا لمعيار الاستهلاك وتحقيق اللذة والمتعة. وهنا وفي دائرة هذه الثقافة الجديدة نجد معيارا واحدا قوامه أن قيمة كل الأشياء تنطوي في قابليتها للاستهلاك السريع وتوفير المتعة السريعة، وهذا المعيار ينسحب في جدواه على مختلف المظاهر بدءا من الكتب والأفلام والموسيقى مرورا بالعمل والإنتاج، وانتهاءً بكل مظاهر الحياة الثقافية ومستلزماتها. فالأشياء ومن أجل أن تكتسب قيمتها يجب أن تكون وفقا لمعايير الاستهلاك القائمة مثيرة ممتعة سريعة وافية وقتية وعابرة.
وعندما نركز اهتمامنا حول ما يجري حولنا سنجد حضورا صارخا لنزعة لذوية شبقية متقدمة تلهبها دورة إعلامية مسعورة دافعة إلى قيم الاستهلاك والمتعة والسطوة. وفي دائرة هذا الجنون الاستهلاكي والنزعة الرغبوية الشبقة يفقد كل نشاط أو فعل يعتمد على التأمل والتعقل والنظر والصبر والانتظار قيمته ودلالته ومعناه. وهذا يعني أن كل النشاطات الإنسانية التي لا ترتبط بالاستهلاك واللذة والسرعة تصبح مدعاة للسخرية والازدراء والاحتقار. وهذا الانحسار القيمي يشمل اليوم كل صيغ التربية التقليدية وكل معاني الثقافة التقليدية القائمة على معايير إنسانية سامية ومختلفة.
وفي هذا السياق يمكن القول بأن ثقافة العولمة بوصفها مرحلة ما بعد حداثية” تفيلق الفرد وتنظمه في طرازات ذوقية واستهلاكية وغذائية ورمزية وترتفع السلعة فيها من قيمة استعمالية إلى قيمة رمزية بحد ذاتها فتقتنى لأجلها. وبكلام آخر فإنها تكيف الفرد وفق نمط واحد وبعد واحد وتتغلغل صنمية السلعة إلى تلك المناطق من الخيال ولنفس التي اعتبرت دائما منذ الفلسفة الكلاسيكية الألمانية معقلا أخيرا يستحيل اختراقه على المنطق الأداتي لرأس المال “([23]). وهذا وتعتمد ثقافة العولمة ” إغراءات لا تقاوم تجعل البعض يتقبل بسهولة ضغط العولمة، أو يطالب من تلقاء نفسه بإحدى منافعها الظاهرة”([24]). ومثال ذلك إغراءات الحاسوب التي تتمثل في برامج وألعاب ومعلومات مذهلة للعقل الإنساني. وهناك تأثيرات الصوت والصورة والأنترنيت والأغاني والأفلام المدمجة التي تسحر العقل وتستلب لبّ الإنسان بما تمتلك عليه من قدرة وسحر وشاعرية وإبداع. وهناك التكنولوجيا المذهلة التي تخلب العقل وتستلب الوعي بما فيها من غرائب وعجائب وهلوسة وهذا عداك عن سحر الصورة التلفزيونية وقدرتها المدمرة للعقل في استهواء النفوس والقلوب وتشكيل الأذواق.
ثقافة الحياة: تقاطع العقل والوجدان.
