ينعقد هذه ألأيام المؤتمر الدولي حول المناخ في العاصمة القطرية الدوحة ، بهدف التوصل الى اتفاقية جديدة ، تحل محل بروتوكول "كيوتو" حول المناخ والذي سينتهي العمل به في بداية العام القادم . ومن أهم القضايا الطروحة للبحث ، على جدول اعمال هذا المؤتمر الهام ، هو التوصل الى تفاهمات قانونية وأدبية تكون ملزمة لجميع دول العالم دون إستثناء وخاصة الدول الصناعية الكبرى ، التي تعتبر المصدر الرئيسي للأنبعاثات الغازية الدفيئة ، وخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون ، بهدف الحد من حجم تلك الغازات ومخاطرها على البيئة بمجملها وعلى طبقة ألأوزون بشكل خاص ، وما أصبح يرتبط بذلك من تأثيرات مناخية مدمرة لمستقبل وحياة البشرية ، هذا بألأضافة الى توسيع سبل المساهمة العلمية والمالية في البحث وتطوير مصادر الطاقة البديلة المتجددة .
يأمل الجميع تحقيق خطوات عملية وملموسة ، لتدارك اتساع مخاطر ظاهرة التغيير المناخي ، وتوحيد العمل والجهود في التوصل الى اتفاقية جديدة ملزمة للجميع ، تساعد في تحديد حجم الغازات المنبعثة الى المستوى المقبول الذي يمكن تجنيب العالم مخاطر الدمار البيئي المرتبط بهذه الظاهرة .
إلا ان هذا ألأمل مشوب بالتشاؤم والحذر الكبير ، في ظل المواقف المتحفظة من بعض الدول الغنية والصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ألأمريكية والصين ودول اوروبية وأسيوية أخرى ، بسبب مصالحها وسياساتها ألأقتصادية والصناعية . ولهذا ستبقى مخاطر التغيير المناخي تتهدد الدول النامية وخاصة الفقيرة منها ومن ضمنها بالطبع غالبية الدول العربية التي تواجه بألأساس مشاكل الجفاف ونقص المياه وتردي متزايد في النظام البيئي ، وقد شهدت المنطقة العربية خلال السنوات العشرة الماضية تغييرا كبيرا في انماط الهطول المطري وتراجع كبير في معدلاته مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة والمناخ الجاف ، وهو ما يعني ان ظاهرة التأثيرات المناخية قد وصلت الى المنطقة العربية وهي موجودة ، وفي تزايد سنة بعد سنة .
رغم ان المنطقة العربية لا تساهم بشكل مؤثر في ظاهرة إنبعثات ما يعرف بغازات الدفيئة ، إلا ان الدلائل العلمية تشير الى ان هذه المنطقة غير محمية من ألأثار السلبية والضارة للمتغيرات المناخية الناتجة عن هذه الظاهرة البيئية المدمرة ، خاصة ما يخص الموارد المائية العذبة المتجددة والمحدودة اساسا في كافة الدول العربية وفي مقدمتها الأراضي الفلسطينية .
وتعتبر ظاهرة التغيرات المناخية من اكبر وأخطر القضايا والتحديات البيئية والطبيعية التي اصبحت ابعادها ومخاطرها تشكل تهديدا حقيقيا ، لكافة دول العالم ومن ضمنها دول المنطقة العربية ، حيث اصبحت تهديدات هذه الظاهرة تطال معظم قطاعات التنمية الرئيسية ، في كافة جوانبها ألأقتصادية وألأجتماعية والبيئية والصحية ، وهي تحديات كبيرة وخطيرة تضاف الى التحديات والمشاكل البيئية وألأقتصادية القائمة والمتفاقمة التي تواجهها معظم الدول العربية في سعيها الى تحقيق ألأهداف ألأنمائية المستدامة ، والى تحقيق ألأمن المائي وألأمن الغذائي بالتوازي مع الحفاظ على الشروط ألأيكولوجية والبيئية .
وقد تشمل التأثيرات المناخية اتساع مناطق التصحر والجفاف وتدهور في نوعية ألأراضي ، وتراجع كبير في ألأنتاج الزراعي ، قد يصل الى 60% بالتوازي مع تغيير كبير في انماط ومعدلات الهطول المطري قد يتجاوز النصف في بداية العام 2020 ، ألأمر الذي يهدد ألأمن المائي والأمن الغذائي معا ، ويزيد الى حد كبير كما اشرنا في تفاقم حدة ازمات ومشاكل نقص المياه القائمة ، التي تواجه العديد من دول المنطقة العربية وفي طليعتها دائما الأراضي الفلسطينية ، وقد تصل ألأمور الى أزمات عطش ومجاعة في عدة دول عربية ، خاصة الدول التي تعتمد بشكل كبير على ألأنتاج الزراعي .
إن أهم المساعى لقادة العالم اللين شاركوا في قمة الأرض التي عقدت في البرازيل عام 2011 ، في البرازيل هو حث جميع دول العالم من اجل تحقيق التنمية المستدامة ، من خلال التعاون والعمل المشترك في مواجهة التهديدات الناشئة عن ظاهرة التغيرات المناخية والتلوث الناتج عن النشاطات الصناعية المتزايدة ، للوصول الى ما سمي بألأقتصاد ألأخضر أي ألأقتصاد غير المرتبط بالتلوث البيئي ، والقضاء على الفقر وتعزيز ألأطر المؤسسية المستدامة .
ظاهرة التغيرات المناخية هي ظاهرة إضافية ناتجة عن النشاطات البشرية وخاصة النشاطات الصناعية التي تقوم بها معظم دول العالم المتطورة والنامية ، وهذه التأثيرات تضاف الى التاثيرات الطبيعية التي اصبحت بمجموعها تشكل تهديدا خطيرا للغلاف الجوي لكوكب ألأرض ، وتعتبر الدول النامية والفقيرة ألأكثر تضررا بظاهرة التأثيرات المناخية نظرا لما تتسببه من أثار سلبية مباشرة على المناخ وإرتفاع درجة الحرارة وعلى مواسم الأمطار ومصادر المياه الشحيحة أصلا في غالبية تلك البلدان وبالتالي تلحق أضرارا بالغة في القطاع الزراعي وألأنتاج الغذائي لشعوب تلك الدول الفقيرة ، التي يعتمد سكانها على الزراعة .