ما الذي يعنيه مفهوم الثقافة بأبعاده الإنسانية؟ أي ثقافة الأنسنة والتجاوز أو الثقافة الغائية (ضد أداتيه)، إنها تعني وكما أشرنا أعلاه عملية تحول ذاتي للحياة وهي حركة لا تنقطع ولا تتوقف عن تغيير ذاتها، وذلك من أجل الوصول إلى صيغ أكثر تقدما من صيغ الوجود والتكيف. والثقافة وفقا لهذا التصور لا يمكنها أن تختزل إلى أبعادها المعرفية الموضوعية فحسب. إنها تتجلى في كل الصيغ عبر تحولاتها الداخلية لتتجلى في الوجدان الذاتي الأعمق لكل فرد في المجتمع، ولتأخذ حضورها المميز في ذكائه ووعيه. والسؤال هنا ما المشترك بين قراءة كتاب يصدمنا ويهز ذكاءنا وقلوبنا، وبين البهجة التي يضفيها سماع عمل موسيقي، أو بين فرحة الرسم وتصوير الروح الإنسانية في هيئة أو شكل؟ إن الرابط الجوهري بين هذه المظاهر والفعاليات ليس شيئا آخر غير الشعور الخلاق بالحياة الإنسانية في أعمق أعماقها وفي صلب ذاتيتها.
إذ لا يوجد هناك فصل حقيقي بين الثقافة الغائية (بمعناها الغائي الكانطي) والحياة، فالحياة تتجلى وتتكامل في الثقافة وكذلك هي الثقافة لا يمكن أن تتجلى إلا في صورة الحياة في أعمق معانيها ودلالاتها. وعندما تكون الحياة حركة لا انقطاع فيها، عندما تكون ذاتية التحول والتكامل فإنها هي الثقافة ذاتها. وهذا يعني بالضرورة أن أي نفي ممكن للثقافة الحقّة يعني في الوقت نفسه نفيا للحياة ذاتها. فالطالب أو التلميذ الذي يبني تجربته المؤلمة عبر دراسته، ويستطيع مواجهة الصعوبات التي تعترضه في سبيل التحصيل، يمكنه أن يحقق امتلاكا حقيقيا للمعرفة العلمية التي تلقاها. ومع ذلك فإن الطالب يشعر بأنه غريب على المعلومات التي يتلقاها وهو يعيش حالة ضجر رافضا ما يتلقاها خارجيا، حيث يتوجب عليه أن يستظهر أمورا غريبة عنه. فالمعلومات ليست معرفة حقيقية لأنها تفتقر إلى العناصر الذاتية الواعية، والمعرفة هي غذاء حقيقي للذكاء عندما يستطيع الطفل أو الطالب أن يدمجها في ذاته ويتفاعل معها وجدانيا لتصبح جزءا حقيقيا من تكوينه الإنساني وهويته، وهذا يعني أنه عندما يستطيع أن يجعلها جزءا من حياته الخاصة: أي عندما يفهمها ويدركها بصورة حقيقية. وهذا يعني أن ما نفهمه وما ندركه بعمق يصبح جزءا من شخصيتنا ومن تكويننا الإنساني.
فالعلوم الحديثة تنطلق من مبدأ الفصل بين الذاتي والموضوعي، وفي سياق ذلك يتم التأكيد على الجوانب الموضوعية وإقصاء الجوانب الذاتية للمعرفة. وتعمل هذه العلوم على فهم العالم من خلال الحقائق الرياضية التي تسمح بعملية القياس والتحديد. إن التطور التقني الخالص للعلوم منقطعا عن الثقافة الإنسانية يؤثر بالتأكيد في التعليم المدرسي والجامعي، فالطلاب لا يستطيعون فهم هذا التطور نفسه وذلك لأن تطور المعرفة يأخذ طابعا مجزّأً مشتتا في غير ما سياق، وهذا يجعل هذه المعارف غامضة وغير واضحة المعالم. وهي في أفضل حالاتها غامضة ومنقطعة الصلة عن سياق الحياة ومتطلباتها. فالثقافة هي عطاء ذاتي للحياة، وهي في الوقت نفسه تُجدد فهمها لذاتها وتطور صيرورات تفاعلها مع الواقع الإنساني في دورة التواصل مع متطلبات العقل والوجدان. وبالتالي فإن العلم عندما يتنكر للثقافة فإنه يؤدي إلى تدمير الإحساس والذكاء. ووفقا لهذه الصورة فإن المعرفة العلمية (الأداتية) المنقطعة عن أصولها الثقافية تؤدي إلى الغموض والتصلب والجمود. وهنا يمكن القول بأن أية معرفة تنفصل عن الحياة تفقد قيمتها الإنسانية، لأن المعرفة التي ترتبط بالحياة والقيم هي وحدها المعرفة التي تحمل معنى ودلالة.