ويطلق كما هو معروف على الغازات المنبعثة من النشاطات الصناعية بالغازات الدفيئة وهي المتسببة لظاهرة ألأنحباس الحراري ، وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج بالدرجة ألأولى عن إحتراق الوقود ألأحفوري ، ويقدر حجم هذا الغاز المنبعث من المصانع الى الطبقات العليا من الجو بأكثر من 6 بليون طن سنويا ، بألأضافة الى غاز الميتان وألأوزون وغيرهما ، ومن المتوقع ان تزداد وتتسع ابعاد وتأثيرات هذه الظاهرة في المستقبل مع إزدياد التوسع الصناعي للدول المتقدمة والنامية على السواء في حالة لم تتخذ إجرارات رادعة وقوية للحد من المخاطر التي تتهدد كامل نظام الغلاف الجوي .
هناك محاولات وجهود كبيرة تقوم بها ألأمم المتحدة ومؤسساتها المعنية ، بالتعاون مع كبرى الدول المتقدمة والصناعية ، في هذا الشأن الهام ، وقد دفعت هذه الجهود العديد من الحكومات لأعطاء هذا الموضوع حقه من ألأهتمام ألأول ، وذلك من خلال عقد المؤتمرات والندوات وتشجيع البحوث العلمية ، ونشر التوعية ، وإتخاذ ألأجراءات القانونية للحد من التوسع في أبعاد هذه الظاهرة ، رغم ان بعض الدول الكبرى لا زالت تتحفظ بشدة على بعض تلك الجوانب ألأجرائية القانونية المتعلقة بأنبعاثات الغازات الدفيئة ، من تلك الدول، الولايات المتحدة ألأمريكية والصين .
وفي هذا ألأتجاه يعمل العلماء والباحثون على بناء مفاهيم علمية متطورة تساعد على ضبط المعايير ألملزمة لظاهرة إنبعاث الغزات الدفييئة بما يسمح للنظم ألأيكولوجية ان تتكيف مع ظاهرة التغيير المناخي في أقل الخسائر الممكنة للبيئة وبالتالي لبرامج التنمية المستدامة وخاصة ما يتعلق بتجنيب الزراعة وألأنتاج الغذائي اضرار جسيمة ، وفي نفس الوقت عدم إتخاذ قرارات يكون من شأنها شل او وقف ألأنشطة الصناعية الحيوية التي قد تؤثر عملية توقفها على تحقيق التمية المستدامة .
التأثيرات المباشر للتغيرات المناخية تشمل العديد من المجالات وقطاعات التنمية بأشكالها وأنواعها ولكن طبيعة تلك التأثيرات تختلف من بلد الى أخر ، فبعض المناطق والبلدان اصبحت تشهد فياضانات وعواصف وأعاصير كبيرة وتلوث للبيئة وتقدم وزحف لمياه البحار والمحيطات الى مناطق الساحل والشواطيء السياحية ، كما هو الحال في العديد من دول اوروبا وكندا وامريكا وغيرها من مناطق شمال الكرة الأرضية ، والبعض ألأخر تشهد إرتفاعا كبيرا في معدل درجات الحرارة قد يصل في بعضها الى 5.8 درجات ، ومواسم جفاف وانحباس شديد ومتكرر لمياه ألأمطار، ودمار للزراعة وتراجع خطير في مساحات الغابات والمراعي الخضراء والغطاء النياتي بشكل عام وإتساع مناطق التصحر وإنتشار ألأمراض الوبائية مثل مرض الكوليرا وغيرها ، كما هو الحال في المناطق ألأستوائية ومناطق اسيا وإفريقيا وبما في ذلك مناطق الشرق ألأوسط وخاصة المناطق العربية .
التأثيرات المناخية على الموارد المائية في ألأراضي الفلسطينية :
اهم التأيرات المباشرة للتغيرات المناخية على برامج وخطط التنمية المستدامة في ألأراضي الفلسطينية (وخاصة على برامج وخطط الدولة الفلسطينية القادمة) تتعلق بالجوانب التالية :
• إرتفاع كبير نسبيا في درجات الحرارة قد يتراوح بين 1.8 وحتى 2.2 درجة مئوية ، وهومعدل عالي جدا ، قد يترتب عنه اضرار بيئية كبيرة .
• بالتوازي مع إرتفاع في درجات الحرارة ستنخفض معدلات الأمطار بنسبة تتراوح بين 6 % وحتى 12% ، وإحتمال كبير في إزدياد شدة ألهطول المطري وتغير في فتراته الزمنية الى مستويات اقل بكثير عن معدلاتها العامة ، علما بأن معدل الأمطار في الضفة الغربية قد سجل خلال السنوات العشرة الماضية تراجعا بنسبة تجاوزت 28% عن معدلها الوسطي ، وفي غزة سجل معدل التراجع للأمطار نسبة 32% وهذه مؤشرات تكفي لدق ناقوس الخطر.
• نتيجة للتغيرات المناخية وخاصة ما يرتبط بظاهرة إرتفاع درجات الحرارة وإنحباس ألأمطار ، فأن أضرارا كبيرة ستلحق بالنظام الهيدرولوجي المتعلق بالجريان السطحي والتغذية الجوفية للأحواض المائية.
• كما ستتراجع مساحة الغطاء النباتي كما اشرنا وتتسع مناطق التصحر وتزداد معدلات التبخر والنتح كما سيتضاعف الجريان السطحي عبر السيول وألأودية المتجهة الى داخل الخط ألأخضر ، وتتشكل تيارات قوية من الفياضانات العارمة التي ستلحق ألأضرار الكبيرة بالزراعة والمباني والمنشاءات الموجودة في طريقها وكذلك ستتراجع معدلات التغذية الجوفية بشكل كبير .
• مع الزيادة في درجات الحرارة ستواجه الأراضي الفلسطينية كذلك تغيير وتذبذب في معدلات درجات الحرارة خلال السنة ،ستكون معدلات التذبذب مختلفة عن النمط الحراري السابق ، قد تكون إنعكاسات سلبية على مجمل النظام المناخي .
• التغيرات المناخية ، ستحدث زيادة نسبية كبيرة في تعدد وتكرار دورات مواسم الجفاف ، وطول أوقاتها.
• وبالتالي ستشهد ألأراضي الفلسطينية نقصا شديدا في موارد المياه والمزيد من الأتساع في الفجوة القائمة لحجم العجز الكبير في المياه ، ستزداد معه حدة أزمات العطش والجفاف القائمة في كافة مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة .
• دمار للأراضي الزراعية المروية والبعلية ، وبالتالي دمار لأكبر وأهم القطاعات التنموية للأقتصاد الوطني الفلسطيني ، وهو ما يعني فشل مسبق لأي خطط وبرامج للتمية المستدامة ، في حالة عدم وجود الحلول والمعالجات المسبقة والمبكرة كحلول بدائل المياه غير التقليدية .