هذه هي الحالة المعقدة والمحيرة لعصرنا اليوم حيث يتم تعطيل الدلالات الثقافية. إنه العصر الذي يتم فيه تغييب الرؤى الشمولية والكلية للحياة، عصر التجزؤ والانشطار في مختلف المجالات، ولاسيما في المجالات المعرفية، إنه عصر الفصل بين الحقول المعرفية وبين مستويات التفكير الاتصالي، بل هو عصر الفوضى الفكرية حيث لا توجد أية مصادر حقيقية لتنمية الذكاء والفهم العميق للإنسان المعاصر: إنه عصر البربرية الجديدة. والبربرية لا تكون هي الأصل والبداية، بل تأتي انعكاسا لوضعية ثقافية تسبقها بالضرورة دائما. فالبربرية دمار لما هو قائم وليست بداية. وعلى خلاف ذلك فإن الثقافة هي حالة أولى بالضرورة، وهنا يمكن القول أيضا أن الأفعال المتوحشة في الحياة الاجتماعية هي صيغ وأنماط ثقافية محددة ومعينة.
والسؤال هنا ما طبيعة البربرية التي نعيشها اليوم وكيف يمكننا التأثير عليها ومحاصرتها؟ وإذا كانت الثقافة وثيقة الصلة بالحياة وفقا للدلالة التي تكون فيها الثقافة تعبيرا عن فرح الحياة وبهجتها عبر الحس والذكاء، فما هي القوة التي تصدر عن الحياة والتي تؤدي إلى البربرية؟ فهل يمكن القول هنا بأن البربرية طاقة إنسانية غير مستثمرة؟ وعلى خلاف ذلك يمكن القول بأن كل ثقافة هي عملية تحرير للطاقة، وبالتالي فإن كل الصيغ التي توظفها هذه الثقافة تجسد صورا وتجليات محددة لهذا التحرير. وبالتالي فإن عدم قدرة الثقافة على تحقيق نفسها بوصفها تحرير وعدم قدرتها على توليد الطاقة الحيوية لهذا التحرير ينقلب على الثقافة ذاتها ويؤدي إلى ولادة صيغ التدمير الذاتي في داخل الثقافة عينها.
الثقافة العربية بين المطرقة والسندان.
تواجه المجتمعات الإنسانية ثقافة اغترابية استلابية مدمرة تستهدف ثقافاتها المحلية والتقليدية. وقد بلغ هذا الاختراق الثقافي مداه في عالمنا العربي حيث تدفع الإنسان العربي إلى مزيد من الهامشية والدونية والانحدار. ومع دورة هذا الامتداد المدمر لثقافة الاغتراب يجد الإنسان العربي المعاصر نفسه في حصار القهر الثقافي والتشيؤ والابتذال والضياع والانحدار والعطالة والجمود الوجداني.
وإذا كان الإنسان الغربي في حقيقة الأمر يعيش ثقافة اغترابية واحدة هي ثقافة الحداثة العولمة وما بعدها فإن الإنسان العربي يعيش في ظل ثقافتين اغترابيتين حيث يجد نفسه بين مطرقة ثقافة الحداثة وسندان الثقافة التقليدية التي تشكل بدورها ثقبا أسود يلف ويدمر كل المعاني النبيلة في الإنسان. فالثقافة التقليدية العربية السائدة (أشدد على السائدة) كانت وما زالت نموذجا فريدا لثقافة التخلف بكل ما تعنيه هذه الثقافة من قدرة على مصادرة الوعي والحرية والكرامة. وغالبا ما وصفت هذه الثقافة بأنها ثقافة الطاعة والاستسلام والانصياع والغيبية والإتكالية والقدرية، إنها كل ما حملنا إياه ماضي الظلام من خرافات وأوهام وتعصب وفئوية وعنصرية، إنها ثقافة الموت والعدم والإفناء، والتسلط والعدوان والقهر والمصادرة وتغييب كل القيم الديمقراطية والإنسانية في الإنسان.