• كما سيتأثر قطاع غزة مباشرة بالتغيرات المناخية بأتساع مناطق التلوث والملوحة وإرتفاع وزيادة معدلات تركيزها في المياه الجوفية ، كما سيشهد القطاع اضرار بيئية وصحية ، نتيجة لمجمل التغيرات في العوامل الهيدرولوجية والمناخية .
• إرتفاع منسوب البحر على إمتداد شاطيء قطاع غزة ، تدريجيا بمعدل 20سم الى100 سم ، الأمر الذي قد يعرض بيئة الشاطيء والبنية التحتية القريبة منه الى اضرار مستقبلية جسيمة .
• إحتمال زيادة معدل الغازات الدفيئة وخاصة منها غاز ثاني أوكسيد الكربون في مناطق الغلاف الجوي القريبة في القطاع ، نتيجة للكثافة العالية للسكان ، وما يرتبط بذلك من توسع إجباري في مختلف النشاطات الصناعية مستقبلا .
يعاني الفلسطينييون بألأساس من أزمة مياه خانقة متفاقمة وفي حالة اتساع وزيادة التغيرات المناخية على الموارد المائية في غياب وتعطيل الحلول السياسية لمسألة الحقوق المائية الفلسطينية ،فأن ألوضع المائي في ألأراضي الفلسطينية سيزداد سوءا وتردي مع اتساع التأثير المباشر للتغيرات الكمناخية .
يقدر حجم كميات المياه المتاحة حاليا لآغراض الشرب والمنزل والصناعة معا في كافة مناطق الضفة الغربية بحوالي 88.6 مليون متر مكعب ، من هذه الكميات حوالي 39 مليون متر مكعب في السنة يتم الحصول عليها من أبار مياه الشرب التي تمتلكها سلطة المياه الفلسطينية ودائرة مياه الضفة الغربية وبعض البلديات ومصالح المياه، وحوالي 1.8 مليون متر مكعب في السنة ، يتم شراءها من أصحاب بعض الأبار الزراعية في بعض البلدات والقرى ، وحوالي 4.4 مليون متر مكعب في السنة ، تأتي من تصريف بعض الينابيع والعيون المتبقية ، اي ان إجمالي ما هو متاح للفلسطينيين من أبارهم وينابيعهم من المياه لأستخدامات الشرب والمنزل لم يعد يتجاوز 43.2 مليون متر مكعب في السنة ، اما باقي الكميات وهي حوالي 45.4 ، فيتم كما هو معروف شراءها من ألأسرائيليين من خلال نظام التزود بالمياه الخاص بشركة المياه ألأسرائيلية "ميكوروت" وبأسعار تتراوح بين 3.5 ولغاية 4.5 شيكل للمتر المكعب الواحد .
ونظرا لقدم وإهتراء أجزاء كبيرة من شبكات توزيع المياه ، ولأسباب أخرى عديدة ، منها فنية تتعلق بحالات ألأعطال والخراب التي تتعرض له أنظمة شبكات توزيع المياه وعدادات المياه ، والتعديات والسرقات التي تحصل دائما على انظمة التزود بالمياه وغير ذلك ، فأن معدل نسبة الفاقد من المياه المنتجة في الضفة الغربية لا يقل عن 38 % ، وهي نسبة عالية جدا مقارنة بحجم ألأنتاج والتزود المتاح ، لذلك ووفق ألأرقام أعلاه فأن معدل ما يصل فعليا للفرد الواحد من كميات المياه المتاحة من جميع المصادر أي بما في ذلك المياه المنتجة ذاتيا والمياه المشتراه من ألأسرائيليين ، لا يتجاوز 23 متر مكعب في السنة أي بمعدل لا يتجاوز 62 ليتر للفرد في اليوم ، وهو ما يمثل 50 % من الحد ألأدنى لأحتياجات الأنسان اليومية للمياه وفق معايير منظمة الصحة العالمية وهو 120 ليتر للفرد في اليوم .
مع التذكير هنا الى ان العديد من التجمعات السكانية في مناطق عديدة من الضفة الغربية إما محرومة من خدمات التزود بمياه الشرب ولا تتوفر لديها مصادر مياه ولا شبكات للتزود وتوزيع المياه وتعتمد على شراء المياه من باعة الصهاريج المنقولة وهي مياه غير مراقبة وغير آمنة وأثمانها عالية جدا مرهقة للمواطن ، او ان تلك التجمعات تمتلك الخدمات ولكن كميات المياه تصلها شحيحة جدا لا تكفي لسد الرمق ، او ان المياه لا تصل الى تلك التجمعات نهائيا ولأشهر عديدة خاصة خلال فصل الصيف ، وتشمل هذه المناطق بعض القرى وبعض البلدات وألأحياء في بعض المدن الكبرى.
وفي حال قرر ألأسرائيليون وقف تزويد الفلسطينيين بالكميات المبينة أعلاه ، لأي سبب كان فأن نصيب الفرد سيتراجع الى اقل من 12 متر مكعب في السنة اي ما يعادل 32 ليتر في اليوم ، اي ان الفلسطينيين سيواجهون أزمة عطش حقيقية ، مدمرة وخانقة جدا ، لا يمكن تحملها .
علما بأن تصريف الينابيع وألأنتاج الفعلي للعديد من ألأبار الزراعية ، يشهد تراجعا مستمرا سنة بعد سنة ، نتيجة للتغيرات المناخية ولحالات ألضغط القصوي التي تتعرض له أحواض المياه الجوفية بالتوازي مع النمو السكاني والتوسع الحضري وبالتالي زيادة الطلب على المياه ، بمعني ان فرضية جفاف الينابيع والعيون ومعظم ألأبار الزراعية وهي في غالبيتها أبار سطحية ، أصبحت تشكل هاجسا كبيرا ومخيفا ، لحياة ومستقبل الفلسطينيين ، وهي لا محال واقعة وهي مسألة وقت ليس إلا ، وقد تجف خلال سنوات معدودة ، وكما يعرف الجميع فقد تراجع معدل تصريف غالبية الينابع خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية بنسبة تزيد على 65 % وهو مؤشر خطير، ومن ضمن تلك الينابيع مجموعة الفارعة والعوجة وفصايل وهي ينابيع رئيسية معروفة تاريخيا بغزارة مياهها ، كما ان المئات من ألأبار الزرعية قد جفت تماما وأغلقت. اما ابار مياه الشرب فهي ألأخرى تواجه ظاهرة خطيرة تتمثل في تراجع مستوى سطح المياه ، بسبب السحب الزائد وتراجع كميات ألأمطار وظاهرة التغيير المناخي ، وقد يؤثر هذا ألأمر على سلامة تلك ألأبار وإنخفاض إنتاجيتها الى أكثر من النصف او توقفها كليا عن أالعمل ، وهو امر حاصل لا محالة ، لأسباب هيدروليكية وهيدروجيولوجية ، وقد سجل خلال السنوات الخمسة عشرة الماضية هبوط كبير في مستوى سطح المياه ، تجاوز العشرين مترفي عدة ابار في حوض بطن الغول جنوب شرق بيت لحم ، وكذلك في ابار مجموعة عين سامية شرق رام الله وأيضا في ابار نابلس . ويخشى ان يفقد الفلسطينيون السيطرة على وضعية العديد من ألأبار مستقبلا في حالة إستمرار هبوط مستوى سطح المياه على النحو الحاصل ، وإحتمال توقفها عن العمل بشكل كامل .