ثقافتنا التقليدية تتصف بالعجز وتضع الإنسان العربي في حالة سلبية دائمة وغيبوبة نقدية فائقة الوصف إنها ثقافة اغترابية بامتياز حيث يتميز الإنسان العربي المعاصر بالسلبية والدونية والعجز والتواكل والانغلاق والتعصب، وقد لا نبالغ في القول بأننا تحولنا إلى مومياء إنسانية في ظل الثقافة التقليدية التي تجرد الإنسان من قدرته على الانطلاق. والدليل القاطع على هذا الموات الروحي الذي نعيشه اليوم يتمثل في مواقف الشعوب العربية إزاء قضاياها ومصيرها الإنساني حيث نجد الإنسان العربي غير قادر على المبادرة أبدا: دمر العراق وأبيدت مقومات وجوده فلن نسمع صرخة عربية واحدة تدين الموت والقتل! وها هو اليوم كما الحال بالأمس يقتل الشعب الفلسطيني ويتعرض للإفناء، وتدمر كل القيم الإنسانية في أرض القداسة في فلسطين، فلا تهتز شعرة في جفن الشعوب العربية ولا يختلج لها الوجدان وذلك بدءا من محيطها وانتهاء بخليجها، لأنها في حالة خدر اغترابي مذهل الحدود وفي حالة موات قصية الأبعاد، لأنها في حصار الكفن الاغترابي لا حول لها ولا قوة. لقد أصبح الشعب العربي إزاء قضاياه المصيرية أشبه بالقطعان التي تغمض العين وتشيح بالوجه عندما تشاهد الخطر وهي تشعر بأن لا حول لها ولا قوة.
في ثقافتنا التقليدية ما زالت قضايانا الكبرى تتمثل في أضغاث أمور الحياة وصغائرها وفي هذا دليل كبير على حالة اغتراب ثقافية مذهلة. وكم هي كثيرة مشاهد البؤس في حياتنا الثقافية المثيرة، فلطالما أطلقت الفتاوى وأقيمت الندوات وعقدت الحلقات التي تجمع بين بعض المثقفين في بلادنا وحملة الألقاب العلمية في مواسم ثقافي مهيبة لمعالجة قضايا ساذجة لا معنى فيها ولا دلالة، وهل هناك من مجال للمقارنة بين ندواتنا والندوات العلمية التي نجدها في الغرب، حول الثورات الرقمية، والجينات، والشيفرات الوراثية، وغزو الفضاء وتدجين الإنسان، واختراق الزمن، وقضايا النسبية، وابتلاع الضوء، والدورات الفلكية، وامتداد الكون؛ وقابلية الكون للفناء!! أين هذه من ندواتنا الحامية حول دخول الحمام، وملاعب الشيطان، وتفسير الأحلام، والقراءة في الفنجان، وشهادة المرأة والصبيان، وقضايا الزواج من الأنس والجان.
حال الثقافة التقليدية بمعناها الاستلابي لا يختلف كثيرا عن حال ثقافة العولمة، فكلاهما ينهل من معين القهر ويسعى إلى تفريغ الإنسان من معانيه الإنسانية ومن مضامينه الأخلاقية، كلتاهما تعمل على تخدير الإنسان وتحويله إلى وثن بل إلى شيطان، كلتاهما تعملان على تعليب العقل وتدمير ملكة النقد وإسقاط الحس الجمالي والانحدار بالإنسان. والإنسان العربي المعاصر الذي يعيش في دائرة هذه التقاطع المرعب لثقافتين مدمرتين يتحول إلى كيان موميائي اغتراب لا حول له ولا قوة، إنه يعيش تضاعيف اغتراب تتكامل فيه العناصر الاستلابية والقيم الاغترابية للثقافتين التقليدية والحداثية. وغالبا ما تمتلك هذه القيم الاستلابية على قوة جذب وتدمير، فهي أشبه ما تكون بالثقوب السوداء المدمرة التي تعتصر نفسها وتلف ما يقع في طريقها بصورة أسطورية، إنها ثقوب ثقافية سوداء تبتلع الضوء والزمن وتلفّ أبعاد المكان والزمان، وتحول إلى الإنسان في النهاية إلى مضغوطات استهلاكية فاقدة للمعنى والدلالة.