بناء على ما تقدم فأن تحديات كبيرة وحقيقية تتهدد كافة برامج وخطط التنمية الفلسطينية المستدامة ، وخاصة تلك المرتبطة بموارد المياه ومنها السياحة والصناعة والزراعة والبيئة والصحة العامة وغير ذلك ، ولن يكون بمقدور الفلسطينيين تحقيق التنمية المستدامة في حالة إستمرار إتساع فجوة العجز الكبير في مصادر المياه ، في ظل التهديدات المناخية القائمة والمتزايدة سنة بعد سنة .
الوضع المائي في الأراضي الفلسطينية حرج للغاية ويتتطلب اتخاذ قرارات شجاعة وحاسمة حيث لم يعد من الممكن التاجيل وألأنتظار ، وقد أصبح الوضع المائي مهدد بالمزيد من التردي والدمار في الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء وكما أشرنا وأكدنا في العديد من المناسبات بأن لا حدود للمياه ، وبأن الفلسطينيين يشاركون الأسرائيليين في كامل النظام ألأيكولوجي والهيدرولوجي وبأن التعاون الفني في مجال المياه هو أمر إجباري وليس إختياري للطرفين ، وبأن الحفاظ على البيئة المائية وحماية مصادر المياه العذبة وتوفير ألأحتياجات المائية لكل فرد هي مسؤولية مشتركة وفائدة مشتركة .
وبعيدا عن السياسة والمفاهيم السياسية ، وضمن كافة ألأعتبارات والحقائق العلمية والفنية المرتبطة بألأوضاع المائية الفلسطينسة ، ولطبيعة الشراكة الطبيعية في أحواض ومجاري المياه الجوفية منها والسطحية وفي محيط البئية المائية ، فأن كل المعطيات المرتبطة بتلك الحقائق ، تلزم الطرفان بالتعاون الفني المشترك المبني على اساس المسؤولية المشتركة والفائدة المشتركة كما اسلفنا وعلى إحترام كل طرف لحقوق الطرف ألأخر، معززا بمبدأي حسن النوايا وحسن الجوار .
على الفلسطينيين ان يتجاوزوا المعيقات السياسية وان يطالبوا الجانب ألأسرائيلي بالشروع في مناقشة قضايا المياه ، للوصول بأسرع ما يمكن الى اتفاق نهائي يتم بموجبه تحديد حقوق وحصة كل طرف في ألأحواض المائية المشتركة ، بما في ذلك حوض نهر ألأردن ، وبالتوازي مع مناقشة قضايا الحقوق والحصص ، يضع الطرفان خطة عمل للتعاون الفني في مجال تطوير مصادر مياه غير تقليدية إضافية لصالح الطرفين ، منها وأهمها مشاريع تحلية مياه البحر للضفة وغزة على السواء ، على ان يكون الحرص الكامل لدى الطرفان بأن لا تعيق عملية المحادثات والتفاوض حل قضايا الحقوق ، مسألة التعاون الفني والعمل المشترك ، لمواجهة مخاطر نقص المياه ومواجهة مخاطر التغييرات المناخية على المدى القريب والبعيد.
ألتأثيرات المناخية على الموارد المائية في المنطقة العربية :
يواجه العالم العربى كارثة جفاف شديدة تحدق بمستقبل بقاء الامة العربية واجيالها. وتشكل مشكلة نقص
المياه اهمية كبرى وخطورة حقيقية تتصدر قائمة التحديات الكبرى وتتجاوز طبيعتها وابعادها القدرات التنموية المتاحة، ما لم تتوفر العلاجات السريعة والصحيحة القائمة على قواعد وأسس التخطيط السليم لتحقيق متطلبات ألأستدامة وألأمن ألمائي لكل دولة من دول المنطقة العربية .
معظم الدول العربية تعانى من ندرة المياه وتعتمد بنسبة 65% على الموارد المائية من خارج حدودها، كما بلغ عدد الدول العربية التى تقع تحت خط الفقر المائى 19 دولة منذ بداية العام الحالى نتيجة لازدياد عدد السكان وقلة نصيب الفرد من الموارد المائية عن ألف متر مكعب، وهو المعدل الذى حددته الأمم المتحدة لقياس مستوى الفقر المائى للدول. كما بلغ عدد السكان العرب المحرومين من خدمات مياه الشرب النقية بنحو 65 مليون نسمة يضاف إليهم 110 مليون نسمة أخرى محرومون من خدمات الصرف الصحي.
تقع معظم الدول العربية تحت خط الفقر المائي، وتعتبر حصة الفرد من المياه اقل المعدلات في العالم. ففى عام 1960 كانت حصة الفرد فى المنطقة العربية من المياه العذبة المتجددة والمتاحة للأستخدامات المختلفة تزيد على معدل 4000 متر مكعب سنوياً، أما اليوم فحصة الفرد لا تتجاوز 350 متراً مكعباً فى السنة، وهى أدنى كمية متوافرة للفرد عالميا وينتظر أن تصل هذه النسبة إلى اقل من 200 مترامكعبا فى بداية العام 2015 ، بمعنى أن معظم الدول العربية وربما جميعها اصبحت تحت خط الفقر المائي وهذا يعنى أن هناك أزمة مياه عميقة وشديدة الخطورة تتجه الى كارثة حتمية ستواجه غالبية الدول العربية إن لم تكن جميعها .
90% من المناطق العربية تصنف بأنها مناطق صحراوية قاحلة وتتميز بموارد مائية منخفضة ومحدودة وتبخر مرتفع تصل نسبتة الى 88% ، وتعرف الموارد المائية الاجمالية العذبة والمتجددة ، بأنها حاصل مجموع المياه الجوفية المتجددة والموارد المائية السطحية الداخلية والموارد المائية السطحية الخارجية أي التي تأتي من خارج حدود ألأقليم.. ويقدر حجم مصادر المياه العذبة والمتجددة أي المياه الطبيعية التقليدية في كامل المنطقة العربية بحوالي 338 بليون متر مكعب سنويا ، 65% منها تأتي من خارج الحدود ، وتتراوح معدلات ألأمطار بين 18 مليمتر في السنة في مصر ودول الخليج العربي الى 800 مليمتر في لبنان أي بمعدل متوسط 156 مليمتر في السنة للمنطقة العربية، علما بأن 50% من ألأمطار تسقط فوق السودان .