وما يزيد القهر قهرا والاغتراب اغترابا أن ثقافة العولمة التي تصول وتجول في عالمنا العربي ليست عربية الصنع أو إسلامية الهوية والهوى، بل هي ثقافة الآخر التي تداهمنا وتداهم وجودنا الإنساني لتحطم أركانه. وهكذا يقع الإنسان فريسة ثقافة الآخر المدمرة ثقافة التشيؤ والاستهلاك التي فرضت عليه من عالم مختلف المعاني والدلالات. وقد يبدو هذا التصور مأساويا، ولكنها حقيقة التطور ذاته، حيث أصبح الإنسان العربي لا يستطيع اليوم الانفصال عن النتائج المدمرة لثورات الآخر الهائلة التكنولوجية والرقمية والافتراضية. وبالتالي فإن “مأزق ثقافات العالم اليوم كما يقول وجيه قانصو ” لم تعد قادرة على الصمود أمام عقلانية غربية تكتسح وتبتلع كل ما حولها دون أن تميتها، أي عقلانية تقتحم الحدود دون تصريح وتحدث خللا في التوازن النفسي والاجتماعي، لقد وقعت جميع الحضارات داخل عنق الزجاجة، فلا هي قادرة على إغلاق نوافذها أو صمّ آذانها على ما يحصل في العالم، ولا هي قادرة بتكوينها التاريخي ومعادلتها الفكرية أن تستمر وتقاوم وتستمر” ([25]).
وفي هذا السياق يرى بنجامين باربر في كتابه ” الجهاد ضد السوق الكونية” بأن الآثار التفكيكية للسوق الكونية ستؤدي إلى مضاعفات وردود فعل عنيفة في داخل كل ثقافة، ومن ثم يؤكد أن قيم السوق الكونية العالمية سوف تنتصر في نهاية المطاف على الذين يتصدون لمقاومتها. حيث يقول: ” إنني أتنبأ بأن المقاومة ستهزم في النهاية (إن لم يكن في أي وقت قريب) أمام السوق الكونية. وهذا التنبؤ يستند كلية تقريبا إلى القدرة الهائلة للثقافة الكونية على التغلب على كل ما يجابهها من ضيق الأفق الفكري ومحاولات الإبقاء على الكيانات الصغيرة. وهذا حتى الآن ما نراه أمام العين وما يقع أمام البصر، ففي ظل آليات الهيمنة العالمية تحولت الثقافة الاستهلاكية إلى آلية فاعلة لوضع الإنسان العربي في دائرة الاغتراب، ومن ثم تعليب قناعاته الوطنية والأيديولوجية والأخلاقية والدينية. وهكذا لعبت الثقافة العالمية الجديدة دورا كبيرا في تدمير البنى التقليدية للمجتمعات العربية وحولت الإنسان إلى قيمة استهلاكية.
فالثقافة الكونية تزحف وتدمر، وهي في زحفها هذا استطاعت ” أن تربك المنظومة التقليدية وتدخل الفزع حيث أفقدت المواطن العربي الثوابت الثقافية التي يبني بواسطتها هويته، وذلك لأن الهوية تحتاج إلى مرجعيات ثقافية وقيمية واضحة وثابتة يعتمدها الفرد لبناء شخصيته([26]). ” فالاغتراب والفردية والمادية والاستهلاك أصبحت سمات سائدة في مجتمعاتنا العربية، حيث تحولت الثقافة العربية إلى ثقافة سوقية من نوع جديد، وأصبح كل شيء يخضع لقانون العرض والطلب، وكل شيء يمكن أن يباع ويشترى “حتى روح الإنسان نفسه““([27]). إنها ثقافة العولمة التي توصف بأنها عملية غسيل حقيقية للأدمغة على حدّ تعبير عبد الخالق عبد الله ؛ وهي كما أشار “مارتن وولف” في الحقيقة تقتلع الإنسان وتدمر أعماقه الإنسانية حيث يحاصر الفرد ويشعر بأنه أسير أفكار معلومة وقيم مرسومة، إنه طريد عالم غريب عليه يفيض عليه شعورا بالغربة والانسلاخ، أو العداء والعدوانية على كل هذا الصخب العالمي الوافد ([28]). نعم هي الصورة قاتمة جدا فيما يتعلق بفعلها الاغترابي، فالثقافة الإنسانية الغائية التي يريدها كانط وطاغور وابن عربي والجاحظ وابن طفيل والحلاج غائبة والمعري والمتنبي غائبة غائبة، والإنسان العربي إن استطاع أن يفك ارتباطه بالثقافة التقليدية فإنه سيسقط في أوحال الثقافة الغربية ثقافة العولمة والميديا إنه سجين المحبسين محبس الثقافة التقليدية برواسبها القاتلة ومحبس الثقافة الغربية المعاصرة بانتهاكاتها الانسانية.
وأخيرا لن تنزلق مقالتنا هذه إلى تقديم الوصفة المعهودة لأسئلة التقدم والتجاوز، ومنها أسئلة عديدة أهما: كيف يتمّ تجاوز ثقافتي الاغتراب والاستلاب والتشيؤ والضياع في عالمنا العربي؟ ما استراتيجيات العمل والفعل في اتجاه بناء الإنسانية في الإنسان بعيدا عن كل أشكال القهر؟ وتلك هي أسئلة المحال؟ والإجابة عنها غالبا ما تكون في تضاريس الصراع الإنساني نفسه من أجل الحق والخير والعدالة الإنسانية. وحسبنا في هذه المقالة أننا أضأنا شمعة صغيرة بين ملايين الشموع تضيء أوجاعنا المرعبة في حالك الظلام. فالاغتراب اليوم هو قضية إنسانية شاملة تغرق الكون بشعوبه وأعراقه وأجناسه. وإذا كان من قول في النهاية فإن الإنسانية لن تألو جهدا في سبيل الحق والحرية والجمال، والنضال الإنساني لم يتوقف يوما ولن يقف اليوم فالنضال من أجل ثقافة التجاوز كان وما زال همسة الإنسانية عبر الزمان والمكان. ونحن في عالمنا العربي لشدّ ما نحتاج فيه إلى حالة تنوير تدفعنا إلى دائرة النور بعيدا عن دائرة الاغتراب الظلام. وسيستمر النضال الإنساني وسيبقى في مواجهة جحافل الظلام، ومما لا شك فيه أن الإنسانية تبدع وستبدع أساليب نضالية جديدة، وتحاول وستحاول دائما العمل على تحصين ما بقي من إنسانية الإنسان وكرامته.
مراجع المقالة :
[1] Sigmund FREUD, Moïse et le monothéisme, traduit par Anne Berman, Paris. Gallimard. P 75.
[2]) علي وطفة، المظاهر الاغترابية في الشخصية العربية: بحث في إشكالية القمع التربوي، عالم الفكر الكويتية، المجلد 72، العدد الثاني، أكتوبر/ديسمبر، 1998، صص 241-281.
[3]) علي وطفة، الخلفيات التربوية المبكرة للاغتراب النفسي والعاطفي، التربية القطرية، السنة 28/ عدد 31، ديسمبر 2000، صص 108- 118.
[4] – Henri Lefebvre, peur connaitre la pensée de kart Marx, Paris, Bordas, 1948, P 119.