ألطلب على المياه في تزايد كبير نتيجة للنمو السكاني وإتساع المناطق الحضرية والتطور الصناعي وما شابه ذلك ، ويقدر حجم ألأحتياجات المائية حاليا بحوالي 270 بليون متر مكعب أي ما يقارب 79% من إجمالي المياه المتاحة ، علما بأن حجم المياه غير التقليدية المستخدمة والمنتجة من محطات التحلية ومياه الصرف الصحي المعالجة والمعاد إستعمالها بألأضافة الى المياه الجوفية الضاربة الى الملوحة وصلت الى حوالي 42 بليون متر مكعب، وإذا أخذنا بعين ألأعتبار مخاطر إتساع الملوحة العالية للمياه الجوفية بسبب عمليات الضخ الزائد وتقدم مياه البحر والتلوث الزراعي والصناعي مما أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لمصادر المياه الجوفية العذبة وخزاناتها الجوفية ، ندرك من خلال ذلك طبيعة وحجم التحديات التي اصبحت تواجه المنطقة العربية وشعوبها وتشكل خطرا حقيقيا في حدوث الكارثة الكبرى بتحول معظم المناطق العربية الى مناطق صحراوية قاحلة، ستكون كافة مصادرها المائية مالحة اوملوثة ... عندها ستكون الحياة فيها صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة فلا حياة في أراض لا ماء فيها .
لدى العراق والسودان ومصر أعلى موارد مائية سنوية بين البلدان العربية، مقدرة على التوالى 75و65 و58 بليون متر مكعب فى السنة إذ ان أكثر من 50 فى المئة من الموارد السطحية هى خارجية، مما يولد مزيداً من الضغوط على وضعها المائى. وتبين أن الجزائر ولبنان وموريتانيا والمغرب والصومال وسورية وتونس واليمن تأتى فى المرتبة الثانية من مجموع الموارد المائية، وهى بين 8 بلايين و30 بليون متر مكعب فى السنة ولدى بقية البلدان العربية موارد مائية تقل عن 5 بلايين متر مكعب في السنة
على رغم أن مجموع الموارد المائية الجوفية السنوية فى المنطقة العربية يبلغ حوالى 35 بليون متر مكعب فإن أكثر من 50 فى المئة من المياه فى شبه الجزيرة العربية هى مياه جوفية ، ونتيجة لعدم وجود انهار في معظم الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي فأن احواض المياه تعتبر المصدر الرئيسي والوحيد للمياه العذبة والمتجددة ، ونتيجة للضغط والسحب الزائد من الأحواض الجوفية فأن نسبة عالية جدا من مناطق تلك الأحواض قد وصلت الى حالة من ألأستنزاف القصوي والملوحة العالية والتلوث العضوي وغير العضوي وبالتالي فأن إحتمال حدوث الدمار الكامل للطبقات الصخرية الحاملة للمياه الجوفية لم تعد مستبعدة ، وقد تكون مسألة وقت قريب وليس بالبعيد...
لهذا لا نبالغ اذ قلنا اننا قد دخلنا في مرحلة الخطر الحقيقي وان العالم العربي اصبح يعيش كارثة جفاف شديدة تحدق بمستقبل بقاء الامة العربية واجيالها وكل وجه من وجوه الحياة ، وتشكل مشكلة نقص المياه اهمية كبرى وخطورة حقيقية تتجاوز طبيعتها وابعادها عن أى مشكلة أخرى،ما لم تتوفر العلاجات السريعة، مما يجعلها تأتى فى سلم اولويات المشاغل.
وتواجه جميع البلدان العربية وضعاً مايئاً هشاً، ماعدا العراق الذى لديه حصة مائية تزيد على 2900 متر مكعب للفرد فى السنة. ولبنان وسورية يواجهان حالياً إجهاداً مائيا يقل عن ً900متر مكعب للفرد فى السنة فيما تواجه بقية البلدان العربية شحاً مائياً(أقل من 120متر مكعب للفرد فى السنة).
تهدد الوضع المائى فى المنطقة العربية ضغوط بيئية وإجتماعية وإقتصادية وتلاحظ تأثيرات سلبية كثيرة لتغير المناخ على نظم المياه العذبه وفق دراسات حديثة ، هذه التأثيرات ناتجة أساساً من زيادات ملحوظة ومتوقعة فى تقلب درجات الحرارة والتبخر ومستوى البحر والتساقطات.
وسوف تواجه مناطق جافة وشبه جافة كثيرة إنخفاضاً فى الموارد المائية نتيجة تغير المناخ. ومع نهاية القرن الحادى والعشرين يتوقع أن يزداد تدفق الأنهار الواقعة فى مناطق مرتفعة، بينما يميل التدفق من الأنهار الكبرى فى الشرق الأوسط وأوربا وأمريكا الوسطى إلى الإنخفاض، لكن مقدار التغير غير محقق إلى حد بعيد. وعلاوة على ذلك، وسوف يوسع إرتفاع مستوى البحر مساحة المياه الجوفية المالحة، ما يؤدى إلى إنخفاض فى توافر المياه العذبة للبشر والنظم الايكولويجية فى المناطق الساحلية. وأضافة إلى ذلك ، سوف تنخفض إلى حد بعيد القدرة على سد النقص فى المياه الجوفية فى بعض المناطق التى تعانى أصلاً من إجهاد مائى.
التوقعات المتعلقة بتغير المناخ:
وفق الاتجاهات السريعة الحالية للزيادة السكانية،أظهرت أن الجزائر وتونس ومصر والمغرب وسورية وألأردن وألأراضي الفلسطينية تشهد نقصاً حاداً قي الموارد المائية، والعراق وحده قد يكون فى وضع أفضل نسبياً وتقليدياً، هناك إعتماد كبير على المياه السطحية والجوفية فى جميع بلدان المنطقة، حيث يستهلك 60 الى 90% من مصادر المياه فى الزراعة، ويزداد الطلب على المياه فى كافة بلدان المنطقة، فيما تنخفض الإمدادات المائية بشكل مطرد .
ويتفاقم نقص الموارد المائية نتيجة عوامل تتعلق بإمكانية الوصول إلى المياه وتأتى نوعية وأوضاع مجمعات المياه والبنية التحتية والسياسة والنزاعات فى رأس قائمة أولويات استراتيجيات تأمين الوصول إلى المياه فى المنطقة. وحالياً تتأثر نوعية الموارد المائية فى المنطقة العربية بالتلوث والتوسع المدينى والفيضانات والاستخدام المفرط للموارد المائية. ويتوقع أن يزيد تغير المناخ مستويات ملوحة البحيرات والمياه الجوفية نتيجة إزدياد درجة الحرارة.
وعلاوة على ذلك، أدى ارتفاع تركيزات الملوثات فى الأنهار إلى ازدياد تلوث المياه الجوفية، ويتوقع أن يزداد ارتشاح الكيماويات الزراعية إلى المياه الجوفية نتيجة تغيرات فى جريان مياه الأمطار التى تغذى المجمعات المائية. وتواجه مجمعات المياه حالياً جفافاً متكرراً تصحبه حالات هطول مطرى غزير مفاجىء تتسبب بانجراف ترابى خطير وعمليات تصحر. وفى ظروف التغير المناخى سوف يشتد تدهور مجمعات المياه وعمليات التصحر.
يتوقع حصول تأثيرات من المرتبة الأولى لتغير المناخ على النظم المائية المتوسطية، مثل فصول شتاء أكثر رطوبة وفصول صيف أكثر جفافاً ، وفصول صيف أكثر حرارة وموجات حر، وأحداث مناخية أكثر تقلباً وتطرفا ، هذه التأثيرات قد تحدث زيادة فى التبخر من الاجسام المائية والأتربة الطبيعية والاصطناعية، مما يخفض الامدادات المائية المتوفرة.
معدل البخر/ النتح من المحاصيل والنباتات الطبيعية. وقد أجريت عدة دراسات من قبل باحثين مصريين لتقصى تأثير التغيرات المناخية فى النتح، على أساس تغيرات فى درجات حرارة الهواء وفق سيناريوهات مختلفة. وأشارت الدراسة إلى أن التغيرات المناخية فى المستقبل ستزيد الطلبات المحتملة على الرى فى مصر بنسبة 6 إلى 16 فى المئة نتيجة الزيادة فى النتج مع نهاية القرن الحادى والعشرين.
تأثير الجفاف :
الجفاف من الكوارث الخطيرة المتعلق بالمياه والتى تهدد المنطقة العربية بالمقاييس الزمنية الحالية والمسقبلية ،من الناحية المناخية، يمكن تعريف الجفاف بأنه "انخفاض موقت فى توافر المياه أوالرطوبة أدنى كثيراً من الكمية المعتادة أو المتوقعة لفترة محددة. أما من الناحية المائية، فالجفاف هو"فترة من الطقس الجاف على نحو غير معتاد تمتد وقتاً كافياً لكى يسبب انعدام التساقطات خللاً مائياً خطيراً،ما يحمل دلالة على حدوث نقص فى الرطوبة فى ما يتعلق بإستعمال الانسان للمياه
تؤثر موجات الجفاف فى الانتاج الزراعى الذى يروى مطرياً وفى الامدادات المائية لأغراض منزلية وصناعية وزراعية. وقد عانت بعض المناطق شبه الجافة وشبه الرطبة فى العالم من موجات جفاف أكثر شدة وتستمر سنوات عدة، ما سلط الضوء على إمكانية تعرض هذه المناطق لمزيد من حالات الجفاف المتوقعة فى المستقبل نتيجة التغير المناخى.
لقد ازداد تكرار الجفاف خلال السنوات العشرين إلى األأربعين الأخيرة فى المغرب وتونس والجزائر وسورية. وتغير فى المغرب من سنة جفاف فى فترة 5 سنوات قبل العام 1990 إلى سنة جفاف سنتين. وفى لبنان، حدث تغير فى أوضاع نقص المياه من حيث توافر الموارد المائية فى العقد الأخير.
وفي بلدان المغرب العربي، حدثت عشر سنوات جفاف خلال العقدين الأخرين من أصل 22 سنة جفاف فى القرن العشرين، وقد أشتملت على سنوات الجفاف المتتالية الثلاث وهى 1999 و2000 و2001. كما أن الجفاف حدث متكرر فى الشرق شهد نواقص مائية مزمنة وعانى من نواقص حادة منذ ستينات القرن العشرين. وكانت موجات الجفاف الأخيرة فى سوريا أسوأ ما تم تسجيله خلال عقود.
إن مناخناً أدفأ، مع ما يرافقه من تقلب مناخى متزايد، سوف يزيد خطر حدوث فيضانات وموجات جفاف ويحتمل أن تزداد المناطق المتأثرة بالجفاف، كما يحتمل أن تزداد حالات التساقط المطري، من حيث التكرار والشدة، وسوف يتفاقم خطر حدوث فيضانات وستكون هناك الفيضانات وموجات الجفاف ويشكل نقص المياه العائق الرئيسى فى معظم بلدان المنطقة، وتشير الدراسة محاكاة أجرتها الهئية الحكومية المشتركة لتغير المناخ إلى أن شح المياه قد يتفاقم إلى حد بعيد نتيجة تغيرات الأنماط المناخية فى المستقبل..
كما تسببت مواسم الجفاف المتكررة منذ العام 1980 وحتى الوقت الحالي بتراجع كبير وخطير في مستوى المياه الجوفية في الأراضي الفلسطينية وفي ألأردن وسوريا ، مما أدى إلى جفاف عدد كبير جدا من الينابيع الهامة ومن ألأبار الزراعية في مناطق الضفة الغربية وفي مناطق غور ألأردن والشونة وسهول حوران، وهو مؤشر خطير ينذر بفقدان مصادر المياه الجوفية التي تتغذى منها تلك الينابيع وألأبار..وهذه كارثة حقيقية خاصة بالنسبة للفلسطينيين حيث تعتبر المياه الجوفية المصدر الوحيد المتاح لهم في الضفة الغربية وقطاع غزة على السواء
وبالتالى فأن الوضع المائي صعب للغاية حيث لم تعد الموارد المائية المتاحة تكفي لتلبية ادنى متطلبات الحياة اليومية من المياه لدى معظم دول المنطقة العربية ،
ويتوقع تقرير صادر عن البنك الدولى أن يشهد مؤشر حصة الفرد مزيداً من الانخفاض إلى حوالى 65 مترا مكعبا عام 2025، وان المنطقة ستعانى من عجزا مائيا يصل الى 300 بليون متر مكعب بحلول عام 2030، مع العلم أن عددا من دول المنطقة دخل فعليًا فى مرحلة الندرة الشديدة، كما هو الحال فى اليمن والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة وغيرها
وأشارت دراسات حديثة للأمم المتحدة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجى تحتل مراكز متقدمة من بين عشرين دولة -معظمها من الدول العربية- تعانى من نقص مزمن فى المياه
وتشير هذه الدراسات إلى أن كمية المياه المستخدمة سنويًا من مختلف المصادر فى دول الخليج العربى فى تزايد مستمر؛ حيث تبلغ نسبتها للأغراض البشرية 17 بالمائة و7 بالمائة للأغراض الصناعية. ويزيد من حدة أزمة نقص المياه، التى يمكن أن تواجهها منطقة الخليج، أن تلك المنطقة تعانى من جفاف فى أغلب فصول السنة، ومن قلة وعدم انتظام تساقط الأمطار، وانخفاض المناسيب.