[5]) انظر: حسن محمد حسن حماد، الاغتراب عند إيريك فروم، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1995.
[6]) مجاهد عبد المنعم، في الفلسفة المعاصرة، سعد الدين للطباعة والنشر، ط1، بيروت، 1984، (ص14).
[7]) أريك فروم، ثورة الأمل، ترجمة ذوقان قرقوط، دار الآداب، بيروت، (ص150)
[8]) محمد جواد رضا، أزمات الحقيقة والحرية والضرورة، الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، سلسلة الدراسات العلمية والموسمية المتخصصة، العدد 22، يناير، الكويت 1991، ص27.
[9]) علي وطفة، المظاهر الاجتماعية للاغتراب الإنساني، مجلة المعلومات (مركز المعلومات القومي)، العدد 43، نيسان 1996.
[10]) Kant , critique de la raison pratique trad. J.Giblin. Paris , 1965.
[11]) – محمد بو بكري: التربية والحرية، من أجل رؤية فلسفية، الفعل البداغوجي، افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1997، ص38.
[12]() مجدي عزيز إبراهيم، المنهج التربوي العالمي، أسس تصميم منهج تربوي في ضوء التنوع الثقافي، مكتبة الأنجلو مصرية القاهرة 2001، ص 232.
[13])عبد القادر القادري:حقوق الإنسان: الخطاب والممارسة، الوحدة، ضمن المجلس القومي للثقافة العربية: حقوق الإنسان في الوطن العربي العددان 63-64، ديسمبر/يناير، 1990، صص(28-34)، ص29.
[14]) – فؤاد زكريا :خطاب إلى العقل العربي، العربي، الكتاب السابع عشر، الكويت 1987.ص19.
[15]) – فؤاد زكريا :خطاب إلى العقل العربي، المرجع السابق ،ص19.
[16]) – علي وطفة، علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصرة، دار الفلاح، الكويت، 1999.
[17] – Regarde: E. B. Tylor, La Civilisation primitive (Primitive Culture ), 2 vol., Paris, 1876
[18]) عبد الله أبو راشد، العولمة: إشكالية المصطلح ودلالته في الأدبيات المعاصرة، معلومات دولية، العدد 58، خريف 1998، صص 19-25، ص 23.
[19] – Hannah Arendt, La Condition de l’homme moderne, Broché – 15 octobre 2002.
[20]) عبد الخالق عبد الله، عبد الخالق عبد الله، العولمة جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها، عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ديسمبر 1999. صص 79-80.
[21]) عبد الإله بلقزيز، في البدء كانت الثقافة، دار إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1998، ص121.
[22]) – كفاح الفني، طفل الفضاء الافتراضي وهمهمات في أذن المستقبل ،التكنولوجيا أداة لصياغة الهوية في بعد معرفي تحرري، مركز القطان، موقع إليكتروني. http://www.qattanfoundation.org/pdf/1564_24.doc.
[23]) محمد جمال باروت، الدولة والنهضة والحداثة، مراجعات نقدية، دار الحوار، اللاذقية، ط1، 2000، ص 129.
[24]) عبد الله الخياري، التعليم وتحديات العولمة، فكر ونقد، عدد 12، السنة الثانية، أكتوبر، 1998، صص 45-82،ص 45.
[25]- وجيه قانصو، عولمة الحضارات وحضارة العولمة، المنطلق الجديد، العدد الثالث، صيف- خريف 2001، صص 77-102، ص 92.
[26])- أحمد شبشوب، التحولات الاجتماعية وبناء الهوية لدى الشباب التونسي المتمدرس، فكر ونقد، عدد 12، أكتوبر، 1998، صص 74-78، ص74.
[27]) – جلال أمين، ماذا حدث للمصريين؟ تطور المجتمع المصري في نصف قرن 1945-1995، القاهرة: دار الهلال، 1998، ص 283.
[28]) – عبد الخالق عبد الله،العولمة جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها، عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ديسمبر 1999. صص 79-80.
|