إن قضية المياه لها شق سياسى يتعلق بدول الجوار وخاصة تركيا وإسرائيل وبعض الدول الأفريقية. فإسرائيل تسيطر على الينابيع المتجددة فى الاراضى المحتلة والجولان وجنوب لبنان وهناك مخطط إسرائيلي لا زال قائما لسحب مياه نهر الليطانى وكذلك هناك أزمة مائية بين دول العراق وسوريا، وتركيا التى تسعى إلى استغلال مياه دجلة والفرات واستهلاك قدر أكبر من حصتها، من خلال تنفيذ مشروع "غاب" الذى يتضمن بناء 21 سداً سعة تخزينها حوالى 186 بليون متر مكعب وذلك على حساب حصة سوريا والعراق"
لقد أصبحت المياه قضية استراتيجية وأنها منذ القدم تشكل مصدرا من مصادر الصراع والنزاعات ومن بين هذه الصراعات إقامة حدود مائية تعتمد فى المقام الأول على الحد المائى وليس على الأرض، واستخدمت فى ذلك مختلف السبل ومنها احتلال الأرض وسحب المياه من أنهار اليرموك ونهر الأُردن وبحيرة طبريا كما أدخلت مياه نهر الليطانى فى حساباتها، واحتلت جنوب لبنان واستولت على أكثر من 1290 مليون متر مكعب من مياه حوض الأُردن والليطاني .
إن قضية المياه مازالت محل صراع بين دول المصب العربية ودول المنابع، وتلك الصراعات تهدد الدول العربية بالوقوع تحت خط الفقر المائى وذلك نتيجة لخضوعها لمحاولات الاستحواذ التركية والإسرائيلية، وهو ما يتطلب مزيدا من التعاون العربى وتكوين استراتيجية عربية للمياه
فتركيا ترفض الحديث عن حقوق مياه لجيرانها العرب سوريا والعراق وتعتبر ان كامل مياه النهرين الدوليين دجلة والفرات من حق تركيا وحدها بأعتبارها صاحبة المنابع لمعظم التصريف السنوي للنهرين ، وإن ما تقوم تركيا بتخصيصه لجيرانها العرب ليس إلا مكرمة وحسن جوار ، بمعنى ان إحتمالات وقف تقديم تلك المكرمة واردة في كل وقت بحكم ان تركيا لا تعترف بأية حقوق مائية للسوريين والعراقيين في مياه دجلة والفرات. كذلك ألأمر بالنسبة للمصريين ، حيث يجري في الخفاء تحريك دول أعالي حوض النيل وخاصة أثيوبيا وغيرها للمطالبة في إعادة التحصيص ، بمعنى تهديد قائم وصراع مستمر ودائم لمصر وأمنها المائي خاصة وأن مياه نهر النيل هي بمثابة شريان الحياة بالنسبة للمصريين . وعلى جبهة ساخنة ثالثة من جبهات الصراع على المياه ، تشكل عمليات السيطرة والنهب الأسرائيلي لمياه حوض نهر ألأردن وألأحواض الجوفية للضفة الغربية للأراضي الفلسطينية دوافع وأسباب قائمة لأندلاع حروب مياه جديدة في المنطقة ، في ظل التهديات الخطيرة التي تواجه الموارد المائية في المنطقة العربية وفي ظل رفض ألدول وألأطراف المجاورة للعرب ألأعتراف بحقوق ألمياه لأصحابها من الدول العربية المشاطئة.
ولعل ما يترافق من مشاكل تسهم فى تعميق الازمة هو عدد السكان مدفوعا بالمعدلات وتزايدهم بنسب نمو عالية تزيد عن باقى الامم على سطح الارض. فعدد السكان فى العالم العربى حوالى 388 مليون نسمة ونسبة النمو اكثر من 3% ومن غير المتوقع ان تحافظ هذه النسبة على مستواها بل ستزيد ومما سيترتب عليه زيادة عدد السكان الى حوالى الى 500 مليون نسمة عام 2020. ولا يجب ان ننسى ان نسب الوفيات منخفضة وان معدل متوسط العمر ارتفع الى حوالى 66 سنة بعد ان كان 45 فى عام 1960 مما سيسهم فى زيادة مضاعفة فى عدد السكان فى العالم العربى الذى يعتبر من الامم الناشئة لان نسبة جيل الشباب عالية جداً. وبالتالى فان زيادة السكان تعنى زيادة الطلب على الماء ومن المعروف ان الموارد المائية محدودة جداً وهى فى طريقها الى النضوب .
ومن العوامل الاخرى التى ستسهم فى تفاقم الكارثة، هو عدم الاكتراث الشامل، بكل مستوياته، فالحكومات قد تنفق الكثير من الأموال على شراء أسلحة او اقامة استثمارات غير موثوقة العائد الا انها تتجاهل الاستثمار فى توفير المياه، او فى البحث عن "مصادر بديلة" للمصادر التقليدية. والمواطن العادى لا يدرك خطورة هذه الازمة طالما انه يرى ان بامكانه ان يشرب ويغتسل وان الماء متوفر فى بيته ومكتبه وعمله، وبالتالى فلن يبالى فى هدره باستخدامه بشكل غير عقلاني .
والمشكلة هنا، فى واحد من أوجهها على الأقل، هى مشكلة ثقافة يومية يجب ان تتحمل الحكومات ومؤسساتها مسؤولية اعادة توجيهها للتنبيه الى خطورة ما سنؤول اليه، وما هو الثمن الذى سيدفعه ابناؤنا لقاء هدرنا لهذه الثروة.
ويقول خبراء انه لابد من خلق هذه الثقافة لتكون جزءا من يوميات الانسان العربى تسهم فى تطويرها المدارس والجامعات والبلديات والمراكز الاجتماعية وغيرها ليصبح الاقتصاد فى استخدام المياه عادة اجتماعية تدفع الى احترام الاشخاص الذين يوفرون فى استخدام واستهلاك الماء من جهة، وعدم تقبل الذين يهدرون الماء والعمل على ايقافهم عند حدهم من جهة أخري. كما أنه من الضرورى أن تقوم الحكومات العربية بإعادة النظر فى طرق استخدام المياه، خاصة فى الزراعة، التى تستهلك حوالى 87 فى المائة من المياه العذبة المتاحة؛ وذلك بغية ترشيد الاستعمالات، والحد من الهدر والتصحر والملوحة، ومن التلوث الذى يصل فى بعض الحالات إلى حوالى 50 فى المائة
ولابد ان تسعى الدول العربية الى تطوير وسائل الرى الزراعية لاستخدام تقنيات توفر هدر الماء فى اساليب الرى التقليدية بتبنى وسائل الرى بالتنقيط والرذاذ، والامتناع عن الزراعات التى تستهلك كميات كبيرة من الماء اذا امكن توفيرها من خلال الاستيراد بعد النظر الى سلم ومصفوفة الاولويات، اى معرفة ما اذا كانت تكلفة استخدام الماء لانتاج ذلك المحصول الزراعى اكبر من استيراده ام العكس؟ وهل الاهمية الاستراتيجية لهذا المحصول تستحق التضحية بالمياه المستهلكة لانتاجه؟ بناء على الجواب ربما يكون مفيدا اتخاذ قرارات بعدم زراعة بعض المحاصيل. ولا سيما ان استيراد بعض المحاصيل خير من استيراد المياه
وقد ادى النمو الاقتصادى وتحسين الحالة المعيشية الى زيادة استعمال المياه وحتى الافراط فى استعمالها وانعكس تأثيرها أكثر فى 70% من المناطق التى تعانى من مشاكل المياه. تستعمل فى الدول المتحضرة حوالى 70% من المياه فى مجال الزراعة وحوالى 20% للصناعة وحوالى 10% للحياة المنزلية، بينما تستعمل المياه فى دول الشرق الاوسط مابين 85% والى اكثر من 95% للزراعة من مجموع المياه الموجودة والباقى منها مابين 5% ـ 15% تستعمل لأغراض الصناعة والحياة المنزلية
ويقول خبراء انه لا بد من الاسراع باقامة محطات لتحلية مياه البحر والمياه غيرالعذبة لاستخدامها فى قطاعات الزراعة والصناعة على الاقل، بدلا من هدر الموارد المائية العذبة. ولا بد أيضا من الاسراع باقامة محطات تعتمد الطاقة النووية لتحلية المياه نظراً لرخص استخدامها على المدى الطويل ولاستقرار هذا المصدر للموارد المائية بشكل عام
وقدرت كلفة مشاريع التحلية من عام 2000 ولغاية 2010- بحوالي 11 مليار دولار على الأقل؛ حيث تبلغ فى السعودية 2.4مليار دولار، وفى الإمارات بنحو 2.3 مليار، فيما تتوزع المشاريع الباقية على كل من البحريين ومصر والكويت وعمان وقطر
ويدفع التفاقم المتسارع لمشكلة نقص المياه الى الاسراع الى تبنى استراتيجية وطنية تراعى معطيات هذه الازمة وتبحث سبل حلها من خلال اقامة مراكز للابحاث ومعاهد وكليات جامعية لدراستها والتنبؤ بمستقبل الاحتياطات المائية من خلال أبحاث ميدانية تتبنى حلولا ومقترحات تتناسب وحال كل دولة عربية على حدة، وتستشرف مستقبل الموارد المائية فى حال تم استخدام الوسائل الحديثة التى تبنتها الدول المتقدمة
الضرورة تتطلب ان ننظر بامعان لبرامج استخدام وتقنين المياه فى الدول الاوروبية التى تتعامل مع قضايا المياه بحذر بالرغم من كونها تعتبر من الدول الغنية بالموارد المائية الا انها مع ذلك تعقد المؤتمرات والندوات الدولية لمناقشة المخاطر الناجمة عن نقص المياه، وما هى المقترحات والبدائل المتاحة لمعالجتها؟ وكيف يمكن استخدام موارد مائية فى دول اخري؟ وهل من الضرورى عقد اتفاقات من الآن بخصوص توفير هذه الثروة المائية؟ ومتي..؟ واين..؟
ومن الواضح ان الدول ذات المياه الغزيرة تولى اهتماما كبيرا بالموارد المائية، وهى أقل حاجة لها، بينما لم يبدر الكثير من الاهتمام من الدول الفقرة بالموارد المائية بالرغم من انها تقف على اعتاب كارثة تصحر
وربما تراهن بعض الحكومات العربية على ما لديها من ثروات، الا ان اتجاه هذه الثروات المحتوم نحو النضوب يضاعف أهمية المياه ويجعل أهميتها الاستراتيجية أكثر خطورة بما لا يقاس مع أى خطر استراتيجى آخر.
وقد تجعلنا الحاجة الى المياه من بين افقر الدول فى العالم، لنكون "صومال" واسعة تنتظر المساعدات
كل المؤشرات تقول: اذا لم نتحرك الآن ونغير هذه المعطيات فاننا..."نعم" فأن كارثة الجفاف والعطش القاتل لا محال قادمةً.....
مما تقدم فأن العرب امام تحديات حقيقية كبيرة تتطلب بل تفرض اعتماد توجهات وسياسات جديدة تحسبا لكافة ألأحتمالات وخاصة ألأحتمالات ألأسوأ ، على إعتبار ان الدول الصناعية لن تحترم ولن تلتزم بأية إتفاقيات تتعلق بتخفيض نشاطاتها الصناعية التي تشكل مصدرا للأنبعاثات الغازية ، لأن ذلك سيلحق بها ضررا إقتصاديا ليس باليسير ، بمعنى ان مخاطر التغيير المناخي مستمرة ومتزايدة ، وعلى الدول العربية ان تسرع في إجراء الدراسات والبحوث العلمية الدقيقة حول ألأثار المترتبة عن ظاهرة التغير المناخي في كافة الجوانب وخاصة ما يخص الموارد المائية والجفاف والتصحر وألأعاصير وإرتفاع درجات الحرارة وغير ذلك .
كما ان على الدول العربية ان تعيد النظر في سياساتها وإستراتيجياتها المتعلقة بقطاع الموارد المائية ، ضمن مفاهيم جديدة تقوم على إعتبارات المقاييس العلمية لطبيعة وأبعاد ظاهرة التغير المناخي ، وإعتماد التكامل في التخطيط الشامل البعيد المدى مع الأدارة المثلى والحكيمة وبناء القدرات المؤسسية المتطورة في مواجهة التحديات الخطيرة التي وصلت اثارها الى المنطقة العربية واصبحت تدق ناقوس الخطر الكبير للجفاف والعطش والمجاعة .
دراسة قدمت للمؤتمر الدولي حول المناخ في قطر في 26-27/11/2012
fsmkawash@hotmail.com
|